(تونس) - إن فرض تونس للإقامة الجبرية على 139 شخصا على الأقل، بموجب الامر الرئاسي الصادر في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، انعكس بصورة سلبية علي حياة العديد منهم وجعلهم عاجزين عن متابعة الدراسة والعمل. برّرت السلطات هذه التدابير في سياق مكافحة الإرهاب.
قالت آمنة القلالي، مديرة مكتب هيومن رايتس ووتش في تونس: "لا تخوّل حالات الطوارئ الحكومات تقييد الحقوق بشكل مطلق. التدابير الاستثنائية، مثل الإقامة الجبرية، يجب أن تكون قابلة للاستئناف ومحدودة زمنيا لكي تكون قانونية".
وفقا للمعايير الدولية، تعتبر الإقامة الجبرية أحد أشكال الاعتقال وتستلزم ضمانات معينة لاعتبارها قانونية، حتى أثناء حالة الطوارئ. إذا استمرت السلطات التونسية بفرض أوامر الإقامة الجبرية في ظل حالة الطوارئ، فعليها أن تفعل ذلك لفترات محدودة، وأن تقدّم نسخة كتابية من هذا القرار، وتجعله قابلا للاستئناف ومراجعة قضائية فعالة. يجب أن يخضع كل تجديد لأوامر الاعتقال هذه لموافقة المحكمة، وعلى سلطات الدولة إثبات ضرورة استمرار التوقيف، آخذة بعين الاعتبار جميع الظروف، بما فيها قدرة المعتقل على إيجاد عمل.
أعلن الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي حالة الطوارئ في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، بعد تفجير انتحاري في تونس العاصمة قتل 12 من الحرس الرئاسي وجرح 20 آخرين. جُددت حالة الطوارئ عدة مرات، آخرها في 16 سبتمبر/أيلول 2016.
تستند حالة الطوارئ في تونس على مرسوم رئاسي لعام 1978 يعطي وزارة الداخلية صلاحية الأمر بفرض الإقامة الجبرية على أي شخص "يعتبر نشاطه خطيرا على الأمن والنظام العامين". يضيف المرسوم أن على السلطات "تخاذ كل الإجراءات لضمان معيشة هؤلاء الأشخاص [تحت الإقامة الجبرية] وعائلاتهم". قال الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش إن الحكومة لم توفر مثل هذا الدعم.
بعد وقت قصير من إعلان حالة الطوارئ الأولي، صرحت وزارة الداخلية أنها وضعت 139 شخصا تحت الإقامة الجبرية، قائلة إنهم كانوا إما عائدين من "بؤر توتر" أو يشتبه في صلتهم بجماعات متشددة مثل "أنصار الشريعة"، التي صنفتها الحكومة جماعة إرهابية في سبتمبر/أيلول 2015.
قابلت هيومن رايتس ووتش 13 شخصا قالوا إنهم وضعوا تحت الإقامة الجبرية. وُضع 11 تحت الإقامة الجبرية في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، و2 في أغسطس/آب 2016. بعض الذين تمت مقابلتهم متهمون بجرائم تتعلق بالإرهاب. إلا أن أوامر الإقامة الجبرية ليس لها أي صلة رسمية بتلك التهم. فهي ليست أحد أشكال الرقابة القضائية السابقة للمحاكمة التي تفرضها المحاكم التي تقاضيهم.
قال الذين تمت مقابلتهم إن الشرطة قدمت لهم في أحسن الأحوال أسبابا غامضة لأوامر الإقامة الجبرية. قال الـ 13 شخصا جميعا إن الشرطة جعلتهم يوقعون على إخطار بالقرار دون السماح لهم بالاحتفاظ بنسخة. تكرار هذا الرفض يدل على أنه سياسة وليس تصرفا فرديا من الأعوان.
قالوا إن الشرطة أمرتهم بالبقاء في منازلهم بشكل دائم. كان على البعض مراجعة مركز الشرطة مرتين في اليوم. في حالات أخرى، تأتي الشرطة إلى منازلهم يوميا لتفقدهم.
