Skip to main content
تبرعوا الآن

إسرائيل: سياسات الأراضي التمييزية تحصر الفلسطينيين

البلدات اليهودية تنمو على حساب البلدات الفلسطينية

جسر الزرقاء، القرية الفلسطينية الوحيدة في إسرائيل المطلة على البحر الأبيض المتوسط، يحدها جنوبا ساتر ترابي يفصلها عن مدينة قيساريا ذات الأغلبية اليهودية؛ وشمالا كيبوتس معجان ميخائيل الذي يحتوي أحواض السمك؛ وشرقا الشارع السريع رقم 2. صور جوية التُقِطت بين 2011 و2015.  © لوشوت ليميتد

(جسر الزرقاء) - قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن سياسة تضييق الخناق على التجمعات السكانية الفلسطينية تتخطى الضفة الغربية وقطاع غزة، لتطال الفلسطينيين في البلدات والقرى الفلسطينية داخل إسرائيل. تنحاز هذه السياسة إلى مصلحة المواطنين اليهود ضد مواطني إسرائيل الفلسطينيين (ويُطلق عليهم أيضا "عرب الداخل" أو "فلسطينيو الداخل" أو "عرب الـ 48")، وتقيّد بشدة إمكانية وصول الفلسطينيين الى الأراضي بغرض السكن وإتاحة نمو سكاني طبيعي.

بعد عقود من مصادرة الأراضي والسياسات التخطيطية التمييزية، يعيش اليوم العديد من المواطنين الفلسطينيين محبوسين في بلدات وقرى مكتظة لديها مجال ضئيل للتوسع. من ناحية أخرى، تدعم الحكومة الإسرائيلية نمو وتوسع البلدات المجاورة ذات الأغلبية اليهودية، والتي شُيِّدَ كثير منها على أنقاض قرى فلسطينية دُمّرت عام 1948. كما توجد في العديد من البلدات اليهودية الصغيرة "لجان قبول" تمنع الفلسطينيين من العيش فيها.

قال إريك غولدستين، مدير قسم الشرق الأوسط بالإنابة في هيومن رايتس ووتش: "السياسة الإسرائيلية، على جانبَيْ الخط الأخضر، تحشر الفلسطينيين في أماكن مكتظة، بينما تمنح أراضٍ واسعة للبلدات اليهودية. هذه الممارسة معروفة جيدا في حالة الضفة الغربية المحتلة، لكن السلطات الإسرائيلية تفرض سياسات الأراضي التمييزية داخل إسرائيل أيضا".

تسيطر الدولة الإسرائيلية مباشرة على 93% من الأراضي، بما فيها القدس الشرقية المحتلة. "سلطة أراضي إسرائيل"، وهي مؤسسة حكومية، تدير هذه الأراضي التي تسيطر عليها الدولة وتوزعها. ينتسب نصف أعضاء مجلس إدارتها تقريبا إلى "الصندوق القومي اليهودي"، المفوَّض بشكل صريح بتطوير وتأجير الأراضي إلى اليهود دون أي فئة سكانيّة أخرى من السكان. يمتلك الصندوق 13% تقريبا من أراضي إسرائيل، والتي تُفوَّض الدولة باستخدامها "بغرض استيطان اليهود".

قرية جسر الزرقاء الفلسطينية والبلدات المجاورة ذات الأغلبية اليهودية. بيانات من "دائرة الإحصاء المركزية" الإسرائيلية. صورة بالأقمار الصناعية مسجلة في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2019 © 2020 بلانيت لابز

يشكّل مواطنو إسرائيل الفلسطينيون 21% من سكان البلاد، غير أن منظمات حقوقية إسرائيلية وفلسطينية قدّرت في العام 2017 أن الأراضي التابعة لإدارة البلديات الفلسطينية تشكل أقل من 3% من مجمل الأراضي في إسرائيل. يعيش معظم الفلسطينيين في إسرائيل في هذه البلدات، رغم أن بعضهم يعيش في "مدن مختلطة" مثل حيفا وعكا.

تحضيرا لهذا التقرير، قارنت هيومن رايتس ووتش بين بلدات فلسطينية وأخرى يهودية أو ذات أغلبية يهودية مجاورة في ثلاثة من الأقسام الإدارية الستة في إسرائيل، وقابلت 25 شخصا بين مسؤولي بلديات وسلطات محلية حاليين وسابقين، وممثلين عن مجالس التخطيط المحلية، وسكان، ومخطِّطين. زارت هيومن رايتس ووتش أيضا جميع المواقع، وراجعت سجلات الأراضي والصور الجوية. تلقت هيومن رايتس ووتش ردا مفيدا من "إدارة التخطيط الإسرائيلية" بخصوص ما توصلت إليه أبحاثها.

منذ 1948، وعلى مر العقود اللاحقة، صادرت السلطات الإسرائيلية مئات آلاف الدونمات من أراضي الفلسطينيين صودر الجزء الأساسي منها بين بدء الحكم العسكري الإسرائيلي على معظم الفلسطينيين في 1949، وانتهائه في 1966. خلال هذه الفترة، حبست السلطات الإسرائيلية الفلسطينيين في إسرائيل في عشرات المناطق المحصورة وقيّدت حركتهم بشدة. كما استخدمت العديد من القوانين العسكرية والقوانين الجديدة لمصادرة أراضي الفلسطينيين الذين تحولوا إلى لاجئين أو مواطنين فلسطينيين مهجرين، عبر إعلان الأرض على أنها "أملاك غائبين"، والاستيلاء عليها ثم إعلانها تابعة للدولة. يقدّر مؤرخٌ أن 350 من أصل 370 بلدة وقرية يهودية أنشأتها الحكومة الإسرائيلية بين 1948 و1953 شُيِّدَت على أراضٍ مصادَرة من فلسطينيين.

لم تتقاعس سياسة الأراضي في السنوات الأخيرة عن إبطال مصادرات الأراضي السابقة فحسب، بل زادت القيود في الكثير من الحالات على الأراضي المتاحة للنمو السكاني. سمحت الحكومة، منذ 1948، بإنشاء أكثر من 900 "بلدة يهودية"، دون أن تسمح بأي بلدة للفلسطينيين باستثناء قلة من القرى والبلدات الصغيرة التي تخضع لتخطيط الحكومة في النقب والجليل، ويدخل ذلك في جزء كبير منه في خطة الحكومة لتجميع البدو المتفرقين في البلاد.

