(نيويورك) ـ عشرات المصريين توفوا في عهدة الحكومة في 2014، مع تكدس الكثيرين منهم في أقسام الشرطة في ظروف تهدد الحياة. ومع ذلك فإن السلطات لم تتخذ حتى الآن أية خطوات جدية لتحسين ظروف الاحتجاز أو للتحقيق المستقل في وفيات المحتجزين.
ويبدو أن بعض المحتجزين قد توفوا بعد التعرض للتعذيب أو الإساءة البدنية، كما اكتشفت هيومن رايتس ووتش. لكن الكثيرين توفوا على ما يبدو بسبب احتجازهم في زنازين شديدة الاكتظاظ أو عدم حصولهم على الرعاية الطبية الكافية في أمراض خطيرة.
وقالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "تفيض السجون وأقسام الشرطة في مصر بأنصار المعارضة الذين اعتقلتهم السلطات، فيجري احتجاز الأشخاص في ظروف لاإنسانية من الاكتظاظ الشديد، والنتيجة المتوقعة هي حصيلة الوفيات المتصاعدة".
وقد قامت هيومن رايتس ووتش على نحو مستقل بتوثيق 9 وفيات أثناء الاحتجاز منذ منتصف 2013 استناداً إلى أدلة قدمها أقارب الضحايا ومحاموهم، علاوة على شهادات طبية. وفي إحدى الحالات، بدا أن المحتجز تعرض للضرب ثم توفي في زنزانة شديدة الاكتظاظ بقسم شرطة. وفي بقية الحالات، كان المحتجزون مصابين بأمراض القلب أو السرطان أو غيرها، وحرموا إما من العلاج الطبي الضروري أو من الإفراج لأسباب صحية، وفي بعض الحالات تم احتجازهم في ظروف من الاكتظاظ أدت إلى تفاقم مشاكلهم الصحية.
وقد أدت حملة اعتقالات موسعة تستهدف الإخوان المسلمين، الذين أعلنتهم الحكومة تنظيماً إرهابياً، وغيرهم من معارضي حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي، إلى الضغط على السجون المصرية، ودفع تدفق عشرات الآلاف من الأشخاص بالسلطات إلى إيواء العديد من المشتبه بهم في مرافق احتجاز مؤقتة.
وبحسب تحقيق نشرته صحيفة "الوطن" في ديسمبر/كانون الأول واستند إلى إحصائيات لمصلحة الطب الشرعي التابعة لوزارة العدل، توفي ما لا يقل عن 90 محتجزاً في مرافق الشرطة في محافظتي القاهرة والجيزة وحدهما أثناء الاحتجاز في الشهور العشرة والنصف الأولى من 2014.
وقد وجد تقرير لمركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، وهو منظمة غير حكومية مصرية، تولى فحص المئة يوم الأولى من حكم السيسي، أن ما لا يقل عن 35 شخصاً توفوا أثناء الاحتجاز ـ ومعظمهم في أقسام الشرطة ـ بين أوائل يونيو/حزيران وأوائل سبتمبر/أيلول. وفي الحالات الـ15 التي حدد المركز فيها سبب الوفاة، انطوت 13 منها على الاكتظاظ أو الإخفاق في توفير الرعاية الطبية، وانطوت اثنتان على الإساءة البدنية.
ولم تكشف الحكومة عن أعداد الوفيات أثناء الاحتجاز على مستوى البلاد، لكن الأعداد التي سجلتها مصلحة الطب الشرعي في القاهرة والجيزة كانت تمثل زيادة تقترب من 40 بالمئة مقارنة بالوفيات الـ65 التي سجلتها المصلحة نفسها في 2013، بحسب تقرير "الوطن". وقد نقلت الصحيفة عن هشام عبد الحميد الناطق باسم مصلحة الطب الشرعي قوله إن الاكتظاظ بسبب موجة المحتجزين الجدد هو السبب الأساسي في ارتفاع الوفيات. كما انتظمت منظمات إخبارية على نقل أخبار حالات الوفاة في مقرات الاحتجاز بمحافظات أخرى، ما يوحي بأن العدد الإجمالي على المستوى الوطني قد يكون أعلى بكثير.