قابلت هيومن رايتس ووتش 3 أشخاص قالوا إن السلطات رفعت جزئيا أوامر إقامتهم الجبرية عام 2016، ما سمح لهم بالتنقل بين منازلهم ومكان عملهم. لا يزال آخرون تحت الإقامة الجبرية لمدة 24 ساعة. ليس من الواضح عدد الأشخاص الذين يعيشون تحت الإقامة الجبرية الجزئية، ولا المعايير التي تستخدمها السلطات عندما تقرر فرض إقامة جبرية جزئية بدلا من 24 ساعة.
قال الذين قوبلوا إن القيود المفروضة على تحركاتهم أدت إلى فقدانهم الدخل أو عجزهم عن مواصلة دراستهم، وعطلت حياتهم. قال حامد بوترعة الذي كان لديه محل بقالة: "المشكلة هي أنني لا أعرف متى سينتهي هذا، أنا مفلس، فقدت سمعتي. يتجنبني أصدقائي وكثير من أقاربي. زبائني وجيراني يخافون مني الآن. لا أزال تحت الإقامة الجبرية منذ 11 شهر. لم يوضح لي أحد السبب. عندما أسأل الشرطة يكون الرد الوحيد: أنت مشتبه بك".
في حين لم تقدم الشرطة أوامر مكتوبة للإقامة الجبرية، استطاع المحامي حافظ غضون الذي يدافع عن كثير من الموضوعين تحت الإقامة الجبرية، الحصول على أمرين أثناء إجراءات المحكمة. الأمر الأول كان لأيمن القروي، الذي اتهم بانتهاك أمر إقامته الجبرية، كان موقعا من وزير الداخلية آنذاك ناجم الغرسلي. يذكر الأمر أن الوزير وضع القروي تحت الإقامة الجبرية في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، بحيث لا يُسمح له بمغادرة منزله أو تغيير مكان إقامته، وأن انتهاكات الأمر ستحاكم بموجب قانون الطوارئ، الذي ينص على عقوبة قد تصل إلى 6 أشهر في السجن أو ما يصل الى 2500 دينار (135 دولار) غرامة مالية. لا يقدم الأمر المكتوب أي سبب لاعتقال الشخص في منزله.
عدم توافر الأوامر المكتوبة صعّب على كثير من الذين قوبلوا الطعن في الأوامر أمام المحكمة الإدارية، التي تقوم بمراجعة القرارات الإدارية. تطلب قواعد المحكمة من مقدم الشكوى تقديم نسخة من القرار الإداري عندما يريد الطعن.
ومع ذلك، في حالتين حديثتين على الأقل، قبلت المحكمة الإدارية التونسية الطعون دون نسخة كتابية. راجعت هيومن رايتس ووتش قرارا من هذا النوع مؤرخا في 17 مايو/أيار، يعلق الإقامة الجبرية لرجل يدعى محمد جيلاني.
فسرت المحكمة سلطات الوزارة في فرض الإقامة الجبرية بموجب حالة الطوارئ على أنه يمكن حصر حركة شخص ما في منطقة معينة، وتقييد حركته بين المدن، ولكن ليس إجباره على الإقامة في بيته، لأن هذا أقرب ما يكون إلى "مقرر اعتقال للمعني بالامر في محل اقامته، وهو ما يشكل انتهاكا للحقوق الاساسية المضمونة في الدستور".
جيلاني، الذي وضع تحت الإقامة الجبرية في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، قال لـ هيومن رايتس ووتش إن الشرطة في منطقته بتونس العاصمة رفضت الانصياع لقرار المحكمة، وإنه حوكم وغُرّم في وقت لاحق بتهمة انتهاك الإقامة الجبرية.
لشهادات أشخاص تحت الإقامة الجبرية، وتحليل لالتزامات تونس القانونية، ومزيد من التفاصيل، يرجى الاطلاع أدناه.
حالات إقامة جبرية
قال محمد الحناشي (34 عاما)، العاطل عن العمل، إنه في 16 أغسطس/آب 2016، تلقى مكالمة هاتفية لاستدعائه إلى مركز شرطة أريانة، وهو حي في تونس العاصمة. أخبره الأعوان هناك أنه وُضع تحت الإقامة الجبرية. قالوا له إنهم لا يعرفون أسباب هذا القرار، إلا أنها كانت الأوامر، ورفضوا السماح له بقراءة أمر وزارة الداخلية المكتوب. قالوا له إنه إذا انتهك الإقامة الجبرية سيواجه السجن.