أدرجت السلطات الإسرائيلية البلدات والقرى الفلسطينية ضمن نظام التخطيط المركزي في سبعينيات القرن الماضي، غير أن عمليات التخطيط لم تزد كثيرا من الأراضي المتاحة للأبنية السكنية. صنّفت السلطات أجزاء كبيرة من البلدات والقرى الفلسطينية للاستخدام "الزراعي" أو مناطق "خضراء"، ومنعت المباني السكنية فيها، وشيّدت طرقات وبنى تحتية أخرى تعيق التوسع. في 2003، وجد تقرير بتكليف من الحكومة الإسرائيلية أن "العديد من البلدات والقرى العربية محاطة بأراضٍ مصنّفة مناطق أمنية، أو مجالس إقليمية يهودية، أو حدائق وطنية ومحميات طبيعية، أو شوارع سريعة، ما يمنع أو يعيق إمكانية توسعها في المستقبل".

الكثافة السكانية لقرية جسر الزرقاء الفلسطينية والبلدات ذات الأغلبية اليهودية التي تحدها شمالا وجنوبا. صورة بالأقمار الصناعية مسجلة في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2019 2020 بلانيت لابز ©

تخلق هذه القيود مشاكل الكثافة السكانية وكذلك أزمة سكن في البلدات الفلسطينية. يقدّر "المركز العربي للتخطيط البديل"، ومقره إسرائيل، أن بين 15 و20% من المنازل في البلدات والقرى الفلسطينية غير مرخصة، بعضها بسبب رفض طلبات أصحابها، وغيرها لأن أصحابها لم يقدموا طلبات لعلمهم أن السلطات سترفضها بحجة أنها مخالفة لتخصيص وجهة الأراضي الساري مفعوله. بحسب تقديرات المركز، يواجه بين 60 و70 ألف منزل في إسرائيل، فيما عدا القدس، خطر الهدم الكلي. أدخل تعديل في 2017 على "قانون التخطيط والبناء" الإسرائيلي للعام 1965، المعروف أيضا بـ "قانون كامينتس"، "يزيد ضبط وعقوبات مخالفات التخطيط والبناء". حتى يوليو/تموز 2015، كانت 97% من القرارات القضائية الإسرائيلية بالهدم المطبّقة متعلقة ببُنى موجودة في بلدات فلسطينية.

في المقابل، في القضايا التي راجعتها هيومن رايتس ووتش، أعطت إدارات التخطيط ما يكفي من الأراضي والتصاريح لتقسيم المناطق لبلدات مشابهة ذات أغلبية يهودية لتسهيل نموها.

ردا على أسئلة هيومن رايتس ووتش، نفت مسؤولة رفيعة في إدارة التخطيط الإسرائيلية أن تكون إسرائيل تضيّق على البلدات والقرى الفلسطينية. قالت إن الإدارة وافقت على مخططات وتحضّر غيرها حاليا لـ 119 من أصل 132 بلدة فلسطينية في إسرائيل. قالت إنه بحسب هذه المخططات، وافقت السلطات على 160 ألف وحدة سكنية في هذه المناطق بين 2012 و2019، منها 42 ألف في 2019، "وشرّعت آلاف البُنى الموجودة أصلا".

في حين أدت هذه الجهود إلى بعض التطوير العقاري لأغراض سكنية في بعض البلدات، ما يزال ينبغي فعل الكثير. فالعديد من المشاريع ينتظر الموافقة للتنفيذ، ولم تقم إدارة التخطيط إلا بالقليل، حتى يومنا، لتغيير واقع البلدات والقرى الفلسطينية التي تخضع للتضييق.

يسمح القانون الإسرائيلي لبلدات النقب والجليل (تشكل المساحة ثلثَيْ الأراضي في إسرائيل) التي فيها حتى 400 وحدة سكنية، بالإبقاء على لجان القبول التي يمكنها رفض طلب السكن فيها بسبب "عدم ملاءمة مقدمّه للحياة الاجتماعية فيها" أو عدم المواءمة مع "النسيج الاجتماعي-الثقافي". تسمح هذه السلطات عمليا باستبعاد الفلسطينيين من البلدات اليهودية الصغيرة، وتقدّر منظمة "عدالة" الحقوقية، ومقرها حيفا، أنها كانت تشكل في العام 2014 43% من جميع بلدات إسرائيل، وإن كانت هذه النسبة أقل من نسبتهم في الدولة. وجد يوسف جبارين، أكاديمي في "التخنيون - معهد إسرائيل التكنولوجي"، في دراسة في 2015، أن أكثر من 900 بلدة يهودية صغيرة، ومنها الكيبوتسات، في مختلف أنحاء إسرائيل يمكنها أن تحدد من يسكنها ولا تضم أي مواطن فلسطيني.

وثّقت هيومن رايتس ووتش في 2008 السياسات والممارسات الإسرائيلية التمييزية التي دفعت عشرات آلاف البدو الفلسطينيين في جنوب إسرائيل إلى العيش في تجمعات سكنية "غير معترف بها" وغير رسمية، حيث يواجهون خطر هدم منازلهم في أي لحظة. وفي 2010، وثّقت التمييز في التخطيط في قرية فلسطينية قرب تل أبيب.

يحظر القانون الدولي لحقوق الإنسان التمييز العرقي والإثني، ويدين "الفصل العنصري"، ويحمي الحق بالمسكن اللائق. يفرض "العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية"، الذي صادقت عليه إسرائيل، على الدول أن تضمن سياسات وقوانين تؤمن تدريجيا الحق بالمسكن اللائق لجميع فئات المجتمع. قالت الهيئة المكلفة بتفسير العهد إنه "يجب ألا يخضع التمتع بهذا الحق... لأي شكل من أشكال التمييز"، وإنه "ينبغي أن يكون من الأهداف الرئيسية للسياسة العامة زيادة إمكانية الحصول على الأراضي لصالح قطاعات المجتمع الفقيرة أو التي لا تمتلك أية أراض".

لمعالجة أزمة السكن بين الفلسطينيين مواطني دولة إسرائيل، ومصادرة أراضي البلدات والقرى الفلسطينية )والتي تشكّل ممارسة تاريخية(، على السلطات الإسرائيلية إعطاء الأولوية لحاجة الفلسطينيين إلى التوسع لدى تخصيص وجهة استعمال الأراضي. كما عليها تخصيص أراضٍ تابعة للدولة للبلدات الفلسطينية وتوسيع هذه البلدات، وسد الثغرات القانونية التي تتيح التمييز من جانب لجان القبول.  

