(بيروت) – البرلمان اللبناني اتخذ في 19 أكتوبر/تشرين الاول 2016 خطوة إيجابية لتحسين حالة حقوق الإنسان ووقف استخدام التعذيب في البلاد. نص القانون الجديد على إنشاء "الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان" (الهيئة)، التي ستضم لجنة للتحقيق في استخدام التعذيب وسوء المعاملة.
سترصد الهيئة حالة حقوق الإنسان في لبنان، وتتلقى شكاوى الانتهاكات، وستصدر التقارير والتوصيات الدورية. ستملك "لجنة الوقاية من التعذيب" آلية وقائية وطنية وسلطة إجراء زيارات مفاجئة منتظمة لجميع أماكن الاحتجاز، والتحقيق في استخدام التعذيب وإصدار توصيات لتحسين معاملة المحتجزين.
قالت لما فقيه، نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "اتخذ لبنان خطوة إيجابية، وإن تكن متأخرة، في تعزيز حقوق الإنسان والقضاء على استخدام التعذيب في البلاد عبر إنشاء هيئة حقوقية وطنية مستقلة وآلية للتحقيق في التعذيب. الآن، على السلطات المتابعة عبر تعيين خبراء مستقلين، وضمان تمكنهم من ممارسة مهامهم".
يمثل هذا التشريع امتثال لبنان لـ "البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب" (البروتوكول الاختيار)، الذي تمت المصادقة عليه في 22 ديسمبر/كانون الأول 2008. ينص البروتوكول على إنشاء آلية وطنية مستقلة لمنع التعذيب، تتضمن زيارات منتظمة لمراكز الاعتقال في البلاد لمعاينة معاملة المحتجزين.
سترصد الهيئة الوضع الحقوقي عبر مراجعة القوانين والمراسيم والقرارات الإدارية، كما ستحقق في شكاوى انتهاكات حقوق الإنسان وتصدر تقارير دورية بنتائجه. في أوقات الحرب، سترصد انتهاكات القانون الإنساني الدولي ويعمل على ضمان محاسبتها.
لدى لجنة التحقيق أيضا سلطة الدخول وتفتيش جميع أماكن الاحتجاز في لبنان، من دون إعلان أو إذن مسبقين، وتقديم النتائج والتوصيات إلى الهيئة والسلطات المعنية. بموجب القانون، لا تقتصر أماكن الاحتجاز على السجون ومراكز الشرطة، إنما تشمل أيضا مواقع احتجاز المهاجرين في أماكن مثل الموانئ والمطارات ومراكز الصحة العقلية. سيتمكن العاملون في لجنة التحقيق من مقابلة المعتقلين سرا ودون وجود حراس. يشترط القانون على السلطات اللبنانية التعاون مع اللجنة وتسهيل عملها.
ستصدر كلتا الهيئتين تقارير سنوية عن أنشطتها ولها سلطة إصدار التوصيات، أو التفاوض على حلول بشأن الانتهاكات، أو إحالة القضية للمحكمة.
يتضمن القانون أحكاما هامة تقي من تضارب المصالح والانتقام ضد أعضاء الهيئة. لن يُسمح للأعضاء بالعمل في وظيفة ثانية أو تولي مناصب عامة طوال فترة عملهم في اللجنة أو خلال فترة عامين من مغادرتها. كما لا يمكن تنحيتهم إلا في حالات محددة تمنعهم من القيام بواجباتهم كعجزهم البدني أو العقلي.
على السلطات اللبنانية الآن تمويل الهيئة ورفدها بطاقم من الخبراء المؤهلين والمستقلين وفق آلية شفافة. كما عليها ضمان قدرة الهيئة على زيارة جميع أماكن الاحتجاز كلما أرادت وبالطريقة التي تختارها، دون خوف من عقاب أو انتقام. على السلطات اتخاذ الخطوات الكفيلة بضمان الاستقلال المالي والإداري للهيئة وحماية مصادرها من الانتقام، على النحو الذي توصي به المبادئ التوجيهية حول الآليات الوقائية الوطنية للجنة الفرعية للأمم المتحدة لمنع التعذيب.
على لبنان أيضا جعل التشريعات الوطنية تتناسق مع اتفاقية مناهضة التعذيب، بما في ذلك تجريم كل أشكال التعذيب وسوء المعاملة، وتأكيد التزامه بملاحقة جميع مزاعم التعذيب بصورة جدية وفي الوقت المناسب، وبفعالية مع تقديم المسؤولين عنها إلى العدالة.
تجرّم المادة 401 من قانون العقوبات اللبناني استخدام العنف لانتزاع الاعترافات، ولكن لا تُجرّم جميع أشكال التعذيب. نادرا ما يحاكم القضاء اللبناني أناسا زُعم قيامهم بتعذيب المعتقلين. رغم عدم قبول بعض القضاة الاعترافات المنتزعة تحت التعذيب، لا يزال البعض الآخر يقبلونها رغم حظر قانون اللبناني استخدام الاعترافات القسرية لإدانة الناس بالجرائم. وافق وفد لبنان في مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة على تجريم جميع أشكال التعذيب وسوء المعاملة أثناء الاستعراض الدوري الشامل للبلاد عام 2010. ومع ذلك، لم يجرّم لبنان جميع أشكال التعذيب، كما تتطلب المادة 4 من اتفاقية مناهضة التعذيب، رغم تبني القانون الذي صدر يوم 19 أكتوبر/تشرين الأول تعريفا واسعا للتعذيب.
وثقت هيومن رايتس ووتش منذ فترة طويلة استخدام الأجهزة الأمنية اللبنانية للتعذيب، فضلا عن عدم قيام السلطات بالتحقيق في مزاعم سوء المعاملة بشكل صحيح. في تقرير عام 2013، وثقت هيومن رايتس ووتش استخدام قوى الأمن الداخلي اللبناني التعذيب على نطاق واسع ضد الفئات الضعيفة مثل متعاطي المخدرات وعاملات الجنس، والمثليات والمثليين وذوي التوجه الجنسي المزدوج والمتحولين جنسيا المحتجزين لديهم. في يوليو/تموز 2013، وثقت هيومن رايتس ووتش 7 حالات تعذيب لمعتقلين في السجون العسكرية، بينهم طفلان، في أعقاب اشتباكات بين أتباع الشيخ أحمد الأسير الحسيني والجيش اللبناني.
وثقت هيومن رايتس ووتش عدة حالات أصدرت فيها المحاكم العسكرية أحكامها بناء على اعترافات زُعم انتزاعها تحت وطأة التعذيب. أفادت امرأة عن تعرضها للتعذيب والاغتصاب من قبل المخابرات العسكرية اللبنانية أثناء اعتقالها عام 2013، وأدانتها لاحقا محكمة عسكرية بتهمة "الإساءة إلى المؤسسة العسكرية".
في 5 حالات أخرى وثقتها هيومن رايتس ووتش عامي 2014 و2015، ذكر المعتقلون الذين حوكموا أمام محاكم عسكرية بتهم متعلقة بالإرهاب أو جرائم متعلقة بالأمن تعذيب المحققين إياهم وإكراههم على الاعتراف. اعتمدت المحكمة على اعترافاتهم المنتزعة بالإكراه كأدلة ضدهم.
قال أحد المعتقلين إنه خلال التحقيق معه في وزارة الدفاع، صفعه العناصر، وضربوه على وجهه، ورموه نحو الجدار. قال إن الضرب تسبب بتورم رقبته وظهره وساقيه، وبكدمات في جميع أنحاء جسمه. أضاف أن العناصر أجبروه على الوقوف أمام الحائط في غرفة التحقيق 5 ساعات حتى أغمي عليه وانهار. أجبروه في اليوم التالي على التوقيع على ورقة لم يسمحوا له بقراءتها.
في الماضي، لم يحقق لبنان بشكل ملائم في مزاعم التعذيب وسوء المعاملة من قبل الأجهزة الأمنية. لم تُفتح أي تحقيقات سليمة في مزاعم جدية بانتهاكات ارتكبها الجيش ضد معتقلين أثناء معاركه مع جماعة "فتح الإسلام" المسلحة عام 2007 في مخيم نهر البارد. لم يكن هناك أي تحقيق قضائي في أكتوبر/تشرين الأول 2012 بعد قيام مسؤولين في الجيش والمخابرات باعتقال وضرب 72 عاملا وافدا على الأقل، معظمهم سوريون، في حي الجعيتاوي ببيروت. زعم المسؤولون تلقيهم تقارير تتهم الوافدين "بالتحرش بالنساء". لم يتم التحقيق في مزاعم التعذيب أو معاقبتها أمام المحاكم العسكرية.
وجد تحقيق لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب في لبنان، في تقريرها عام 2014، "انتشار التعذيب في لبنان بشكل واسع واستخدام القوات المسلحة والأجهزة الأمنية التعذيب بشكل متكرر خلال التحقيق، بغرض انتزاع اعترافات يمكن استخدامها في إجراءات جنائية، وأحيانا معاقبة الأفعال التي يُعتقد قيام الضحية بها".
تحتل الحاجة إلى مكافحة التعذيب وإساءة المعاملة الأولية موقعا أساسيا في عدد من الاتفاقيات والمعاهدات والإعلانات الدولية التي يلتزم لبنان باحترامها بموجب القانون الدولي، كما يتقيّد بها بموجب مقدمة دستوره. تشمل تلك "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان"، و"العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، و"اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة"، و"البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب".
يمثل البروتوكول الاختياري أول صك دولي لحقوق الإنسان يسعى إلى منع التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة، من خلال إنشاء نظام زيارات منتظمة إلى مراكز الاحتجاز من قبل هيئات دولية ووطنية مستقلة.
قالت فقيه: "يجب ألا تتوقف جهود لبنان لإنهاء التعذيب المتفشي. على السلطات اتخاذ خطوات لتعديل تعريف التعذيب بموجب القانون المحلي لجعله منسجما مع التزامات لبنان الدولية، وعليها التحقيق ومحاكمة المعتدين المزعومين".