Skip to main content
تبرعوا الآن

شمال شرق سوريا: آلاف النازحين يعيشون في ظروف بائسة

الحق في الحياة والصحة والغذاء والماء في خطر

مخيم سري كانيه، الذي أنشئ في محافظة الحسكة في مطلع العام 2020، كان بحلول 1 أغسطس/آب 2023 يستضيف 15,570 تقريبا، محافظة الحسكة، سوريا، مايو/أيار 2023. © 2023 حنان صلاح/هيومن رايتس ووتش

(بيروت) - قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن عشرات الآلاف من النازحين في المخيمات والملاجئ المكتظة في شمال شرق سوريا لا يتلقون مساعدات مستمرة أو كافية، مما يؤثر سلبا على حقوقهم الأساسية. ثمة حاجة ملحة لتأمين مآوي مناسبة للطقس، وصرف صحي كافٍ، ووصول ملائم إلى الغذاء ومياه الشرب النظيفة والرعاية الصحية والتعليم.

المساعدات التي تقدمها وكالات "الأمم المتحدة" للمخيمات والملاجئ في الأراضي التي تحكمها "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا" (الإدارة الذاتية) بقيادة الأكراد، تتفاوت بين مخيم وملجأ وآخر، مما يترك بعضها، خاصة "غير الرسمية" منها، بدون مساعدة كافية أو مستمرة. مع أن المنظمات غير الحكومية الدولية تقدم مساعدات محدودة، أدت الفجوات المتعددة إلى انهيار خدمات الصحة والنظافة ونقص في المواد الأساسية خلال الفترات شديدة الحرارة والبرودة، مما يثير مخاوف بشأن ما إذا كان المستوى الحالي للمساعدة يضمن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للنازحين ويفي بالمعايير الدنيا العالمية للمساعدات الإنسانية.

قال آدم كوغل، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "مرت أربع سنوات تقريبا منذ نزوح مئات الآلاف إلى شمال شرق سوريا الخاضع لسيطرة الأكراد بحثا عن المأوى والدعم بعد الغزو التركي لبلداتهم. لكن تسبب نقص المساعدات في وضع حرج".

قالت هيومن رايتس ووتش إن على الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة الأخرى والإدارة الذاتية إيلاء الاهتمام الفوري إلى الوضع الإنساني الحرج الذي يتكشف في المخيمات غير الرسمية والملاجئ الجماعية عبر إعطاء الأولوية لنهج قائم على الحقوق.

وصلت المخيمات التي لا تحصل على خدمات كافية إلى قدرتها الاستيعابية القصوى وأُجبرت على صد النازحين السوريين الجُدد. أنشِأت ثلاثة من المخيمات غير الرسمية في أعقاب التوغل العسكري التركي في المنطقة عام 2019 الذي أدى إلى نزوح مئات الآلاف من منازلهم، و لا يزال النزوح مستمرا، لا سيما من القرى الواقعة على الخطوط الأمامية بين الأراضي التي تسيطر عليها الإدارة الذاتية والأراضي التي تحتلها تركيا بسبب الاشتباكات الجارية. أدى استخدام المدارس كملاجئ إلى تعطيل تعليم السكان المضيفين والنازحين على حد سواء.

 

استخدمت الحكومة السورية لسنوات المساعدات كسلاح، في مسعى إلى فرض وجهة المساعدات، وحيّدت ومنعت مرورها من الأجزاء التي تسيطر عليها إلى الخطوط الأمامية. رغم أن عمليات المساعدة التي تقودها الأمم المتحدة هي شريان الحياة لملايين المدنيين في شمال سوريا، أجبرت روسيا في يناير/كانون الثاني 2020 "مجلس الأمن" على إغلاق ثلاثة معابر حدودية من أصل أربعة مصرح بها سابقا،، مما تسبب في قطع المساعدات العابرة للحدود بإشراف الأمم المتحدة بالكامل عن شمال شرق البلاد، وترك الوكالات الأممية تحت رحمة الشروط التعسفية وغير المبررة في غالب الأحيان التي تفرضها الحكومة.

في مايو/أيار، زار فريق من هيومن رايتس ووتش محافظة الحسكة في شمال شرق سوريا والتقى 18 نازحا بالإضافة إلى مسؤولين محليين في مخيمي واشوكاني وسري كانيه. زار الباحثون أيضا ثلاث مدارس في مدينة الحسكة تُستخدم كملاجئ مؤقتة، والتقوا بالمجتمعات المضيفة ومسؤولين محليين وعاملين في المجال الإنساني ونشطاء حقوقيين سوريين ومنظمات محلية.

بحسب مسؤولين محليين، زاد عدد سكان محافظة الحسكة من أقل من نصف مليون إلى مليونين بعد الغزو التركي لشمال شرق سوريا عام 2019 وما تلاه من نزوح جماعي من المناطق التي تحتلها تركيا الآن. يزيد هذا من الضغوطات على السلطات المحلية، خصوصا أن مدينة الحسكة والمناطق المحيطة بها تعاني من أزمة مياه حادة.

