(تونس) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إنّ على الرئيس التونسي قيس سعيّد حماية حقوق الإنسان لجميع التونسيين وإلغاء الإجراءات القمعيّة التي اتُخذت منذ الإعلان عن تدابير 25 يوليو/تموز التي جمّعت السلطات إلى حدّ كبير في يده.
في 25 يوليو/تموز 2021، أعلن سعيّد عن إقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي، وتجميد البرلمان، ورفع الحصانة عن النوّاب، وترؤس النيابة العمومية، واتخاذ تدابير استثنائية أخرى قال إنها ضرورية لمعالجة الأزمة السياسية المستمرة منذ أشهر في تونس. في خضمّ توجيه الاتهامات، ألقى الرئيس باللوم على حكومة المشيشي لسوء تعاملها مع تفشي فيروس "كورونا"، الذي أدى إلى تفاقم الركود الاقتصادي المطوّل. في 26 يوليو/تموز، داهمت الشرطة مقرّ "قناة الجزيرة" في العاصمة، وطردت الموظفين وأغلقت المكتب.
قال إريك غولدستين، مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالإنابة في هيومن رايتس ووتش: "لما يزعم رئيس أنّ الدستور يخوّل له الاستحواذ على سلطات واسعة، ومباشرة بعد ذلك تعلم أنّ الشرطة بدأت في ملاحقة الصحفيين، فإنّ ذلك ينذر بالسوء لحقوق الإنسان. ومهما كان سجلّ الحكومة في تعاملها مع أزمة كورونا، فإنّ الاستحواذ على السلطات التي قد تُستخدم في ضرب الحقوق الأساسية يجب أن يدقّ ناقوس الخطر في أي وقت".
في خطابه المتلفز يوم 25 يوليو/تموز، أعلن سعيّد أنه سيتولى السلطة التنفيذية "بمساعدة حكومة يرأسها رئيس الحكومة" الذي سيعيّنه سعيد بنفسه. زعم الرئيس أنه يتصرّف في كنف الدستور، لكن آخرين اعترضوا على ذلك. في اليوم التالي، قابل الرئيس ممثلين عن المجتمع المدني وأكد لهم أنه "لا مجال أن يتمّ التعدّي على الحقوق والحريات، ولا مجال أيضا للمساس بمبدأ المساواة بين المواطنين".
تحدث سعيّد عن الفصل 80 من دستور 2014، الذي ينصّ على أنّ "لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن وأمن البلاد واستقرارها... اتخاذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية". قال إن البرلمان سيبقى مجمدا حتى زوال أسباب تفعيل الفصل 80، لكنه قال في بيان صادر عن مكتبه في ما بعد إنّ التجميد سيدوم 30 يوما. قال الرئيس إن الفصل 80 يحظر حلّ البرلمان، لكنّ تجميده ممكن. غير أن الفصل 80 ينصّ على أن "مجلس نواب الشعب يكون في حالة انعقاد دائم" عند تفعيل هذا الفصل.
جاءت قرارات سعيّد بعد أشهر من التنازع السياسي بين الرئيس، المستقل سياسيا، ورئيس الوزراء هشام المشيشي، و"مجلس نواب الشعب"، الذي تمتلك فيه "حركة النهضة" الإسلامية أغلبية مع أحزاب حليفة لها. مباشرة بعد خطاب الرئيس، خرجت حشود في العديد من المدن دعما للتدابير التي اتخذها.
في الصباح الباكر من يوم 26 يوليو/تموز، منعت قوات عسكرية أعضاء في البرلمان، بمن فيهم رئيسه راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة، من دخول مبنى البرلمان في باردو، والعديد من المسؤولين الحكوميين من دخول مقرّ الحكومة في القصبة بالعاصمة.
نفذ المداهمة لمكتب الجزيرة حوالي 20 شرطيا في لباس مدني دون أن يستظهروا بمذكرة، وقالوا إنهم يتصرفون بناءً على تعليمات من القضاء، بحسب القناة. أمر أعوان الشرطة الصحفيين بمغادرة المكان وعدم العودة إليه. أفادت تقارير أنه إلى حدود 27 يوليو/تموز، مازال أعوان الشرطة يمنعون الوصول إلى المكتب.
