رفعت السعودية الحظر على قيادة النساء، بعد 17 عاما من الاحتجاج من قبل ناشطات حقوق المرأة. قالت روثنا بيغم من "هيومن رايتش ووتش"، إن على الحكومة الآن أن تحرص على حصول النساء على ذات حقوق الرجل في القيادة.
بعد أكثر من عقدين من النضال، تحتفل النساء السعوديات الناشطات بالنصر الذي طال انتظاره: الحق في قيادة السيارة. أصدر الملك سلمان هذا الأسبوع قرارا مفاده أنه سيتم السماح للمرأة بالقيادة، مما يُنهي وضع المملكة باعتبارها الدولة الوحيدة في العالم التي تحظر على المرأة القيادة.
لكن الطريق إلى الإصلاح كان ولا يزال طويلا وشاقا. فقد واجهت النساء اللاتي تحدّين الحظر بقيادة سيارات المضايقات والتخويف والاعتقال وحتى الاحتجاز، وبعضهن في منفى اختياري.
لم تنته القصة بعد. فعلى النساء الانتظار حتى يونيو/حزيران 2018 قبل أن يتمكنَّ من القيادة بالفعل. في هذه الأثناء، ستقدم لجنة وزارية توصيات خلال 30 يوما للمساعدة على تنفيذ أمر الملك. والسؤال المطروح هو ما إذا كان سيُسمح للنساء بالقيادة على قدم المساواة مع الرجل.
الحملة لرفع الحظر
لغاية عام 1990، كان هناك حظر عرفي على قيادة المرأة. خلال حرب الخليج الأولى، لاحظت النساء السعوديات أن الجنديات الأمريكيات المقيمات بالسعودية، يقدن بحرية في القواعد العسكرية في حين أنهن لا يستطعن ذلك. في نوفمبر/تشرين الثاني 1990، قادت 47 امرأة في الرياض قافلة سيارات للاحتجاج على الحظر.
أوقفتهن شرطة المرور واعتقلتهن، وأفرجت عنهن فقط بعد أن وقع أولياء أمورهن الذكور، تعهدات بعدم محاولة النساء القيادة ثانية. وتم فصل العديد منهن من وظائفهن.
بعد احتجاج عام 1990، أصدرت "هيئة كبار العلماء"، أعلى هيئة دينية في السعودية، فتوى تحظر قيادة المرأة لأنها قد تقود النساء إلى الاختلاط مع رجال غرباء، مما قد يؤدي في النهاية إلى "فوضى اجتماعية". فأصدر وزير الداخلية نايف بن عبد العزيز آل سعود مرسوما يحظر القيادة على أساس الفتوى، فأصبح الحظر سياسة رسمية.
تحدّت النساء المرسوم علنا عدة مرات. في يوم المرأة العالمي عام 2008، حمّلت وجيهة الحويدر فيديو يُظهرها وهي تقود سيارة في المملكة. في عام 2011، وبفضل احتجاجات الربيع العربي، أطلقت الناشطات السعوديات حملة "لها حق القيادة". وساعد ظهور وسائل التواصل الاجتماعي على خلق مساحة لتنظيم وتحفيز الزخم الذي دعت فيه الناشطات، اللاتي لديهن رخصُ قيادة دولية، إلى القيادة في الطرقات في نفس اليوم - 17 يونيو/حزيران وبعده.
في الفترة التي سبقت ذلك اليوم، أصبحت منال الشريف وجه الحملة، بعد أن أمضت 10 أيام رهن الاحتجاز لنشرها شريط فيديو يُظهرها تقود سيارة. قادت عشرات النساء سيارات ذلك اليوم، لكن شرطة المرور أوقفت العديد منهن وأجبرت أولياء أمورهن على توقيع تعهد بأنهم لن يسمحوا للنساء بالقيادة مرة أخرى. واجهت بعض النساء المحاكمة، وحُكم على إحداهن بعشر جلدات، رغم أن الحكم ألغي في 2012.
وفي 2013، بدأت الناشطات جولة أخرى من الاحتجاجات على الحظر. فقمن بنشر مقاطع فيديو تُظهرُهن وهُنّ يقُدن سيارات، بما في ذلك مقطع يصاحبه لحن فرقة جون بون جوفي"It’s my Life (إنها حياتي)"، وآخر يُظهر الرجال يمُرّون بهن ويُظهرون تضامنهم برفع إبهاماتهم. قامت السلطات بمضايقة وترهيب الناشطات، ولكن رغم التحذيرات من إمكانية اعتقالهن، قادت العديد من النساء سيارات في 26 أكتوبر/تشرين الأول في مختلف أنحاء المملكة دون اعتقالات.
