تمتَّع العراق بمزيد من الأمن والاستقرار خلال عام 2024، بعد عقود من النزاعات المسلحة، إلا أن الإفلات من العقاب وغياب العدالة والمساءلة عن الجرائم الجسيمة، وتقلص الفضاء المدني، والعيوب في النظام القضائي، والمعايير القانونية التمييزية التي أثّرت على المثليين/ات ومزدوجي/ات التوجه الجنسي وعابري/ات النوع الاجتماعي (مجتمع الميم-عين)، والنساء، والأطفال، والأقليات، وعدم كفاية الخدمات الحكومية لا تزال مثيرة للقلق.
في أغسطس/آب، أطلق رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، "خطة التنمية الوطنية العراقية" (2024 – 2028) التي تركز على تحسين الخدمات، وتنمية قطاع النفط والغاز، وتنفيذ مشاريع متماشية مع "رؤية الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030". غير أن المنازعات المستمرة بين حكومة إقليم كردستان العراق والحكومة العراقية الاتحادية حول عائدات النفط ودفع رواتب الحكومة وتأخير الانتخابات الإقليمية زادت الاستقطاب السياسي.
شددت السلطات أيضا من هجماتها على حقوق العراقيين عبر إقرار، أو محاولة إقرار، قوانين قمعية من شأنها أن تقيّد حرياتهم. تتضمن هذه القوانين قانونا يجرّم المثلية الجنسية، أُقرّ في أبريل/نيسان، ومشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية، ومشروع قانون حول الحق في الحصول على المعلومات. استمر القمع الوحشي للمحتجين، واعتقال الصحفيين الذين يغطون الاحتجاجات في 2024.
طوال العام المنصرم، كثفت تركيا عملياتها العسكرية في العراق وإقليم كردستان العراق ضد "حزب العمال الكردستاني". بحسب منظمة "فريق صنّاع السلام التطوعي" غير الحكومية، تقدم الجيش التركي 15 كيلومتر داخل محافظة دهوك، ما أدى إلى نزوح سكان 162 قرية على الأقل، وتدمير ممتلكات المدنيين. يُزعم أن غارات المسيّرات التركية قتلت ثلاثة صحفيين وثمانية مدنيين في 2024.
أعلنت "المقاومة الإسلامية في العراق"، المؤلفة من ميليشيات عراقية مرتبطة بإيران، مسؤوليتها عن 200 هجوم تقريبا على قواعد عسكرية أمريكية في العراق وسوريا وإسرائيل. وتزعم أنها شنت هذه الهجمات ردا على دعم الولايات المتحدة لإسرائيل وسط الأعمال العدائية في غزة. في سبتمبر/أيلول، نقلت "رويترز" أن الولايات المتحدة والعراق توصلا إلى تفاهم سيؤدي إلى انسحاب 2,500 جندي أمريكي المتبقين في العراق بحلول نهاية 2026. في يناير/كانون الثاني، سقط صاروخ باليستي إيراني على منزل في أربيل فقتل أربعة مدنيين وجرح ستة آخرين. زعمت السلطات الإيرانية أن الهجوم استهدف "مركز تجسس للموساد" في إشارة إلى وكالة الاستخبارات الإسرائيلية، الأمر الذي نفته حكومة إقليم كردستان العراق بشكل قاطع.
حقوق المرأة
واصلت النساء والفتيات في العراق نضالهن ضد الأعراف الأبوية المتجذرة في النظام القانوني العراقي. يتيح قانون العقوبات العراقي الإفلات من العقاب على عنف الرجال ضد النساء، بما في ذلك الأحكام التي تسمح للزوج بمعاقبة زوجته، وللأبوين بتأديب أولادهم، والأحكام المخففة على أعمال العنف، بما في ذلك القتل لما يسمى بـ"دوافع الشرف". يسمح قانون العقوبات أيضا لمرتكبي جرائم الاغتصاب أو الاعتداء الجنسي بالإفلات من الملاحقة القضائية أو إلغاء الأحكام التي صدرت بحقهم إذا تزوجوا ضحاياهم.
