بعد عقود من النزاع المسلح، يتمتع العراق بالفترة الأكثر استقرارا منذ ما قبل الغزو الأمريكي في 2003. إلا أن العراق ما يزال هشا ومنقسما بشدة، واستمرت المظالم التي أدت إلى الاحتجاجات الحاشدة في 2019 دون حل، وشملت عدم الرضى عن النظام السياسي الحالي وسوء الخدمات العامة وتدهور البنية التحتية وتفشي الفساد. استمر في 2023 القمع العنيف للمتظاهرين واعتقال الصحفيين الذين يغطون المظاهرات.
في أكتوبر/تشرين الأول 2022، بعد أكثر من عام بقليل على الانتخابات الاتحادية لعام 2021، وافقت النخب السياسية أخيرا على تعيين محمد شياع السوداني رئيسا للوزراء. منذ أن تولى السوداني منصبه، حاول الاستفادة من فترة الهدوء والاستقرار النسبيين، وركّز في جدول أعماله على خمس قضايا رئيسية: مكافحة الفساد، ومعالجة البطالة، والحد من الفقر، والإصلاح الاقتصادي والمالي، وتحسين الخدمات الحكومية. في يونيو/حزيران 2023، وافق البرلمان العراقي على ميزانية سنوية بقيمة 198.9 تريليون دينار عراقي (153 مليار دولار أمريكي) لثلاث سنوات (2023 إلى 2025)، وهي الأكبر في تاريخ البلاد، وأول ميزانية لعدة سنوات تتم الموافقة عليها.
أحرز العراق عدة خطوات إيجابية في احترام ودعم حقوق الإنسان، مثل اتخاذ مزيد من الخطوات نحو تنفيذ "قانون الناجيات الأيزيديات"، وتشريع "سياسة حماية المدنيين". في يونيو/حزيران 2023، نشرت حكومة إقليم كردستان تحديثا يسلط الضوء على الإنجازات الإيجابية التي حققتها في إطار خطتها الخمسية لمعالجة قضايا حقوق الإنسان في إقليم كردستان العراق، والتي نُشرت في مايو/أيار 2022.
لكن الاقتتال السياسي الداخلي منع إقرار تشريعات أساسية من شأنها أن تحمي حقوق العراقيين، مثل مشاريع القوانين المتعلقة بحماية الطفل ومناهضة العنف الأسري. أصبح تفعيل الإصلاحات الهيكلية التي تعالج مظالم المواطنين العراقيين أكثر إلحاحا في سياق أزمة المناخ المتفاقمة، مما يؤكد حاجة العراق إلى تحويل اقتصاده ومصدره الرئيسي للإيرادات الحكومية بعيدا عن الوقود الأحفوري.
حقوق المرأة
بعد لعب دور محوري في حركة الاحتجاجات 2019-2020، استمرت النساء في النضال ضد الأعراف الأبوية المتجذرة في النظام القانوني العراقي. يتيح قانون العقوبات العراقي الإفلات من العقاب على عنف الرجال ضد النساء، بما في ذلك الأحكام التي تسمح للزوج بمعاقبة زوجته، وللأبوين بتأديب أولادهم، والأحكام المخففة على أعمال العنف، بما في ذلك القتل لما يسمى بـ"دوافع الشرف". يسمح قانون العقوبات أيضا لمرتكبي جرائم الاغتصاب أو الاعتداء الجنسي بالإفلات من الملاحقة القضائية أو إلغاء الأحكام التي صدرت بحقهم إذا تزوجوا ضحاياهم.
واصلت منظمات حقوق المرأة الدعوة إلى قانون لمناهضة العنف الأسري، لكن الجهود البرلمانية تعثرت. لم تحظَ ضحايا العنف القائم على الجندر سوى بوصول محدود إلى المأوى أو العدالة، وحوكمت بعض ضحايا الاتجار بالبشر وأدنّ بتهمة الدعارة. لم تسمح الملاجئ الحكومية القليلة في إقليم كردستان العراق للنساء بالدخول أو الخروج إلا بأمر محكمة. في حين أن هناك عددا قليلا من الملاجئ السرية للنساء في العراق، والتي تديرها منظمات غير حكومية محلية، إلا أنها لم تحظَ بدعم واسع، وغالبا ما تعرّضت للانتقاد، وفي بعض الأحيان المهاجمة من قبل العائلات والمداهمة من قبل السلطات.