بدأت التبريرات التي يستند إليها المدافعون عن الحظر بالتلاشي. في عام 2013، ذكر رئيس الشرطة الدينية، أنه لا يوجد نص ديني يحرم القيادة على المرأة. والتجأ مؤيدو الحظر إلى حُجج أدت فقط إلى تقويض موقفهم. فادّعى أحد رجال الدين أن القيادة تؤثر على مبايض النساء ممّا جلب عليه سخرية السعوديين على تويتر. ولاقى الفيديو الساخر No Woman No Drive إقبالا ضخما على الإنترنت. أصبح الحظر مدعاة للسخرية داخل المملكة وخارجها على حد سواء.
في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، حاولت لُجين الهذلول التوجه إلى السعودية من الإمارات على متن سيارة، لكن المسؤولين السعوديين اعتقلوها مع ميساء العمودي، التي حاولت مساعدتها. وأمضيتا أكثر من 70 يوما في السجن قبل الإفراج عنهما أخيرا.
بالنسبة للعديد من الناشطات، أصبح الحظر على القيادة رمزا للتمييز الواسع الذي تواجهنه، حيث العقبة الأكثر خطورة أمام الحصول على حقوقها، وهي نظام ولاية الرجل، الذي تحتاج المرأة بموجبه إلى إذن من ولي أمر ذكر - وهو أب أو أخ أو زوج أو حتى ابن - قبل أن تتمكن من السفر خارج البلد، أو الحصول على جواز السفر، أو الدراسة في الخارج بمنحة حكومية، أو الزواج، أو الخروج من السجن. وقد قادت النساء السعوديات حملات خلّاقة وشجاعة لإنهاء هذا النظام التمييزي.
على الرغم من كل حملاتهن، قالت هالة الدوسري، وهي ناشطة سعودية بارزة في مجال حقوق المرأة، لمجلة ذي أتلانتيك، إنه عندما رُفع الحظر عن القيادة هذا الأسبوع، حذّرت السلطات السعودية العديد من الناشطات في مجال حقوق المرأة من عدم إبداء أي تعليقات إيجابية أو سلبية، حتى ينسب الفضل كله للحكومة في رفع الحظر، ولمنع المزيد من الدعوات للإصلاح على ما يبدو.
الحق المتساوي في القيادة
جاء في الأمر، الذي رُفع بموجبه الحظر على القيادة، أنه يحظى بتأييد أغلبية أعضاء هيئة كبار العلماء، شريطة "إيجاد الضمانات الشرعية والنظامية اللازمة لتلافي الذرائع". هذا يشير إلى أن اللجنة العليا التي أُنشئت لتقديم توصيات بشأن تنفيذ الأمر خلال 30 يوما، قد تتضمن مثل هكذا "ضمانات".
ذكرت رويترز أن الأمير خالد بن سلمان، السفير السعودي في الولايات المتحدة، صرّح للصحفيين الثلاثاء، بأن المرأة لن تحتاج إلى إذن من وليّ الأمر "للحصول على رخصة أو إلى تواجد وليّ أمر في السيارة، وأنه سيُسمح لها بالقيادة في أي مكان في المملكة، بما في ذلك مكة المكرمة والمدينة المنورة".
يُعدّ هذا التزاما مُهما، ولكن المقترحات السابقة بشأن قيادة النساء السعوديات شملت قيودا، مثل جعل رخص القيادة مقتصرة على النساء بسن 30 فما فوق، أو السماح لهن بالقيادة فقط خلال ساعات النهار.
على السعودية أن تضمن تمكين المرأة من القيادة على قدم المساواة مع الرجل، إنهاء نظام ولاية الذكور، وإنهاء المُضايقات التي تتعرض لها جميع النساء والمدافعات عن حقوق الإنسان.
أما الآن، ينبغي أن نُسجّل للنساء الشجاعات مثل منال الشريف ولُجين الهذلول وهالة الدوسري وجميع اللاتي تحدّين الحظر، أنهُنّ سائقاتُ هذا الانتصار لحقوق المرأة السعودية.