يعتقد الحناشي أن أمر الإقامة الجبرية مرتبط بإلقاء القبض عليه عام 2014، حين وُجّهت إليه تهمة الانتماء إلى منظمة إرهابية. أمضى سنة و4 أشهر في سجن المرناقية، قبل أن يفرج عنه مؤقتا قاضي التحقيق في المحكمة المتخصصة في قضايا الإرهاب في 25 فبراير/شباط 2016. ولاتزال القضية معلقة.
***
مروان الشعار (31 عاما)، يعمل في وزارة التربية والتعليم. قال إنه في 13 أغسطس/آب 2016، استدعته شرطة القيروان إلى مركز المنطقة، حيث أخبره رئيس المركز أنه وضع تحت الإقامة الجبرية "الجزئية". أعطى الضابط الشعار ورقة من وزارة الداخلية ليقرأها ولكنه رفض أن يعطيه نسخة. أفادت الورقة، كما يذكر، أن لديه "أمر إقامة جبرية"، بموجب مرسوم حالة الطوارئ، وأنه لا يمكنه مغادرة محافظة القيروان. يعتقد الشعار أن أمر إقامته الجبرية يعود إلى ارتباطه القديم مع "أنصار الشريعة"، الذي قال إنه انتهى بعد فترة وجيزة من تصنيفها كمنظمة إرهابية. اعتُقِل عدة مرات بعد ذلك، ولكن أفرج عنه دون توجيه اتهام. قال إنه لا توجد تهم موجهة إليه.
***
قال رمزي عبد الرحمن اللافي (34 عام) إن ضباط شرطة من شرطة المروج، ضاحية جنوب تونس العاصمة، في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، أخبروه أنهم تلقوا أمرا من وزارة الداخلية بوضعه تحت الإقامة الجبرية. سمحوا له بقراءة الأمر بسرعة فقط. عندما رفض التوقيع، هدد رئيس المركز بسجنه. قال اللافي إن عليه مراجعة مركز شرطة المروج مرتين في اليوم، والبقاء في المنزل. بعد شهر واحد، قال إنه ذهب الى مطماطة جنوب تونس. ألقت الشرطة القبض عليه هناك، واتهمته بانتهاك قانون الطوارئ، واقتادته إلى محكمة بن عروس الابتدائية في تونس، حيث أفرج قاضي التحقيق عنه دون تهمة. قال إنه ألقي القبض عليه مرة أخرى في 18 مايو/أيار 2016، بعد أن جاءت الشرطة للتحقق إن كان في المنزل ولم تجده. أفرج عنه قاضي التحقيق في محكمة بن عروس مرة أخرى دون اتهام. قال:
دُمرت حياتي. كنت أعمل خبازا، في مواقع مختلفة، ولكن لا يمكنني التحرك الآن دون مواجهة الاعتقال. قررت خطيبتي الانفصال عني لأنها لم تتمكن من احتمال هذه الظروف. لم أعد أستطع التحدث مع جيراني، ينظرون إليّ كإرهابي. حتى الآن لا توجد قضية ضدي في المحاكم.
يعتقد اللافي أن قرار الإقامة الجبرية مرتبط بمعارضته السلطات قبل الإطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي. قال إنه ذهب لدراسة الشريعة الإسلامية في جامعة الأزهر في مصر عام 2008. وبعد 6 أشهر من عودته، ألقت الشرطة القبض عليه واحتجزته بمعزل عن العالم الخارجي 18 يوما في قبو وزارة الداخلية، متهمة إياه بالسعي للانضمام لمنظمات إرهابية في باكستان ومصر. أسقط القاضي الاتهامات وأفرج عنه. قال اللافي إنه بقي يواجه مضايقات الشرطة حتى قيام الثورة. بعد الاطاحة ببن علي، تمكن اللافي من تجديد جواز سفره. ذهب للعمل في ليبيا كخباز في فندق لشهر ونصف ولكنه عاد إلى تونس نهاية عام 2011.