واجهت النساء في الزيجات غير المسجلة (أي الزيجات التي أجراها قادة دينيون لكن لم تُسجّل في محكمة الأحوال الشخصية) تحديات شديدة في الاستفادة من الخدمات الحكومية والحماية الاجتماعية إذا لم يتم تسجيل زواجهن قانونيا. غالبا، يحدث الزواج غير المسجل كوسيلة للتحايل على القيود القانونية المفروضة على زواج الأطفال وتعدد الزوجات والزواج القسري، وللتهرب من دفع النفقة الزوجية في حالة الطلاق. دون شهادة زواج مدنية، لا تستطيع النساء الولادة في المستشفيات الحكومية، أو الاستفادة من برامج الحماية الاجتماعية المشروطة بحالة الزواج، أو الحصول على شهادات ميلاد لأطفالهن، أو اللجوء إلى القانون للمطالبة بالنفقة الزوجية أو إعالة الطفل في حالة الطلاق.
الوثائق المدنية
في سبتمبر/أيلول 2022، وجدت سبع منظمات إغاثة أنه بعد نحو خمس سنوات على إعلان الحكومة الانتصار على "تنظيم الدولة الإسلامية" (المعروف أيضا بـ’داعش‘)، كان ما يزال نحو مليون عراقي، ممن نزحوا بسبب استيلاء الجماعة المسلحة على مساحات من الأراضي العراقية والمعركة لاستعادتها، غير قادرين على الحصول على الوثائق المدنية الأساسية. شملت الوثائق التي لم يتمكنوا من الحصول عليها شهادات الميلاد والزواج والوفاة، بالإضافة إلى بطاقة الهوية الوطنية الموحدة الجديدة نسبيا في العراق. هذه الوثائق أساسية للحصول على الخدمات العامة الضرورية ، بما في ذلك الحصص الغذائية الشهرية وحصول الأطفال على التعليم.
كافحت النساء اللاتي فررن من عائلات تعسفية دون وثائق هويتهن القانونية من أجل استبدالها. من دون بطاقة هوية مدنية، تواجه النساء أيضا تحديات في التنقل بحرية والتسجيل للحصول على بطاقة الإقامة، وهي مطلوبة لاستئجار مسكن أو تأمين عمل.
قد لا يتمكن الأطفال المولودون من زيجات غير مسجلة أو المولودون خارج إطار الزواج، بمن فيهم المولودون نتيجة الاغتصاب، من الحصول على شهادات الميلاد وبالتالي وثائق مدنية أساسية أخرى، مما يحد من حصولهم على الخدمات الحكومية والحماية الاجتماعية. إذا لم تُحلّ مشكلة الوثائق، لن يتمكن المتضررون من الالتحاق بالمدارس، والحصول على فرص العمل، وقد يضطرون أنفسهم إلى الدخول في زيجات غير مسجلة في وقت لاحق من حياتهم.
حقوق الطفل
في يونيو/حزيران 2023، طرح مجلس النواب العراقي مشروع قانون لحماية الطفل، وهو الأول من نوعه في البلاد وخطوة مهمّة في حماية حقوق الأطفال. إذا أقِرَّ القانون، سيعالج قضايا حاسمة مثل عمالة الأطفال واستغلالهم وإساءة معاملتهم. سيكرس أيضا الحقوق الأساسية للأطفال بشكل صريح في القانون، بما فيها الحق في الحياة والصحة والتعليم والجنسية.
على مدى السنوات الـ20 الماضية، ازدادت معدلات زواج الأطفال في العراق بثبات. وجدت دراسة أجرتها وزارة التخطيط و"الجهاز المركزي للإحصاء" عام 2021، أن 25.5% من النساء المتزوجات في العراق تزوجن قبل سن 18 عاما، و5.2% من النساء تزوجن قبل سن 15 عاما. توصلت بحوث هيومن رايتس ووتش إلى أن الزيجات غير المسجلة كانت فعليا ثغرة لزواج الأطفال. ارتبط ارتفاع معدلات زواج الأطفال بالفقر، وانعدام الأمن، وانخفاض التحصيل العلمي للفتيات. يمكن أن يتسبب زواج الأطفال وحمل المراهقات بآثار صحية ضارة خطيرة، ويمكن أن يحد من الحصول على التعليم والعمل، ويؤدي إلى تفاقم مخاطر العنف الجنسي والأسري.
