(بيروت، 3 مايو/أيار 2023) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن على المملكة المتحدة ألا تُتَمِم "اتفاقية التجارة الحرة" مع دول "مجلس التعاون الخليجي" إلا إذا شملت الاتفاقية تحسينات ملموسة على صعيد حقوق العمل وغيرها من الحقوق، وتحديدا بالنسبة إلى العمال الوافدين. يتعيّن على المملكة المتحدة ودول مجلس التعاون إدراج شروط قوية بشأن حقوق الإنسان في أي اتفاقية مستقبلية وعدم إبرام الاتفاقية قبل وضع أسس تفصيلية للشفافية حول تدابير حماية الحقوق فيها.
في 23 مارس/آذار 2023، عُقدت في الرياض الجولة الثالثة من المفاوضات بشأن الاتفاقية بين المملكة المتحدة ومجلس التعاون الخليجي، وهو هيئة تنسيق اقتصادي وسياسي تضم الإمارات والبحرين والسعودية وعمان وقطر والكويت. من المفترض أن تجري جولة رابعة من هذه المفاوضات لاحقا هذا العام. لم تنشر المملكة المتحدة معلومات وافية حول الجدول الزمني للمحادثات ومضمونها، ولم تتعهد بشكل علني بتضمين تدابير تفصيلية لحماية الحقوق بالنسبة إلى دول مثل السعودية والإمارات، اللتين يعتبر سجلهما الحقوقي مزريا، تحديدا بشأن حقوق العمال الوافدين. تقاعست المملكة المتحدة نفسها عن حماية حقوق العمال الوافدين على أراضيها. عدم ضمان تحسينات ملموسة بشأن حقوق الإنسان، تحديدا حقوق العمال، قبل توقيع أي اتفاقية تجارة حرة يمكن أن يجعل المملكة المتحدة متواطئة في انتهاكات الحقوق في دول مجلس التعاون وخارجها.
قالت جوي شيا، باحثة السعودية والإمارات في هيومن رايتس ووتش: "تجري المفاوضات التجارية بين المملكة المتحدة والسعودية والإمارات وباقي دول مجلس التعاون دون أي إشارة إلى التزاماتها بتدابير حماية لحقوق الإنسان. تقيّد المملكة المتحدة بالفعل حقوق العمال لديها وتخاطر بالإسهام أكثر في الانتهاكات المتفشية ضد العمال الوافدين والمترسخة في اقتصادات دول مجلس التعاون".
قالت هيومن رايتس ووتش إن تقديم الحوافز لزيادة التجارة مع دول الخليج دون التأكد قبل ذلك من وجود تحسينات ومعايير حقوقية مهمة في أي اتفاقية قد يقوّض بشكل خطير الحقوق في الخليج كما وقدرة المملكة المتحدة على الوفاء بالتزاماتها.
وثّقت هيومن رايتس ووتش انتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان ضد العمال الوافدين في جميع دول مجلس التعاون الستّة. يربط نظام الكفالة المعتمد في المنطقة بأكملها، تأشيرات العمال الوافدين بأصحاب العمل، ما يجعلهم عرضة لانتهاكات الأجور، واستغلال أصحاب العمل، ويضعهم في مواقف قد ترقى إلى العمل القسري.
نظام الكفالة يربط إقامة العمال القانونية ووضعهم في البلد بأصحاب العمل، مما يجعل العمال معتمدون بالكامل على أصحاب العمل الذين غالبا ما يستغلون سلطتهم الواسعة. أقرّت بعض دول الخليج إصلاحات، لكنها ضعيفة أو غير مطبقة كما يجب، أو لم تحقق ما يكفي لتفكيك النظام بالنسبة لجميع العمال. يُمنع العمال الوافدون أيضا، في جميع دول الخليج، من ممارسة كامل حقوقهم بحرية تكوين الجمعيات والتفاوض الجماعي، ما يجعلهم غير قادرين على تعزيز حقوق العمل الأساسية أو الدفاع عنها. تشير أبحاث إلى أن نظام الكفالة في دول مجلس التعاون تُعزى نشأته إلى حد كبير إلى المملكة المتحدة خلال حقبة الانتداب في النصف الأول من القرن العشرين.
الانتهاكات الممنهجة لحقوق العمل هي في الواقع سياسة رسمية في دول الخليج، وهي مترسخة بشدة في اقتصادات المنطقة. من شأن زيادة حجم التجارة المرجوة من اتفاقية التجارة الحرة أن تُسهّل الانتهاكات. نوقِشت هذه الانتهاكات مطولا في ديسمبر/كانون الأول 2022 خلال تحقيق لـ"لجنة التجارة الدولية" في البرلمان البريطاني.