***
نزار رياشي (37 عاما) كان يدير بقالة صغيرة. أبلغه رئيس مركز شرطة سيدي داود في المرسى، إحدى ضواحي تونس العاصمة، في 26 ديسمبر/كانون الأول 2015، بوضعه تحت الإقامة الجبرية وقدم له أوراق ليوقع عليها، لكنه رفض أن يعطيه نسخة. قال قائد الشرطة له إنه لا يمكن له مغادرة منزله، إلا لمراجعة مركز الشرطة مرتين في اليوم.
قال رياشي إنه طلب الإذن لمرافقة زوجته إلى مطار النفيضة، الذي يبعد حوالي 100 كم عن تونس العاصمة في فبراير/شباط 2016. رفض قائد الشرطة، ولكنه ذهب رغم ذلك. عندما عاد، ألقت الشرطة القبض عليه واقتادته إلى مركز احتجاز بوشوشة بتونس العاصمة، واحتجزته 3 أيام. غرّمه القاضي في المحكمة الابتدائية بتونس العاصمة 150 دينار (68 دولار).
أعرب عن اعتقاده بأن إقامته الجبرية مرتبطة باعتقالاته السابقة. اعتُقِل رياشي من نوفمبر/تشرين الثاني 2013 إلى أبريل/نيسان 2014 بعد أن داهمت فرقة مكافحة الإرهاب منزله وعثرت على كتاب اعتبرته دعاية إرهابية. برأته محكمة استئناف في 25 إبريل/نيسان 2014، لعدم وجود "أي دليل ضده"، وقفا للحكم الذي راجعته هيومن رايتس ووتش. أكدت محكمة النقض حكم البراءة في 27 يناير/كانون الثاني 2015.
أرسل محامي رياشي خطابا إلى وزير الداخلية في مايو/أيار 2016 يطلب منه رفع الإقامة الجبرية. وقال إنه لم يتلق ردا حتى 29 سبتمبر/أيلول.
***
فريد رحومة (41 عاما) كان لديه شركة نقل.
أبلغه قائد الشرطة في مخفر حمام الأنف جنوب تونس العاصمة حيث يقيم، في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، بوضعه تحت الإقامة الجبرية، وأظهر له أمر اعتقال لكنه رفض أن يعطيه نسخة:
ليس لدي أي دليل على وجودي تحت الإقامة الجبرية، لا شيء يدعم ادعاءاتي. أغلِق مكتبي وشركتي أثناء إقامتي الجبرية. رغم أنني لم أكن أكسب أي دخل، اضطررت إلى تغطية ايجار منزلي ونفقات المعيشة.
أبلغته الشرطة في مارس/آذار أن وزارة الداخلية رفعت أمر إقامته الجبرية جزئيا. يمكنه العمل ولكن لا يمكنه مغادرة حمام الأنف دون تصريح من الشرطة.
يعتقد رحومة أن أمر إقامته الجبرية يرتبط بالتهم التي وُجهت إليه عام 2015. اعتقل رحومة في 26 يونيو/حزيران 2015، ووُجهت إليه تهمة الانتماء إلى جماعة إرهابية بموجب قانون مكافحة الإرهاب. قال إنه قضى قرابة 3 أشهر في سجن المرناقية، قبل أن يغلق قاضي التحقيق في المحكمة الابتدائية بتونس العاصمة القضية المرفوعة ضده.
***
قال أسامة القمودي (23 عاما)، طالب في المعهد العالي للرياضة والتربية البدنية بتونس العاصمة إنه في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، طرق رجل بملابس مدنية باب مكتبه، وقال إنه من الحرس الوطني. قدّم أوراقا للقمودي كي يوقعها، وقال له إنه أمر إقامة جبرية. رفض الرجل السماح له بقراءة الوثيقة قبل أن يوقع عليها.
قال القمودي إن وكلاء الحرس الوطني يأتون إلى بيته يوميا للتأكد من وجوده: "أنا مسجون في بيتي منذ 8 أشهر. فاتني عام دراسي بسبب الإقامة الجبرية. كان من المفترض أن أتخرج هذا العام".
