(أربيل) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن وزارة الداخلية العراقية تحتجز 1269 معتقلا على الأقل، بينهم صبية لا تتجاوز أعمار بعضهم 13 عاما، في 3 سجون مؤقتة دون تهم، في ظروف رهيبة وتحت رعاية طبية محدودة. توفي 4 سجناء على الأقل في حالات بدا أنها مرتبطة بغياب العلاج الطبي والظروف السيئة، وبترت أرجل سجينين على ما يبدو لعدم توافر العناية بجروحهما القابلة للعلاج.
القانون الدولي المعني بالاحتجاز
يحظر القانون الدولي الذي ينظم معاملة السجناء المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. تحدد "قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء" (قواعد مانديلا) المعايير الدولية الخاصة بأوضاع السجناء. تتطلب هذه القواعد أن "توفر لجميع الغرف المعدة لاستخدام المسجونين، ولا سيما حجرات النوم ليلا، جميع المتطلبات الصحية، مع الحرص على مراعاة الظروف المناخية، وخصوصا من حيث حجم الهواء والمساحة الدنيا المخصصة لكل سجين والإضاءة والتدفئة والتهوية".
كما تنص أيضا على أنه "يجب أن تكون المراحيض كافية لتمكين كل سجين من تلبية احتياجاته الطبيعية في حين ضرورتها وبصورة نظيفة ولائقة"؛ و"يجب أن تتوفر منشآت الاستحمام والاغتسال بالدش" و"تتولى الدولـة مسـؤولية تـوفير الرعايـة الصـحية للسـجناء. وينبغـي أن يحصـل السـجناء على نفس مستوى الرعاية الصحية المتاح في المجتمع". كما تحمي القاعدة 58 حق السجين في تلقي زيارات "على فترات منتظمة" من الأهل والأصدقاء.
بموجب القانون العراقي، يعتبر مجلس القضاء الأعلى المسؤول عن رصد أحوال السجون، بينما يتوجب على الوزارات المسؤولة عن المرافق صيانتها. على مجلس القضاء الأعلى ممارسة صلاحياته في مراقبة هذه المرافق. على العراق التصديق على البروتوكول الاختياري لـ "اتفاقية مناهضة التعذيب" والسماح بقيام خبراء دوليين مستقلين بزيارات منتظمة إلى أماكن الاحتجاز في العراق، وإنشاء هيئة تفتيش مستقلة.
أحكام خاصة تتعلق بالمحتجزين الأطفال
على وجه الخصوص، يجب أن يتمتع الأطفال بضمانات المحاكمة العادلة الكاملة، بما في ذلك الحصول على محام، والحق في الطعن في احتجازهم، والاتصال بعائلاتهم، وفصلهم عن المحتجزين البالغين. ينبغي أن تكون عقوبة الجرائم الجنائية مناسبة لسنهم، وتهدف إلى إعادة تأهيلهم وإدماجهم في المجتمع.
من المهم ملاحظة ارتكاب بعض الأطفال أعمال العنف مع كونهم في الوقت نفسه ضحايا لداعش. قال مكتب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة المعني بالأطفال والنزاعات المسلحة العام 2011 إنه لدى التعامل مع الأطفال الذين شاركوا مع جماعات مسلحة، يجب "تشجيع طرق أكثر فعالية وكفاءة بخلاف الاعتقال والملاحقة، وتمكين الأطفال من التصالح مع ماضيهم والأفعال التي ارتكبوها".
على الحكومة أيضا النظر في كيفية التعامل مع الأطفال المتهمين بالانتماء إلى جماعات مثل داعش من دون القيام بأي تصرف عنيف. العام 2016، انتقد الأمين العام للأمم المتحدة الدول التي تستجيب للتطرف العنيف بالاعتقال الإداري ومحاكمة الأطفال لعلاقاتهم المزعومة مع هذه الجماعات. أشار إلى أن الحرمان من الحرية مخالف لمصلحة الطفل الفضلى، ويمكن أن يؤدي إلى تفاقم الظلم في المجتمع.
ذكرت الممثلة الخاصة للأمين العام المعنية بالأطفال والنزاعات المسلحة، ليلى زروقي، أيضا أن الجنود الأطفال لا ينبغي محاكمتهم "لمجرد تعاونهم مع جماعة مسلحة أو مشاركتهم في أعمال عدائية". تشعر العديد من البلدان بالقلق من تشكيل الأطفال الأعضاء في داعش تهديدا مستقبليا. لكن ينبغي أن تكون ملاحقة الطفل قضائيا واحتجازه الملاذ الأخير دائما، والغرض من أي حكم يجب أن يكون إعادة تأهيل وإدماج الطفل في المجتمع.