ناقش البرلمان العراقي تعديل قانون الأحوال الشخصية في البلاد بحيث يسمح للمرجعيات الدينية العراقية، بدلا من قانون الدولة، بتنظيم شؤون الزواج والميراث على حساب الحقوق الأساسية. إذا أُقِرّ التعديل، ستكون له آثار كارثية على حقوق النساء والفتيات المكفولة بموجب القانون الدولي، وسيقوّض مبدأ المساواة بموجب القانون العراقي عبر إزالة أوجه حماية للمرأة في الطلاق والميراث.
يشرّع مشروع التعديل أيضا الزيجات غير المسجلة، والتي يجريها رجال دين لكنها غير مسجلة لدى محاكم الأحوال الشخصية، وهي غير قانونية بموجب قانون الأحوال الشخصية الحالي. يلغي التعديل أيضا العقوبات الجنائية المفروضة على الرجال الذين يتزوجون بهذه الطريقة، ويسمح لرجال الدين، وليس المحاكم، بإتمام الزيجات.
يُشكل الزواج غير المسجل أصلا ثغرة تسمح بزواج الأطفال في العراق، حيث ارتفعت معدلات زواج الأطفال على مدى السنوات الـ 20 الماضية. الزواج غير المسجل له أيضا آثار ضارة جدا على قدرة النساء والفتيات على الحصول على الخدمات الحكومية والاجتماعية المتعلقة بأحوالهن الشخصية، وتسجيل ولادة أطفالهن، والمطالبة بحقهن بالمهر والنفقة الزوجية والميراث.
تقاعس البرلمان العراقي مرة جديدة عن إقرار قانون مناهضة العنف الأسري الذي طال انتظاره. يؤجَّل هذا القانون منذ أكثر من عقد، رغم المطالبة الحثيثة من قبل منظمات المجتمع المدني ومنظمات حقوق المرأة. كانت قدرة ضحايا العنف القائم على النوع الاجتماعي (الجندر) على الوصول إلى المأوى والعدالة محدودة. رغم وجود بعض مراكز الإيواء السرية للنساء داخل العراق، تديرها منظمات غير حكومية محلية، لم تتلق أي دعم، بل تعرضت في الغالب للانتقاد، وعلى مر السنين، تعرضت لهجمات من قبل العائلات أو السلطات.
ذكر تقرير أعدته "منظمة العفو الدولية" أن ضحايا العنف القائم على النوع الاجتماعي في إقليم كردستان العراق يواجهن عقبات هائلة في الحصول على الحماية والوصول إلى سبل تحقيق العدالة، رغم مؤسسات الإبلاغ والحماية التي أنشأتها الدولة، وقانون يُجرّم العنف الأسري، الذي يقبع على الورق منذ 13 عاما. مراكز الإيواء الحكومية القليلة في إقليم كردستان العراق أتاحت للنساء بالدخول أو المغادرة بأمر من المحكمة.
حقوق الطفل
ازدادت معدلات زواج الأطفال في العراق بثبات منذ 2003. يحدد قانون الأحوال الشخصية العراقي السن القانونية للزواج بـ 18 عاما، لكنه يسمح بالزواج في سن الـ 15 مع إذن من القاضي، بحسب "البلوغ الشرعي والقابليّة البدنيّة"، وهو ما يخالف المعايير القانونية الدولية والممارسات الفضلى. من شأن مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية تشريع زواج الفتيات من سن تسعة أعوام، والفتيان من سن 15 عاما.
