Skip to main content

مصر: عمليات الهدم الواسعة في سيناء جرائم حرب محتملة

الجيش يدمر آلاف المنازل وسُبل العيش

صبي يقف على  منزل دمره الجيش المصري في رفح، مصر، في وقت قريب من بداية الصراع المسلح في محافظة شمال سيناء   © 2014 أسوشيتد برس/ جريدة الشروق، أحمد عبد اللطيف

(بيروت) - قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن العمليات المستمرة للجيش المصري لهدم المنازل والإخلاء القسري أثناء الصراع المسلح في محافظة شمال سيناء هي انتهاكات للقانون الدولي الإنساني، أو قوانين الحرب، وتشكل، على الأرجح، جرائم حرب.

بين أواخر 2013 ويوليو/تموز 2020، دمر الجيش ما لا يقل عن 12,350 مبنى، معظمها منازل، كان أحدث جولاتها في منطقة العريش. كما جرف الجيش، وأفسد، ومنع الوصول إلى ما لا يقل عن 6 آلاف هكتار (نحو 14,300 فدانا) من الأراضي الزراعية، معظمها منذ منتصف 2016. لم تقدم الحكومة معلومات كافية بخلاف المزاعم في وسائل الإعلام بأن عمليات الإخلاء والهدم كانت ضرورية للأمن في القتال طويل الأمد مع جماعة "ولاية سيناء" المسلحة، وهي جماعة محلية مرتبطة بـ تنظيم "الدولة الإسلامية" (المعروف أيضا بـ "داعش") مسؤولة عن هجمات ضد أهداف عسكرية ومدنيين. يبدو أن آلاف عمليات الإخلاء والهدم هذه تنتهك قوانين الحرب، التي تحظر مثل هذه الأعمال، إلا للضرورة العسكرية الحتمية أو لضمان أمن المدنيين المعنيين.

قال جو ستورك، نائب مدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "على مدى السنوات السبع الماضية، طرد الجيش المصري في شمال سيناء بشكل غير قانوني عشرات آلاف السكان، ودمر منازلهم ومزارعهم وسُبل معاشهم. تعكس عمليات الهدم والإخلاء عقلية رسمية مسيئة لا تهتم بعافية وسلامة سكان سيناء، وهو أمر أساسي لأمن المنطقة واستقرارها".

Egyptian Army’s Massive Destruction in North Sinai

بين أواخر 2013 ويوليو/تموز 2020، دمر الجيش المصري 12,350 مبنى على الأقل، معظمها منازل، في محافظة شمال سيناء التي مزقها النزاعز. مكّن تحليل صور الأقمار الصناعية هيومن رايتس ووتش من تقييم عمليات الهدم وطرقها المحتملة، وتقدير خسائر الأراضي الزراعية، ورصد بناء المنشآت الأمنية، وتقييم تطوير مواقع إعادة التوطين الرسمية وغير الرسمية الجديدة.

MORE

منذ أواخر 2017، هدم الجيش ممتلكات لإنشاء منطقة عازلة في مدينة العريش واستكمال منطقة أخرى في رفح. كما دمر مئات المنازل خارج هذه المناطق العازلة. استمرت أغلب عمليات الهدم دون تحديد إحداثيات المناطق المراد هدمها رسميا، ودون إبداء أسباب تفصيلية محددة، ودون وضع عملية تعويض عادلة. غالبية العائلات التي أُجليت منذ أواخر 2017، وكذلك المئات – وعلى الأرجح الآلاف – من العائلات التي هُدمت ممتلكاتها منذ 2013، لم تحصل بعد على تعويض. لم تقدم الحكومة أي خطط واضحة حول موعد عودة السكان المهجرين إلى ديارهم أو تشير إلى ما إذا كان لديها النية في ذلك.

وثقت هيومن رايتس ووتش في 2015 و2018 عمليات هدم واسعة للمنازل في شمال سيناء بدأت من 2013. حتى أوائل 2018، كان الجيش يجلي بشكل أساسي قاطني المناطق السكنية في مدينة رفح وحولها، على الحدود مع غزة وإسرائيل.

وجد التحليل الأخير لعشرات صور الأقمار الصناعية عالية الدقة المتسلسلة زمنيا، التقطت بين 4 ديسمبر/كانون الأول 2017 و1 يوليو/تموز 2020، أنه خلال تلك الفترة هدم الجيش حوالي 4 آلاف مبنى في مدينة العريش ومحيطها، بشكل رئيسي لبناء منطقة عازلة تحيط بمطار العريش جنوب المدينة، الذي كان مدنيا، ويستخدم منذ 2013 لأغراض عسكرية.

