(بيروت) - قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إنّه ينبغي لـ "القوات المسلّحة العربية الليبية" )القوات المسلحة( أن تحقّق سريعا في الأدلّة التي تشير إلى أنّ المقاتلين التابعين لها، على ما يبدو، عذّبوا مقاتلين معارضين، وأعدموهم بإجراءات موجزة، ومثّلوا بجثثهم.
الاعتداءات التي ارتكبتها المجموعة المسلّحة بقيادة خليفة حفتر سُجّلت ونُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي في مايو/أيار 2020. يُظهر أحد الفيديوهات مقاتلين حدّدت هيومن رايتس ووتش ارتباطهم بالمجموعة المسلّحة يضربون رجلا زعموا لاحقا أنّهم قتلوه. يُظهر فيديو آخر أشخاصا حدّدت هيومن رايتس ووتش أيضا أنهم مقاتلون ينتمون إلى المجموعة يمثّلون، على ما يبدو، بجثة مقاتل مُحتجز لديهم وتابع لـ "حكومة الوفاق الوطني" المعترف بها دوليا.
قالت حنان صلاح، الباحثة الأولى المختصة بليبيا في هيومن رايتس ووتش: "ينبغي لخليفة حفتر أن يُحمّل قواته المسؤولية عاجل عن أي جرائم حرب يرتكبونها ويروّجون لها على الإنترنت على ما يبدو. تتجاهل القيادة العليا للقوّات المسلّحة العربية الليبية هذه الجرائم، لكن ينبغي أن تُحمّلها المحاكم الدولية والمحلية المسؤولية عن التواطؤ في الانتهاكات".
في رسالة إلى الجنرال حفتر في 28 مايو/أيار، طلبت هيومن رايتس ووتش معلومات عن هاتين الحادثتين وأيّ تحقيقات فيهما، والعواقب المحتملة على الأشخاص المسؤولين عنهما. لم تُجب القوات المسلّحة، التي كانت تُعرف سابقا بالـ"الجيش الوطني الليبي".
ما يزال الحكم في ليبيا منقسما بين الكيانين المنخرطَيْن في نزاع مسلّح منذ أبريل/نيسان 2019: حكومة الوفاق الوطني المُعترف بها دوليا، ومقرّها في طرابلس، وخصمها "الحكومة المؤقتة" في شرق ليبيا والتابعة للقوات المسلّحة. تتلقّى هذه الأخيرة الدعم العسكري من الإمارات، والأردن، ومصر، وروسيا، والدعم السياسي من فرنسا، وتضمّ مقاتلين من السودان، وتشاد، وسوريا، وشركة عسكرية خاصّة مرتبطة بالكرملين. تركيا هي الداعم العسكري الرئيسي لحكومة الوفاق الوطني، إلى جانب بعض المقاتلين من تشاد، والسودان، وسوريا. لا يزال قرار حظر الأسلحة في الاتجاهين الصادر عن الأمم المتحدة في 2011 ساريا، بعد تجديده مرّات عدّة.
في 6 و7 مايو/أيار، أظهر مقطعا فيديو وصورة نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي رجلا يتعرّض لسوء معاملة من مجموعة رجال بملابس عسكرية ومدنية. جرت الحادثة في عين زارة، ويبدو أنّ الرَجُلين في أحد المقطعين تابعان لـ"كتيبة 646 مشاة" التابعة للقوات المسلّحة، على حدّ قول أحد المعتدِيَيْن على ما يبدو. في الفيديو الأوّل، يُمكن رؤية الرجُلين يضربان وجه رجل مثبّت أرضا، ويتهمانه بأنّه مرتزق أجنبي. في الفيديو الآخر، يظهر الرجل نفسه، لكن معصوب العينين هذه المرّة، بينما تدفعه مجموعة من المسلّحين لنزول الدرج.