قبل توقيع أي اتفاق، يتعيّن على الحكومة البريطانية، أن تضمن اشتراط الاتفاق على جميع الأطراف معالجة هذه الانتهاكات وإدخال تحسينات تتضمن معايير واضحة، تحديدا فيما يخص حقوق العمال، وحرية التعبير والتجمع، وغيرها من الحقوق المتعلقة بقدرة العمال على المطالبة بتحسينات في ظروفهم.
ساهمت بعض قوانين الهجرة في المملكة المتحدة أيضا في أوضاع ترقى إلى العمل القسري في بريطانيا نفسها. ربطت المملكة المتحدة تأشيرة العمالة المنزلية الوافدة إليها، التي أُدخلت في 2012، تأشيرة العاملات المنزليات بصاحب العمل الذي يزور المملكة المتحدة. وجدت هيومن رايتس ووتش ومنظمات أخرى أن هذا الإجراء أدى إلى انتهاك حقوق العاملات المنزليات الوافدات، بما في ذلك إجبارهن على العمل القسري. يأتي الكثير من العاملات المنزليات الحاصلات على هذه التأشيرة، إلى المملكة المتحدة برفقة أصحاب عمل من دول الخليج.
قالت هيومن رايتس ووتش إن التغييرات التي أُجريت منذ ذلك الحين لم تكن كافية لحماية العاملات من العمل القسري. بحسب تقارير، ساهمت تأشيرة العمال الموسميين أيضا في العمل القسري. القوانين التي تقترحها الحكومة البريطانية والتي تقوّض الحق بطلب اللجوء، والإضراب، والتظاهر من شأنها أيضا أن تخل بالتزاماتها الدولية.
ينبغي لدول الخليج إلغاء نظام الكفالة كليا، وضمان تطبيق معايير العمل، وتعديل قانون العمل لضمان حق العمال في تكوين الجمعيات بحرية والتفاوض جماعيا والإضراب. يتعين على الدول إقرار ضمانات لحماية العمال الوافدين من الإجهاد الحراري، ووضع حد أدنى للأجور غير تمييزي لهؤلاء العمال، بما يشمل العاملات المنزليات، يسمح بمستوى معيشي لائق. على دول مجلس التعاون أيضا أن تطلب من المملكة المتحدة الوفاء بالتزاماتها في حماية حقوق العمال.
تملك المملكة المتحدة سجلا في تسهيل انتهاكات حقوق الإنسان في دول الخليج. باعت المملكة المتحدة أسلحة تقدر قيمتها بنحو 23 مليار جنيه استرليني للسعودية. وثّقت هيومن رايتس ووتش أيضا أن التحالف بقيادة السعودية والإمارات شن العديد من الغارات الجوية غير القانونية التي قتلت آلاف المدنيين خلال النزاع اليمني، ومنها باستخدام أسلحة بريطانية الصنع.
نشرت المملكة المتحدة وثيقتين فقط حول مفاوضات التجارة الحرة: تقرير حول مقاربة المملكة المتحدة الاستراتيجية وملحق تقني. لم يُنشر أي جدول زمني للمباحثات. لا يتضمن تقرير المقاربة الاستراتيجية أي التزام واضح بحقوق الإنسان، رغم وعود الحكومة البريطانية بألا "تكون الزيادة في التجارة على حساب حقوق الإنسان". يتوقع التقرير أيضا أن تؤدي اتفاقية التجارة الحرة إلى ارتفاع يتراوح بين 0.06% و0.11% في الناتج المحلي البريطاني بحلول 2035.
نشر "مرصد الأعمال وحقوق الإنسان"، وهو منظمة غير حكومية، مؤخرا أربعة اختبارات لمعايير حقوق الإنسان الأساسية خاصة بالاتفاقيات التجارية للملكة المتحدة وأفاد أن هذه الاتفاقيات يجب أن تتضمن شروطا قابلة للتنفيذ فيما يتعلق بحقوق الإنسان؛ وأن تخضع لتقييم مستقل لمخاطر الاتفاقيات على حقوق الإنسان والبيئة؛ وأن تتضمن التزامات قابلة للتنفيذ على صعيد حقوق الإنسان بالنسبة للمؤسسات والمستثمرين؛ وألا تتضمن تسوية منازعات بين الدول والمستثمرين.
ينبغي لجميع الأطراف في أي اتفاقية للتجارة الحرة المصادقة على جميع المعاهدات الأساسية للأمم المتحدة و"منظمة العمل الدولية" حول حقوق الإنسان، وتطبيقها بشكل هادف. لم يصادق سوى البحرين، والمملكة المتحدة وقطر والكويت على "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، و"العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية". انضمت عُمان إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في 2020. غير أن التطبيق والالتزام يغيبان حتى في هذه الدول. رفضت المملكة المتحدة تطبيق العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في قوانينها المحلية، أو منح ضحايا انتهاكات هذه الحقوق سبل انتصاف فعالة.