تظهر صور حديثة للأقمار الصناعية التقطت في ديسمبر/كانون الأول 2020 استمرار عمليات الهدم في منطقة رفح. يبدو أن معظم المباني المهدمة في العريش كانت منازل أو مبان تجارية، ودُمر حوالي 3,500 منها في عام 2018 وحده، بعد أن قال الرئيس عبد الفتاح السيسي إنه سيستخدم "عنف شديد وقوة غاشمة حقيقية" في سيناء بعد هجوم مسلح على المطار في ديسمبر/كانون الأول 2017. بعدها صعد الجيش عملياته، بما في ذلك فرض قيود صارمة على الحركة دفعت بآلاف السكان إلى حافة أزمة إنسانية بين فبراير/شباط ومايو/أيار 2018. في وقت سابق، ربما منذ 2014، هدم الجيش حوالي 1,500 مبنىً آخر في العريش.

وجد تحليل هيومن رايتس ووتش لصور الأقمار الصناعية أنه من بين حوالي 5,500 مبنى هُدم في العريش منذ 2014، كان هناك أكثر من ألفي مبنى خارج النطاق الأمني المحيط بالمطار. أفادت تقارير إعلامية وشهود تحدثوا سابقا مع هيومن رايتس ووتش أن الجيش يهدم منازل أعضاء مشتبه بهم في ولاية سيناء أو منازل أقاربهم. تتناقض عمليات الهدم المكثفة هذه مع تصريح محافظ شمال سيناء في يناير/كانون الثاني 2018 بأن عمليات الهدم ستراعي "عدم المساس بمدينة العريش".

لم تحصل هيومن رايتس ووتش على أي سجل أو مرسوم منذ 2013 يتضمن قرارات رسمية تفرض أو تنظم عمليات الإخلاء في مدينة العريش أو حولها أو تحدد التعويضات.

كما دمر الجيش بين ديسمبر/كانون الأول 2017 ويوليو/تموز 2020 نحو 700 كوخ (عِشّة أو سكن مؤقت) داخل منطقة العريش العازلة، وعشرات الأكواخ خارجها. كثيرا ما يزعم الجيش أن الجماعات المسلحة اخترقت هذه المجتمعات البديلة. قال شهود لـ هيومن رايتس ووتش، وتظهر البيانات شبه الرسمية والتقارير الإعلامية، أن الأشخاص الأكثر فقرا الذين تم إجلاؤهم لا يجدون عادة بديلا سوى بناء أكواخ (العِشش) في مجتمعات بديلة جديدة.

Before and after satellite imagery illustrates demolition in al-Arish city. Before: June 1, 2018. After: April 7, 2019.Before and after satellite imagery illustrates demolition in al-Arish city. Before: June 1, 2018. After: April 7, 2019.

قبل: 1 يونيو/حزيران 2018: Satellite Imagery © 2021 Maxar Technologies. Source: Google Earth بعد: 7 أبريل/نيسان 2019: Satellite Imagery © 2021 Maxar Technologies. Source: Google Earth

 وجد تحليل صور الأقمار الصناعية الأخرى المسجلة بين أغسطس/آب 2013 وأغسطس/آب 2020 أن جميع الأراضي الزراعية تقريبا داخل المنطقة العازلة حول المطار، حوالي 1,800 هكتار، جُرفت، بالإضافة إلى 800 هكتار من الأراضي الزراعية في مدينة العريش وما حولها، معظمها بين أغسطس/آب 2016 وأغسطس/آب 2019. بناء على تحليل الصور، جرف الجيش أيضا 3,500 هكتار من الأراضي الزراعية في رفح ومحيطها، خاصة بين أغسطس/آب 2016 وأغسطس/آب 2019، وأكد السكان هذا التحليل.

لم تردّ السلطات على الأسئلة التي أرسلتها هيومن رايتس ووتش في 11 و26 يناير/كانون الثاني 2021 إلى مكتب مجلس الوزراء، ووزارة الدفاع، و"الهيئة العامة للاستعلامات". وسط تعتيم صارم على المعلومات حول أحداث سيناء، بما فيه حظر التقارير المستقلة، ينكر المسؤولون المصريون دائما الطبيعة القسرية لعمليات الإخلاء هناك، وتستخدم وسائل الإعلام الموالية للحكومة عبارات "المنقولين" أو "المتضررين" للإشارة إلى السكان المهجرين. قال الرئيس السيسي في أكتوبر/تشرين الأول 2019: "مهجرناش حد ... إدينا فلوس للناس وأزلنا المباني والمزارع لأنه أمن قومي"، مضيفا أن الحكومة "دفعت مليارات" كتعويضات.