قال القمودي إنه قدم طلبا خطيا إلى وزير الداخلية لرفع الإقامة الجبرية في فبراير/شباط. وفي مارس/آذار رفع التماسا لإلغاء القرار أمام محكمة القضاء الإداري. لم تلقى الإجابة على أي طلب.
***
قال حامد بوترعة (29 عاما) الذي كان يدير متجر بقالة إن رجال الشرطة - بعضهم في ملابس مدنية، والآخر يرتدي الزي العسكري - أتوا إلى بيته في ضاحية منوبة بتونس العاصمة، في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، وطلبوا منه مرافقتهم إلى مركز للشرطة، ثم أخبروه بوضعه تحت الإقامة الجبرية، ومنعه من مغادرة المنزل دون تصريح من الشرطة.
قال إنهم أعطوه وثائق كي يوقعها، ولمح فيها أمر وضعه تحت الإقامة الجبرية وأنه سيواجه السجن إذا خالف الأمر. رفضت الشرطة منحه نسخة.
قال بوترعة إن الشرطة كانت تأتي إلى منزله 4 مرات في اليوم للتحقق من وجوده، من نوفمبر/تشرين الثاني 2015 حتى 21 فبراير/شباط 2016. منذ ذلك الحين، يأتون إلى منزله الليل كل يوم أو يومين.
أعرب عن اعتقاده بأن الإقامة الجبرية تتعلق بأنشطته كإمام في مسجد حيه فيه:
كنت إماما في هذا المسجد لأقل من 6 أشهر عام 2012 ثم استقلت. لم أفعل أي شيء متشدد.
***
هشام الهرمي (36 عام)، موظف في الإدارة العامة ويعيش في تونس العاصمة. قال إن الشرطة أوقفت سيارة أجرة كان يستقلها في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، وطلبت التحقق من بطاقة هويته. أخذوه إلى مركز شرطة جبل الجلود، حيث أبلغوه أن لديهم أمرا بوضعه تحت الإقامة الجبرية. وعندما سأل لماذا، ذكر أحد رجال الشرطة رحلة قام بها إلى تركيا عام 2015:
قلت للشرطي أني ذهبت عبر تركيا لأن اليونان طردتني بعد محاولتي الهجرة غير القانونية. أجاب الشرطي، "لا يهمني إذا كنت حراق [مهاجر غير شرعي]، أو إذا أضرمت النار بنفسك الآن". سلمني 3 ورقات لأوقعها وأمرني بعدم مغادرة بيتي.
قال إن سيارة الشرطة كانت تأتي من المخفر إلى بيته 4 مرات في اليوم للتحقق من وجوده، من نوفمبر/تشرين الثاني 2015 حتى فبراير/شباط 2016.
قال أيضا إن زوجته أجهضت حملها في ديسمبر/كانون الأول 2015 بعد مداهمة أحد رجال الشرطة منزلهما.
صعد شرطي إلى الطابق الثاني من المنزل دون أن يطرق. رأت زوجتي رجلا بملابس عادية يركض نحوها عبر الدرج. صرخ: "هل هشام هنا؟". خافت وسقطت إلى أسفل الدرج. كانت حاملا، وتوفي طفلي.
قال إنه تم تخفيف إجراءات الإقامة الجبرية منذ 20 يناير/كانون الثاني. أبلغه مركز شرطة جبل الجلود أنه يمكنه العودة إلى العمل، ولكن أخبره أيضا أنه لا يستطيع مغادرة ولاية تونس دون إذن.
***
محمد علي الغرزي (22 عاما) يعمل في وزارة الصحة. قال إنه استيقظ ليجد 7 أشخاص يرتدون ملابس مدنية عند سريره، في 11 ديسمبر/كانون الأول 2015. قيّدوا يديه واقتادوه إلى مركز الشرطة في قرطاج، إحدى ضواحي تونس العاصمة. قال إنه استُجوِب حول الفترة التي قضاها في تركيا عام 2013. قال لهم إنه ذهب هناك لقضاء عطلة 5 أيام.