سجون القيارة
في أحد مراكز الاحتجاز في القيارة، غرفة مساحتها 4 بـ 6 أمتار تضم 114 رجلا، وأخرى مساحتها 3 بـ 4 أمتار تضم 38 رجلا. ليس لديهم أثاثا أو فرشات، ومساحة بالكاد تكفيهم للاستلقاء. يضم السجن 374 معتقلا ضمن 6 غرف. أما المرافق الأخرى فأصغر. في إحدى الغرف 114 معتقلا ومرحاض واحد ولا نوافذ. لم تكن تحوي أي نظام تهوية حتى بدايات مارس/آذار 2017، حين قرر مدير السجن حفر ثقوب صغيرة في الجدران وتركيب مراوح تهوية. رغم التحسينات، لا تزال الرائحة الكريهة منتشرة. يتشارك معتقلو 5 غرف مرحاضا وحيدا.
يضم السجن الثاني 270 معتقلا في مبنى أصابته قذيفة بينما كانت المنطقة تحت سيطرة داعش، وتوجد فجوة في سقف الردهة. قال الموظفون إن البناء مختل وقد ينهار في أي لحظة. الغرفة التي رأتها هيومن رايتس ووتش فيها نافذة صغيرة يلقي منها المعتقلون عشرات قناني الماء الملأى بالبول. الحرارة والرائحة خانقتان. يبني الموظفون بناء آخر متصلا بالحالي لاحتجاز بعض المعتقلين.
في السجنين اللذين يحويان 374 و400 معتقلا حارس واحد لكل منهما، ولدى السجن ذي 270 سجينا حارسان لأن المرحاض هو حفرة في الفناء المؤدي إلى الطريق الرئيسي؛ بالتالي يرافق أحد الحارسين السجناء إلى المرحاض. قال عاملون إن الأسرى يؤخذون إلى الساحة لمدة 10 إلى 20 دقيقة يوميا، ولكن يُسمح لهم فقط بالجلوس، لا التجول.
لا تحوي أي من السجون الثلاثة دوش للاستحمام، ويتناول الأسرى الطعام في الغرف.
قال موظفو السجن إنهم قرروا مؤخرا احتجاز المعتقلين الأطفال بشكل منفصل. لكن لم يُسمح لـ هيومن رايتس ووتش بزيارة المبنى الثالث، مكان اعتقال الأطفال بحسب العاملين.
قال موظفو السجن إنه رغم أن الأوضاع في المبنى الثالث أفضل قليلا، وأقل اكتظاظا، لا يُسمح للأطفال بمغادرة زنزاناتهم. لا يملكون فرص ممارسة الأنشطة أو التمارين أو اللهو أو التعلم أو الاتصال بعائلاتهم. الاستثناء الوحيد هو لعدد صغير ممن يعملون دون مقابل لصالح موظفي السجن في توزيع الطعام والمياه للسجناء الأطفال والبالغين.
قال عاملون إنه حتى يناير/كانون الثاني 2017، كان الطعام المقدم للمعتقلين غير صالح للأكل، ورفض مدير السجن أخيرا تقديمه، فقال لمسؤولين في وزارتي العدل والداخلية إنه سيشتري المواد الغذائية من حسابه للمعتقلين. أدى هذا في النهاية لإرسال الوزارات دعما غذائيا أفضل. قال موظفو السجون إن المعتقلين الآن يحصلون على 3 وجبات متنوعة يوميا.
أخبر عاملون هيومن رايتس ووتش أن السلطات في بغداد لم تقدم أي دعم طبي للسجون لعدة أشهر رغم الطلب المتكرر. زار أطباء الفرع المحلي من وزارة الصحة المكان مرتين أوائل مارس/آذار 2017. قالت المصادر إن الأطباء أوقفوا زياراتهم لاحقا دون معرفة السبب. قالوا إن معتقلين أصيبا بما يُعتقد أنها جروح قابلة للعلاج، لكن نظرا لعدم حصولهما على الرعاية الطبية في الوقت المناسب، انتهى بهما المطاف ببتر أرجلهما.
عائلة أحد السجناء، علي محمد عطية (41 عاما)، بقّال سابق، أخبرت هيومن رايتس ووتش أنه عندما استعادت القوات العراقية القيارة في أغسطس/آب 2016، جاء عناصر جهاز مكافحة الإرهاب إلى منزلهم واحتجزوا عطية لعدة ساعات. بعد 4 أيام، عاد عناصر المخابرات واحتجزوه، وقالوا لابنه إنه كان منخرطا مع داعش. قالت العائلة إن الموظفين لم يسمحوا لهم بزيارته، لكن أخبرهم ضابط مخابرات أنه رغم أمر قاضي التحقيق بالإفراج عنه، لا يزال محتجزا. في أوائل فبراير/شباط، أخبرهم أحد الجيران أن عطية كان في مستشفى في القيارة بعدما رآه هناك يتلقى العلاج. ذهبت والدة عطية إلى المشفى، وقال لها الطاقم الطبي إنه موجود هناك يعاني من إسهال شديد بسبب الجفاف. أمضت 5 أيام معه، وقالت إنه كان مريضا جدا وضعيفا، وتوفي في نهاية المطاف. عندما قابلت هيومن رايتس ووتش أفراد الأسرة، لم يكونوا قد تلقوا بعد نتائج الفحص الطبي الشرعي.