نُشر الفيديو الأوّل والصورة للحادثة نفسها في 6 مايو/أيار على حساب على فيسبوك، وزعم عنوان المنشور أنّ الضحية قُتلت لاحقا: "الله أكبر ولله الحمد تمّ القبض علي احد مرتزقة الجويلي في بوسليم وتم تجييفه...المجد والخلود للشهداء ك646". أسامة الجويلي هو القائد العسكري لحكومة الوفاق الوطني في المنطقة الغربية.
ردّا على تعليقات أشخاص آخرين، قال صاحب حساب فيسبوك أنّ الأسير قُتل لاحقا.
في فيديو آخر نُشر على تويتر في 9 مايو/أيار، يتحلّق ثلاثة رجال مسلّحين في ملابس عسكرية حول جثة رجل ممدد في الشارع ووجهه إلى الأسفل في بركة من الدماء. على ما يبدو، الرجال الثلاثة تابعون للقوات المسلّحة الليبية، وفق صور تمّت مشاركتها على الإنترنت وجرى تحديد أحد المعتدين المزعومين فيها. يهزّ هذا الشخص رأس الرجل بعنف، وينعته بالـ"جيفة" و"الكلب" ويقول له: " هذه نهايتكم "، كتهديد للمقاتلين الخصوم الآخرين. لم تستطع هيومن رايتس ووتش تحديد موقع هذا الفيديو.
سبق أن وثّقت هيومن رايتس ووتش إعدامات بإجراءات موجزة وتمثيل بجثث المقاتلين الخصوم من قبل مجموعات تابعة للقوات المسلّحة في معقلها الشرقي، بنغازي. في 2017، أصدرت "المحكمة الجنائية الدولية"، المفوّضة بالتحقيق في جرائم الحرب، والجرائم ضدّ الإنسانية، والإبادات الجماعية في ليبيا منذ 2011 مذكّرة توقيف بحقّ أحد قادة القوات المسلّحة، محمود الورفلي، لدوره في سلسلة من الإعدامات خارج القضاء وللتمثيل بجثث المقاتلين، ومذكّرة أخرى في 2018 بالتهمة نفسها، لكن لا يزال الورفلي طليقا.
يندرج تعذيب المعتقلين والإعدام بإجراءات موجزة للمقاتلين الذين أُسروا أو استسلموا تحت جرائم الحرب. تحظر المادّتان 292 و293 من قانون العقوبات الليبي التمثيل بالجثامين، ويُلزم القانون الدولي الإنساني جميع أطراف النزاع باتخاذ كلّ الإجراءات الممكنة لمنع تشويه جثث الموتى.
جميع أطراف النزاع في ليبيا، بمَن فيها الجهات الأجنبية الداعمة كالإمارات وروسيا وتركيا، مُلزمة بالامتثال لقوانين الحرب. تُقاضي المحاكم المحلية أو المحكمة الجنائية الدولية، التي لديها تفويض على جرائم الحرب، والجرائم ضدّ الإنسانية، والإبادة الجماعية المُرتكبة في ليبيا منذ 15 فبراير/شباط 2011، الأشخاص الذين يرتكبون جرائم حرب في ليبيا، أو يأمرون بها أو يساعدون فيها، أو يملكون مسؤولية قيادية عنها.
يتحمّل كبار القادة العسكريين مسؤولية قانونية لإعطاء أوامر أو عدم منع انتهاكات خطيرة ترتكبها القوّات تحت أمرتهم، ولعدم تسليمهم أيّ من مرؤوسيهم المسؤولين عن جرائم حرب لمواجهة التحقيق الجنائي ومحاكمة عادلة. قالت هيومن رايتس ووتش إنّ كبار قادة القوّات المسلّحة التابعة لحفتر مُلزمون بدعم خطوات لمحاسبة للأشخاص المسؤولين عن هذه الأفعال.
للمساهمة في إنهاء دوّامة الإفلات من العقاب في ليبيا، ينبغي لـ "مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة" في جنيف، خلال جلسته المقبلة في يونيو/حزيران، أن يُقيم لجنة دولية لتقصّي الحقائق لتوثيق الانتهاكات، وتحديد المتورّطين، بمَن فيهم الجهات الفاعلة الخارجية، وحفظ الأدلّة لاستخدامها في إجراءات جنائية في المستقبل، عند الإمكان، ونشر تقارير علنية عن وضع حقوق الإنسان في ليبيا.