والسلطات المصرية ملزمة بموجب القانون الدولي بتوفير نفس مستويات الرعاية الصحية للمحتجزين ومطلقي السراح على السواء، وبموجب المعايير الدولية لا ينبغي استخدام الحبس الاحتياطي إلا كإجراء أخير.
أما المادة 55 من الدستور المصرى الذي تم تبنيه في 2014 فتحظر تعذيب المحتجزين أو الإساءة إليهم بدنياً، وتلزم السلطات بمعاملة كل محتجز "بما يحفظ عليه كرامته" واحتجازه في مرافق "لائقة إنسانياً وصحياً". وتقرر المادة أن مخالفة هذه الأحكام جريمة. كما تقرر المادة 56 أن السجون وأماكن الاحتجاز تخضع للإشراف القضائي، و"يحظر فيها كل ما ينافي كرامة الإنسان أو يعرض صحته للخطر".
ورغم العدد المتصاعد من الوفيات والتقارير واسعة الانتشار عن إساءة المعاملة وغياب الرعاية الطبية والاكتظاظ الشديد، إلا أن النيابة لم تتقدم ضد الشرطة إلا بقضية واحدة مرتبطة بوفاة محتجزين منذ منتصف 2013. وقد نبعت القضية من واقعة في 18 أغسطس/آب 2013 توفي فيها 37 محتجزاً بعد قيام الشرطة بإطلاق الغاز المسيل للدموع داخل عربة ترحيلات كانوا محبوسين فيها بسجن أبو زعبل. وأدان أحد القضاة 4 من رجال الشرطة، لكن محكمة الاستئناف أمرت في يوليو/تموز بإعادة محاكمتهم، وتقررت الجلسة التالية في 22 يناير/كانون الثاني.
وفي رسالة إلى هيومن رايتس ووتش تم تهريبها من سجن طرة في مارس/آذار 2014، قال أحد السجناء إن فرق النيابة كانت تزور السجون لكنها رفضت الاستماع إلى شكاوى السجناء. وقال السجين: "كل ما فعلوه هو دخول كل زنزانة وإلقاء نظرة سريعة، وإحصاء الأسرّة وتدوين الأسماء بكل زنزانة".
قالت هيومن رايتس ووتش إن على السلطات التحقيق في حالات الوفاة أثناء الاحتجاز وملاحقة رجال الشرطة وغيرهم من المسؤولين المشتبه في ارتكابهم للإهمال أو الانتهاكات. وعلى النائب العام المصري الإفراج عن جميع المحتجزين لمجرد ممارسة حقوقهم المكفولة دستورياً في التظاهر السلمي أو التعبير عن الرأي السياسي. كما يجب على النائب العام استحداث عملية لمراجعة ممارسات الحبس الاحتياطي، مع استبعاده مبدئياً في جميع الحالات، وضمان الإفراج الفوري عن جميع المحتاجين إلى رعاية طبية غير متاحة في الاحتجاز.
قالت سارة ليا ويتسن: "لقد بدت السلطات المصرية راضية عن نفسها إلى حد صادم في وجه هذا العدد الكبير من وفيات المحتجزين. وعليها أن تضمن التحقيق المستقل في جميع تلك الوفيات وكذلك في مزاعم الانتهاكات، وإقرار وإنفاذ ضمانات فعالة لحماية كل من يوجد في عهدة الدولة".
وفيات أثناء الاحتجاز
رغم أن السلطات المصرية لا تنشر إحصائيات عن نزلاء السجون إلا أن أعداد السجناء قد ارتفعت كثيراً على الأرجح منذ قام الجيش بعزل مرسي، أول رئيس مصري ينتخب بحرية، في يوليو/تموز 2013، وشروعه في حملة قمعية على الإخوان المسلمين. احتجزت السلطات ما لا يقل عن 41 ألف شخص، بحسب إحصائية تستند إلى تقارير إعلامية نشرها المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وهو منظمة مستقلة. ويقدر الإخوان عدد المعتقلين من أعضائهم أو مؤيدي تنظيمهم المحتملين بـ29 ألفاً.