أفادت "منظمة الأمم المتحدة للطفولة" (اليونيسيف) أن 28% من الفتيات في العراق يتزوجن قبل سن 18 عاما. بحسب "بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق" (يونامي)، 22% من الزيجات غير المسجلة تشمل فتيات تحت سن 14 عاما. ارتبط ارتفاع معدلات زواج الأطفال بالفقر، وانعدام الأمن، وانخفاض التحصيل العلمي للفتيات. يمكن أن يتسبب زواج الأطفال وحمل المراهقات بآثار صحية ضارة خطيرة، ويمكن أن يحد من الحصول على التعليم والعمل، ويؤدي إلى تفاقم مخاطر العنف الجنسي والأسري.
اعتبارا من نوفمبر/تشرين الثاني، لم يكن البرلمان العراقي قد أقر مشروع قانون حماية الطفل، الذي طُرح في البرلمان في يونيو/حزيران 2023. إذا أُقِرّ القانون، سيكون قانون حماية الطفل الأول في العراق، وخطوة مهمة في حماية حقوق الطفل. يعالج القانون قضايا عدة مثل عمالة الأطفال واستغلالهم وإساءة معاملتهم. سيكرس أيضا الحقوق الأساسية للأطفال بشكل صريح في القانون، بما فيها الحق في الحياة والصحة والتعليم والجنسية.
التوجه الجنسي والهوية الجندرية
في 27 أبريل/نيسان أقر البرلمان العراقي تعديلا على "قانون مكافحة البغاء" رقم 8 لسنة 1988 الساري، الذي يعاقب العلاقات الجنسية المثلية بالسجن لمدة تتراوح بين 10 و15 سنة. يسمح القانون أيضا بالسجن بين سنة وثلاث سنوات للأشخاص الذي يخضعون أو يُجرون عمليات تأكيد الجندر بتهمة "التشبّه بالنساء". يفرض القانون أيضا السجن سبع سنوات، وغرامة تتراوح بين 10 ملايين دينار عراقي (7,700 دولار أمريكي) و15 مليون دينار (11,500 دولار) بتهمة "الترويج للشذوذ المثلي" غير المحدَّدة. في 8 أغسطس/آب 2023، أصدرت "هيئة الإعلام والاتصالات" العراقية توجيها تأمر فيه جميع وسائل الإعلام باستبدال مصطلح "المثلية الجنسية" بـ "الشذوذ الجنسي" في موادها المنشورة والمُذاعة، وتحظر استخدام مصطلحَي "النوع الاجتماعي" و"الجندر".
استمر الإفلات من العقاب على الاستهداف الرقمي لمجتمع الميم-عين، والعنف ضده، بما فيه القتل والاختطاف والتعذيب والعنف الجنسي على أيدي الجماعات المسلحة في العراق. استهدفت السلطات العراقية أيضا أفراد مجتمع الميم-عين باستخدام مجموعة من الأحكام الغامضة في قانون العقوبات العراقي بهدف ضبط الأخلاق والأعمال المخلة بالحياء والحد من حرية التعبير.
عقوبة الإعدام
كان لدى العراق منذ فترة طويلة أحد أعلى معدلات الإعدام في العالم. ثمانية آلاف سجين تقريبا، معظمهم متهمون بجرائم متعلقة بالإرهاب، ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام في العراق. نفّذت السلطات أحكام الإعدام في 2024 رغم العيوب في النظام القضائي العراقي، الموثقة بشكل جيد، الذي يحرم المتهمين من الحق بالإجراءات الواجبة والمحاكمة العادلة، والذي يعتمد على الاعترافات المنتزعة تحت التعذيب. في 25 ديسمبر/كانون الأول 2023، أعدمت السلطات العراقية 13 شخصا في سجن الناصرية، وهو الإعدام الجماعي الأول منذ إعدام 21 رجلا في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2020. نُفِّذت إعدامات جماعية عدة في 2024، بما فيها إعدام 13 شخصا في 22 أبريل/نيسان. لا تقدم الحكومة العراقية أي أرقام رسمية عن الإعدامات.
نفّذت السلطات إعدامات دون مراعاة الحقوق الإنسانية للمحكومين بالإعدام، بما في ذلك تنفيذ إعدامات دون إشعار مسبق، وعدم السماح للمساجين بالاتصال بعائلاتهم أو محاميهم قبل الإعدام.