قال موظفون لـ هيومن رايتس ووتش إن هناك جهودا حثيثة لتركيب مبردات هواء وأنظمة تهوية. خلال الأسبوع الممتد من 12 مارس/آذار 2017، نُظفت جميع الغرف لأول مرة لمعالجة تفشي الجرب، وسُمح لجميع السجناء بالاستحمام في مرافق مؤقتة أقيمت في ذلك اليوم. كما أُنشأت مرافق الصرف الصحي لكل مبنى.
سجن حماّم العليل
زارت هيومن رايتس ووتش 2 من غرف السجن الأربع في مركز شرطة، واحدة بمساحة 6 بـ 4 أمتار، وتحوي 72 رجلا، وثانية بمساحة 7 بـ 4 أمتار، وتحوي 103 سجناء. ليس لديهم أثاثا أو فرشات، مع مساحة بالكاد تكفيهم للنوم. يضم السجن 225 معتقلا، بينهم 3 نساء في زنزانة منفصلة، وحوالي 50 من الـ 255 متهمون بالانتماء إلى داعش.
يتشارك المعتقلون الذكور 6 مراحيض في ظروف غير صحية، مع مصارف مسدودة بالمياه القذرة، ولا دوش للاستحمام. النوافذ في الغرفتين اللتين تمت زيارتهما موصدة، مع وجود ثقب صغير معد لمروحة تهوية في كل منهما. الرائحة خانقة. قال موظفو السجن إن الوزارات لا توفر المياه للحمام، وإن المدير يقايض الوقود وأغراض أخرى في مقابل الماء من السلطات المحلية.
قال موظفو السجن إن الوزارات لم تقدم أي طعام للسجناء بعد أول بضعة أسابيع من فتح المرفق، وإن الموظفين كانوا يطالبون أسر المحتجزين بجلب الطعام الذي كان يتم بعدها مشاركته بين جميع المحتجزين.
قال عاملون إنه لا علم لهم بعدد المعتقلين دون سن 18 عاما، لكنهم قالوا إن العدد كبير وهم في زنزانات الكبار. قالوا إن أصغرهم عمره 13 عاما. لا يملك الأطفال المحتجزون فرص ممارسة الأنشطة أو التمارين أو اللهو أو التعلم أو الاتصال مع عائلاتهم.
قال عاملون إن حكومة بغداد لم تقدم أي دعم طبي، رغم الطلبات المتكررة إلى وزارة العدل. قالوا إن معتقلا مصابا بالسكري جاء إلى السجن في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، بعد احتجازه وعدم تغذيته بشكل صحيح لمدة 11 يوما في سجن القيارة. نُقل إلى العيادة المحلية لكنه توفي في غضون أيام. وصل سجين آخر في نوفمبر/تشرين الثاني مع غرغرينا في كلا ساقيه. في ديسمبر/كانون الأول، نقله الموظفون إلى المستشفى المحلي لكي تُبتر ساقاه، وبعد ذلك عاد إلى ظروف غير صحية في الزنزانة، ليتوفى بعد 3 أشهر، في أواخر فبراير/شباط 2017. توفي معتقل يعاني من زيادة الوزن في أوائل 2017 بعد أن شكا لعدة أيام أنه غير قادر على التنفس بسبب الرائحة والحرارة.
قال عاملون إنهم سمحوا لسجين عجوز بقضاء لياليه في غرفة حارس منفصلة، لأن الحرارة ورائحة الزنزانة تسببت له في مشاكل خطيرة في التنفس. عندما زارت هيومن رايتس ووتش الزنزانات، صاح السجناء أنهم بالكاد يتنفسون وتوسلوا الموظفين فتح الأبواب.
قال موظفو السجن إن عددهم الإجمالي يبلغ 10 أشخاص بينهم الحراس والمحققون، وإنه لا أحد ينظف الحمامات أو الزنزانات. وقالوا إنهم يسمحون للسجناء في غرفتين من غرف السجن بالتنقل بين الغرف والحمام المتصل عدة ساعات من النهار، لكنهم غير قادرين على السماح لهم بالتواجد خارج المبنى لأنه ليس له بوابات أو جدران أو سياج.