في ديسمبر/كانون الأول أعلن أحد مسؤولي وزارة الداخلية أن السلطات اعتقلت في 2014 10 آلاف شخص متهم بالشغب أو الاعتداء على أقسام الشرطة أو الانتماء إلى تنظيم إرهابي أو تخريب خطوط السكك الحديدية، وأوحى بارتباطهم جميعاً بالإخوان. وفي يوليو/تموز قالت وزارة الداخلية للجنة تقصي الحقائق الرئاسية التي تحقق في الأحداث المحيطة بعزل مرسي إن ما يزيد على 7000 شخص ممن اعتقلوا أثناء تلك الأحداث ما زالوا رهن الحبس الاحتياطي.
وأفادت صحيفة "الوطن" بأن هشام عبد الحميد الناطق باسم مصلحة الطب الشرعي قال إن فريقاً من المصلحة قام بمسح أقسام الشرطة في محافظتي القاهرة والجيزة ووجد أن الاكتظاظ هو السبب الرئيسي لتزايد الوفيات. وقال عبد الحميد إن السجون تفتقر إلى السعة اللازمة لاستيعاب تدفق السجناء لفترات قصيرة، ومن ثم اضطرت السلطات إلى احتجاز السجناء في أقسام الشرطة المكدسة وغيرها من المرافق حيث يخصص لكل سجين، في المتوسط، نصف متر مربع من المساحة فقط.
وقد نقل عن عبد الحميد قوله إن تصاعد درجات الحرارة في الصيف وانتشار الأمراض في الشتاء قد أديا إلى زيادة "طبيعية" في وفيات المحتجزين، وإنها نتجت عن "حالات طبية" ولم تثر أية "شبهات جنائية". قالت "الوطن" إن مصدراً مجهولاً داخل مديرية أمن القاهرة أبلغ الصحيفة بأن السلطات قامت بتركيب أجهزة تكييف لتحسين الظروف في بعض المرافق الشرطية في القاهرة والجيزة.
وقد رفض عبد الحميد، الذي تم الاتصال به هاتفياً في ديسمبر/كانون الأول، الرد على استعلامات هيومن رايتس ووتش عن وفيات المحتجزين أثناء الاحتجاز والإساءة إليهم. ولم يرد مكتب هشام بركات، النائب العام، على خطاب لـ هيومن رايتس ووتش بتاريخ 8 يوليو/تموز يستعلم عن أية تحقيقات جارية في حالات الوفاة أثناء الاحتجاز أو في انتهاك حقوق المحتجزين على مدار العام الماضي. وفي 1 يوليو/تموز قال الناطق باسم وزارة الداخلية، اللواء عبد الفتاح عثمان، في برنامج حواري تلفزيوني إن الروايات المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي عن ممارسة الشرطة للاغتصاب والتعذيب "ليس لها أساس من الصحة"، ووصف السجون المصرية بأنها "مثل الفنادق".
ونادراً ما تظهر تقارير عن تعويض محتجزين تم انتهاك حقوقهم أو إساءة معاملتهم. في 14 يناير/كانون الثاني، في حكم نادر، حكمت محكمة إدارية بالإسكندرية بأن تدفع وزارة الداخلية مبلغ 75 ألف جنيه مصري (10341 دولار أمريكي) لسجين سابق تعويضاً عن الدخل المفقود نتيجة بتر ذراعه بعد إصابتها بالعدوى من حقنة تلقاها من محقن ملوث. وقد سبق للمنظمة العربية للإصلاح الجنائي في سنوات سابقة الفوز بأحكام مشابهة، لكن وزارة الداخلية أخفقت في السداد في بعض تلك القضايا، بحسب صحيفة "الأهرام".
الحق في الصحة
رغم واقعة أبو زعبل وبعض الروايات عن حالات وفاة أثناء الاحتجاز انطوت على التعذيب أو الإساءة البدنية، إلا أن عدداً كبيراً من حالات الوفاة التي راجعتها هيومن رايتس ووتش في الإعلام والتقارير الصادرة عن منظمات غير حكومية ـ علاوة على أغلبية الحالات التسع التي تحققنا منها على نحو مستقل ـ تبدو ناجمة عن نقص الرعاية الطبية، التي فاقم منها ظروف الاكتظاظ.
