قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن على الحكومات حول العالم أن توقع على الفور على اتفاقية ميناماتا الرائدة الجديدة بشأن الزئبق. سوف يجتمع مسؤولون من كل دول العالم في كوماموتو باليابان ابتداء من 7 أكتوبر/تشرين الأول؛ لاعتماد الاتفاقية رسميا. وبمجرد اعتمادها، ستكون قابلة للتوقيع والتصديق عليها.
يعد الزئبق معدنا ساما، يمكن أن يتسبب في اعتلال في الصحة، والعجز، والوفاة. وتلزم الاتفاقية الحكومات بالحد من استخدام الزئبق والانبعاثات الناجمة عنه في محيط الصناعات وعمليات المعالجة.
قالت جوليان كيبينبرغ، الباحثة الأولى بقسم حقوق الطفل في هيومن رايتس ووتش: "يتعرض الملايين من الناس حول العالم إلى الآثار السامة للزئبق. وستساعد هذه المعاهدة على حماية البيئة وحق الناس في الصحة على حد سواء".
تحمل المعاهدة اسم بلدة ميناماتا اليابانية، حيث وقعت واحدة من أسوأ كوارث التسمم عن طريق الزئبق التي وقعت في خمسينيات القرن الماضي، بعدما لوث أحد مصانع المواد الكيماوية الخليج بالزئبق. وفقا للأرقام الرسمية، مات ألف و700 شخص، لكن يعتقد أن الرقم الحقيقي أعلى من ذلك بكثير. وبالإضافة إلى ذلك عانى عشرات آلاف آخرون عاهات مستديمة، بما في ذلك تلف الدماغ، والإعاقة الذهنية، والعيوب الخلقية، ومشاكل صحية أخرى. كان العديد من الضحايا من الأطفال.
يستخدم معظم الزئبق حاليا في عمليات لتعدين الذهب الحرفي على نطاق صغير. يعمل ما يقدر بـ 10 إلى 15 مليون شخص في عمليات تعدين الذهب على نطاق صغير في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، ويعتمدون على الزئبق كطريقة رخيصة وسهلة لاستخراج الذهب. عندما يسكب الزئبق السائل على الخام من القاعدة إلى القمة، فإنه يقوم بجذب جزئيات الذهب على شكل ملغم [من الذهب والزئبق]. ولفصل الذهب عن الزئبق، يقوم عمال المناجم بحرق الملغم، ما يحول الزئبق إلى غاز سام. يتم تصدير معظم الذهب المستخرج من عمليات التعدين على نطاق صغير إلى أسواق الذهب العالمية.
وثق بحث هيومن رايتس ووتش استخدام الزئبق من قبل الأطفال والبالغين في مالي، ونيجيريا، وغانا، وتنزانيا، وبابوا غينيا الجديدة. على الرغم من أن الزئبق ينطوي على خطورة على الأطفال على وجه الخصوص ، فإن بعض الأطفال يعملون مع الزئبق بصورة يومية، غير مدركين للمخاطر الصحية. يحظر القانون الدولي تلك الأنواع من عمالة الأطفال الخطرة. كما يتعرض الأطفال إلى أبخرة الزئبق عندما يقوم آباؤهم أو أشقائهم الأكبر منهم سنا بحرق الملغم داخل منازلهم.
قالت كيبينبرغ: "بموجب اتفاقية ميناماتا، لم يعد العمل باستخدام الزئبق مسألة طوعية. وسيكون على الحكومات التي توقع وتصدق على الاتفاقية الآن التزام قانوني بالحد من التعرض للزئبق في التعدين، وبذل جهود خاصة لحماية الأطفال والنساء اللاتي في سن الإنجاب".
بموجب الاتفاقية، ستكون هناك حاجة لأن تطور الدول التي تتم فيها عمليات لتعدين الذهب الحرفي على نطاق صغير خطط عمل وطنية. يجب أن تتضمن تلك الخطط خطوات للقضاء على الممارسات الضارة على نحو خاص، مثل حرق ملغم الذهب والزئبق في المناطق السكنية، وحرق الملغم من دون أجهزة لالتقاط غاز الزئبق المنبعث. وفي حين أخفقت الاتفاقية في وضع موعد نهائي لمنع استخدام الزئبق في التعدين، فأنها ألزمت الحكومات بالحد من استخدام الزئبق وتعزيز الطرق البديلة التي لا تستخدم الزئبق.
تلزم المعاهدة الحكومات أيضا بحماية صحة المجتمعات التي تستخدم التعدين على نطاق صغير، من خلال جمع البيانات الصحية، وتدريب العاملين في مجال الرعاية الصحية، ورفع درجات الوعي بمخاطر الزئبق من خلال المرافق الصحية. بالإضافة إلى ذلك، فهي تدعو الحكومات لمنع وعلاج كافة جميع السكان المتضررين من الزئبق، وتعزيز قدرات العاملين في مجال الصحة للتعامل مع الأمراض المرتبطة بالزئبق. وهذه أول مرة تعترف فيها اتفاقية بيئية بأهمية قطاع الصحة، من خلال مادة مستقلة حول الصحة.
قالت جوليان كيبينبرغ: "من الأهمية بمكان أن تعترف الاتفاقية بالدور المهم الذي يلعبه القطاع الصحي، ليس فقط في الوقاية، بل أيضا في رصد مستويات تعرض المرضى [للزئبق]، وأن توفر لهم الرعاية التي يحتاجونها".
يهاجم الزئبق الجهاز العصبي، ومن الممكن أن يسبب العجز مدى الحياة بما في ذلك تلف الدماغ. وقد يؤدي التعرض لمستويات عالية من الزئبق إلى الفشل الكلوي، وفشل الجهاز التنفسي، والوفاة. وينطوي الزئبق على خطورة خاصة على الأطفال، بينما تكون أجسامهم ما تزال في مراحل النمو، و الأضرار الناجمة عنه لا رجعة فيها.
قالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي على الحكومات أن ترسل بإشارة دعم واضحة، من خلال التوقيع على الاتفاقية فورا في المؤتمر الدبلوماسي. كما أنه على الحكومات أن تتخذ الخطوات اللازمة لضمان قدرة برلماناتهم على التصديق على الاتفاقية في أقرب وقت ممكن.
تم التفاوض حول هذه الاتفاقية على مدار أكثر من ثلاث سنوات، تحت رعاية برنامج الأمم المتحدة للبيئة. وستدخل الاتفاقية حيز النفاذ بعد التصديق عليها من قبل 50 حكومة. وبمجرد أن يتم تفعيلها، ستوفر الاتفاقية آلية مالية لمساعدة الحكومات على تطوير الموارد اللازمة وتوفير المساعدات التقنية من أجل الحد من استخدام الزئبق من خلال مرفق البيئة العالمية، وهو صندوق متعدد المانحين. وحتى قبل دخول الاتفاقية حيز التنفيذ، فإنه برغم ذلك، يمكن للحكومات أن تبدأ في التقدم بطلبات للصندوق للحصول على الدعم المالي.
قالت كيبينبرج: "يتعرض الناس حول العالم للضرر من خلال تعرضهم للزئبق في الوقت الراهن، وينبغي للحكومات أن تنقذ حياة وصحة الناس بأن تشرع الآن في الحد من استخدام الزئبق وانبعاثاته من خلال التعدين والصناعات الأخرى".