سبق أن وثقت هيومن رايتس ووتش أنه حتى منتصف 2018، دمر الجيش 6,850 مبنى على الأقل في مدينة رفح. تُظهر صور الأقمار الصناعية حتى ديسمبر/كانون الأول 2020 أن عمليات الهدم استمرت خارج المنطقة العازلة جنوب وغرب مدينة رفح. وجدت هيومن رايتس ووتش قوائم رسمية في يوليو/تموز 2020 تشير إلى هدم 7,460 مبنى على الأقل داخل منطقة رفح العازلة وحدها.

راجعت هيومن رايتس ووتش تقارير إعلامية وبيانات رسمية، إلى جانب شهادات أربع عائلات نازحة تحدثت معها هيومن رايتس ووتش بشكل مشترك مع "مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان"، وهي منظمة مستقلة، كلها تدعم النتائج السابقة التي توصلت إليها هيومن رايتس ووتش بأن عملية التعويض كانت غير شفافة وبطيئة وتفتقر إلى المراجعة المستقلة أو آليات الاستئناف. لم يدرج آلاف الأشخاص في قائمة التعويضات أو لم يتلقوا أي تعويضات بعد.

عمليات هدم المنازل والإخلاء القسري من قبل الجيش هي من المظالم الرئيسية لسكان شمال سيناء، التي  تعرضوا لها، بين انتهاكات خطيرة أخرى وجرائم حرب على أيدي الجيش والجماعات المسلحة. يحظر القانون الدولي لحقوق الإنسان بشكل عام، سواء في زمن السلم أو الحرب، عمليات الإخلاء القسري وهدم المنازل إلا في حالات استثنائية وبعد استشارات مناسبة مع السكان، وإخطار كاف، وتعويض عادل، وسبل إنصاف، وكلها ضمانات تقاعست الحكومة المصرية عن توفيرها.

قال ستورك: "على الحكومة المصرية إنهاء عمليات الإخلاء والهدم التعسفية، والتعجيل بالتعويض العادل والشفاف لكل شخص مستحق، وتقديم ضمانات بأن السكان المهجرين يمكنهم العودة إلى ديارهم في أقرب وقت، وفور أن يكون ذلك ممكنا".

الخلفية

بدأت عمليات الهدم التي نفذها الجيش المصري في سيناء مع اشتداد الصراع أواخر 2013 وتصاعده في أكتوبر/تشرين الأول 2014، عندما أصدرت الحكومة قرارا بإخلاء السكان من منطقة عازلة تبلغ مساحتها 79 كيلومتر مربع، شملت مدينة رفح بأكملها، حيث كان يعيش أكثر من 70 ألف شخص. نص القرار على أنه يجب "إخلاء" و"عزل" تلك المنطقة، لكنه لم يذكر أسبابا أو يتطرق إلى عمليات الهدم. بيد أن عمليات الهدم كانت قد بدأت قبل أشهر من القرار، وشملت ما لا يقل عن 3,250 مبنى هُدم بين يوليو/تموز 2013 وأغسطس/آب 2015، ونحو 3,600 مبنى بين يناير/كانون الثاني وأبريل/نيسان 2018، هُدم مئات منها خارج المنطقة العازلة. وكانت رفح قد هُدمت بالكامل تقريبا بحلول منتصف أبريل/نيسان 2018.

لم تصدر الحكومة أية إحصاءات رسمية، لكن هيومن رايتس ووتش تقدر أن أكثر من 100 ألف من سكان شمال سيناء البالغ عددهم 450 ألفا نزحوا أو غادروا المنطقة منذ 2013، في المقام الأول نتيجة هدم المنازل، ولكن أيضا للهروب من القتال المتصاعد. لا تزال بعض العائلات النازحة موجودة في شمال سيناء، ونزحت أكثر من مرة. لجأ آخرون إلى أماكن أخرى في مصر، وفي كثير من الحالات دون مساعدة تذكر من الحكومة في العثور على سكن أو وظائف بديلة.