قال غولدستين: "سياسات الأراضي الإسرائيلية تعامل البلدات داخل حدودها بغياب فاضح للمساواة، بناءً على ما إذا كان سكانها فلسطينيين أو يهود. بعد عقود من مصادرة أراضي الفلسطينيين، تحبسهم إسرائيل اليوم في بلدات مكتظة في حين تعزّز ازدهار البلدات اليهودية المجاورة التي تقصيهم".

للاطلاع على نتائج دراسات الحالات الثلاث، الرجاء القراءة أدناه.

التخطيط في إسرائيل

يضع القانون الإسرائيلي التخطيط ضمن صلاحيات الحكومة المركزية – تاريخيا، كان من صلاحيات وزارة الداخلية، لكن انتقل جزء كبير منه إلى وزارة المالية في 2015. يؤسس "قانون التخطيط والبناء" لعام 1965 تسلسلا هرميا ثلاثيا لهيئات التخطيط التي تضع وتنفذ الخطط الرئيسية على المستوى الوطني، والإقليمي، والمحلي. في أعلى مستوى، يضع "المجلس الوطني للتخطيط والبناء" الإسرائيلي المخططات الهيكلية الرئيسية التي تعبر عن الرؤيا الوطنية لشتى الأمور، من استخدام الأراضي حتى التطوير العقاري، ويعرضها لموافقة الحكومة، وبناء عليها تضع اللجان اللوائية والمحلية مخططاتها المحلية.

صُممت عملية التخطيط لإتاحة فرصة المشاركة على المستويين الإقليمي والمحلي، غير أن الممارسة تهمّش مواطني إسرائيل الفلسطينيين الممثلين في هيئات التخطيط الحكومية بنسبة أقل بكثير من نسبتهم من عدد السكان الإجمالي، والذين نادرا ما تُعطى الأولوية لحاجاتهم. خارج اللجان الحكومية، الخيار الوحيد للأشخاص لتقديم معطياتهم هو تسجيل شكاوى بخصوص خطط بعينها.

استجابة الحكومة الإسرائيلية

وجهت إدارة التخطيط الإسرائيلية كتابا مؤرخا في 18 مارس/آذار إلى هيومن رايتس ووتش تقول فيه إنها لا توافق أن "السياسات الإسرائيلية تضيّق على البلدات والقرى الفلسطينية وتقيّدها". وأشارت إلى أنها "بذلت جهدا كبيرا للتخطيط على كافة المستويات في مؤسسات التخطيط بغية تعزيز المجتمعات العربية وتقويتها"، وخلقت "زخما كبيرا في التخطيط داخل هذه المجتمعات".

ترد إدارة التخطيط تحديات التخطيط في هذه البلدات، ومن ضمنها "العديد من الجيوب الزراعية غير المستخدمة"، بشكل أساسي إلى ارتفاع نسبة الملكية الخاصة للأراضي، حيث تقدّر أن 20% من السكان يملكون 80% من الأراضي. وتشير أيضا إلى أن "نقص الأراضي للاستخدام العام"، و"ارتفاع نسبة البناء غير المنظم"، و"تحديات طوبوغرافية (متعلقة بالتضاريس الجغرافية)"، وانتشار المساكن الواسعة التي تضم أسرة واحدة و"تمنع الحلول عن الأزواج الشباب" وتؤدي إلى "بناء بيوت تضم أجيالا عدة"، ما "يجبر السلطات على تقديم بنى تحتية في رقعة واسعة".

تزعم إدارة التخطيط أن عملها التخطيطي الأخير يعالج هذه التحديات عبر "تشريع آلاف الوحدات السكنية الموجودة" وتخصيص "بعض أراضي الدولة لإتاحة بناء الوحدات السكنية على نطاق واسع" وتأمين "المساحات العامة الضرورية لهذه الوحدات السكنية الإضافية". وبحسب إدارة التخطيط، كانت النتيجة "مخططات هيكلية تتضمن مناطق جديدة للتطوير على نطاق واسع جدا، يمكنها احتواء عدد وحدات سكنية أعلى بكثير من حاجات السكان البرنامجية والديمغرافية".

في ديسمبر/كانون الأول 2015، وافقت السلطات على "خطة تطوير اقتصادي للوسط العربي" على خمس سنوات، كلفتها 10 مليارات شيكل إسرائيلي (2.93 مليار دولار أمريكي). المنظمة الحقوقية الإسرائيلية "بمكوم - مخططون من أجل حقوق التخطيط" أشارت في العام 2019 في "تقرير مرحلي" لتقييم تقدم العمل إلى زيادة في التخطيط في البلدات الفلسطينية، بما في ذلك الخطوات التي تسمح ببناء مساكن أكثر، لكنها لحظت أن أزمة السكن في البلديات الفلسطينية ستستمر إن لم تخصص الدولة لها المزيد من الأراضي.

دراسات حالات

جسر الزرقاء (قضاء حيفا)

جسر الزرقاء، وتظهر من بعيد برك الأسماك التابعة لكيبوتس معجان ميخائيل. صورة جويّة التُقِطت بين 2011 و2015.  © لوشوت ليميتد

جسر الزرقاء، في شمال غرب إسرائيل، بين نتانيا وحيفا، هي البلدة الفلسطينية الوحيدة في إسرائيل على ساحل البحر المتوسط. تصرح "دائرة الإحصاء المركزية" الإسرائيلية أن عدد سكانها 14,700 نسمة. جسر الزرقاء هي مجلس محلي في قضاء حيفا تبلغ مساحته حوالي 1,600 دونم، ومن أفقر بلدات إسرائيل، إذ إن 80% من سكانها تحت خط الفقر.

سياسات الحكومات الإسرائيلية والمؤسسات في ظل الانتداب البريطاني، قبل قرن، حشرت السكان في البلدة. في أوائل عشرينيات القرن الماضي، قامت "جمعية الاستعمار اليهودي لفلسطين"، بحسب وزارة الخارجية، بتجفيف المستنقعات، التي استخدمها الفلسطينيون لتأمين رزقهم برعي الجواميس ونسج حصائر القصب، لإفساح المجال لإقامة مستعمرات يهودية. قال السكان إنه انتهى بهم الأمر تقريبا بقسائم  الأرض التي يملكونها حاليا، وهي أصغر بكثير من الأرض التي عاشوا عليها تاريخيا.