قالوا له إن وزارة الداخلية وضعته تحت الإقامة الجبرية. قال الغرزي إنه وقع 3 ورقات بعد قراءتها بسرعة. كان عليه مراجعة مركز شرطة بيرسا في قرطاج مرتين في اليوم. أبلغه رئيس مخفر بيرسا منتصف فبراير/شباط، أنهم خففوا شروط الإقامة الجبرية حتى يتمكن من الذهاب إلى العمل، لكنه لا يزال مجبرا على مراجعة مركز الشرطة مرتين في اليوم.
أضاف الغرزي: "أضرّت الاقامة الجبرية بحياتي. جيراني ينظرون إليّ كإرهابي الآن. أشعر دائما أنه يمكن القبض علي في أي وقت، كما أني خسرت وظيفتي".
***
هادي الهمامي (47 عاما) سائق سيارة إسعاف. احتجزته الحكومة الأمريكية 8 أعوام في غوانتانامو. بعد عودته إلى تونس عام 2012، استفاد من قانون العفو العام عن السجناء السياسيين.
قال إن الشرطة كانت تضايقه منذ عودته من غوانتانامو، وإنه اضطر إلى نقل سكنه 3 مرات لأن الشرطة حرضت مالكي البيوت على رفض تأجيرها لـ "إرهابي".
استُدعِي إلى مركز الشرطة في حي الزهور جنوب تونس العاصمة في 3 ديسمبر/كانون الأول 2015، وأبلِغ بوضعه تحت الإقامة الجبرية، لم يعد لديه الحق في العمل، وكان عليه مراجعة مركز الشرطة الساعة 10 صباحا و4 بعد الظهر يوميا. قدم طلبا لإلغاء القرار أمام المحكمة الإدارية في 14 ديسمبر/كانون الأول 2015، ووجه رسائل إلى وزارة الداخلية يطلب من السلطات رفع الإقامة الجبرية، لكنه لم يتلق أي رد. قال إن مخفر الحي أبلغه في أغسطس/آب أنه يمكنه العمل ولكن ليس السفر خارج تونس العاصمة، وأنه لم يعد عليه مراجعة المخفر. ولكن في 9 سبتمبر/أيلول استدعاه مركز الشرطة مرة أخرى، وأبلغه بقرار جديد من وزارة الداخلية بوجوب الحضور إلى المركز مرة في اليوم.
***
أيمن القروي (34 عاما)، يدير متجر أسماك في بومهل جنوب العاصمة. قال إنه ذهب إلى ليبيا للعمل مع شركة دولية خاصة في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، لكنه عاد إلى تونس لأسباب عائلية في 14 يناير/كانون الثاني 2013. عندما حاول العودة إلى ليبيا في أغسطس/آب 2013، منعته شرطة الحدود من المغادرة. أضاف أنه حاول عبور الحدود بشكل غير قانوني في 6 سبتمبر/أيلول 2013، ولكن الحرس الوطني قبض عليه في مدنين. نقلوه إلى ثكنة الحرس الوطني في العوينة بتونس العاصمة، حيث يؤخذ أحيانا المشتبه في صلتهم بالإرهاب لاستجوابهم. اتهموه بالانتماء إلى خلية إرهابية ومحاولة الانضمام إلى جماعة إرهابية في ليبيا. واحتجزوه في الثكنة 6 أيام، ثم أحالوه إلى المحكمة الابتدائية في تونس العاصمة. أفرج عنه قاضي التحقيق في الغرفة 27 مؤقتا. أسقط قاضي التحقيق جميع التهم عنه في 19 سبتمبر/أيلول 2013.
قال إنه فتح متجر أسماك في بومهل في أبريل/نيسان 2014، مع صديقه فارس المهداوي. عندما كان والمهداوي مسافران إلى بلدة مجاورة لشراء لوازم في 24 ديسمبر/كانون الأول 2014، منعتهما الشرطة وقالت إن "قيود مفروضة على السفر" موضوعة على جواز سفرهما، أشارت إليها الشرطة أنها إجراءات تسمى "إس 17".