وتنص مبادئ الأمم المتحدة الأساسية لمعاملة السجناء، التي تبنتها الجمعية العامة في 1990، على أنه "ينبغي أن توفر للسجناء سبل الحصول على الخدمات الصحية المتوفرة في البلد دون تمييز على أساس وضعهم القانوني". كما أن الحق العالمي في "التمتع بأعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه" كما تصفه وتعترف به مختلف الاتفاقيات الدولية، ومنها الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وقد صدقت مصر على كليهما، ينطبق أيضاً على السجناء.
علاوة على هذا، وبموجب المعايير الدولية، لا يجوز استخدام الحبس الاحتياطي إلا عندما يكون ضرورياً لضمان نزاهة الإجراءات الجنائية، مع مراعاة احتمالات فرار المحتجز. وينبغي لصحة المحتجز وقدرة نظام السجون على توفير الرعاية الملائمة أن تولى اعتباراً أساسياً في الحبس الاحتياطي.
ويعمل قانون السجون المصري لسنة 1956 وقرار وزارة الداخلية رقم 79 لسنة 1961 على فرض الرعاية الكافية من جانب أطباء السجن، وسرير لكل نزيل، بمن فيهم المحبوسون احتياطياً، لتجنب الاكتظاظ. لكن في الحالات التسعة التي تحققت منها هيومن رايتس ووتش دأبت السلطات على تجاهل وانتهاك تلك الأحكام. كما دأبت سلطات السجون على تجاهل اشتراط إبلاغ الأقارب فوراً بوفاة أي سجين، واستهانت باشتراط إبلاغ النيابة كلما توفي أحد السجناء "فجأة" أو نتيجة لحادث أو فعل جنائي.
وقد وجد تقرير عن الرعاية الصحية في السجون ومرافق الاحتجاز، أصدرته المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في 2014، أن الظروف بصفة عامة لا تلبي الاشتراطات الدنيا المتعلقة بالحق في الصحة والتي يكفلها القانون الدولي ـ رغم أن جودة الرعاية تباينت بحسب الموقع ـ وأن خدمات الطوارئ العاجلة كانت "شديدة المحدودية عادة".
وقال محتجزون سابقون أجرت معهم المبادرة مقابلات إنهم نادراً ما كانوا يحصلون على رعاية طبية، إن حصلوا عليها، من الممارسين العموم قليلي الخبرة المثقلين بالأعباء الذين يشغلون مناصب أطباء السجون. وقال المحتجزون إنهم عالجوا أنفسهم بأدوية جلبها أقاربهم أو أوصى بها زملاؤهم من النزلاء. وكثيراً ما كان مأمورو السجون يتدخلون في نصائح الأطباء الطبية وتوصياتهم عند إتاحتها، على حد قول السجناء.
وقال سجناء للمبادرة إن الاكتظاظ، مقترناً بسوء التهوية، يجعل الزنازن والعنابر باردة في الشتاء وحارة لدرجة لا تطاق في الصيف.
في سبتمبر/أيلول أدخلت وزارة الداخلية تعديلات على قرارها لسنة 1961، لكن التعديلات كانت قاصرة عن تلبية المعايير المصرية والدولية، كما قالت المبادرة، حيث أنها لم تلزم بتناسب عدد الأطباء في كل سجن مع عدد نزلائه، ولا حددت العدد الأقصى الذي يمكن استيعابه من السجناء في كل زنزانة. ولم تتصد أيضاً لأوجه قصور أخرى حددتها المبادرة في لوائح السجون، من قبيل تمتع مأموري السجون وغيرهم من المسؤولين الإداريين بسلطة التصديق على توصيات الأطباء بالعلاج أو الإفراج.