في 2014 و2015، قدمت الحكومة بعض المعلومات حول عدد المنازل المهدومة وعملية التعويض، لكن مع اتساع نطاق عمليات الهدم، التزمت الحكومة الصمت إلى حد كبير.

شاركت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، التي تأسست عام 2020، مع هيومن رايتس ووتش قاعدة بيانات رسمية مسربة تتضمن قائمة بـ 10,468 أسرة (حوالي 41 ألف فرد) نزحت من رفح والشيخ زويد المجاورة حتى أكتوبر/تشرين الأول 2018، وبقيت داخل سيناء، معظمها في العريش وبئر العبد. أفادت تقارير إعلامية في أكتوبر/تشرين الأول 2019 أن محافظة شمال سيناء تعمل على تحديث قاعدة البيانات وإجراء مسح بعدد الأشخاص الذين تم تهجيرهم وانتقلوا إلى محافظات أخرى داخل مصر، لكن لم يُعلن عن مثل هذه المعلومات[AM2] .

الطبيعة غير القانونية لعمليات الهدم في شمال سيناء

عمليات الإجلاء القسري أو نقل السكان المدنيين من جهة وهدم المنازل وسلب الممتلكات الخاصة من جهة أخرى هما قضيتان مترابطتان، لكنهما متمايزتان. يحظر القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني بشكل عام كليهما عندما تفرضهما سلطات الدولة، باستثناء عندما يفرضان كملاذ أخير لحماية المدنيين أو للضرورة العسكرية "الحتمية". سبق أن وصفت هيومن رايتس ووتش كيف أن الوضع في شمال سيناء منذ 2014 يرقى إلى نزاع مسلح غير دولي، تنطبق عليه قوانين الحرب. استمرت أعمال عدائية شديدة تتجاوز مستوى القلاقل المتفرقة لسنوات. حشدت الحكومة عشرات آلاف الجنود، بما يشمل المشاة والقوات الجوية والبحرية، كما أن جميع أطراف النزاع لديها هياكل قيادة منظمة. الأمر بالتهجير القسري غير القانوني للسكان المدنيين والاستيلاء على منازلهم ومزارعهم وتدميرها على نطاق واسع يمكن أن يشكل انتهاكات لقوانين الحرب ترقى إلى جرائم الحرب.

التقييم أن عمليات الهدم والتهجير في شمال سيناء تنتهك القانون الدولي الإنساني يستند إلى عناصر عدة بحثتها هيومن رايتس ووتش. أولا، لم تقدم الحكومة أدلة دامغة على أن تدمير آلاف المنازل وطرد السكان من مدينة رفح بأكملها كان ضرورة عسكرية حتمية أو ضروريا لحماية المدنيين الذين يعيشون هناك. قد تبرر حماية الأرواح التهجير، لكنها لا تبرر عمليات الهدم. قال مسؤولون في تصريحات إعلامية إن عمليات الإخلاء هذه كانت ضرورية لتدمير أنفاق التهريب بين مصر وغزة، لكنهم لم يوضحوا سبب عدم التفكير في وسائل أخرى. حتى إن كان جدلا من غير الممكن تفادي عمليات الهدم تلك، فقد جاءت غير متناسبة وغير معقولة.

كانت التصريحات الرسمية حول المناطق التي سيتم إخلاؤها من السكان متناقضة، مما يعكس العشوائية، والتعسف، وغياب التواصل المناسب. مثلا، زعمت الحكومة في بيان رسمي نادر في سبتمبر/أيلول 2015 أن عمليات إخلاء رفح كانت لحماية أرواح المدنيين. لكن المسؤولين لم يقدموا مثل هذه الادعاءات في وقت سابق، عندما كان السبب المعلن يركز على تدمير الأنفاق. في أكتوبر/تشرين الأول 2019، قال الرئيس السيسي مرة أخرى إن إخلاء رفح كان يهدف إلى التخلص من الأنفاق. يعكس تمدد عمليات الإخلاء والهدم واسعة النطاق غربي رفح، بالتوازي مع قيام المسلحين بتوسيع معاقلهم، التفسير الفضفاض للأمن – كمبرر للتهجير والهدم – الذي يتبعه الجيش المصري والذي يتعارض مع القيود التي تفرضها قوانين الحرب، وهكذا تبرر قوات الأمن عمليات الإخلاء والهدم واسعة النطاق في القرى والبلدات، التي يواجه فيها الجيش هجمات الجماعات المسلحة بشكل متكرر دون الالتزام بقيود القانون الدولي فيما يتعلق بوجود "ضرورة عسكرية حتمية". شمل ذلك هدم مئات المنازل خارج المنطقة العازلة المعلنة في رفح والشيخ زويد دون إبداء الأسباب. اتبعت عمليات الهدم حول مطار العريش في أواخر 2017 نفس النمط: يبدو أن الحكومة لم تنظر في حلول أقل ضررا لتأمين المطار أو تنفيذ عمليات الإخلاء المطلوبة بشكل متناسب. شكك عضو "المجلس القومي لحقوق الإنسان" صلاح سلام في 30 أكتوبر/تشرين الأول 2018 في الحاجة إلى عمليات هدم واسعة من أجل المطارات، قائلا، "البديل موجود وبالدراسات ونحافظ على أملاك الأسر...".
 