بحسب مديرية الإصلاحيات في حكومة إقليم كردستان العراق، لدى الإقليم 466 شخصا محتجزين في السجون يواجهون حكم الإعدام. قال متحدث باسم حكومة الإقليم إنها حافظت على التعليق الفعلي لعقوبة الإعدام منذ 2008، إذ تحظرها "إلا في حالات قليلة تُعتبر فيها ضرورية".
عودة النازحين
بعد سبعة أعوام من استعادة قوات من الجيش العراقي والتحالف العسكري الدولي بقيادة الولايات المتحدة لآخر منطقة كانت تحت سيطرة "تنظيم الدولة الإسلامية" (المعروف أيضا بـ’داعش‘)، لا يزال نحو 1.1 مليون عراقي نازحين، معظمهم في إقليم كردستان العراق.
في يناير/كانون الثاني، أعلن مجلس الوزراء العراقي 30 حزيران تاريخا نهائيا لإغلاق آخر مخيم نزوح في إقليم كردستان. لتشجيع العودة، أعلنت وزارة الهجرة والمهجرين عن حزمة إعانات ومحفزات للعائدين، بما في ذلك أربعة ملايين دينار عراقي (3 آلاف دولار) تدفع مرة واحدة لكل عائلة، وبعض الوظائف الحكومية، وتقديمات الضمان الاجتماعي، وقروض دون فائدة للمؤسسات الصغيرة.
بحسب "المنظمة الدولية الهجرة"، غادرت 7,699 عائلة مخيمات النزوح بين 3 أبريل/نيسان و29 أغسطس/آب، عاد معظمهم إلى محافظتَيْ نينوى وصلاح الدين. في يوليو/تموز، أُغلِق رسميا آخر مخيم نزوح في محافظة السليمانية.
أبدت "هيومن رايتس ووتش" ومنظمات حقوقية أخرى قلقها من أن الإغلاق المبكر لمخيمات النزوح بحلول 30 يوليو/تموز يهدد حقوق النازحين. ذكر النازحون استمرار المخاوف الأمنية، وتأخّر إعادة الإعمار، وغياب فرص كسب العيش، ومشاكل في حقوق الملكية، والتوترات غير المحلولة ضمن الأسباب التي تمنعهم من العودة. وتخشى بعض العائلات أعمال الانتقام أو الاضطهاد من قبل المجتمعات المحلية التي تنظر إليهم على أنهم مرتبطون بداعش.
في 25 يوليو/تموز، أعلنت الحكومة أنها ستؤجل موعد 30 حزيران لإغلاق المخيمات إلى نهاية عام 2024.
تغيّر المناخ والتدهور البيئي
العراق أحد البلدان الأكثر عرضة لمخاطر الاحتباس الحراري، ويواجه أزمات بيئية عدة، من ضمنها الجفاف والتصحّر، وزيادة تواتر وشدة العواصف الرملية، والتلوث، وارتفاع درجات الحرارة. ينتشر التلوث الصناعي الشديد، الذي يعود إلى ضعف التشريعات البيئية وإنفاذها. خلال السنوات الأخيرة، تزايد الاهتمام بالأضرار الصحية التي تعاني منها المجتمعات القريبة من مواقع إنتاج النفط والغاز، لا سيما تلك الناجمة عن حرق الغاز.
تسعى حركة بيئية متنامية في العراق إلى معالجة التدهور البيئي الناجم عن النزاع وسوء إدارة الموارد، وإعداد العراق للتكيف مع الواقع الجديد لتغير المناخ، وتعزيز انتقال العراق بعيدا عن الاقتصاد القائم على الوقود الأحفوري. كما هو الحال مع نشطاء المجتمع المدني، قوبلت جهود نشطاء هذه الحركة بالمضايقات والترهيب والتهديدات.