حالات الوفاة أثناء الاحتجاز
أحمد إبراهيم: آثار تعدي بالضرب
توفي أحمد إبراهيم، 23 سنة، في ساعة مبكرة من صباح 15 يونيو/حزيران 2014 في قسم شرطة بحي المطرية في القاهرة. وكان إبراهيم يدرس تركيب أنظمة التكييف والتدفئة قبل الحكم عليه بالسجن لمدة 3 سنوات للسرقة في 2012. وكانت سلطات السجن قد نقلته إلى قسم شرطة المطرية في 14 يونيو/حزيران لإنهاء إجراءات الإفراج المبكر عنه. وقال والده، محمد إبراهيم، لـ هيومن رايتس ووتش إنه رأى أحمد حياً للمرة الأخيرة عندما أخذ له بعض الطعام إلى قسم الشرطة مساء ذلك اليوم. وقال إن نجله كان محتجزاً في زنزانة شديدة الحرارة مساحتها 4 أمتار في 4، مكدسة لدرجة أن السجناء اضطروا للبقاء وقوفاً.
وقال محمد إبراهيم لـ هيومن رايتس ووتش إنه تقدم بشكوى لنقيب الشرطة المسؤول عن القسم من أن ظروف الاحتجاز لاإنسانية، لكن الضابط لكمه وقال له أن يبحث عن طبيب ما دام هذا رأيه. تحدث إبراهيم مع نجله لفترة قصيرة، فطمأنه الأخير إلى أنه سيعيش حتى الإفراج المنتظر. ومع ذلك ففي نحو الواحدة صباحاً تلقى إبراهيم مكالمة خلوية من أحمد الذي قال: "أبي، إنني أموت"، كما قال الأب لـ هيومن رايتس ووتش.
قال إبراهيم إنه طلب عربة إسعاف لكن عند ذهابه إلى القسم في صباح اليوم التالي، أبلغته الشرطة بوفاة أحمد أثناء نقله بالإسعاف إلى مستشفى بينه وبين القسم مسافة قصيرة. وفي المشرحة شاهد إبراهيم آثار دماء على شفتي نجله وكدمات على وجهه ورأسه ـ وهي الإصابات المدونة في تقرير الطبيب الشرعي، الذي وجد أيضاً أن رئتي أحمد بهما تورم وآثار نزيف.
قال إبراهيم لـ هيومن رايتس ووتش إنه يشتبه في تعدي الشرطة بالضرب على نجله. وقال إنه قدم شكوى للنيابة المحلية، التي لم توجه اتهامات. وبحسب تحقيق صحيفة "الوطن" في ديسمبر/كانون الأول، توفي 8 محتجزين في قسم شرطة المطرية في 2014، وهو أعلى رقم وسط جميع المواقع في القاهرة والجيزة.
الدكتور طارق محمد الغندور: الرفض لرعاية طبية كان من شأنها إنقاذ حياته
توفي الدكتور طارق محمد الغندور، أستاذ الأمراض الجلدية بجامعة عين شمس والقيادي المحلي بجماعة الإخوان المسلمين، في صباح 12 نوفمبر/تشرين الثاني في وحدة الرعاية المركزة بمعهد الكبد التابع لجامعة المنوفية، الذي كان قد نقل إليه قبل ساعات.
وقد وقعت وفاته من مرض الكبد عقب ما يقرب من عام من الاحتجاز الذي حرمته السلطات أثناءه من الوصول إلى الرعاية الطبية اللازمة، بحسب عائلة الغندور وأصدقائه.
اعتقلت الشرطة الغندور في 18 ديسمبر/كانون الأول 2013 من منزله في حي مدينة نصر بالقاهرة، واتهمته النيابة بعدة جرائم تتعلق بعضويته في جماعة الإخوان، وفي أبريل/نيسان أدانه قاض بتهمة المشاركة في مظاهرة غير مشروعة وحكم عليه بالسجن لمدة 5 سنوات، رغم أدلة على وجوده في مقر نقابة الأطباء طوال يوم المظاهرة المعنية، كما قالت زوجته لـ هيومن رايتس ووتش.
ورغم معاناة الغندور من فيروس الالتهاب الكبدي "سي"، وتشمع الكبد وغيره من المشاكل، واحتياجه لزراعة الكبد من متبرع توصلت إليه أسرته، إلا أن السلطات واصلت احتجازه أثناء نظر الاستئناف الذي تقدم به في الحكم بسجنه، ولم تنقله إلى مستشفى يمكنه إجراء زراعة الكبد فيه. وبحسب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية وشهود أجرت معهم هيومن رايتس ووتش المقابلات، فإن مستشفيات السجون المصرية غير مجهزة للجراحة، وكثيراً ما تضغط السلطات على المستشفيات العامة لإعادة سجناء دخلوها بأقصى سرعة، مما يمنع متابعة العلاج أو النقاهة أحياناً.
قامت عائلة الغندور بإبلاغ النيابة بحالته الصحية وطلبت الإفراج عنه من أجل زراعة الكبد، وكتبت زوجته مناشدات مماثلة إلى الرئاسة والمجلس القومي لحقوق الإنسان ذي الصفة شبه الحكومية.
وفي 28 أبريل/نيسان كتب مكتب نيابة شرق القاهرة إلى سلطات السجن مطالباً بتوقيع الكشف الطبي على الغندور لتحديد مدى احتياجه للجراحة واتخاذ خطوات أخرى "وفق مقتضى القانون"، وهذا بحسب خطاب قدمته عائلة الغندور. وفي 4 مايو/أيار قام طبيب السجن بإرسال تقرير طبي إلى سلطات السجن يوصي بنقل الغندور إلى المستشفى التخصصي لجامعة عين شمس لإجراء زراعة الكبد، ويحذر من تدهور صحته إذا لم يتم هذا. تم تهريب التقرير إلى عائلة الغندور، التي قدمته إلى هيومن رايتس ووتش.
في النهاية قال مسؤولو السجن الإدرايون إنهم سيحققون، بحسب عائلة الغندور، لكنهم كانوا في ذلك الوقت قد نقلوا الغندور إلى سجن، ومن بعده إلى سجن آخر. ففي أواخر أكتوبر/تشرين الأول نقلته السلطات إلى سجن شبين الكوم بمحافظة المنوفية بسبب قربه من المعهد القومي للكبد. وسمحت سلطات السجن بإجراء جراحة له في المعهد استلزمتها حالة تشمع الكبد، لكنها أصرت على عودته الفورية إلى السجن بعد الجراحة بدون السماح له بالنقاهة. وقال ابن عم الغندور، وهو طبيب أمراض جلدية أيضاً، لـ هيومن رايتس ووتش إن بقاءه مدة أطول كان ضروريا.
وقال لـ هيومن رايتس ووتش: "أعرف أن جميع المستشفيات بصفة عامة لا تقبل السجناء السياسيين بسهولة، فلديهم تعليمات بعدم قبولهم. قال الطبيب وقتها إن من الصعب عليهم قبول سجناء سياسيين لأنهم يجلبون الكثير من المشاكل لهم وللمستشفى".
وفي 9 نوفمبر/تشرين الثاني، بعد ما يقرب من عام من اعتقال الغندور، قامت لجنة طبية شكلها السجن بمراجعة قضيته وطلبت فحص الكبد المتشمع بالموجات فوق الصوتية، كما قالت زوجته. وأجرى الغندور فحص الموجات فوق الصوتية في 10 نوفمبر/تشرين الثاني. وفي ساعة مبكرة من صباح اليوم التالي بدأ يتقيأ دماً. فنقلته سلطات السجن إلى مستشفى جامعة المنوفية، حيث وضع تحت حراسة الشرطة وطوال 3 ساعات تقريباً لم يتلق علاجاً يذكر بخلاف نقل الدم، كما قال أقارب له كانوا قد شاهدوه لـ هيومن رايتس ووتش. قال شقيق الغندور وابن عمه، اللذان وصلا إلى المستشفى من القاهرة بعد تلقي العائلة لمكالمة من أحد الأطباء، إنهما وجداه منتبهاً وقال لهم: "لقد تقيأت دلواً من الدماء".