حرية التعبير
في يناير/كانون الثاني 2023، أطلقت الحكومة حملة لاستهداف "المحتوى الهابط" على الإنترنت. في الشهر نفسه، أطلقت وزارة الداخلية منصة تتيح للعراقيين الإبلاغ عن أي محتوى على وسائل التواصل الاجتماعي "تتضمن إساءة للذوق العام وتحمل رسائل سلبية تخدش الحياء وتزعزع الاستقرار المجتمعي". تم تلقي أكثر من 96 ألف شكوى خلال شهر واحد. نتيجة لذلك، حُكم على ستة أشخاص بالسجن، لكن أطلِق سراحهم بعد ذلك.
تستخدم الحملة المادة 403 من قانون العقوبات العراقي، التي تجرم المواد المنشورة "المخلة بالحياء أو الآداب العامة". ينص الدستور العراقي على حرية التعبير، بما فيه للعاملين في الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى، لكنه يتضمن أيضا قيودا على التعبير الذي ترى السلطات أنه ينتهك النظام العام والأخلاق.
استُخدمت قوانين ذات صياغة فضفاضة لاستهداف الصحفيين والنشطاء والسياسيين الأخصام وإسكاتهم، بما يشمل في إقليم كردستان العراق. في كثير من الحالات، لا تتعلق الدعاوى القضائية الزائفة لمكافحة التشهير بإثبات ارتكاب الفرد لجريمة، بل باستخدام الإجراءات القانونية نفسها كعقوبة أو وسيلة للتحكم في أنشطة الشخص المتهم.
تغيّر المناخ والتدهور البيئي
صنفت الأمم المتحدة العراق باعتباره الدولة الخامسة الأكثر تعرضا لمخاطر الاحتباس الحراري وتغير المناخ، واستمرت الأزمة البيئية في العراق في التفاقم من حيث نطاقها وشدتها. من أعراض هذه الأزمة الجفاف والتصحر وزيادة تواتر وشدة العواصف الرملية والتلوث وارتفاع درجات الحرارة. من المتوقع أن تصبح مساحات شاسعة من العراق غير صالحة للسكن في السنوات أو العقود المقبلة. ساهم ضعف تشريعات حماية البيئة والممارسات الصناعية المسببة للتلوث، مثل حرق الغاز أثناء استخراج النفط، في ارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان بين السكان المحليين.
تسعى حركة بيئية متنامية في العراق إلى معالجة التدهور البيئي الناجم عن النزاع وسوء إدارة الموارد، وإعداد العراق للتكيف مع الواقع الجديد لتغير المناخ، وتعزيز انتقال العراق بعيدا عن الاقتصاد القائم على الوقود الأحفوري. كما هو الحال مع نشطاء المجتمع المدني، قوبلت جهود نشطاء هذه الحركة بالمضايقات والترهيب والتهديدات. في فبراير/شباط 2023، اختطفت جماعة مسلحة مجهولة ناشطا بيئيا بارزا وعذبته واحتجزته لأسبوعين. في مارس/آذار 2023، وعد رئيس الوزراء السوداني باتخاذ إجراءات شاملة لمعالجة تغير المناخ، بما فيها خطط لتلبية ثلث احتياجات الكهرباء باستخدام الطاقة المتجددة.
عودة النازحين
بعد ست سنوات من استعادة القوات العراقية والتحالف العسكري الدولي بقيادة الولايات المتحدة آخر الأراضي التي كان يسيطر عليها داعش، لا يزال حوالي 1.16 مليون عراقي نازحين داخليا، معظمهم في إقليم كردستان العراق. في أبريل/نيسان 2023، أغلقت وزارة الهجرة والمهجرين على عجل "مخيم جدة 5"، آخر مخيم رسمي للنازحين في الأراضي التابعة للحكومة الاتحادية، دون سابق إنذار، رغم المخاوف بشأن سلامة سكان المخيم في مناطقهم الأصلية.
منذ يناير/كانون الثاني 2021، أعادت السلطات العراقية أكثر من 5,500 عراقي احتُجزوا تعسفيا كمشتبه بهم من داعش وأفراد أسرهم في شمال شرق سوريا. يُرسَل معظم العائدين إلى جدة 1، وهو "مخيم إعادة تأهيل" مؤقت قرب الموصل، قبل العودة إلى أماكنهم الأصلية. أشاد أنطونيو غويتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة ومسؤولون أمريكيون بعمليات العادة لكن بعض المنظمات غير الحكومية وموظفو الأمم المتحدة شككت فيما إذا كانت عمليات الإعادة إلى الوطن تفي بمبادئ الأمم المتحدة للعودة الآمنة والطوعية، وأعربوا عن مخاوفهم بشأن مغادرة الأسر للمخيم دون الوثائق الأساسية مما قد يحد من قدرتهم على الاستفادة من الخدمات الحكومية في مواطنهم الأصلية.