في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، استدعى أعوان الحرس الوطني في بومهل القروي إلى مقرهم، وقالوا إنه وُضِع تحت الإقامة الجبرية. قال القروي إنه قرأ الأمر الذي نصّ على عدم السماح له بمغادرة منزله. قال للشرطة إن الأمر سيمنعه من العمل، ولكن رئيس مركز الحرس الوطني قال إنهم لن يزعجوه إذا ذهب إلى عمله في متجر الأسماك، وإن عليه طلب إذن إذا كان يريد الذهاب إلى مكان آخر. ذهب إلى مركز الحرس الوطني في ديسمبر/كانون الاول 2015، وطلب الإذن للذهاب إلى سوق السمك الكبير في بلدة نعسان المجاورة، لكن رُفِض طلبه.
قال إن عناصر الحرس الوطني أخذوه والمهداوي إلى مركزهم المحلي في 30 يناير/كانون الثاني 2016، وسلموهما استدعاء للمثول أمام المحكمة الابتدائية في بن عروس. عرض قرار المحكمة على هيومن رايتس ووتش والمؤرخ في 3 فبراير/شباط 2016، والذي يفرض غرامة قدرها 100 دينار (44 دولار) لانتهاكه قانون الطوارئ. قال إنه بقي في منزله دون عمل لشهر، خوفا من محاكمة أخرى. قال إنه أبلغ الحرس الوطني في بومهل في 15 سبتمبر/أيلول أن الاقامة الجبرية ستُرفع عنه جزئيا بموجب أمر وزارة الداخلية الذي قرأه ويذكر أنه يمكنه الذهاب للعمل، لكن عليه الحصول على إذن لأي تحرك آخر. قال القروي إن الإقامة الجبرية قطعت دخله بسبب اضطراره لإغلاق متجره في مناسبات عديدة.
***
قال فارس المهداوي (24 عاما) إنه ذهب إلى سوريا في أكتوبر/تشرين الأول 2012 للانضمام إلى "الجيش السوري الحر" في محافظة إدلب. بقي في سوريا وتركيا 3 أشهر لكنه عاد إلى تونس في يناير/كانون الثاني 2013 بسبب "الفوضى" في سوريا، وفتح متجر أسماك مع القروي. قال إنه في 16 أبريل/نيسان 2014، جاء عناصر من مركز الحرس الوطني في الزهراء إلى المتجر واعتقلوه وحققوا معه حول زيارته لسوريا. ثم اتُهم وأدِين بتهم تتعلق بالإرهاب. حكمت عليه إحدى المحاكم في 7 يوليو/تموز 2014، واكتفت باحتجازه المدة التي قضاها وأفرجت عنه.
قال إن الحرس الوطني في الزهراء أبلغه بوضعه تحت الإقامة الجبرية في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2015. عندما أعرب عن قلقه إزاء عمله، قالوا له إنهم لن يزعجوه إذا ذهب إلى متجر السمك، ولكن عليه الحصول على إذن لتحركات أخرى. استدعاه رئيس مركز الزهراء في يناير/كانون الثاني 2016، وقال له إن عليه البقاء في منزله. أخذته وحدة مكافحة الإرهاب في بن عروس مع القروي إلى المحكمة في فبراير/شباط، حيث حكم القاضي عليهما بغرامة 100 دينار لـ "خرق قانون الطوارئ". بقي في المنزل 4 أشهر، وقال إن الحرس الوطني أبلغه برفع الإقامة الجبرية جزئيا، في سبتمبر/أيلول 2016، بما يسمح له بالذهاب إلى متجره:
أشعر أنني في سجن كبير. لا يمكنني التحرك، لا أستطيع أن أرى أقاربي أو أن أزور أصدقائي. فقدنا كثيرا من زبائننا. يعتقدون أننا إرهابيون. تعطلت حياتي الاجتماعية بشكل كامل.
***
ياسين العوني (37 عاما) كان يعمل في وزارة الشباب والرياضة. قال إنه سافر إلى الحدود التركية مع سوريا في فبراير/شباط 2013، وبقي هناك نصف عام. قال إنه اعتُقل لدى عودته إلى تونس وحوكم بسبب "عبور الحدود بصورة غير مشروعة". قضى 27 يوما في سجن المرناقية، وأفرِج عنه بعد أن حكمت عليه المحكمة الابتدائية بتونس العاصمة بالسجن 6 أشهر مع وقف التنفيذ، في أغسطس/آب 2013.