رفضت الشرطة نقل الغندور إلى معهد الكبد، فساعده شقيقه وابن عمه على قطع المسافة التي تستغرق نحو 10 دقائق على قدميه. ووافق أحد مديري المعهد على دخوله، وبدأ الأطباء في إجراء منظار، لكنه ظل ينزف بغزارة، وتوقف قلبه ودخل في غيبوبة. ونقله الأطباء إلى وحدة العناية المركزة، حيث توفي في الصباح التالي.
وبعد يومين دعا حافظ أبو سعدة، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، وزير الداخلية والنائب العام للتحقيق في وفاة الغندور، لكن أياً منهما لم يعلن عن فتح تحقيق.
محمود عبد الرحمن المهدي: نوبات قلبية متكررة
توفي محمود عبد الرحمن المهدي، 51 سنة والموظف الحكومي، أثناء الاحتجاز بمستشفى السويس العام يوم 3 نوفمبر/تشرين الثاني بعد احتجازه طوال شهور في زنزانة سجن مكتظة، ومعاناته من نوبات قلبية على ما يبدو.
وقد اعتقل ضباط الأمن الوطني المهدي، وهو أحد مؤيدي الرئيس المعزول، يوم 19 يناير/كانون الثاني 2014 من مكتبه في السويس. واتهمته النيابة بحيازة أسلحة نارية والتحريض على العنف والانتماء إلى جماعة محظورة ـ هي الإخوان المسلمين. وأمرت باحتجازه لمدة 15 يوماً على ذمة التحقيق، ثم جددت أمر الحبس عدة مرات حتى أغسطس/آب، حين برأه أحد القضاة. استأنفت النيابة حكم البراءة، وأمر القاضي بالإفراج عن المهدي بكفالة قدرها 10 آلاف جنيه (1400 دولار) إلا أن ضباط الأمن الوطني تقدموا بمزاعم جديدة دفعت النيابة إلى تقديم اتهامات جديدة بحقه واستبقائه في الحبس الاحتياطي.
واحتجزت السلطات المهدي بسجن عتاقة في السويس، في زنرانة بها نحو 50 نزيلاً آخرين وصغيرة لدرجة أنهم كانوا يتناوبون على النوم، كما قالت ابنة المهدي لـ هيومن رايتس ووتش. بدأ المهدي يعاني من آلام في الصدر ونقل إلى مستشفى السويس العام 3 مرات، بحسب ابنته. ورتبت الأسرة زيارة من مفتش وزارة الصحة للمهدي في السجن، فأوصى المفتش بنقله الفوري إلى مستشفى، رغم رفض المستشفى لقبوله. ويبدو أن كثيراً من الأطباء يترددون في قبول السجناء الذين يعتبروا سياسيين لأنهم لا يريدون تحمل المسؤولية القانونية، كما قالت ابنة المهدي.
وقالت أيضاً: "في الواقع، كان أبي في الفترة الأخيرة يرفض الذهاب إلى المستشفى عند شعوره بالمرض، لأنه يعتبره جهداً لا طائل من ورائه".
وفي عصر أحد الأيام في أواخر أكتوبر/تشرين الأول، قبل وفاة المهدي بأيام قليلة، اشتد عليه الألم حتى بدأ بعض زملائه المسجونين في طرق قضبان الزنزانة لطلب المساعدة، كما قالت ابنته، لكن الأمر استغرق 10 ساعات حتى نقلته سلطات السجن إلى مستشفى السويس العام، حيث شخص الأطباء ارتفاع ضغط الدم ومستوى السكر في الدم، وقالوا إنه ربما يعاني من نوبة قلبية. أدخل الأطباء المهدي إلى وحدة العناية المركزة لمدة تقل عن 12 ساعة، ثم نقلوه إلى عنبر السجن بالمستشفى، وهو مرفق بدا أنه يفتقر إلى أبسط المعدات، بما فيها قناع الأكسجين، كما قالت ابنة المهدي.
وفي 2 نوفمبر/تشرين الثاني تعرض المهدي لنوبة أخرى من نوبات آلام الصدر، وأخذه الأطباء إلى وحدة العناية المركزة لوضع قناع الأكسجين وإجراء تخطيط القلب الكهربي. ورغم أن المهدي قال إنه مريض ولا يستطيع التنفس، كما قالت ممرضات وآخرون لابنته، إلا أن الأطباء أعادوه إلى عنبر السجن، حيث توفي بعد ساعات قليلة.