أصدر الرئيس بلاغا حوالي منتصف نهار 26 يوليو/تموز قال فيه إنه أقال وزير الدفاع إبراهيم البرتاجي، ووزيرة العدل بالنيابة حسناء بن سليمان. أفادت "رويترز" أيضا أنه عيّن خالد اليحياوي، المدير العام للأمن الرئاسي، للإشراف على وزارة الداخلية. كان المشيشي يشغل أيضا خطة وزير داخلية بالنيابة.
في مساء 26 يوليو/تموز، أعلن الرئيس عن حظر تجول ليلي لمدة شهر، ومنع التنقل بين المدن والتجمعات التي تتجاوز ثلاثة أشخاص، مشيرا إلى أن ذلك يتنزل في إطار "إجراءات الحجر الصحي الشامل". قالت هيومن رايتس ووتش إنّ فرض أي قيود صارمة من هذا القبيل على الحقوق الأساسية يجب أن يكون محدودا ومبرّرا بشكل واضح بكونه ضروريا لمواجهة حالة طوارئ حقيقية، وخاضع للمراجعة القضائية.
من العوامل التي تزيد من القلق بشأن ما أعلنه الرئيس يوم 25 يوليو/تموز هو عدم وجود محكمة دستورية، وهي مؤسسة نص على إنشائها دستور 2014 ولها صلاحية إلغاء التدابير الحكومية التي تعتبرها غير دستورية، بما فيها تلك التي تنتهك الحقوق المكفولة في الدستور. تتمتع هذه المحكمة بصلاحية مراجعة قرار رئيس الجمهورية بتوسيع السلطات الاستثنائية التي ينص عليها الفصل 80 من الدستور لتحديد ما إذا كان الظرف يستدعي توسيعها.
غير أن هذه المحكمة، وهي ضامن أساسي لحقوق الإنسان، لم تُنشأ رغم وجود مهلة دستورية لإنشائها. تقاعس البرلمان لسنوات في التوافق على القضاة الذين سيعينهم في المحكمة، وهو ما يستوجب أغلبية الثلثين. حذرت هيومن رايتس ووتش ومنظمات أخرى سابقا من أنّ غياب المحكمة الدستورية يعيق حماية الحقوق.
أعلن سعيّد عن رفع الحصانة عن أعضاء البرلمان بينما نصّب نفسه مشرفا على النيابة العمومية. مازال مكتبه لم يُصدر بعد أي بلاغ أو مرسوم يشرح هذه الخطوة. غير أن هيومن رايتس ووتش قالت إن هذه التدابير مجتمعة تهدد نزاهة النظام القضائي التونسي رغم أن المحاكم التونسية لم تكتسب استقلالية في أعقاب انتفاضة 2011، والتي يضمنها الدستور.
ندّد الغنوشي، رئيس البرلمان، بتدابير الرئيس واعتبرها "انقلابا". كما ندّد بها الرئيس الأسبق منصف المرزوقي واعتبرها أيضا انقلابا، وعبّر عن تخوفه من تأثيرها على حقوق الإنسان.
انطلقت انتفاضة 2011، التي أطلقت شرارة الثورات في العديد من الدول العربية وأدت إلى انتقال تونس إلى الحكم الديمقراطي، بعد أن أحرق بائع متجول نفسه بسبب مضايقات الشرطة. رغم خلع الرئيس السلطوي زين العابدين بن علي وتنظيم انتخابات حرّة أدّت إلى سياسة قائمة على التعددية الحزبية، إلا أن الأطراف السياسية لم تنجح في تغيير اتجاه الركود الاقتصادي وارتفاع البطالة في البلاد.
قالت هيومن رايتس ووتش إنّ على الرئيس سعيّد السماح لكل وسائل الإعلام، بما فيها الجزيرة، بالعمل بحرية، والإعلان عن عدم التسامح مع أي انتهاك لحق كل وسائل الإعلام في تغطية سياساته وانتقادها.
قال غولدستين: "سواء هتفوا لقرارات سعيّد أو احتجوا عليها، يستحق كلّ التونسيين أن يعيشوا بكرامة وأن تكون لهم حكومة خاضعة للمحاسبة. مهما كانت تظلمات الناس مشروعة، يجب ألا تستخم ذريعة لتقويض الحقوق".