عاد إلى وظيفته، ولكن في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، جاءت وحدة التحقيق التابعة للحرس الوطني بمنوبة إلى منزله منتصف الليل وأخبروه بوضعه تحت الإقامة الجبرية وعدم السماح له بمغادرة منزله. قال إنهم رفضوا منحه نسخة من الأمر أو الكشف عن الأسباب. قال العوني إن الحرس الوطني كان يأتي إلى منزله مرتين في اليوم لمدة 7 أشهر للتحقق من وجوده. طلب الإذن لحضور جنازة صهره في 3 يونيو/حزيران 2016، لكن رُفض طلبه.
قال إن وزارة الشباب قررت طرده من العمل في 19 فبراير/شباط 2016، ويبين القرار الذي استعرضته هيومن رايتس ووتش أن الوزارة عزلته من منصبه في إدارة الموارد البشرية بسبب "تركه المنصب"، بعد أن أرسلت له دعوة في 4 ديسمبر/كانون الأول 2015، لمراسلة عمله، ولكنه لم يكن قادرا على ذلك بسبب شروط الإقامة الجبرية.
التزامات تونس القانونية
تنصّ المادة 9 من "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، الذي صادقت عليه تونس، أن "لكل فرد الحق في الحرية والأمان على شخصه. لا يجوز إخضاع أحد للقبض أو الاحتجاز التعسفي. ولا يجوز توقيف أحد أو اعتقاله تعسفا. ولا يجوز حرمان أحد من حريته إلا لأسباب ينص عليها القانون وطبقا للإجراء المقرر فيه".
رغم أن العهد لا يمنع الدول من فرض الإقامة الجبرية بموجب قانون إعلان حالة الطوارئ، إلا أنه يفرض بعض القيود على استخدامها. وفقا للتعليق العام 35 على المادة 9، التي قدمتها "لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة"، والتي تفسر العهد، تعتبر الإقامة الجبرية أحد أشكال الاعتقال وتطلب ضمانات معينة ليتم اعتباره قانونيا. نصّ التعليق على أن التدابير السالبة للحرية، بما فيها الإقامة الجبرية، يجب ألا تكون تعسفية، ويجب أن تنفذ مع احترام سيادة القانون وتسمح بمراجعة قضائية ذات معنى وفورية للاحتجاز.
بموجب هذا العهد، يجوز للحكومات تقييد بعض الحقوق في حالات الطوارئ، ولكن فقط "بالقدر اللازم الذي تقتضيه ضرورات الوضع". على الحكومات ضمان أن أيا من هذه التدابير متناسبة تماما مع الهدف المشروع المبتغى، وأنها لا تفرض سلطات الطوارئ بطريقة تمييزية أو أن توصم الناس حسب عرق معين أو الدين أو فئة اجتماعية. لا يمكن إلغاء الحق في المراجعة القضائية للاحتجاز، حتى في حالة الطوارئ.
تنصّ الأسس والمبادئ التوجيهية بشأن الحق في المحاكمة العادلة والمساعدة القانونية في أفريقيا على ما يلي:
يحقّ لكل شخص حُرم من حريته بالتوقيف أو الاحتجاز اتخاذ إجراءات أمام هيئة قضائية، بحيث يستطيع هذا الجسم القضائي أن يقرر دون إبطاء قانونية احتجازه ويأمر بالإفراج إذا كان الاعتقال غير قانوني.
ينص الفصل 49 من الدستور التونسي على أن أية قيود مفروضة على حقوق الإنسان التي يضمنها الدستور تكون "بما لا ينال من جوهرها. ولا توضع هذه الضوابط إلا لضرورة تقتضيها دولة مدنية ديمقراطية وبهدف حماية حقوق الغير، أو لمقتضيات الأمن العام، أو الدفاع الوطني، أو الصحة العامة، أو الآداب العامة، وذلك مع احترام التناسب بين هذه الضوابط وموجباتها ".