لم تشهد جسر الزرقاء الدمار والنزوح الذي حل ببلدتَي الطنطورة وقيسارية المجاورتين خلال إنشاء دولة إسرائيل في 1948، إلا أنها خضعت للحكم العسكري، مثل جميع البلدات والقرى الفلسطينية تقريبا داخل إسرائيل حتى 1966. خلال هذه الفترة، وضعت السلطات الإسرائيلية الأساس للتضييق على البلدة. وفي السنوات اللاحقة، زادت سياسات التخطيط وتخصيص وجهة استخدام الأراضي القيود على استفادة السكان من الأراضي والمسكن.

إلى شمالها، منحت السلطات الإسرائيلية، في أغسطس/آب 1949، آلاف الدنمات من أراضي الدولة لكيبوتس معجان ميخائيل اليهودي؛ جزء من الكيبوتس يحيط بمقبرة كان يستخدمها سكان جسر الزرقاء لسنوات. في سبعينيات القرن الماضي، أنشأ الكيبوتس أحواض أسماك على أرضه التي تمتد جنوبا لتصل إلى المنطقة الواقعة إلى الغرب من الجزء الشمالي من جسر الزرقاء. أنشأت السلطات الإسرائيلية محمية وادي التماسيح )ناحل تنينيم( الطبيعية إلى شرق الأحواض لحماية الوادي. تمتد المحمية على 470 دونم ويُمنع البناء فيها، ما يحد توسّع جسر الزرقاء شمالا. قال رئيس مجلس القرية مراد عماش لـ هيومن رايتس ووتش إن 90 دونم من مساحة المحمية هي ملكيات خاصة لسكان جسر الزرقاء.

كما خصصت السلطات جزءا من المنطقة للزراعة ومنعت فيها الأبنية السكنية. زعيم عماش، وهو موظف خدمة مدنية في مجلس القرية ولا تربطه صلة قرابة بمراد، يملك أرضا في المنطقة المصنفة زراعية. قال لـ هيومن رايتس ووتش إنه يرى الأرض "يوميا من شبّاكي – يفصل شارع واحد فقط بين منزلي والأرض – مع ذلك لا يمكنني الانتقال للعيش هناك".

إلى شرقها، أُنشئ الشارع السريع رقم 2 الذي يربط الشمال بالجنوب، ويفصل القرية عن الأراضي الزراعية إلى شرقها والتي كان يملكها سكانها. قررت السلطات الإسرائيلية إنشاء الشارع السريع في ستينيات القرن الماضي، حين لم يكن بإمكان سكان جسر الزرقاء القابعين تحت الحكم العسكري مقاومة إنشاء الشارع. استولت إسرائيل على 1,600 دونم تقريبا شرق الشارع، وهي مساحة يملك سكان جسر الزرقاء جزءا كبيرا منها وكانوا يستخدمونه للزراعة، بحسب مجلس القرية. معظم هذه الأراضي تقع اليوم تحت سلطة الموشاف )مجتمع تعاوني( اليهودي بيت حنانيا.

لم تنشئ إسرائيل أي مدخل أو مخرج بين الشارع السريع وجسر الزرقاء. غياب مخارج الشارع السريع يضيف بين 15 و20 دقيقة إلى الوقت اللازم للوصول إلى الشمال أو الجنوب، ويبقي على مدخلين إلى جسر الزرقاء. أحدهما ممر سفلي كان يُستخدم كقناة للمياه وهو أعرض من السيارة بقليل، والثاني طريق بين طرف القرية الشمالي ومحمية وادي التماسيح.

مدينة قيساريا ذات الأغلبية اليهودية تحدها قرية جسر الزرقاء شمالا ومدينة أور عكيفا ذات الأغلبية اليهودية شرقا. صورة جويّة التُقِطت بين 2011 و2015.  © لوشوت ليميتد

إلى جنوبها، أنشأت السلطات الإسرائيلية بلدة قيساريا في 1952 مكان قرية قيسارية الفلسطينية. يقول المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس إن مجموعة "الهاغانا" اليهودية المسلحة طردت سكان قيسارية في فبراير/شباط 1948. اليوم، قيساريا، التي تديرها "شركة قيساريا للتطوير العقاري" الخاصة، هي بلدة فخمة ومسقط رأس رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. تضم فيلّات، وملعب غولف، ومرفأ، وموقعا أثريا، ومنطقة صناعية وتجارية.

منذ سنوات عدة، يعمل العديد من سكان جسر الزرقاء في قيساريا، معظمهم في تنظيف المنازل أو الأعمال اليدوية. غير أن شركة قيساريا للتطوير العقاري أقامت ساترا ترابيا بين قيساريا وجسر الزرقاء بطول 1.2 كيلومتر وارتفاع بين تسعة و12 متر. يحجب الساتر الترابي رؤية جسر الزرقاء من قيساريا. قال عماش، رئيس مجلس القرية، إن الساتر يمنع وصول السكان الذين يعملون في قيساريا بسهولة إلى عملهم "وأحبط معنويات وآمال" السكان. قال إن الساتر جعلهم يشعرون أن سكان قيساريا "لا يعتبروننا بشرا" ويريدون "حجب وجودنا".

إلى غربها، البحر المتوسط. يمنع القانون الإسرائيلي بشكل عام البناء حتى مسافة 100 متر من الشاطئ. أنشأت السلطات الإسرائيلية محميّتين طبيعيتين محاذيتين للبحر.

تواجه جسر الزرقاء مشكلة اكتظاظ كبيرة، وأزمة سكن، وتحديات اقتصادية واجتماعية خطيرة بسبب التضييق عليها من جميع الجهات ونموها السكاني السريع. بحسب دائرة الإحصاء المركزية، تبلغ الكثافة السكانية في جسر الزرقاء (9,178 نسمة/كيلومتر مربع) ثلاثة أضعاف كثافة بلدة أور عكيفا المجاورة ذات الأغلبية اليهودية (3,288)، وعشرة أضعاف قيساريا (807)، وأكثر من 30 ضعف معجان ميخائيل (304). قالت الطالبة وردة جربان )26 عاما(، التي تعيش في جسر الزرقاء مع أسرتها المؤلفة من ستة أشخاص في منزل مساحته 95 متر مربع، إن البلدة مكتظة جدا؛ "يمكن لجيرانك رؤية داخل منزلك من شباك منزلهم".

قال صاحب "نزل جحا"، بيت الضيافة الوحيد في البلدة، أحمد جحا إنه عندما أنشأ النزل في 2014، اضطر إلى طلب استثناء من القانون الذي يفرض تخصيص مكان لركن السيارات، لأن أقرب موقف يبعد 500 متر. تقدّر منظمة بمكوم الحقوقية الإسرائيلية أن جسر الزرقاء كانت تحتاج في العام 2014 إلى 730 وحدة سكنية لحل أزمة السكن في حينها.

