الخطاب يحلل أوجه القصور فى مشروع القانون في ضوء التزامات مصر المتعلقة بحقوق الإنسان والمعايير القانونية الدولية، ويدعو الحكومة إلى تعديله. قامت وزارة العدل بصياغة "قانون حماية الحق في التظاهر السلمي في الأماكن العامة"، ووافق مجلس الوزراء على مسودته النهائية في 12 فبراير/شباط 2013، ثم تم إرسال المشروع إلى مجلس الشورى، وهو المجلس التشريعي المصري، بتاريخ 17 فبراير/شباط.
قالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: " هذا القانون بصياغته الحالية سيقيد حق أساسي من حقوق الإنسان، ويحد من قدرة المصريين على مواصلة المطالبة بالعيشوالحرية والعدالة الاجتماعية. من حق الحكومات أن تنظم المظاهرات، لا أن تحظرها لأسباب مفتعلة أو أن تقصيها عن مرأى ومسمع أي مبنى حكومي".
يتعذر تحديد الموعد المقرر لتمرير القانون حيث أن الأجندة التشريعية لمجلس الشوري، وإجراءاته وإطاره الزمني، تتسم كلها بالغموض. في مقابلة مع صحيفة الشروق المصرية اليومية المستقلة بتاريخ 19 فبراير/شباط، قال أحمد فهمي رئيس مجلس الشورى: "لا يوجد قانون يستدعي العجلة سوى قانون الانتخابات... وأنا من أشد المؤيدين لتقليل التشريعات بقدر الإمكان خلال هذه الفترة، لحين انتخاب مجلس النواب".
أوجه القصور الرئيسية في مشروع القانون هي العبارات المبهمة في المادة 4 التي تحظر المظاهرات المؤدية إلى تعطيل "مصالح المواطنين" أو حركة المرور، أو الاعتداء على حرية العمل. وقالت هيومن رايتس ووتش إن الأمر الأكثر إشكالية هو أن أية مخالفة للمادة 4 تسمح للشرطة بتفريق المظاهرة بالقوة. قالت هيومن رايتس ووتش إن هذا يرقى فعلياً إلى مرتبة العقاب الجماعي للمتظاهرين، بما أن اعتداء متظاهر واحد على رجل شرطة سيعد سبباً كافياً لتفريق الشرطة للمظاهرة كلها، حتى لو كانت أغلبية المتظاهرين العظمى سلمية.
تحظر المادة 9 من مشروع القانون على المتظاهرين الاقتراب حتى 200 متر من المباني الحكومية أو التشريعية أو القضائية، إضافة إلى مقار الحكم المحلي. و قالت هيومن رايتس ووتش إن هذا القيد سيؤدي الي إبعاد المتظاهرين عن مرأى ومسمع أي مسؤول تقريباً في البلاد، و هو شرط مبالغ فيه ويمثل قيداً جوهرياً على حق المواطنين في إيصال رسالة للمسؤولين عن طريق التجمع السلمي.
كما يسرد مشروع القانون في المادة 13 قائمة بجرائم سبق تجريمها كاملة في قانون العقوبات، مثل التعدي على الممتلكات العامة أو الخاصة، ويفرض عقوبة إضافية هي الحبس لمدة لا تقل عن أسبوع، وغرامة باهظة تتراوح بين 20 و50 ألف جنيه مصري (3000-7400 دولار أمريكي)، على أي مخالفة لأحكام المادة 13.
تشترط المادة 5 من مشروع القانون أن يقدم المتظاهرون إخطاراً مكتوباً قبل المظاهرة بثلاثة أيام، وتنص المادة 8 على ضرورة لجوء وزارة الداخلية إلى قاض لإلغاء مظاهرة. لكن المادة لا تشترط أن يصدر القاضي حكمه في موعد مناسب ضمن مهلة الأيام الثلاثة، وهو ما من شأنه إثارة غموض حول الوضع القانوني للمظاهرة. كما يخفق القانون في توفير استثناء للمظاهرات الأصغر حجماً والتي لا تسبب أي ارتباك، ولا للمظاهرات العفوية العاجلة استجابة للأخبار، بحسب هيومن رايتس ووتش.
قالت هيومن رايتس ووتش إن القانون يخفق أيضاً في وضع حدود واضحة لكيفية استخدام الشرطة للقوة في تفريق المظاهرات، من حيث الأسلوب المستخدم أو شروط التصعيد في رد الشرطة. فبدلاً من النص على إلزام واضح للشرطة يتفق مع المعايير الدولية باستخدام القوة فقط إذا أثبتت الوسائل غير العنيفة عدم فعاليتها و"ممارسة ضبط النفس في هذا الاستخدام والتصرف بالتناسب مع جسامة المخالفة"، تكتفي المادة 15 باقتراح أن "يراعى بقدر الإمكان" اتخاذ الشرطة لإجراءات تبدأ بالإنذار وتتدرج حتى مدافع المياه والغاز المسيل للدموع.
تقرر المادة 16 أيضاً أن للشرطة استخدام القوة بأزيد من ذلك كما ينص قانون العقوبات وقانون هيئة الشرطة، مما يمنح الشرطة سلطة تقديرية مفرطة في استخدام الذخيرة الحية لتفريق المظاهرات، كما قالت هيومن رايتس ووتش. تقرر مبادئ الأمم المتحدة الأساسية المتعلقة باستخدام القوة من قبل موظفي إنفاذ القانون أن الاستخدام العمدي المميت للأسلحة النارية لا يجوز إلا "حينما لا يكون له بديلاً لحماية الأرواح".
كما أن مشروع القانون يقصر حق التظاهر على المصريين فقط، إذ ورد في المادة 2 أن "للمواطنين حق الدعوة إلى المظاهرات وتنظيمها والانضمام لها"، وقالت هيومن رايتس ووتش إن هذا النص تمييزي حيث يوفر القانون الدولي هذا الحق لأي شخص على تراب أي بلد.
دعا وزير العدل المستشار أحمد مكي المنظمات غير الحكومية، بما فيها هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، علاوة على مكتب الأمم المتحدة للمفوضية السامية لحقوق الإنسان، دعاها إلى التعليق على مشروع القانون في 5 فبراير/شباط. وفي 10 فبراير/شباط أرسلت هيومن رايتس ووتش خطاباً إلى وزير العدل يبرز مواضع قصور مشروع القانون عن تلبية متطلبات القانون الدولي لحقوق الإنسان، ويقدم توصيات بالمراجعة.
قبلت وزارة العدلثلاث من هذه التوصيات، ومنها رفع العقوبات الجنائية عن الإخفاق في الحصول على تصريح بالتظاهر. لكنها أبقت على معظم النصوص الإشكالية وقدمت المسودة إلى مجلس الوزراء. وافق مجلس الوزراء على المسودة النهائية في 12 فبراير/شباط ثم رفعها في 17 فبراير/شباط إلى مجلس الشورى.
في بيان بتاريخ 19 فبراير/شباط، انتقد مكتب الأمم المتحدة للمفوضية السامية لحقوق الإنسان مشروع القانون، قائلاً إنه يفرض "قيوداً عريضة على أسس تتعلق بالنظام العام ويقيد دون وجه حق اختيار الأماكن التي يجوز التجمع فيها، بينما يمنح سلطة تقديرية مفرطة لوزارة الداخلية في الاعتراض على التجمعات".
يخفق مشروع القانون أيضاً في حماية جوهر الحق في التجمع السلمي كما يوضحه الدستور المصري، فالمادة 50 من الدستور تقرر أنه:
للمواطنين حق تنظيم الاجتماعات العامة والمواكب والمظاهرات السلمية، غير حاملين سلاحاً، ويكون ذلك بناءً على إخطار ينظمه القانون. وحق الاجتماعات الخاصة مكفول دون إخطار، ولا يجوز لرجال الأمن حضورها أو التنصت عليها.
قالت سارة ليا ويتسن: "إن أفضل ضمانة لاحترام القوانين الجديدة التي يمررها البرلمان المصري هي ضمان احترام تلك القوانين الكامل للحقوق الموضوعة على المحك. ولا يمكن معالجة دائرة العنف المفرغة التي شهدتها مصر مؤخراً إلا من خلال إصلاح الشرطة والمحاسبة، وليس بمنح الشرطة وغيرها من سلطات الدولة المزيد من الصلاحيات لتقييد المظاهرات أو استخدام القوة ضد المتظاهرين".