في 22 يونيو/حزيران، كتبت هيومن رايتس ووتش إلى الوكالات الأممية المعنية للحصول على معلومات حول أنشطتها في المنطقة، لكنها لم تتلقَّ أي رد بحلول 16 أغسطس/آب. تلقت هيومن رايتس ووتش، بشكل منفصل، ردودا من "مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية" (أوتشا) فيما يتعلق بالأسئلة المتعلقة بأزمة المياه المستمرة.

قال عمال الإغاثة إن المنطقة تضم 12 مخيما، خمسة منها، بما في ذلك واشوكاني وسري كانيه، محرومة إلى حد كبير من الخدمات المستمرة التي تقدمها الوكالات الأممية وتعتمد على الإدارة الذاتية والمجموعات الدولية للحصول على بعض الخدمات. قال مديرو المخيم إنه حتى يناير/كانون الثاني، كانت الأمم المتحدة تصنف هذه المخيمات على أنها "غير رسمية"، أي لم تُنشئها المنظمات الإنسانية. قال عمال إغاثة إن مخيمين آخرين في منبج، وُصِفا أيضا بأنهما "غير رسميين"، افتقرا إلى أي حضور لمسؤولين محليين، ولم يتلقيا أي دعم من الأمم المتحدة، وتلقيا دعما محدودا من المجموعات الدولية. تتلقى بعض المخيمات "غير الرسمية" حصصا غذائية بشكل متقطع من "برنامج الأغذية العالمي". اعتُبرت خمسة أخرى، الهول وروج وعريشة ونوروز والمحمودي، "رسمية" وتتلقى خدمات مستمرة رغم تأثرها أيضا بالانقطاعات.

قال عاملون في المجال الإنساني إنه بحلول يناير/كانون الثاني، لم تعد الأمم المتحدة تصنّف المخيمات في شمال شرق سوريا على أنها رسمية وغير رسمية، لكن من غير الواضح كيف انعكس ذلك ميدانيا على اعتبار أن المخيمات "غير الرسمية" كانت لا تزال بدون مساعدة مستمرة من الأمم المتحدة.

يستضيف 95 ملجأ آخر في شمال شرق سوريا، معظمهم مباني مدارس، نازحين، وهذه الملاجئ لا تتلقى بدورها دعما مستمرا من الأمم المتحدة وتحصل بالكاد على مساعدات ضئيلة من المنظمات غير الحكومية والجمعيات الخيرية.

قال كل من مديري المخيمات وعمال الإغاثة إن الوكالات الأممية بحاجة إلى موافقة الحكومة السورية للوصول إلى هذه المخيمات والملاجئ وتقديم المساعدة لها.

قال برزان عبد الله، الرئيس المشارك لمخيم واشوكاني شمال غرب مدينة الحسكة، إن السلطات الكردية المحلية أنشأت المخيم في 24 ديسمبر/كانون الأول 2019، بعد الاحتلال التركي لشمال شرق سوريا، ومنذ ذلك الحين استمر توافد النازحين من المناطق والقرى المحتلة على الخطوط الأمامية المتضررة جراء القصف التركي المستمر.

حتى 1 أغسطس/آب، وصل عدد قاطني المخيم إلى 16,657 شخص (2,262 عائلة)، نسبة العرب منهم 90-95%، خصوصا من رأس العين (سري كانيه) والقرى المجاورة. قال إن حوالي 400 أسرة تفتقر إلى خيام خاصة بها واضطرت إما إلى مشاركة الخيام أو العثور على سكن في مكان آخر. قال إن النقص الحاد في مواد التنظيف ساهم في تفشي الكوليرا وإصابة سكان المخيم بالجرب وأمراض جلدية أخرى.

قال أحد سكان مخيم واشوكاني (43 عاما)، وهو أب لستة أطفال في سن المدرسة، إنه لم يكن لديه هو وعائلته مكان آخر يذهبون إليه: "المباني هنا سيئة. أتمنى لو وفّرت لنا [إدارة المخيم] القماش المشمع لحمايتنا من الحرارة والبرودة. يضم قطاعي في المخيم 500 شخص، وعلينا جميعا استخدام مرحاض واحد".

بحسب الوكالات الإنسانية، ورغم الاختبارات المنتظمة لنوعية المياه، أدى سوء الصرف الصحي والنظافة في مخيم واشوكاني، إلى 25 حالة حصبة وجدري وليشمانيا (مرض تسببه الطفيليات) في أبريل/نيسان وحده. أضافت أنه تم الإبلاغ عن الكوليرا أيضا، وإصابات بحصى بالكلى والمرارة جرّاء الإفراط في معالجة المياه بالكلور.