عضو "المجلس القومي لحقوق الإنسان" صلاح سلام على فايسبوك

 

ترفض الحكومة الرأي القائل إن الوضع في شمالي سيناء يرقى إلى صراع مسلح يخضع لقوانين الحرب، رغم أن الدلائل تشير إلى ذلك. ومع ذلك، فإن القانون الدولي لحقوق الإنسان يُطبق في كافة الأوقات، في السلم أو الحرب، ويضمن الحماية القوية من الإخلاء، والتشريد، ونزع الملكية بشكل قسري.

بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، لا تُنفذ عمليات الهدم إلا عندما يتعذر تجنبها تماما. في تقريريها الحالي والسابق حول عمليات الهدم في سيناء، شرحت هيومن رايتس ووتش كيف أن الحكومة، عند تنفيذها عمليات الهدم والإخلاء في سيناء، لم تلتزم بالمعايير الحقوقية الأساسية، بما فيها الوصول إلى المعلومات، والتشاور المناسب مع السكان، والإخطار الكافي، والتعويض العادل، وآلية الإنصاف المستقلة. وفقا "للمبادئ التوجيهية للأمم المتحدة المتعلقة بعمليات الإخلاء والترحيل"، ينبغي لعمليات الإخلاء – في حال حتميتها – ألا تنتهك "حق المتضررين بالعيش والكرامة والحرية والأمن". قوضت الحكومة بشدة مستويات المعيشة الملائمة للمهجرين، وتسببت في معاناة شديدة حينما لم تؤمن مساكن بديلة، ومصادر دخل، ووسائل نقل، وتعويضات مسبقة وسريعة. غالبا ما أعطى الجيش سكان رفح إنذارا بالإخلاء قبل 48 ساعة، وفرض أحيانا قيودا على حركة السلع لإجبار الأشخاص على الرحيل. نُفذت عدة إخلاءات خلال طقس ماطر وبارد، ما جعل ترتيبات النقل أكثر صعوبة، لا سيما مع فرض حظر تجول ليلي منذ أكتوبر/تشرين الأول 2014. لم تُنفّذ الإخلاءات بدون التشاور المناسب فحسب، بل استندت بشكل كبير إلى قوانين مسيئة، منها "قانون سنة 1958 بشأن حالة الطوارئ" و"قانون 1960 للتعبئة العامة". تنص هذه القوانين على سجن أي شخص يعارض أوامر الحكومة مثل الإخلاءات. اعتقلت قوات الأمن أشخاصا عدة من النشطاء السيناوين القلائل الذي اعترضوا علنا على الإخلاءات القسرية، مثل أشرف الحفني في ديسمبر/كانون الأول 2019 وأشرف أيوب في أغسطس/آب 2020.  

صعّبت الحكومة على المهجرين العثور على منازل جديدة وهدمت أكواخهم في التجمعات البديلة. وفق تقارير إعلامية، هدمت السلطات بطريقة ممنهجة المنازل الجديدة للذين استقروا في محافظة الإسماعيلية المجاورة، زاعمة أن المباني الجديدة تفتقر إلى تصاريح البناء المطلوبة. العديد من سكان سيناء الذين غادروا خوفا على حياتهم لم يحصلوا على أي مساعدة تذكر أو إرشادات من الحكومة. هدم الجيش العديد من المنازل المهجورة دون تقديم أي تبريرات.