قالت صلاح: "ينبغي أن يعي كبار قادة القوّات المسلّحة العربية الليبية أنّهم قد يواجهون أيضا المساءلة عن عدد كبير من جرائم الحرب التي ترتكبها قوّاتهم إذا لم يُحاسِبوا المسؤولين عن الجرائم".
الحادثة الأولى
راجعت هيومن رايتس ووتش مقطع فيديو من 41 ثانية وصورة نُشرا في 6 مايو/أيار على حساب فيسبوك [تحذير: مشاهد قاسية]، ويعودان على ما يبدو لمقاتل من الكتيبة 646 في القوّات المسلّحة، حيث يقول المقاتل إنّ الحادثة حصلت في عين زارة في الضواحي الجنوبية لطرابلس. يُظهر الفيديو رجلا بشرته داكنة يرتدي ملابس مدنية – قميصا أبيض وسروالا بِيج – ويجلس أرضا، ويداه مقيّدتان خلف ظهره. حول عنقه، يلتفّ حبل مربوط برِجليه. ضرب رجلان، أحدهما يرتدي ملابس مدنية، والآخر ببزة عسكرية، الرجل المقيّد مرّات عدّة على وجهه وظهره بأيديهما وأجهزتهما اللاسلكية بينما كانا يصرخان بألفاظ نابية ويتّهمانه بأنّه مرتزق.
تُظهر الصورة التي نُشرت على حساب فيسبوك نفسه الرجلين يبتسمان للكاميرا بينما يحملان الرجل المقيّد بحبل حول عنقه.
راجعت هيومن رايتس ووتش مقطع فيديو [تحذير: مشاهد قاسية] آخر، مدته 50 ثانية نُشر على تويتر في 7 مايو/أيار، ويظهر فيه ثمانية رجال، منهم الرجلان من الفيديو الذي نُشر على فيسبوك في اليوم السابق. يقتاد الرجلان الرجل نفسه بالسروال البيج والقميص الأبيض، ولكن معصوب العينين هذه المرّة ويديه خلف ظهره، نزولا على طابقين من السلالم. كان هناك رجلان آخران يحمل كل منهما أسلحة وجهازا لاسلكيا. ينتهي الفيديو بالرجلين يقتادان الرجل المعصوب العينين إلى الخارج.
يزعم عنوان المنشور المرافق للصورة والفيديو على فيسبوك في 6 مايو/أيار أنّ الرجل قُتل لاحقا، حيث نُعت بالـ "جيفة".
الحادثة الثانية
في 9 مايو/أيار، نُشر فيديو مدته 30 ثانية على تويتر [تحذير: مشاهد قاسية] ظهر فيه ثلاثة رجال مسلحين وبملابس عسكرية وهم في حلقة حول رجل ممدد ووجهه إلى الأسفل في شارع صغير بين مبانٍ متعدّدة الطوابق، ووجهه في بركة من الدماء. لا يمكن تحديد مدى إصابات الرجل، باستثناء إصابة في الرأس. يصعب أيضا تحديد ما إذا كان ميتا أم مُصابا بجروح خطيرة. بحسب تقرير خبير شرعي راجع الفيديو نزولا عند طلب هيومن رايتس ووتش، لم يكُن دم الرجل قد تجمّد بعد، ما يشير إلى أنّ النزيف حصل قبل ساعة أو أقلّ من تصوير الفيديو.
يهزّ الشخص الذي يسجّل الفيديو، وهو على ما يبدو مقاتل تابع للقوّات المسلّحة، رأس الرجل بعنف، وينعته بالـ"جيفة" بينما يخاطب الكاميرا مباشرة، ويقول: "هذه نهايتكم "، في ما يبدو إشارة إلى الجماعات المسلّحة الخصمة من حكومة الوفاق الوطني.