يزيد التضييق التحديات الاقتصادية والاجتماعية في جسر الزرقاء، فهي لا تضم أي منطقة صناعية، أو خدمات طوارئ صحية، أو مكتب بريد، أو مصرف، أو آلات الصراف الآلي التي تديرها المصارف، كما لا تضم سوى القليل من المنشآت أو المواقع العامة أو الترفيهية. كذلك، تفتقر إلى البنى التحتية والخدمات الأساسية. بحسب المنظمة الحقوقية "مساواة"، ومقرها حيفا، فإن أقل من ربع طلاب البلدة ينهون مرحلة التوجيهي، ومعدل حياة سكانها أقل من المعدل الوطني بـ 20 سنة. قال عماش، رئيس مجلس القرية، إنه "لا توجد جودة حياة في جسر الزرقاء" وبالنسبة إليه "هدف [هذه السياسات] واضح: خنقنا وتهجيرنا".

كيبوتس معجان ميخائيل، المحاذي لجسر الزرقاء شمالا والمبني على أكثر من 5 آلاف دونم من أراضي الدولة، وبرك الأسماك فيه. صورة جويّة التُقِطت بين 2011 و2015.  © لوشوت ليميتد

تنبع الاختلافات الصارخة مع جيرانها مباشرة من السياسات الإسرائيلية التمييزية. منحت الدولة، على سبيل المثال، كيبوتس معجان ميخائيل أكثر من 5 آلاف دونم من أراضي الدولة. قال الأمين العام للكيوبتس نير براخا لـ هيومن رايتس ووتش إن الدولة خصصت أقل من 10% من أراضي الكيبوتس للإسكان، ولكن في حالات عدة مع الوقت أعادت تصنيف الأراضي من زراعية إلى سكنية لتلائم احتياجات الكيبوتس السكنية. أشار براخا إلى أنه من أجل مساعدة الكيبوتس في التغلب على نقص المساكن في السنوات الأخيرة، طلبت الحكومة من الكيبوتس تشييد مبانٍ أكثر ارتفاعا كشرط لإعادة تخصيص مزيد من الأراضي للإسكان.

يدير الكيبوتس أيضا برك أسماك مساحتها أكبر من مساحة جسر الزرقاء بأجمعها، ولديه منطقة صناعية تشمل المقر الرئيسي لشركة البلاستيك البارزة "بلاسون". فيما يتعلق بجسر الزرقاء، أقر براخا بأن "القضايا التاريخية والسياسية"، وخصوصا "الاحتفاظ بالأرض لليهود"، "ضغطت" البلدة. لكن براخا قال أيضا إن جسر الزرقاء استفادت من "التمييز الإيجابي" في السنوات الأخيرة، في إشارة إلى الإجراءات التي اتخذتها الدولة لمعالجة الضغط.

في 2016، وافقت السلطات الإسرائيلية على خطة لتوسيع الشارع السريع رقم 2، تتضمن نقل القسم الذي يتاخم جسر الزرقاء إلى الشرق، وإنشاء منافذ دخول وخروج من الشارع السريع إلى البلدة. في 2018، وافقت السلطات على خارطة هيكلية لجسر الزرقاء تسمح بإنشاء "مناطق تطوير جديدة" في المساحة الناتجة عن نقل الشارع  السريع شرقا وفقا لـ إدارة التخطيط، بما يشمل إنشاء "أبنية [سكنية] متعددة الطوابق وعالية الكثافة، بالإضافة إلى المساحات العامة". قال عماش، رئيس المجلس القروي، إن هذه الخطة ستوفر 240 دونم إضافية لجسر الزرقاء، رغم أنه أشار إلى أنها أقل من الـ 1,200 دونم التي طالب بها المجلس المحلي في هذه المنطقة العام 2005، بناء على تقييمه للاحتياجات. قالت إدارة التخطيط إنها اقترحت مخططات لإنشاء 700 وحدة سكنية في هذه المنطقة.

قالت إدارة التخطيط أيضا إن الخارطة الهيكلية تجيز بناء 1,500 وحدة سكنية في المركز السكني. كما تعيد تخصيص بعض المناطق "الخضراء"، بما فيها قسم إلى الشمال من القرية قرب محمية وادي التماسيح، بهدف السماح بالبناء السكني، كما وتسمح ببعض المباني السكنية قرب الشاطئ. قالت الإدارة إنها اقترحت مخططات لهذه المناطق يمكن أن تنشئ 930 وحدة سكنية.  

غير أن السلطات لم تأذن بعد بالبناء على أساسها، وتبقى خطوات كثيرة قبل إنجازها. في يناير/كانون الثاني 2019، قالت وزارة المواصلات إنها تفتقر إلى 600 مليون شيكل (174 مليون دولار) لإعادة توجيه الشارع السريع رقم 2، وفقا لمحضر اجتماع حكومي مع سكان جسر الزرقاء راجعته هيومن رايتس ووتش. قال عماش إن جسر الزرقاء اقترحت في مايو/أيار 2019 تطوير هذه الأرض حتى لو بقي الشارع السريع رقم 2 في مكانه، لكن السلطات رفضت ذلك الطلب، بحجة أنه سيؤثر على التواصل الجغرافي للبلدة على حد قوله. قالت إدارة التخطيط الإسرائيلية في رسالة إلكترونية إلى هيومن رايتس ووتش إنها تتوقع أنه حين تتشكل حكومة، إثر انتخابات 2 مارس/آذار، ستناقش الحكومة تحويل مسار الشارع السريع.

قلنسوة (المنطقة الوسطى)

المركز السكني الرئيسي والكثيف لقلنسوة، مدينة فلسطينية في وسط إسرائيل، وأراضيها المخصصة للزراعة في الخلفية. صورة جويّة التُقِطت بين 2011 و2015.  © لوشوت ليميتد

تقع مدينة قلنسوة الفلسطينية، التي يسكنها 22,800 نسمة، وسط إسرائيل في منطقة فلسطينية كثيفة السكان، تُعرف باسم "المثلث". مع أن قلنسوة تضم نحو 8,400 دونم داخل حدودها البلدية، إلا أن سياسات الأراضي والتخطيط الإسرائيلية حصرت المنطقة السكنية في مركز المدينة الذي يحظى بدرجة كبيرة من التطوير العقاري، ويشكل تقريبا نصف مساحتها، ما خلق مشكلة كثافة ونقصا في المساكن.