كتبت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالحق في السكن اللائق في تقريرها، بعد بعثة رسمية في مصر أواخر 2018، أن بعثتها واجهت أعمالا انتقامية وأنها "لم تتمكن من مقابلة وزير الدفاع لطلب معلومات إضافية من الحكومة حول عمليات الإخلاء القسري التي تزعم أنها تتعلق بالأمن في شمال سيناء". لفت تقريرها أيضا إلى أنه "يشكل تدمير المنازل انتقاما لأنشطة إرهابية مشبوهة انتهاكا [على ما يبدو] للحق في السكن".

مخاوف من ديمومة الإخلاء

لم تصدر الحكومة أي معلومات حول الإطار الزمني لعودة النازحين إلى منازلهم أو ما إذا كانت قد وضعت خططا بهذا الخصوص. هدم المنازل عقب الإخلاء يشكك في إمكانية عودتهم، كما هو الحال بالنسبة لعمليات هدم المباني الحكومية، والمصانع، والمدارس، والمنشآت الصحية، والجوامع.

في 2015، قال أكثر من 12 مواطنا لـ هيومن رايتس ووتش إن مسؤولين أجبروهم على توقيع استمارات من أجل السماح لهم بالحصول على تعويضات، تفيد بأنهم تخلوا عن ملكياتهم إلى الدولة طوعا، وأنهم يتعهدون بألا يعيدوا البناء ضمن المناطق التي تم إجلاؤهم منها. قال مدير مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان أحمد سالم لـ هيومن رايتس ووتش، مستشهدا باتصالات مع ثلاثة من سكان سيناء في يناير/كانون الثاني 2020، إن هذا كان حال كافة عمليات الإخلاء.

غالبا ما يزعم المسؤولون أن سكان سيناء لا يملكون المستندات القانونية لإثبات ملكية أراضيهم، وهي ذريعة تستخدمها السلطات لتبرير عدم دفع التعويضات عن أراضيهم ومزارعهم. لعقود، كان سكان سيناء يسجلون ملكية أراضيهم لدى مشايخ القبائل بدلا من السلطات فيما يُعرف بـ "الورقة الخضراء"، وهو مستند شبه رسمي. بموجب القانون الدولي، و"الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب" ضمنا، الذي صادقت عليه مصر عام 1984، يتأسس الحق بالملكية على أساس الإشغال والاستخدام، وعلى أن الأشخاص عُوملوا كمالكين، بدلا من الاعتراف بالملكلية فقط استنادا لاعتراف الدولة الرسمي.

عمليات تعويض غير شفافة، وبطيئة، ومجحفة

لا يبدو أن أحدا من الذين تم إجلاؤهم من منطقة العريش قد حصل على تعويض حتى ديسمبر/كانون الأول 2020، حين أعلن "مجلس مدينة العريش" بدء وضع لائحة بالأشخاص المؤهلين من الذين هجروا من منطقة المطار.

أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع 20 ممن هجروا وعديد من نشطاء سيناء منذ 2014، وراجعت عشرات المستندات الرسمية. حصل المئات من العائلات المهجرة ومالكي المزارع على بعض التعويضات بعملية بطيئة وغير شفافة، بينما لم يحصل المئات الآخرون على شيء وليس لديهم معلومات حول ما إذا كانوا سيتلقون تعويضا أو عن المبلغ الذي قد يحصلون عليه.

معظم العائلات التي أجريت معها مقابلات قالت إن الحكومة لم تقدم لها أي مساعدة وإن التعويض غير كاف، وهو ما ورد في تقرير 2019 للمقررة الخاصة الأممية المعنية بالسكن اللائق. لا يملك السكان فرصة الاستئناف ضد عمليات الإخلاء أو الحصول على التعويض أمام هيئة قضائية أو إدارية مستقلة.

تنص التوجيهات الدولية أن التعويض عن الإخلاء القسري يجب أن يُعطى مقدما قبل تنفيذ السلطات للإخلاء، ويجب أن يغطي الخسائر الشخصية والحقيقية وأي ممتلكات أخرى والخسائر الاقتصادية. تظهر اللوائح الرسمية التي راجعتها هيومن رايتس ووتش أن حوالي 2,200 من سكان رفح الذين هجروا لم يحصلوا على تعويض سوى في 2020، بعد سنوات على إجلائهم.

تراوحت التعويضات بين 50 ألف جنيه مصري (3,200 دولار أمريكي) ومليون و900 ألف جنيه (121,330 دولار). في 2014، قالت الحكومة إنها ستدفع 800 حتى 1,200 جنيه (50 – 72 دولار) لكل متر مربع من مساحة البناء، وليس الأرض. لم تجد هيومن رايتس ووتش أي مؤشر على أن هذه الحسابات أخذت بعين الاعتبار فقدان العملة المصرية أكثر من 50% من قيمتها في 2016.

