(تونس) - قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن على البرلمان التونسي التخلي عن مشروع قانون من شأنه منح الحكومة صلاحيات واسعة لتقييد الحقوق عبر إعلان حالات الطوارئ، أو مراجعته بشكل شامل.
يسمح القانون للسلطة التنفيذية بمنع الإضرابات والمظاهرات التي تُعتبر خطرا على النظام العام، وفرض الإقامة الجبرية على كل شخص "يتعمد ممارسة نشاط من شأنه تهديد الأمن"، وتعليق نشاط الجمعيات لمجرد الاشتباه في مشاركتها في أفعال مضرة. لا ينص مشروع القانون على مراجعة قضائية كافية للتدابير المتخذة بموجب هذه الصلاحيات.
قالت آمنة القلالي، مديرة مكتب هيومن رايتس ووتش في تونس: "الصلاحيات غير المحدودة التي يمنحها مشروع القانون تمثل خطرا على عديد الحقوق التي تجند التونسيون لحمايتها منذ ثورة 2011. يجب أن تكون صلاحيات الطوارئ محددة النطاق والمدة، وخاضعة لمراجعة السلطة القضائية".
تعيش تونس في حالة الطوارئ منذ أكثر من 3 سنوات.
قدم الرئيس الباجي قائد السبسي مشروع القانون إلى البرلمان في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2018. وبدأت "لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية" في البرلمان مناقشته في 18 يناير/كانون الثاني 2019.
أعلن قائد السبسي حالة الطوارئ في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 عقب تفجير انتحاري في تونس قُتل فيه 12 من "الأمن الرئاسي". وقام بتجديدها عدة مراة، آخرها في 4 فبراير/شباط.
يستند إعلانه حالة الطوارئ إلى مرسوم رئاسي لسنة 1978، يسمح للرئيس بإعلانها لمدة تصل إلى 30 يوما، قابلة للتجديد، استجابةً لاضطرابات أمنية خطيرة. أعطى المرسوم السلطة التنفيذية – عمليا، وزارة الداخلية ووُلاة المناطق التابعين للوزارة – سلطة تعليق بعض الحقوق. صُمم مشروع القانون الحالي ليحل محل مرسوم 1978 كأساس قانوني لحالات الطوارئ في تونس.
تقول المذكرة التفسيرية المرفقة بالمشروع إنه يهدف إلى ""التوفيق بين ضرورة العمل على حماية الدولة والتراب الوطني من التهديدات الداخلية والخارجية وبين ضرورة إيجاد معادلات تضمن الحقوق والحريات في إطار التناسب المنصوص عليه بالفصل 49 من الدستور".
وبدل تحقيق هذا التوازن، سيزيد مشروع القانون صلاحيات السلطات الواسعة لتقيّد حرية التعبير، والتجمع، وتكوين الجمعيات، والتنقل، بالإضافة إلى الحقوق النقابية، دون موافقة قضائية مسبقة.
يحدد مشروع القانون "حالة الطوارئ" بشكل أوسع مما يسمح به القانون الدولي، والذي ينص على منع تعليق حالات الطوارئ للحقوق الأساسية إلا عندما يكون الوضع "مهددا لحياة الأمة". يسمح التشريع بإعلان حالة الطوارئ لمدة 6 أشهر بمقتضى أمر رئاسي، بعد استشارة رئيس الحكومة ومجلس الامن القومي، يمكن تمديدها 3 أشهر إذا استمر حصول أحداث "تكتسي خطورتها صبغة الكارثة" أو في حالة "خطر وشيك يهدد الأمن والنظام العام وسلامة الأفراد والمؤسسات والممتلكات والمصالح الحيوية للدولة". لا يتضمن مشروع القانون على تنصيص واضحللمدة القصوى لحالة الطوارئ، ما يعطي السلطة التنفيذية امكانية تاويل القانون بشكل يسمح بتجديدها إلى أجل غير مسمى.
وبموجب مشروع القانون، لدى الولاة ووزير الداخلية نفس صلاحيات قانون 1978 لمنع أي شخص "يتعمد عرقلة نشاط السلط العمومية" من مناطق جغرافية معينة. ويمكن للمسؤولين أيضا فرض الإقامة الجبرية، ومنع الاجتماعات والتجمعات والمظاهرات التي من شأنها أن تشكل خطرا على الأمن والنظام العام، وإغلاق القاعات المخصصة للاجتماعات العمومية.
ويضيف مشروع القانون مزيدا من الصلاحيات إلى تلك الممنوحة بقانون 1978، معطيا وزير الداخلية الحق في وضع الأشخاص تحت "المراقبة الإدارية"، ما يتطلب منهم القدوم إلى مركز الشرطة 3 مرات في اليوم. ويمكن للوزير أيضا مصادرة جواز سفر الشخص، أو الأمر باعتراض اتصالاته. وتستطيع السلطات تفتيش الأماكن التي يرتادها أي شخص تشتبه في أنه يهدد الأمن والنظام العام ومصادرة حواسبه وباقي أنظمته المعلوماتية الأخرى بلا أمر قضائي.
كما يعطي مشروع القانون السلطة التنفيذية صلاحية إصدار أمر بتعليق نشاط أي جمعية ثبتت مساهمتها أو مشاركتها في أعمال يراها المسؤولون "مخلة بالأمن والنظام العام" أو "عرقلة لعمل السلط العمومية". وهذا يتجاوز قانون الجمعيات لعام 2011 الذي يمنح السلطة القضائية الحق الحصري في تعليق الجمعيات.
كما وثقت هيومن رايتس ووتش كيف أدت عمليات الشرطة في ظل حالة الطوارئ إلى انتهاكات عديدة، مع عواقب وخيمة على المستهدفين وأسرهم.
وضعت السلطات أكثر من 130 شخصا تحت الإقامة الجبرية، ومنعت سفر المئات، متسببةً في خسارة الكثيرين لوظائفهم واشتباه الأصدقاء والجيران بهم.
يسمح "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، في المادة 4، للدول "في حالات الطوارئ الاستثنائية التي تتهدد حياة الأمة" بتبني قيود استثنائية ومؤقتة على بعض الحقوق لا يمكن السماح بتبنيها في ظروف أخرى. إلا أن تلك الإجراءات يجب أن تتخذ "في أضيق الحدود التي يتطلبها الوضع"، وتلبي معايير الضرورة والتناسبية الصارمة.
قالت "اللجنة المعنية بحقوق الإنسان"، المعنية بتفسير العهد، إن الوضع يقتضي من الدول الأطراف "بأن تقدم تبريراً دقيقاً ليس فقط لقرارها بإعلان حالة الطوارئ، ولكن أيضاً لأية تدابير محددة ترتكز على هذا الإعلان". وشددت اللجنة على أن "الإجراءات المتخذة بموجب المادة 4 ذات طبيعة استثنائية ومؤقتة ". قالت اللجنة إنه ينبغي أن يكون الهدف الأساسي لأي حالة طوارئ ضمان الظروف التي تسمح بعودة الوضع الأمني إلى حالته الطبيعية الخاضعة لضوابط قضائية.
ينص الفصل 49 من الدستور التونسي على أن الضوابط المتعلقة بالحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستور موضوعة "بما لا ينال من جوهرها. ولا توضع هذه الضوابط إلا لضرورة تقتضيها دولة مدنية ديمقراطية وبهدف حماية حقوق الغير، أو لمقتضيات الأمن العام، أو الدفاع الوطني، أو الصحة العامة، أو الآداب العامة، وذلك مع احترام التناسب بين هذه الضوابط وموجباتها".
وينبغي أن يتضمن أي قانون منظم لحالة الطوارئ ضمانات أقوى، منها تحديد المدة القصوى لكل من حالة الطوارئ نفسها وكل تدبير وإجراء فردي، مع التنصيص على أن الهدف هو الرجوع إلى الحالة العادية في أقرب وقت ممكن. ويجب أن يتطلب مشروع القانون قيام سلطة قضائية عليا، مثل المحكمة الدستورية، بمراجعة الصلاحية القانونية لإعلان حالة الطوارئ أو تمديدها.
على السلطات تقديم نسخة كتابية من قرارها إلى كل فرد ومنظمة قُيدت حقوقهم باستخدام سلطات الطوارئ. يجب أن يسمح القانون للأطراف المتأثرة بأن تطعن وتحصل على مراجعة قضائية فورية للتدابير التقييدية.
وثقت هيومن رايتس ووتش كيف يصعّب غياب الإخطار الكتابي على الخاضعين للإقامة الجبرية أو قيود السفر الطعن في ذلك أمام المحكمة الإدارية، التي تراجع القرارات الإدارية. تقضي قواعد المحكمة بأن يقدم صاحب الشكوى نسخة من القرار الإداري المطلوب الطعن فيه.
يجب أن يخضع كل تجديد لهذه الأوامر للمراجعة من قبل محكمة مع قيام سلطات الدولة بإثبات ضرورة استمرار القيود، ومراعاة جميع الظروف، بما في ذلك وصول الشخص المعني إلى العمل. يجب أن يظل تعليق الجمعيات من حيث المبدأ من صلاحيات الجهاز القضائي.