خسرت قلنسوة أكثر من نصف أراضيها نتيجة الأحداث التي رافقت قيام إسرائيل العام 1948 وفي العقدين التاليين. أظهر مسح للأراضي ورد في رسالة في 2017 من بلدية قلنسوة إلى وزارة الداخلية، واستعرضتها هيومن رايتس ووتش، أن مساحة الأرض تبلغ 17,249 دونم، في حين قال مسؤول في البلدية لـ هيومن رايتس ووتش إن المساحة الفعلية لحدود البلدة قبل عام 1948 كان أقرب إلى 30 ألف دونم. استولت السلطات الإسرائيلية على جزء كبير من الأراضي غرب قلنسوة في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، كما هو موثّق في بحث لعام 1976 للمحامي والباحث صبري جريس، وهو فلسطيني من إسرائيل، خلال فترة الحكم العسكري الإسرائيلي لمعظم السكان الفلسطينيين في إسرائيل؛ من ضمن الأدوات التي سمحت للسلطات الإسرائيلية بالسيطرة على الأرض، القوانين التي تصنف الأراضي على أنها "أملاك الغائبين".

خلال نفس الفترة، بدأت إسرائيل أيضا بناء مشاريع للبنية التحتية على أراضي قلنسوة، ما حد أكثر من الأرض المتاحة للتوسع. أول مشروع كان خط أنابيب مياه بُني في الستينيات، يقطع رقعة بطول 2.5 كيلومتر وعرض 50 متر تقريبا عبر المدينة، وفقا لنادي تايه، المهندس المسؤول عن التخطيط في البلدية. عمليا، يرسم خط الأنابيب، على الحافة الغربية للمنطقة السكنية، حافة المركز السكني للبلدة.  

أنشأت السلطات الإسرائيلية في التسعينيات خط كهرباء عبر أراضي المدينة. قالت "اللجنة الشعبية للدفاع عن الأرض والمسكن" )اللجنة الشعبية( في قلنسوة، وهي حركة شعبية تعمل على قضايا متعلقة بالأراضي، لـ هيومن رايتس ووتش إن القانون الإسرائيلي يحظر البناء ضمن منطقة على مسافة 150 حول الخط، الذي يمتد 3.5 كيلومتر ويزيل 500 دونم من الأراضي التي يمكن للسكان البناء عليها. قالت اللجنة إن السلطات أصدرت أوامر هدم 25 منزلا و20 مبنى تجاريا يُزعم أنها بنيت ضمن منطقة الـ 150 متر. يعتقد تايه، مسؤول البلدية، أن الخطوط تخفّض قيمة الأرض في هذه المنطقة بنسبة 60 إلى 70%، وتثير مخاوف بشأن السلامة والصحة لدى السكان هناك.

كما تحظر السلطات الإسرائيلية البناء قرب وادي اسكندر، الذي يتدفق عبر البلدة، بما يشمل وسط المنطقة السكنية. تقدر اللجنة الشعبية أن الحظر، الذي يغطي 75 متر على ضفتَيْ المنطقة الزراعية و35 متر في المنطقة السكنية، يقلّص الأراضي التي يمكن للمقيمين البناء عليها بـ 500 دونم إضافية.

قالت اللجنة الشعبية إن السلطات الإسرائيلية بدأت التخطيط الرسمي في قلنسوة في السبعينيات فقط، وحتى العام 2017 لم تكن قد وافقت على خطة شاملة للبلدية. قيّدت قرارات التخطيط بشكل كبير الأرض المتاحة للاستخدام السكني. الأهم من ذلك، خصصت السلطات الإسرائيلية جميع مناطق شمال قلنسوة وأجزاء من الشرق والغرب تقريبا - ما مجموعه حوالي 4,200 دونم، أو نصف مساحة المدينة - للاستخدام الزراعي وحظرت الوحدات السكنية هناك.

قالت إحدى سكان قلنسوة، وعمرها 31 عاما، إن عائلتها تمتلك عقارا مساحته 400 متر مربع في منطقة مخصصة للاستخدام الزراعي حصرا، على بعد أمتار قليلة من المنطقة السكنية. كانت تأمل في بناء منزل عائلتها هناك، ولكن رغم سنوات من الجهود المبذولة من خلال البلدية ومباشرة مع سلطات التخطيط، لم يتمكنوا من تغيير تصنيف الأرض، وانتقلوا بدل ذلك إلى قرية فلسطينية قريبة.

قال محمد عودة (52 عاما)، وهو أب لثلاثة أبناء، إنه قرر العام 2015 بناء منزل على ممتلكاته في منطقة زراعية رغم عدم حصوله على تصريح، للانتقال من المكان حيث يعيش، والذي وصفه بـ "مخزن" تتسرّب إليه المياه وتملؤه الحشرات. وصله أمر هدم في غضون أشهر من بدء البناء في 2016. قدّم طعنا قانونيا، ونظم مظاهرات، وحتى سجل فيديو انتشر بشكل كبير يقول فيه إنه قد ينتحر إذا نُفذ الهدم. يعيش في منزله غير المكتمل مع خطر الهدم الذي يلوح في الأفق.

قال تايه، مهندس البلدية، إن بين 600 و700 مبنى، بينها بعض البيوت، في المنطقة الزراعية تواجه أوامر هدم بسبب البناء بدون ترخيص. كما أن بعض السكان في مركز البلدة السكني لم يتقدموا بطلب للحصول على تصاريح البناء في كثير من الحالات لأن منازلهم لا تتوافق مع الأنظمة الإسرائيلية، في أغلب الحالات لأنهم توسّعوا بما يخالف المخطط. تقدر اللجنة الشعبية أن حوالي 7,500 من سكان قلنسوة، أو 30 % من السكان، لا يمتلكون أراض في البلدة وبالكاد يكسبون لقمة عيشهم، بينما يمتلك 35 % آخرون أراضٍ، لكنهم بحاجة إلى التوسع لتلبية احتياجات أسرهم.

خلال العملية التي أدت إلى الموافقة على أول خارطة هيكلية لقلنسوة العام 2017، يقول السكان والنشطاء ومسؤولو البلدية إنهم قدموا أكثر من 4 آلاف اعتراض على الخارطة. تضمنت هذه الاعتراضات طلبات إعادة تخصيص جزء كبير من الأراضي الزراعية، وتخصيص 1,200 دونم من أراضي الدولة قرب قلنسوة لصالح البلدة، ونقل خط الكهرباء خارج البلدة، وإحباط خطط بناء شارعين عبر أراضي قلنسوة.