في 2014، قالت الحكومة إنها لن تعطي أي تعويضات عن الأراضي الزراعية، لكن بعد مرور عدة سنوات، بدأت الحكومة بإعطاء بعض التعويضات عن الأراضي الزراعية. في 2020، أدرجت مديرية الزراعة في محافظة شمال سيناء قوائم بـ 600 مالك مزرعة في رفح، والشيخ زويد، والعريش يستحقون التعويض. لكن القوائم المنشورة لم تحدد المبلغ الذي سيحصل عليه المالكون. يبدو أن الحكومة تعوض المالكين لغاية 100 شجرة فقط، بغض النظر عن مساحة المزرعة أو عدد أشجارها. في 2018 و2019، وفق السجلات العامة التي راجعتها هيومن رايتس ووتش، حصل عشرات المزارعين على تعويضات.  

تظهر إفادات الشهود والبيانات الرسمية أن السلطات لم تجرِ مسحا للممتلكات في بعض الأحياء والمزارع في رفح، والشيخ زويد، والعريش قبل تدميرها، وذلك لحساب التعويض بشكل منصف.

قالت المقررة الخاصة الأممية المعنية بالسكن اللائق في 2007 إنه "ينبغي ألا يحل التعويض النقدي، بأي حال من الأحوال، محل التعويض العيني في شكل أرض أو موارد مشتركة الملكية. وفي حال مصادرة الأرض، ينبغي تعويض من تعرض للإخلاء بأرض تضاهيها أو تفوقها من حيث النوعية والمساحة والقيمة".

لم تقدم الحكومة أي مساعدة أو تعويض للسكان الذين تركوا منازلهم خوفا على حياتهم بسبب الصراع المسلح، والذين هجروا منازلهم والذين دمر الجيش منازلهم ومزارعهم المهجورة بالجرافات أو القصف. هذا كان حال العائلات الأربعة من رفح والشيخ زويد وبئر العبد التي قابلتها هيومن رايتس ووتش، بالاشتراك مع مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، في 2020.

قال رجل من قرية الطايرة، خارج المنطقة العازلة في رفح، الذي هدم الجيش منزله البالغة مساحته 120 مترا مربعا دون أي تعويض أو سكن بديل في منتصف [AM4] 2019، إنه وعائلته المكونة من سبعة أفراد نزحوا مرتين – أول مرة من رفح والثانية من سيناء. قال "رأيت منزلي لآخر مرة في (منتصف) 2019 حين هُدم. جرفه الجيش ثم وضعوا نقطة تفتيش للجيش بالقرب منه. هدموا كل المباني في المنطقة".

قال إن أخوين له دُمر منزلاهما داخل المنطقة العازلة في رفح أواخر 2018، حصلا على تعويض غير كاف ومقابل "المبنى فقط وليس الأرض". أضاف الرجل أن لا أحد ممن دُمِرت منازلهم خارج نطاق المنطقة العازلة في رفح حصل على تعويض، وأن الموظفين الحكوميين المسؤولين عن مسح المباني التي ستُهدم توقفوا عن زيارة المنطقة، في وقت من الأوقات، لكي تُهدم مئات المنازل داخل وخارج المنطقة العازلة بدون مسح. في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، جرف الجيش منزل شقق آخر للرجل خارج المنطقة العازلة، بدون تقديم تعويض أيضا. 

قال: "أتت الجرافات من نقطة تفتيش قريبة للجيش. توسل الأشخاص السائق لينتظر حتى يأخذوا ملابسهم وحاجياتهم. ركضوا إلى الداخل وجمعوا ما استطاعوا. بعد قليل، وصل ضابط من الجيش في مدرعة "هامر". حين رآه سائق الجرافة، بدأ بهدم المنازل".

قال رجل آخر إنه وعائلته، رغم خوفهم على حياتهم، بقوا في منزلهم في رفح حتى أواخر 2018، بانتظار المسؤولين عن مسح منزلهم قبل هدمه. أضاف أنهم حصلوا على تعويض "غير كاف" في أواسط 2020 مقابل البناء فقط، وليس مقابل أرضهم. كانوا قد نزحوا في وقت سابق، في يونيو/تموز 2015، حين هدم الجيش منزلا آخر من منازلهم في رفح قبل أن يمسحه المسؤولون، والذي لم يحصلوا مقابله على أي تعويض.

قال اللواء محمد عبد الفضيل شوشة، محافظ شمال سيناء، في 9 فبراير/شباط 2020 إن الحكومة ستبدأ قبول طلبات التعويض عن المنازل المُهَّدمة خارج نطاق المنطقة العازلة في رفح. في 17 فبراير/شباط 2020، نشر مجلس مدينة رفح استمارة ليملأها السكان الذين هُدِمت منازلهم خارج المنطقة العازلة بدون مسح على أن يصدّق الاستمارة شيخان من شيوخ القبائل من المنطقة ليتأهلوا للتعويضات.

قال ساكن آخر كان يعيش شرق الشيخ زويد أن عائلته المكونة من ثمانية أفراد وحوالي 50 عائلة أخرى أخلوا منازلهم في أواخر 2018، خوفا من "قصف الجيش العشوائي والقتل على يد المجموعات المسلحة". قال إنه انتقل وكثيرون آخرون مؤقتا إلى قرية السكادرة، شمال الشيخ زويد. في منتصف 2020، أخلى الجيش عائلات من السكادرة دون تقديم تعويضات عن منازلهم ومزارعهم التي يعتقد الرجل أنها دُمِرت جراء الصراع المسلح. أفادت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان في أغسطس/آب 2020 أن الجيش استخدم الجرافات والمتفجرات لتدمير عدة منازل في السكادرة.

خطط إعادة توطين غير كافية وغير شفافة

"رفح الجديدة" مصر. صورة القمر الصناعي 10 كانون الأول/ديسمبر 2010. © 2021 Planet Labs

في 2015، قالت الحكومة إنها بدأت بناء مدينة "رفح الجديدة" غرب المدينة المُهدّمة لإيواء السكان النازحين. يظهر قرار مجلس الوزراء رقم 2021 لسنة 2015 المنطقة المخصصة التي تبلغ مساحتها حوالي 2.25 كيلومتر مربع، ما يعادل 2.8% من مساحة منطقة رفح التي أُجلي منها سكانها.

في يوليو/تموز 2020، قال اللواء شوشة إن الحكومة ستسلم "قريبا" شققا في رفح الجديدة للمهجرين من رفح. تظهر صور أقمار صناعية التقطت في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020 41 مبنىً تبدو أنها مباني متعددة الطوابق غير مسكونة وحوالي 30 مبنىً قيد الإنشاء. نشرت وسائل إعلام محلية صورا في ديسمبر/كانون الأول 2020 تظهر عملية بناء جارية ومبان لاتزال شاغرة.  

جزء من الأرض المخصصة لرفح الجديدة يقع ضمن المحيط الأمني على طول طريق رفح-العريش، وهي أراض تم اعتبارها ممتلكات عسكرية بموجب قرار رئيس الجمهورية 233/2016. صور الأقمار الصناعية من ديسمبر/كانون الأول 2020 تظهر أن عمليات الهدم ازدادت بشكل كبير منذ يونيو/تموز في المناطق القريبة من رفح الجديدة، بالإضافة إلى بناء عدة مراكز عسكرية حولها، وجرف المزيد من الأراضي الزراعية، الأمر الذي يلقي بظلال الشك حول احتمال أن يتمكن السكان من العيش هناك في المستقبل القريب.

هاجم المسلحون مرات عديدة، وقتلوا، عمال بناء يعملون مع الجيش وشركات خاصة في شمال سيناء في أعمال بناء المنشآت المدنية والعسكرية. 

أظهرت مراجعة بيانات رسمية في وسائل الإعلام وصفحات رسمية لمجلس مدينة رفح ومحافظة شمال سيناء على "فيسبوك" أنه في 2020 قدمت الحكومة عقودا مدعومة لاستئجار حوالي 1,100 شقة للعائلات المهجرة من رفح والشيخ زويد في مشروع سكني حكومي اجتماعي في منطقة السبيل في العريش. اختيرت العائلات بنظام القرعة.

في مارس/آذار 2019، أصدر الرئيس السيسي القرار رقم 132 الذي يخصص فيه 11 كيلومتر مربعا لبناء مدينة "بئر العبد الجديدة"، إلى الغرب من العريش. في صور الأقمار الصناعية الملتقطة في فبراير/شباط 2021، لم تجد هيومن رايتس ووتش أي دليل على بدأ عملية البناء.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة