قال نائب الرئيس الاميركي مايك بنس، الذي ألغى زيارته للشرق الاوسط في ديسمبر وسط عاصفة من الغضب بسبب اعلان الرئيس الامريكي دونالد ترامب بشأن القدس، قال انه سيزور المنطقة خلال الفترة من 20 الى 23 يناير/كانون الثاني المقبل، بما في ذلك مصر.
وفي كلمة ألقاها في حفل العشاء السنوي الذي نظمته منظمة "دفاعا عن المسيحيين" في أكتوبر/تشرين الأول، قال بنس إنه يعتزم توجيه رسالة إلى القادة العرب بأنه يجب أن يكون هناك "وضع حد لاضطهاد المسيحيين وجميع الأقليات الدينية" في المنطقة.
هذا في الواقع هدف مستحق، حيث أن المجتمع المسيحي المصري، الذي يشكل نحو 10 في المئة من السكان، وهو أكبر أقلية مسيحية في الشرق الأوسط، عانى من التمييز القانوني والمجتمعي لعقود. ويعاني المسيحيون وغيرهم من الأقليات الدينية في مصر من التمييز لا لسبب سوى هوياتهم. إلا أن مصير حقوق الأقليات مرتبط بالوضع الأوسع لحقوق الإنسان في مصر، ويجب أن ينظر إليه على هذا النحو من قبل بنس والإدارة الأمريكية.
لطالما هاجمت الجماعات المسلحة المجتمع المسيحي في مصر، مما أسفر عن مقتل العشرات في العامين الماضيين وحدهما. صحيح أن التهديدات ضد المسيحيين المصريين حقيقية، ولكن من الخطأ أن يدعي بنس، كما فعل في خطابه في أكتوبر/تشرين الأول، أن المشكلة هي ببساطة "إرهاب إسلامي متطرف". إن ذلك فهم معيب للغاية للوضع. إذ حتى قبل التصعيد الأخير للهجمات التي تبنتها الدولة الإسلامية وأتباعها، كان المسيحيون يواجهون عنفا أهليا متكررا، لا سيما فيما يتعلق بجهودهم الرامية إلى بناء أو تجديد أماكن العبادة. وقد فاقم من هذه الحال على مر السنين عدم قيام الدولة بالتحقيق مع مرتكبي تلك الانتهاكات وملاحقتهم، ورعاية جلسات "المصالحة العرفية" التي كثيرا ما مكنت المعتدين من التهرب من العدالة. وعندما أصدرت الحكومة أخيرا أول قانون حديث في مصر لتنظيم بناء الكنائس في عام 2016، أبقت على معظم القيود التمييزية.
لا يمكن فصل المأزق الحالي لمسيحيي مصر عن كارثة حقوق الإنسان الأوسع التي يعاني منها المجتمع ككل في ظل القمع الوحشي لحكم الرئيس عبد الفتاح السيسي. فقد انتشرت انتهاكات حقوق المواطنين على نطاق واسع: من المعارضين السياسيين إلى الملحدين، ومن الدعاة الدينيين إلى المثليين، وحتى الراقصات. وقد أيد رئيس بنس، الرئيس ترامب، السيسي، قائلا إنه يقوم "بعمل رائع".
سواء كانوا مسيحيين أو مسلمين أو غير ذلك، فإن أي شخص في مصر يحتج بشكل سلمي على سياسات الحكومة يعرض نفسه للاعتقال بموجب قانون التظاهر القمعي الصادر في عام 2013. ولكي نقدر مدى عدم تقبل الدولة لحرية التعبير، لا نضطر إلى أن ننظر إلى أبعد من اعتقال الحكومة وملاحقتها لأربعة أطفال مسيحيين ومعلمهم في عام 2016 بسبب "جريمة" تصوير شريط فيديو مدته 30 ثانية "يسخرون" فيه من تنظيم "الدولة الإسلامية"، وقد حُكم عليهم بالسجن لفترات طويلة، واضطروا في نهاية المطاف إلى الهروب من البلاد.
وفي حالة بارزة أخرى في مايو/أيار 2016، توجهت قوات الأمن الوطني في مصر إلى منزل الناشط الحقوقي مينا ثابت واعتقلته وضربته. وكان ثابت واحدا من أكثر الناشطين الذين يوثقون ويتحدثن عن التمييز والهجمات ضد المسيحيين في مصر. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2017، حكمت المحكمة على أندرو ناصف، وهو ناشط مسيحي آخر، بالسجن لمدة خمس سنوات بتهمة الإرهاب لانتقاده الحكومة على الفيسبوك.
لو كان بنس جادا في رغبته مكافحة التمييز ضد المسيحيين وغيرهم من الأقليات، فإنه يجب أن يتناول القمع واسع الانتشار لعبد الفتاح السيسي، وخاصة الهجمة القمعية على مجموعات المجتمع المدني في مصر التي كانت قوية ومؤثرة فيما مضى والتي كان منوطا بها تعزيز حالة حقوق الإنسان ومواجهة ثقافة التعصب الأوسع. وقد استدعت السلطات عشرات العاملين في منظمات مستقلة، وخاصة الناشطين الحقوقيين، إلى تحقيقات لا نهاية لها، وجمدت أموالهم، وهددتهم بالسجن.
لقد أُطلق سراح ثابت بعد أسابيع من اعتقال قوات الأمن المصرية له، لكنهم داهموا المنظمة التي كان يعمل بها، وهي المفوضة المصرية للحقوق والحريات، عدة مرات بعد اعتقاله، وما زال الموظفون يعملون في بيئة من الملاحقة والخوف، مثل عدة منظمات حقوقية أخرى في جميع أنحاء البلد.
إن تعامل الحكومة المصرية التجميلي من أجل حماية المسيحيين يعتمد إلى حد كبير على تمكين عدد قليل من القادة المسيحيين المعترف بهم رسميا، الذين يتمتعون بنفوذ قوي في المجتمع، بما في ذلك قوانين الأحوال الشخصية شديدة التقييد. وقد دافع هؤلاء القادة أيضا عن حملة الحكومة الواسعة النطاق ضد الاحتجاجات، بما في ذلك جذب الانتباه بعيدا عن مسؤولية الحكومة عن مذبحة ماسبيرو عام 2011، التي قتل فيها عشرات المسيحيين أثناء قيامهم باحتجاج مناهض للتمييز.
لقد حشد المجتمع المسيحي بأعداد هائلة من أجل الاحتجاج على الفساد والانتهاكات وبشكل عام افتقاد الكرامة التي عانوا منها في ظل حكم مبارك. ومع ذلك، في عام 2017، يجد المسيحيون المصريون أنفسهم عرضة للتهديد بسبب محاولات السيسي الدفع بالمجتمع بأسره إلى حالة من الخنوع والصمت.
إذا كان بنس حقا يريد تحسين وضع المسيحيين في مصر، فينبغي له أن يستخدم زيارته للتأكيد على أن العلاقات الثنائية التقليدية واحترام حقوق الإنسان ليسا مجالين منفصلين؛ ذلك أن أحدهمت وثيق الصلة بالآخر، أو يجب أن يكون. يجب أن ينبع الدعم الأمريكي للمسيحيين من الاعتراف بأن التمييز الذي يواجهونه هو جزء من نمط أوسع من القمع تحت حكم السيسي، وليس مجرد نتيجة للعنف المتطرف.