لا يزال 60% من سكان سنجار نازحين في مخيمات ومنازل منذ 2014، عندما فروا من هجمات داعش والهجمات العراقية المضادة. كانت العوائق الرئيسية أمام عودتهم هي استمرار انعدام الأمن في سنجار نتيجة الغارات الجوية التركية والتنافس بين الجماعات المسلحة على السيطرة على المنطقة، وتأخر إعادة إعمار الخدمات الأساسية والبنية التحتية، وعدم تقديم الحكومة العراقية تعويضات عن المنازل والأعمال المتضررة خلال العمليات العسكرية.
التوجه الجنسي والهوية الجندرية
عام 2023، أصبح المناخ السياسي تجاه المثليات/ات ومزدوجي/ات التوجه الجنسي وعابري/ات النوع الاجتماعي (مجتمع الميم-عين) في العراق أكثر عدائية بشكل ملحوظ. في 15 أغسطس/آب، قدم رعد المالكي، وهو عضو مستقل في البرلمان، مشروع قانون يفرض عقوبة الإعدام أو السجن مدى الحياة على السلوك الجنسي المثلي والسجن بسبب التعبير عن العبور الجندري. في وقت سابق من ذلك الشهر، أصدرت "هيئة الاتصالات والإعلام العراقية" توجيها يأمر جميع وسائل الإعلام باستبدال مصطلح "المثلية الجنسية" بـ "الشذوذ الجنسي" في بياناتها التي تُنشر وتبث، ويحظر استخدام مصطلح "الجندر".
في إقليم كردستان العراق، في 31 مايو/أيار، أمرت إحدى المحاكم بإغلاق منظمة "راسان" الحقوقية بسبب "أنشطتها في مجال المثلية الجنسية". في سبتمبر/أيلول2022 ، اقترح أعضاء في برلمان إقليم كردستان العراق مشروع قانون لمعاقبة أي فرد أو جماعة تدافع عن حقوق مجتمع الميم-عين.
استمر الإفلات من العقاب على استهداف مجتمع الميم-عين في الإنترنت، والعنف ضده، بما فيه القتل والاختطاف والتعذيب والعنف الجنسي على أيدي الجماعات المسلحة في العراق. استهدفت السلطات العراقية أيضا أفراد مجتمع الميم-عين باستخدام مجموعة من الأحكام الغامضة في قانون العقوبات العراقي بهدف ضبط الأخلاق والأعمال المخلة بالحياء والحد من حرية التعبير.
الأطراف الدولية الرئيسية
بعد مرور عشرين عاما على غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة، تقاعست حكومة الولايات المتحدة عن توفير التعويضات أو غيرها من سبل الإنصاف للعراقيين الذين عانوا من التعذيب وغيره من ضروب الانتهاكات في السجون التي أدارتها الولايات المتحدة في البلاد. ما زال الناجون بلا سبيل واضح لرفع دعوى لدى حكومة الولايات المتحدة أو التقدم بطلب للحصول على تعويض أو اعتراف، رغم أن آثار التعذيب تعتبر واقعا يوميا للعديد من الناجين العراقيين وعائلاتهم.
تواصل تركيا شن غارات جوية بانتظام واغتيالات مستهدفة في شمال العراق، تستهدف في المقام الأول "حزب العمال الكردستاني" و "وحدات مقاومة سنجار"، مما يؤدي أحيانا إلى مقتل مدنيين. في يوليو/تموز 2023، قدّم أربعة من الذين نجوا أو شهدوا غارة جوية تركية يُزعم أنها استهدفت مستشفى مدني في سنجار وقتلت ثمانية أشخاص، شكوى رسمية إلى "مجلس حقوق الإنسان" التابع للأمم المتحدة. أدان العراق الهجمات مرارا باعتبارها انتهاكا لسيادته، لكنه امتنع إلى حد كبير عن التحقيق في الهجمات أو تقديم تعويضات للضحايا.