(تونس) - إن مجلس نواب الشعب التونسي حقق تقدما مهما في مجال حقوق الإنسان بالموافقة على تغييرات مقترحة لتعزيز حقوق الموقوفين. صادق البرلمان، في 2 فبراير/شباط، على نسخة منقحة من "مجلة الإجراءات الجزائية" تمنح المتهمين حق توكيل محام منذ بدء الاحتجاز، وتقليل الفترة القصوى للاحتفاظ علي ذمة التحقيق.
على المشرعين الآن اعتماد تراتيب تنفيذية تعزز تلك الضمانات بتضييق السلطة التقديرية الواسعة الممنوحة للشرطة لاعتقال الأشخاص، وتعزيز حق الموقوفين في الخضوع لفحص طبي كإجراء وقائي ضد سوء المعاملة. يجب ضمان سرعة مثول جميع الموقوفين أمام قاضِ، مبدئيا خلال 48 ساعة من الايقاف، بالإضافة إلى الاتصال السريع بالمحامي. يجب ألا يحرم أي شخص من توكيل محام بناء على نوع المخالفة التي يخضع بموجبها للتحقيق، مثلا في قضايا الارهاب.
قالت آمنة القلالي، مديرة مكتب هيومن رايتس ووتش في تونس: "يستطيع القانون الجديد سد ثغرات أدت إلى انتهاكات واسعة خلال فترة رئاسة زين العابدين بن علي. تحتاج تونس ـ بسبب هذا التاريخ السيء واستمرار الانتهاكات طوال 5 سنوات منذ الإطاحة ببن علي ـ إلى ضمانات أقوى تكفل القطع مع الاعتقالات التعسفية، والكشف عن سوء معاملة الشرطة ومحاسبتهم".
يقصر التشريع الجديد الحد الأقصى لـ "لاحتفاظ بذي الشبهة" قبل توجيه الاتهام بارتكاب جرائم إلى 48 ساعة قابلة للتجديد مرة واحدة بأمر من "وكيل الجمهورية" (المدعي العام)، لمدة أقصاها 4 أيام. في حالة الجنح، مدة الاحتفاظ 24 ساعة قابلة للتجديد مرة واحدة. رغم أن هذا التعديل يقلل مدة الاحتفاظ التي تبلغ 3 أيام حاليا، قابلة للتجديد مرة واحدة في الجنح والجنايات، إلا أنها لا تزال أطول من المعايير الدولية الناشئة، التي تنص عادة علي 48 ساعة.
لم يكن القانون ينص ـ قبل تعديله ـ على حق الموقوف في الاتصال بمحام قبل أن يُعرض على قاضي التحقيق، الذي يتم في موعد يمكن ان يبلغ 6 أيام بعد احتجازه. أظهرت الممارسة العملية، أنه بحلول ذلك الوقت، يوقع كثير من المشتبه فيهم، دون حضور محام، على محاضر للشرطة تنتزع تحت الاكراه.
يتضمن التشريع الجديد حكما يعد إنجازا هاما بإعطاء الموقوف أو أحد أفراد أسرته حق توكيل محام أثناء الاحتجاز قبل توجيه الاتهام. عندما تستلم الشرطة طلب توكيل المحامي، عليها إبلاغ المحامي بالاتهامات الموجهة لموكله وموعد استجوابه. على الشرطة إخطار المحامي في كل الاستجوابات والمواجهات بين موكله وبين والشهود أو ضحايا الجرم المزعوم، والسماح للمحامي بالحضور، إلا إذا تنازل المتهم "صراحة" عن الحق في توكيل محام أو لم يحضر محاميه في الوقت المحدد.
عندما لا يوكل المعتقل محاميا من تلقاء نفسه، ينص القانون على أن تبلغ الشرطة " الهيئة الوطنية للمحامين التونسيين"، لتعين محاميا من قائمة المحامين المتطوعين. يحق للمتهم مقابلة محاميه على انفراد متى طلب لمدة تصل إلى 30 دقيقة. مشروع القانون يعطي النيابة المزيد من الرقابة على قرارات الاحتجاز الصادرة من الشرطة، إذ يشترط حصول الشرطة القضائية على موافقة مسبقة للقبض على المشتبه به. أما النص القديم في مجلة الإجراءات الجزائية فكان ينص على مجرد إعلام الشرطة للنيابة بقرار القبض.
ينص القانون الجديد على إبطال إجراءات المحكمة في حال خرقت الشرطة العدلية الإجراءات المنصوص عليها في مجلة الإجراءات الجزائية.
يلزم القانون الجديد الشرطة العدلية أو النيابة العامة باستدعاء طبيب "حالا"، متى طلب ذلك المعتقل أو محاميه أو أسرته أو أي شخص من اختياره، ويلزم الشرطة بإبلاغ المعتقل أن من حقه طلب طبيب و إجبارها على متابعة الطلب.
التشريع الجديد ينقل الإشراف على الشرطة العدلية من وزارة الداخلية إلى وزارة العدل، من خلال مكتب النيابة العمومية العام. بيد أنه لا يضمن استقلال مكتب النيابة العمومية أو أفراد النيابة عن تدخل وزير العدل أو غيره من أعضاء السلطة التنفيذية.
القانون الجديد فيه أوجه قصور متعددة أيضا. على السلطات التونسية سن تشريع يسد الثغرات المتبقية.
يجب أن توضح التراتيب التنفيذية أن الاحتجاز يبدأ من لحظة القبض على المشتبه به، لإجهاض أي تفسيرات بديلة تؤخر حق الموقوف في توكيل محام والمثول أمام قاض.
على التشريع الجديد تعزيز حق الفحص الطبي باشتراط إجرائه من قبل طبيب شرعي مدرب بعيدا عن مسامع الشرطة. لا بد أن يشترط التشريع تقديم نتيجة الفحص في تقرير يكتبه الطبيب على نموذج موحد يسجل الوقت والمكان وطبيعة الفحص، ووصف أي إصابات، بما يتفق مع المعايير الدولية لهذه التقارير، مثل "دليل التقصي والتوثيق الفعالين بشأن التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة" ("بروتوكول إسطنبول")، وأن يتاح للمعتقل او لمحاميه الحصول علي نسخة. لا بد أن يكون من حق المحتجز أو محاميه طلب فحص ثان يجريه طبيب من اختياره.
لا بد أن تحدد التراتيب التنفيذية للقانون مستوى الاشتباه اللازم للقبض على الشخص بما يتماشى مع المعايير الدولية. لا تنص مجلة الإجراءات الجزائية على حد معين للاشتباه في ارتكاب جريمة. وثقت هيومن رايتس ووتش كيف أن الشرطة التونسية تقبض- في كثير من الأحيان- على أشخاص، دون اشتباه معقول في ارتكابهم جرما جنائيا.
على التشريع الإجرائي أن ينص بوضوح على ضرورة مثول الموقوفين أمام قاضِ للتدقيق في شرعية احتجازهم خلال 48 ساعة من بدء التوقيف، تماشيا مع المعايير الدولية.
إضافة إلى ذلك، أعطت التعديلات على القانون التي أقرت في اللحظات الأخيرة قاضي التحقيق والمدعي العام سلطة تأخير الوصول إلى محام حتى 48 ساعة منذ بدء التوقيف، في حال اتهام الموقوف بارتكاب جرائم إرهابية.
بينما قد تتوفر في حالات استثنائية أسس لتأخير وصول الموقوف إلى محام معين لبعض الوقت، يجب ألا تُمنح السلطات حق تقرير حرمان أي موقوف بالحصول على محامٍ بناء على نوعية الجرم المزعوم. كما تنص "اللجنة الأوروبية لمناهضة التعذيب"، ان "تبرير القيود على حق الوصول إلى محام يجب أن يُقيّم في كل حالة على حدة، ولا يُقرَّر بناء على نوع الجرم ذي الصلة". بالإضافة إلى ذلك، أقر المقرر الأممي الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب، في تقريره لعام 2008 أن أي تأخير أو استثناء للتمثيل القانوني لدواع أمنية يجب ألا يكون دائما، وألا على يؤثر على قدرة الشخص على التصدي للقضية، وفي حال احتجاز الشخص، يجب ألا يخلق ذلك حالة يكون فيها المعتقل فعليا محتجزا بمعزل عن العالم الخارجي.
تنص المادة 9 من "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، وتونس طرف فيه، على حق كل معتقل في الرجوع إلى محكمة "دون إبطاء". كما تنص "المبادئ التوجيهية بشأن الحق في المحاكمة العادلة والمساعدة القانونية في أفريقيا" على حق كل معتقل في المراجعة القضائية لاحتجازه دون إبطاء.
"اللجنة المعنية بحقوق الإنسان" في الأمم المتحدة، التي تفسر العهد الدولي، ترى أن "مدة 48 ساعة تكفي عادة لنقل الفرد والتحضير لجلسة استماع في المحكمة". كما رأت اللجنة مؤخرا أن الاحتجاز قبل توجيه الاتهام دون مراجعة قضائية ينبغي ألا يتجاوز 48 ساعة، غير قابلة للتجديد، وذكرت أنه يجب أن يقتصر أي تأخير يتجاوز 48 ساعة على الحالات الاستثنائية القصوى وأن تكون له مبرراته وفقا للظروف السائدة.
"مجموعة المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن"، التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 1988، تنص على أن تتاح لكل شخص محتجز أو مسجون فرصة إجراء فحص طبي مناسب في أقصر مدة ممكنة عقب إدخاله مكان الاحتجاز أو السجن، وتوفر له بعد ذلك الرعاية الطبية والعلاج كلما دعت الحاجة. كما تنص على أن يكون للشخص المحتجز أو المسجون أو لمحاميه الحق في أن يطلب أو يلتمس من سلطة قضائية أو سلطة أخرى أن يقع الفحص الطبي عليه مرة ثانية أو أن يحصل على رأى طبي ثان، ولا يخضع ذلك إلا لشروط معقولة تتعلق بكفالة الأمن وحسن النظام في مكان الاحتجاز أو السجن.
"اللجنة الفرعية لمنع التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة" توصى بأن يُجرى كل فحص طبي روتيني باستخدام استمارة موحدة تشتمل على (أ) الماضي الطبي للشخص. (ب) أي رواية يوردها الشخص الذي يفحص وتتعلق بأي عنف أرتكب (ج) نتائج الفحص البدني الشامل، بما في ذلك وصف لأي إصابات... وينبغي أن يتاح السجل الطبي للمحتجز، بناء على طلبه، ولمحاميه.
يحظر العهد الدولي الاعتقال أو الاحتجاز التعسفيين. تنص المبادئ التوجيهية بشأن الحق في المحاكمة العادلة والمساعدة القانونية في أفريقيا على أن تضمن الدول عدم تعرض أي شخص للاعتقال أو الاحتجاز التعسفي، ولا يكون الاعتقال أو الاحتجاز أو السجن إلا تنفيذا لأمر بهذا الغرض، أو لوجود اشتباه لأسباب معقولة، أو لسبب محتمل. كما تنص المبادئ التوجيهية على حق أي مقبوض عليه أو معتقل في توكيل محام، وما لم يتنازل كتابة عن هذا الحق، لا يجوز إلزامه بالإجابة عن أي أسئلة أو يشارك في أي استجواب من دون حضور محاميه.