ردا على ذلك، عّدلت السلطات العام 2016 الخطة الوطنية الإسرائيلية للموافقة، من حيث المبدأ، على إعادة تقسيم 2,800 دونم في المنطقة الزراعية للاستخدام السكني. قالت اللجنة الشعبية إن هذا التعديل لم ينعكس في الخارطة الهيكلية لقلنسوة، ما يعني أن الأمر قد يستغرق عقدا أو أكثر قبل بدء تشييد أي مبنى سكني، نظرا إلى جميع الموافقات المطلوبة. كما أشارت إلى أنه بموجب المخطط العام، لم تخصص السلطات أي أراض تابعة للدولة لقلنسوة، ولم تنقل موقع مشاريع البنية التحتية الحكومية.

تقول إدارة التخطيط الإسرائيلية إنها وافقت على بناء 2,400 وحدة سكنية في قلنسوة على مدى السنوات الخمس الماضية، وإن السلطات تعدّ "وثيقة سياسة جديدة" يمكن أن تسهّل زيادة النمو.

في حين أن السلطات الإسرائيلية لم تهدم سوى عدد قليل من المنازل في قلنسوة - 25 وفقا للجنة الشعبية، بما يشمل أصحاب المنازل الذين هدموا مبانيهم بأنفسهم لتجنب دفع الرسوم- يفرض التهديد بالهدم تكلفة باهظة. يربط تايه بعض الآفات الاجتماعية في البلدة، بما فيها المخدرات والجرائم، بشعور الشباب بأنه "ليس هناك أمل في بناء منزل وعائلة ومستقبل في البلدة".

قال أبو عميد مخلوف (60 عاما)، وهو أب لتسعة أبناء، إن السلطات هدمت العام 2017 منزلين بناهما لأبنائه بحجة عدم حصوله على تصريح، وإن ابنا آخر يدفع ألفَي شيكل (583 دولار) كغرامات شهرية، وعليه الحصول على تصريح في غضون عامين لتجنب النتيجة نفسها. قال إنه بنى بدون تصاريح، لأنه "لم يكن لدي بديل"، وإن الأسرة تعيش "تحت ضغط وخوف مستمرين"، مضيفا، عمليات الهدم "هدمت حياتنا".

شاعر إفرايم، بلدة يهودية في وسط إسرائيل، شرق بلدة قلنسوة الفلسطينية. صورة جويّة التُقِطت بين 2011 و2015.  © لوشوت ليميتد

شاعَر إفرايم، وهي قرية زراعية (موشاف) يهودية بالكامل بُنيت في الخمسينيات، تحد قلنسوة من الشرق. لدى القرية لجنة قبول ولا تواجه سوى القليل من التحديات التي تواجهها جارتها. قالت إيريس إنغل، مديرة لجنة التخطيط والبناء في المجلس الإقليمي في ليف هشارون، الذي يضم شاعر إفرايم ولكن ليس قلنسوة، إن مشاريع البنية التحتية الوطنية لم تحد من توسع شعار إفرايم. في الواقع، بنت شاعَر إفرايم بوابات على مداخلها وتمنع أحيانا غير السكان من استخدام الطريق التي تمر عبرها. لا تواجه أي بيوت هناك أوامر هدم، والخطط السابقة سمحت بالبناء على الأراضي الزراعية، كما قالت إنغل.

عين ماهل (المنطقة الشمالية)

عين ماهل، مدينة فلسطينية في شمال إسرائيل، بجوار حي في نوف هجليل (الناصرة العليا أو نتسيريت عيليت سابقا)، ويشكل اليهود ثلاث أرباع عدد سكانها والربع الباقي من الفلسطينيين. صورة بالأقمار الصناعية مسجلة في 15 فبراير/شباط 2020.  © 2020 بلانيت لابز

بلدة عين ماهل، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 13 ألف فلسطيني، مساحتها حوالي 5,200 دونم قرب الناصرة في منطقة الشمال الإسرائيلية، ومحاطة من جميع الجهات بمدينة نوف هجليل ذات الأغلبية اليهودية، والتي كانت حتى العام 2019 تحمل اسم نتسيرت عيليت (الناصرة العليا). يبلغ عدد سكان نوف هجليل حوالي 41,200 شخص ومساحتها نحو 33 ألف دونم، هاجر كثير منهم من أوروبا الشرقية في الثمانينيات والتسعينيات.

 نوف هجليل "مدينة مختلطة" رسميا. 26 % من سكانها حاليا فلسطينيون، لكن السلطات الإسرائيلية نظرت منذ البداية إلى الناصرة العليا على أنها "بلدة يهودية ستؤكد الوجود اليهودي في المنطقة"، كما كتب أول رئيس وزراء إسرائيلي ديفيد بن غوريون عام 1957. أيضا، قال مدير دائرة التخطيط في الجيش الإسرائيلي يوفال نيمان إن المدينة "ستعزز الطابع اليهودي وتحافظ عليه في الجليل ككل". شكّلت نتسيريت عيليت جزءا رئيسيا من استراتيجية الحكومة لـ "تهويد الجليل". كتب الحاكم العسكري في الشمال آنذاك العقيد ميخائيل ميخائيل أن نتسيريت عيليت "ستبتلع" الناصرة، وهي مدينة فلسطينية، وينتج عنها "نقل مركز ثقل الحياة من الناصرة إلى الحي اليهودي".

تحيط نوف هجليل، المتاخمة للناصرة، بـ عين ماهل بالكامل وتتشعب بين خمس بلدات وقرى فلسطينية أخرى، ما يعيق إنشاء منطقة بلدية فلسطينية كبيرة متواصلة مجاورة.

خلال الحكم العسكري الذي خضع له معظم المواطنين الفلسطينيين، بمن فيهم سكان عين ماهل، أنشأت السلطات الإسرائيلية عام 1957 جزءا من نتسيريت عيليت على الأراضي التي صادرتها من عين ماهل، بموجب إجراءات شملت القوانين التي تحكم "أملاك الغائبين"، كما هو موثق في كتاب المحامي حسين أبو حسين، وهو من مواطني إسرائيل الفلسطينيين، ومحامية الحقوق الإنسان البريطانية فيونا مكاي. استمرت المصادرة بعد نهاية الحكم العسكري، بما فيها مصادرة أكثر من ألف دونم إضافي في منتصف السبعينيات. مساحة عين ماهل اليوم هي حوالي ثلث مساحتها الأصلية، بحسب المجلس المحلي.

سياسات التخطيط تلزم السكان بالبناء ضمن المركز السكني في القرية البالغة مساحته 2,000 دونم تقريبا. مخططا عين ماهل، الأول في 1982 والثاني في 1996، خصصا معظم أراضي البلدة للاستخدام الزراعي. قال سعيد أبو ليل، وهو مدرس متقاعد، إن الذين يعيشون في مركز البلدة السكني يواجهون مثله أزمة سكن، مع انتقال عديد من الشباب على مضض خارج القرية، بما فيه إلى نوف هجليل/نتسيريت عيليت.

قال أبو ليل إن الخطط وفرت بعض المساحة الإضافية للبناء السكني، لكن كثيرا من الأراضي المخصصة كانت ملكيات خاصة. يقدر أبو ليل أن إعادة تخصيص الأراضي الخاصة لن يؤدي بالضرورة إلى توفير مساكن لأولئك الذين لا يملكون أراض ولا يستطيعون شراءها - والذين يمثلون من 20 إلى 30 % من سكان عين ماهل، بحسب تقدير أبو ليل. قد تكون هناك حاجة إلى تخصيص أراضي الدولة لتحقيق هذه الغاية.  

قال طبيب الأسنان مروان حبيب الله (53 عاما) إن السلطات الإسرائيلية صادرت حوالي 11 دونم من أرضه عام 1976 كجزء من مصادرة حكومية أوسع لحوالي 20 ألف دونم أشعلت احتجاجات يحيي ذكراها النشطاء كل عام في 30 مارس/آذار تحت عنوان "يوم الأرض". قال إنه رفع دعوى قضائية، أدت إلى عرض تعويض مالي عليه لكنه رفضه. تمتلك عائلته من تسعة إلى عشرة دونمات أرض في المنطقة الزراعية قرب المنطقة المبنية، ولكنه غير قادر على البناء عليها. يقول إن ليس لديه خيار سوى البقاء في منزله على أرض ورثها عن جده في مركز البلدة السكني، الذي يقول إنه صغير جدا لعائلته المكونة من ستة أفراد. فكر في الانتقال إلى نوف هجليل، لكنه قال إنه لا يستطيع تحمل كلفة الإيجار هناك.

ساهر أبو ليل (40 عاما) هو أخصائي علاج طبيعي، حاصل على شهادة عليا من جامعة تل أبيب، وأب لخمسة أولاد. قال إنه غادر عين ماهل، حيث نشأ، إلى نتسيريت عيليت عام 2010 بسبب أزمة السكن. قال إنه ما كان لينتقل لو تمكن من بناء منزل على قطعة أرض مساحتها تقريبا أربعة دنمات تمتلكها عائلته في جنوب شرق عين ماهل، لكن السلطات خصصت تلك المنطقة للاستخدام الزراعي. سعى إلى شراء منزل في عين ماهل عام 2015، لكنه قال إن البنك حرمه من القرض، مدعيا أن العقار لن يحقق عائدا جيدا إذا تخلف عن السداد.

نوف هجليل، المدينة التي غيّرت اسمها من نتسيريت عيليت (الناصرة العليا) في 2019. صورة جويّة التُقِطت بين 2011 و2015.  © لوشوت ليميتد

ضيّقت السلطات الإسرائيلية على عين ماهل، بينما سمحت لنوف هجليل بالنمو بسرعة. بالبناء على أراضي الدولة وتخصيصها كمنطقة تطوير ذات أولوية، استثمرت السلطات الإسرائيلية بكثافة في نوف هجليل، بما يشمل إنشاء "منطقة تسيبوريت الصناعية"، التي تشمل مصانع ومجمّع لشركات التكنولوجيا المتطورة، ومن المقرر أن تغطي 3,560 دونم. نوف هجليل، وهي أيضا المقر الرئيسي لمصنع شوكولاتة "شتراوس إيليت"، تتلقى جميع عائدات الضرائب المحلية من هذه الصناعات؛ لا تذهب أي من هذه الضرائب إلى البلدة التي تحيط بها، عين ماهل.

أيضا، لم تخصص السلطات أي جزء من أراضي المدينة للزراعة، وفقا للمديرة العامة للبلدية حافا بخار. على النقيض من ذلك، لا توجد في عين ماهل مناطق صناعية كما أن المناطق المخصصة للمساحات العامة قليلة. كما قال سعيد أبو ليل، عين ماهل "مكان للإقامة، لكن ليس للعيش".

انتقل آلاف المواطنين الفلسطينيين إلى نوف هجليل في السنوات الأخيرة، حيث اشتروا بشكل كبير ممتلكات من اليهود الإسرائيليين الذين أعيد توطينهم هناك كمهاجرين وكسبوا ما يكفي "للانتقال نحو حياة أفضل في وسط البلاد"، وفقا للصحفي جوناثان كوك المقيم في الناصرة. تعزو بخار وصول الفلسطينيين في نوف هجليل إلى حقيقة أن "البلدات المجاورة ليس لديها مساحة للنمو". أشارت إلى أن نوف هجليل قدمت قطعة من أرضها لمقبرة لسكان عين ماهل، لكنها لا ترغب في "التخلي عن الأرض"، نظرا إلى "طموحنا في الوصول إلى 100 ألف مواطن". اقترحت بدلا من ذلك أن تبني إسرائيل "مدينة جديدة للمواطنين العرب".

قالت بخار إن المدينة "تجلب عائلات يهودية للاستقرار" من أجل "ضمان بقائها يهودية". لا توجد في نوف هجليل مدرسة حكومية لنحو 3 آلاف طفل فلسطيني في سن الدراسة، ما يجبر معظمهم على التنقل إلى الناصرة، حيث يرتاد الفلسطينيون واليهود الإسرائيليون مدارس منفصلة. قال رئيس البلدية حينها عام 2013 لصحيفة "واشنطن بوست": "أفضّل أن أقطع ذراعي اليمنى على بناء مدرسة عربية".

تقول إدارة التخطيط إنها بصدد الموافقة على خطة شاملة لعين ماهل. قال مسؤول في عين ماهل إن القرية طلبت أن تعيد الخطة تخصيص الأراضي الزراعية للسماح بالبناء السكني وإعادة تخصيص أراضي الدولة. تقول مسودة الخطة إنه، في حال الموافقة، سيُعاد تخصيص الأراضي الزراعية، بما فيها بعض المناطق خارج نطاق البلدة، كمنطقة سكنية بها 12 ألف وحدة سكنية، مقارنة بـ 3 آلاف وحدة سكنية موجودة حاليا في القرية.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة