Skip to main content
تبرعوا الآن

 

صحفي مُصاب يتلقى العلاج بعد اشتباكات بين قوى الأمن والمتظاهرين خلال مظاهرة في بيروت، لبنان في 14 يناير/كانون الثاني 2020. © 2020 حسام شبارو/وكالة الأناضول عبر غيتي إيمدجز

 

مريم سيف الدين صحفية لبنانية معروفة بكونها من أشد المنتقدين للنخبة الحاكمة الفاسدة في لبنان ودور "حزب الله" في البلاد.

منذ اندلاع الانتفاضة التي عمّت البلاد في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، تعرضت سيف الدين لحملة مضايقات شرسة على الانترنت، إذ تعرضت للإهانة والتهديد، واتُّهمت بأنها عميلة. هاجم مسلحون عائلتَها مرتين، وكان بين المهاجمين أحد أقاربها الذي قالت إنه من عناصر حزب الله، في منزلهم في الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله. كسر المهاجمون أنف أخيها، ولكموا والدتها ووالدها في وجهيهما، ووجهوا إليها شتائم جنسية، وهددوا بقتل أفراد عائلتها حيث شهر أحدهم سلاحا ناريا.

لم تقدم السلطات اللبنانية أي حماية لسيف الدين وعائلتها في أي مرحلة من مراحل هذه المحنة.

بحسب الشكوى القانونية التي قدمتها سيف الدين، عندما ذهبت إلى مركز الشرطة لتشتكي، تم استجوابها، بدل سماع شكواها، بتهمة التشهير التي وجهها إليها المعتدون. قالت سيف الدين إن رجال الشرطة منعوها من التواصل مع محاميها، واحتجزوها لفترة وجيزة، وحاولوا ترهيبها، ثم سرّبوا تفاصيل التحقيق إلى وسائل الإعلام.

خوفا على سلامتها، ابتعدت سيف الدين وإخوتها عن منزلها. لم يُحاسب من اعتدى عليها ولا عناصر الشرطة الذين انتهكوا حقوقها.

لسوء الحظ، حالة مريم سيف الدين ليست فريدة من نوعها. يتعرض الصحفيون، والإعلاميون، والنشطاء في لبنان، خاصة منتقدو النخبة الحاكمة والأحزاب السياسية، لتهديدات متزايدة. غالبا ما تمر هذه التهديدات بدون عقاب، سواء كانت من جهات خاصة، بينما السلطات لا ترغب في حمايتهم أو لا يمكنها ذلك، أو من السلطات الحكومية مباشرة.

اتجاه مقلق ومتفاقم

تدهوَرت حرية التعبير والتأثير على الحريات الإعلامية في لبنان في العامين الماضيين إلى درجة دفعت "هيومن رايتس ووتش" و13 منظمة لبنانية ودولية أخرى إلى إنشاء تحالف جديد للاتحاد بوجه محاولات السلطات زيادة القمع.

اغتيال لقمان سليم، المفكر والناقد الشيعي البارز لـ حزب الله، على يد مجهولين في 4 فبراير/شباط كان أفظع حالة حتى الآن. مرت ثلاثة أشهر، ولم تتمكن عائلة سليم من الحصول على أي معلومات ذات مغزى حول تقدم التحقيق. يخشى الكثيرون من أن ذلك سيؤول مآل العديد من التحقيقات الأخرى في اغتيالات سياسية في لبنان على مدى العقدين الماضيين: طريق مسدود.

وفقا لـ "مركز الدفاع عن الحريات الاعلامية والثقافية- سكايز"، الذي يراقب حرية الإعلام والصحافة ومركزه بيروت، تعرّض 106 إعلاميين للاعتداء من جهات غير حكومية بين بداية انتفاضة لبنان في أكتوبر/تشرين الأول 2019 ومارس/آذار 2021. على الرغم من تصوير العديد من هذه الهجمات، إلا أن المساءلة كانت بعيدة المنال، ما زاد من جرأة المهاجمين.

في العديد من الحالات الأخرى، كان عناصر من أجهزة الدولة هم المعتدون. قال مركز سكايز إنه وثق 80 اعتداء نفذه هؤلاء العناصر ضد إعلاميين أثناء أداء وظائفهم، بشكل رئيسي خلال تغطية الاحتجاجات، بين أكتوبر/تشرين 2019 ومارس/آذار 2021. كنت من بين هؤلاء، إذ لكمني جندي في وجهي وأنا أصور هجوم الجيش اللبناني على متظاهرين كانوا سلميين إلى حد كبير في 8 أغسطس/آب 2020.

على الرغم من الكم الهائل لأدلة الفيديو والصور الفوتوغرافية لهذه الهجمات، لم يُحاسب أيٌ من عناصر الأمن أمام القضاء. كما رفضت قوات الأمن بشكل متكرر طلباتنا تقديم معلومات عن تحقيقاتها الداخلية وإجراءاتها التأديبية ضد المتورطين في الهجمات.

تهم "القدح والذم" لإسكات المنتقدين

بينما يفلت مرتكبو الاعتداءات من العقاب، يحاكم عدد متزايد من الصحفيين والنشطاء ويُستَدعَون للاستجواب بتهم جنائية غامضة تتعلق بالقدح والذم، يتقدم بها المدعي العام أو شخصيات سياسية ومالية ودينية نافذة، تستخدم هذه القوانين بشكل متزايد للانتقام من المنتقدين وإسكاتهم. ويمكن أن تؤدي الإدانات إلى أحكام بالسجن تصل إلى ثلاث سنوات، أو غرامات، أو كليهما.

مثلما استخدم مهاجمو مريم سيف الدين قوانين القدح والذم الجنائية للانتقام منها، فعل ذلك أيضا مسؤولو "أمن الدولة" ضد الممثل زياد عيتاني عندما انتقدهم علنا بسبب تسريب مقاطع فيديو لاستجوابه في تهم ملفقة. بعض قضايا القدح والذم التي رفعها أصحاب النفوذ أشبه بالعبثية، مثل قيام أربعة محامين لبنانيين مرتبطين بتحالف سياسي بتقديم شكوى ضد مجلة "ذي إيكونوميست"، حيث اتهموها بالإضرار بسمعة لبنان وإهانة العلم اللبناني في تقاريرها عن نقص الدولار في البلاد. أو عندما تم استجواب الصحفي عامر شيباني لثلاث ساعات بعد أن قال على "تويتر" إن مصرفه لا يسلّم دولارات.

أصبح من الشائع سماع مسؤولين كبار يعلنون بلا خجل نواياهم إسكات منتقديهم. في يونيو/حزيران الماضي، في خضم الأزمة الاقتصادية في لبنان، كلف النائب العام التمييزي "قسم المباحث الجنائية المركزية" بالتحقيق في منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي مسيئة للرئيس، وهي "جريمة" يعاقب عليها بالسجن لمدة تصل إلى عامين.

تمكن لبنان من الكحافظة على صورته كمنارة لحرية التعبير في منطقة سلطوية من خلال عدم سجن الصحفيين إلا نادرا، وبسبب سجل المنطقة البالغ السوء. ورغم أن معظم القضايا لا تصل إلى المحاكم، فقد استدعت الأجهزة الأمنية خلال السنوات الماضية آلاف الأشخاص لاستجوابات مطولة. في كثير من الحالات، قال رأى الذين تم استجوابهم أن الأساليب الجسدية والنفسية المستخدمة في الاستجواب تهدف إلى إذلالهم، ومعاقبتهم، وردعهم عن نشر أي مواد تُعتبر إهانة أو انتقادا لأصحاب النفوذ.

"مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية"، وهو وحدة تابعة لـ "قوى الأمن الداخلي" ومكلفة بمكافحة الجرائم الإلكترونية وتعزيز الأمن على الإنترنت، قال لـ هيومن رايتس ووتش إنه أجرى 4,154 تحقيقا في قضايا القدح والذم بين 1 يناير/كانون الثاني 2015 و7 ديسمبر/كانون الأول 2020. هذا الرقم ليس شاملا، وقد وثّقنا مثل هذه الاستجوابات من قبل أجهزة أمنية أخرى، منها "الأمن العام" وأمن الدولة و"مخابرات الجيش". بما أن كل جهاز أمني يخضع بشكل غير رسمي لتأثير حزب سياسي ما، فقد استخدم مسؤولو كل حزب الجهاز الموالي لهم لترهيب المنتقدين.

تدور إحدى أولى معارك تحالفنا الجديد حول قانون جديد للإعلام تجري مناقشته في البرلمان. رغم الوعود المتكررة من أعضاء البرلمان بإشراك المجتمع المدني في صياغته، إلا أن المشاركة لم تكن ذات مغزى. واجتماعات اللجان النيابية المكلفة بمراجعة القانون وتعديله ليست معلنة ولا مفتوحة للجمهور.

رفض أعضاء البرلمان حتى تزويدنا بنسخة محدّثة من القانون، ولو أننا تمكنا من الحصول على نسخة غير رسمية مسربة تعود لأبريل/نيسان 2019. في حين يحظر مشروع القانون الحبس الاحتياطي بسبب جرائم النشر، بما في ذلك على وسائل التواصل الاجتماعي، فإنه لا يلغي عقوبة السجن بتهم القدح والذم المزعومة، وفي بعض الحالات، قد ينص على أحكام أطول بالسجن وغرامات مضاعفة. إذا تم تمرير هذه النسخة من القانون، فسوف يتخلف لبنان أكثر في حماية حرية التعبير والصحافة.

معالجة المشكلة

ليستعيد لبنان مكانته كمنارة لحرية التعبير في المنطقة، عليه إلغاء تجريم التشهير فورا. العقوبات الجنائية لا تتناسب في حال مع الإضرار بالسمعة، ويجب إلغاؤها. القوانين الجنائية المتعلقة بالقدح والذم  ليست ضرورية، كما تبين بعدما ألغاها عدد متزايد من البلدان. القوانين المدنية المتعلقة بالتشهير وتلك الجنائية المتعلقة بالتحريض كافية لحماية سمعة الناس والحفاظ على النظام العام، ويمكن صياغتها وتنفيذها بحيث تشمل الحماية المناسبة لحرية التعبير.

ولكن إلى حين اعتماد هذه التغييرات التشريعية، على وزير العدل أن يوجه جميع المسؤولين الحكوميين بالامتناع عن تقديم شكاوى التشهير الجنائية نيابة عنهم أو عن المؤسسات التي يخدمونها. كما على النائب العام التوقف عن توجيه اتهامات جنائية إلى الأشخاص الذين يطعنون في سمعة الرئيس أو الجيش، وأن يأمر الأجهزة الأمنية بعدم استدعاء الأشخاص أو استجوابهم أو اعتقالهم لمجرد التعبير السلمي عن آرائهم.

كذلك، ينبغي للسلطات أن تظهر بوضوح أنه لن يتم التسامح مع الاعتداء على الإعلاميين، وأن أي شخص مسؤول عن مثل هذه الاعتداءات، سواء كان جهة غير حكومية أو من قوات أمن، سيُحاسب بإجراءات سريعة وشفافة. ولاستعادة ثقة الناس، على الأجهزة الأمنية الإعلان عن جميع الإجراءات التأديبية التي اتخذتها منذ 17 أكتوبر/تشرين 2019 ضد عناصرها الذين ثبت أنهم مسؤولون عن اعتداءات على الإعلاميين. على النيابة العامة أيضا أن تأمر الأجهزة الأمنية بالتحقيق السريع وإحالة الشكاوى العديدة التي قدمها الإعلاميون ضد الأفراد الذين اعتدوا عليهم إلى القضاء.

ختاما، على لبنان اختيار أي نوع من البلدان يريد أن يكون: بلد يسيطر على الخطاب العام ويمليه كما في بلدان أخرى في المنطقة، أو منارة للتسامح ومركزا حيويا للحوار والنقاش.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الموضوع

الأكثر مشاهدة