في 1 أغسطس/آب 2020، أقامت السلطات المحلية مخيم سري كانيه قرب مدينة الحسكة. حتى 1 أغسطس/آب، كان المخيم يستضيف 15،570 شخصا (2,580 عائلة) في 3,989 خيمة. قالت إن الأمم المتحدة اعترفت رسميا بالمخيم في يناير/كانون الثاني.

قالت سلوى، مديرة مشاركة للمخيم، إن الوضع في المخيم يتدهور بشكل مطرد جرّاء نقص الخيام وعدم كفاية مواد التنظيف ومستلزمات النظافة من مجموعات الإغاثة. قالت إن الحصص الغذائية التي وزعتها منظمات الإغاثة لم تعد تضم زيت طهي أو كميات كافية من الأرز والبرغل مقارنةً بالسابق، وغدت أرغفة الخبز أصغر بسبب نقص القمح.

ذكر مديرو المخيم اشتعال النيران في العديد من الخيام خلال الشتاء بسبب رداءة المدافئ التي تستخدمها العائلات، وانغمار أجزاء من المخيم بالمياه.

قالت مجموعة إغاثة تنقل المياه إلى المخيم إنها تختبر جودة المياه يوميا، لكن لا يزال المخيم يعاني من الأمراض المنقولة بالمياه، بما في ذلك الكوليرا. قال مديرو المخيم إنه مع أن بعض المجموعات تقدم بعض الرعاية الطبية، إلا أنه لا يوجد اختصاصيون أو أطباء أطفال، وإن المخيم به سيارة إسعاف واحدة فقط.

بحسب مسؤولين محليين، كانت 40 مدرسة في الحسكة لا تُستخدم للتعليم، و28 منها على الأقل لا تزال تُستخدم كملاجئ. قال عاملون في المجال الإنساني لـ هيومن رايتس ووتش إن السكان النازحين في الملاجئ الجماعية معرضون لخطر الإخلاء لأن السلطات المحلية تهدف إلى إعادة هذه المواقع إلى غرضها الأصلي كمنشآت تعليمية. تستخدم "قوات سوريا الديمقراطية"، الجناح العسكري للإدارة الذاتية، مدارس أخرى كسجون، وتستخدم القوات الروسية مدرستين على الأقل في عامودا وعين عيسى.

تقيم في إحدى مدارس الحسكة 32 عائلة نازحة من منطقة رأس العين التي تحتلها تركيا. يتم إيواء بعض العائلات ذات القرابة معا في غرفة واحدة. قال أحد سكان الملجأ، أب لثلاثة أطفال، إن قلة الدعم والفرص أثرت على أطفاله: "علينا أن نأكل وننام ونستخدم المرحاض في نفس هذه الغرفة. نحصل على ربطة خبز من منظمة دولية، ويوفر الهلال الأحمر السوري بعض الأرز والسكر والزيت مرة كل شهرين فقط".

قالت هيومن رايتس ووتش إن على أطراف النزاع التي تستخدم المدارس في شمال شرق سوريا كقواعد عسكرية أو كسجون، إخلاء المدارس وتوفير خيارات بديلة للتعليم لحين اكتمال الإخلاء.

يتعين على الحكومة السورية وأطراف النزاع الأخرى أن تعمد فورا إلى إزالة جميع العوائق أمام إيصال المساعدات إلى المناطق التي لا تخضع لسيطرتها في شمال شرق سوريا، وعلى الإدارة الذاتية زيادة الدعم حيثما أمكن للمجتمعات التي لا تتلقى دعما مستمرا من الأمم المتحدة.

ينبغي أن تتحدث وكالات الأمم المتحدة عن الحاجة إلى حماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك الحق في الصحة والغذاء والماء، لكل فرد في المخيمات والملاجئ "غير الرسمية"، وإجراء تقييم للتأكد من تلبية المعايير العالمية الدنيا للاستجابة الإنسانية في هذه المواقع، وتوسيع نطاق تقديم الخدمات ليشمل المقيمين فيها. إذا كان عدم وجود موافقات من السلطات السورية يحول دون الوصول المستمر إلى هذه المخيمات التي كانت تعتبر "غير رسمية" وكذلك المراكز الجماعية والمستوطنات غير الرسمية، ينبغي للمنسق المقيم للأمم المتحدة إعطاء الأولوية للتفاوض مع السلطات السورية وتنسيق الاستجابة بشكل أكثر كفاءة مع الجهات الفاعلة الإنسانية المحلية.

على المانحين الدوليين زيادة التمويل بغية الاستجابة للطبيعة المطولة للنزوح في شمال شرق سوريا.

قال كوغل: "بالنظر إلى النزوح المستمر، تذكرنا الظروف القاسية والتي يتم التغاضي عنها في مخيمات وملاجئ شمال شرق سوريا بشدة بالحاجة الملحة لتضافر الجهود الإنسانية لضمان رفاه وكرامة جميع النازحين".

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.