لم تصادق أي من دول مجلس التعاون الست أو المملكة المتحدة على "الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم". وحدهما الكويت والمملكة المتحدة صادقتا على اتفاقيات منظمة العمل الدولية بشأن "الحرية النقابية وحماية حق التنظيم النقابي"، و"حق التنظيم النقابي والمفاوضة الجماعية".
ينبغي لحكومة المملكة المتحدة أيضا المصادقة على "اتفاقية العمال المهاجرين". على المملكة المتحدة ضمان الإدماج الكامل للحقوق الواردة في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية واحترامها بشكل أكبر في قوانينها المحلية، بما في ذلك ضمان توفير سبيل انتصاف فعالة لأولئك الذين انتُهكت حقوقهم، وتصحيح المجالات التي تراجعت أو ضعفت فيها التزامها بمعايير حقوق الإنسان في السنوات الأخيرة.
قالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي أن يكون هناك تقييم مستقل لأثر الاتفاقية على حقوق الإنسان والبيئ قبل التوقيع عليها. ينبغي أن يُنظر أيضا في كيفية تأثير الاتفاقية على الأشخاص في دول الخليج والمملكة المتحدة، لا سيما الأشخاص المهمشين مثل النساء والعمال الوافدين والمثليين/ات ومزدوجي/ات التوجه الجنسي ومتغيري/ات النوع الاجتماعي والأطفال، وقدرة كل من المملكة المتحدة ودول الخليج على الوفاء بالتزاماتها في مجال حقوق الإنسان. ينبغي التشاور مع أصحاب المصلحة المعنيين أثناء التقييم، ولا سيما الأشخاص والمجموعات المهمشة.
ينبغي أن تتضمن الاتفاقية المستقبلية أيضا التزامات حقوقية قابلة للتنفيذ بالنسبة للشركات والمستثمرين.
قالت هيومن رايتس ووتش إن الفصلين المتعلقين بالتجارة والتنمية المستدامة ليسا كافيين لحماية الحقوق. ينشئ هذان الفصلان "مجموعات استشارية محلية"، وهي هيئة استشارية تُنشأ خصيصا وتتألف غالبا من منظمات المجتمع المدني المحلية وخبراء حقوقيين محليين، لمراقبة الامتثال لحقوق الإنسان في الاتفاقية، وتوثيق الانتهاكات، والضغط على الحكومة لمعالجة الانتهاكات.
لكن الاعتماد على المجموعات المحلية فقط لن يكون فعالا، نظرا إلى القمع الشديد في جميع أنحاء المنطقة، وتاريخ الأعمال الانتقامية ضد الجماعات المحلية والأفراد الذين يعبرون عن آرائهم بحرية. ينبغي أن تتضمن أي اتفاقية أحكاما تتعلق بالمراقبة الشفافة والمستقلة وإنفاذ أحكام حقوق الإنسان.
يتعين على المملكة المتحدة ضمان استبعاد أي تسوية للمنازعات بين المستثمرين والدول، التي تمنح المستثمرين الحق في مقاضاة الدول والتي قد تؤثر سلبا على حقوق الإنسان، من أي اتفاقية.
وثقت هيومن رايتس ووتش باستمرار القمع بلا هوادة لحقوق الإنسان في دول الخليج. يقوّض القمع الشديد والقوانين والسياسات التقييدية بشكل خطير حقوق المرأة ويُسهل العنف ضد النساء؛ ويؤدي إلى ممارسات تعسفية في مراكز الاحتجاز، بما في ذلك التعذيب وسوء المعاملة، والاحتجاز التعسفي المطول، ومصادرة الأصول دون أي إجراءات قانونية واضحة. يواصل هذا القمع الاتساع ويستمر التحالف بقيادة السعودية والإمارات في شن هجمات في اليمن في انتهاك واضح لقوانين الحرب.
قالت شيا: "حماسة المملكة المتحدة لتوقيع أكبر عدد ممكن من الاتفاقيات الثنائية بعد خروجها من ’الاتحاد الأوروبي‘ ينبغي ألا تكون على حساب حقوق الإنسان أو أن تؤدي إلى المزيد من انتهاكات هذه الحقوق. يتعيّن على الحكومة البريطانية أن تبرهن، من خلال المفاوضات مع مجلس التعاون الخليجي، أن حقوق الإنسان ليست مجرد كلام، بل قِيَم أساسية تقود السياسة التجارية للملكة المتحدة".