وبموجب معايير الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء، ينبغي نقل السجناء المرضى المحتاجين إلى علاج تخصصي إلى مؤسسات متخصصة أو مستشفيات مدنية. ورفض المستشفى قبول سجين مريض لا يعفي سلطات السجن من واجب توفير الرعاية الكافية للسجين، مثل نقله إلى مستشفى آخر، بحسب هيومن رايتس ووتش.
أبو بكر أحمد حنفي: استمرار الاحتجاز رغم مرض النزع الأخير
توفي أبو بكر أحمد حنفي، المحاسب والقيادي بجماعة الإخوان في محافظة قنا، بسجن أسيوط يوم 13 نوفمبر/تشرين الثاني بعد أكثر من 10 شهور من الاحتجاز. وكانت الشرطة قد اعتقلته في الأول من يناير/كانون الثاني 2014 من مكتبه بمحافظة قنا، واتهمته بالتورط في أعمال شغب أتلفت محطة القطار الرئيسية بقنا في يوليو/تموز 2013.
أمرت النيابة باحتجاز حنفي على ذمة المحاكمة، وفي يوليو/تموز بينما كان حنفي في سجن قنا، بدأ يعاني من آلام في المعدة وقيء، كما قالت زوجته لـ هيومن رايتس ووتش. وبعد عدة أسابيع أرسله أحد أطباء السجن إلى مستشفى جامعة قنا لإجراء فحوصات. وقال طبيب هناك إن أعراضه نفسية جسمية، وأمر بإعادته إلى السجن.
ونقلته سلطات السجن إلى مستشفى السجن عندما استمر في التقيؤ، ثم قامت بتغذيته وريدياً لأنه عجز عن تناول الطعام، بحسب زوجته. وبعد ذلك أعادته إلى المستشفى الجامعي، حيث شخص الأطباء سرطان الكبد والبنكرياس، وقدروا أن الباقي من عمره 3 شهور فقط، كما قال شقيق حنفي السجين بنفس المنشأة لزوجته.
وفي 7 سبتمبر/أيلول وافقت سلطات السجن على نقل حنفي إلى مستشفى أسيوط الجامعي لإجراء أشعة الرنين المغنطيسي، لكن النقل استغرق 10 أيام. وأكد فحص الرنين نتائج الفحوصات السابقة، لكن الأطباء طلبوا عينة من النسيج الحي. وفي هذه الأثناء طلب محامي حنفي الإفراج عنه لمعاناته من مرض الموت، لتلقي العلاج. وفي جلسة للمحكمة بتاريخ 20 سبتمبر/أيلول بعد بدء المحاكمة، أمر القاضي بالمزيد من الفحوص الطبية. وفي 26 أكتوبر/تشرين الأول، بدلاً من الإفراج عن حنفي، أمر بنقله إلى المستشفى.
وبعد يومين أرسلته السلطات إلى مستشفى قنا الجامعي أولاً، ثم إلى مستشفى أسيوط الجامعي، حيث استبقاه الطبيب لمدة 13 يوماً في عنبر السجناء، الذي خضع فيه للحراسة وكان مقيد اليدين طوال الوقت تقريباً، كما قالت زوجته. خضع حنفي لعينة النسيج الحي، لكن لأن سلطات السجن خلطت بين نتيجته ونتيجة سجين آخر، اضطر حنفي للعودة لإجراء عينة أخرى، مما أخر ظهور نتيجة العينة إلى الأسبوع الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني.
وفي 12 نوفمبر/تشرين الثاني أمر الأطباء بخروج حنفي، ووصفوا له أدوية وأمروا بنقله إلى مستشفى قنا الجامعي. لكن أحد ضباط السجن أصر على أخذه إلى سجن أسيوط أولاً حيث تناقش الضابط والمأمور، بحسب زوجة حنفي، في ما إذا كان يجب استمرار احتجازه. في النهاية أمر المأمور باحتجازه في انتظار النقل إلى قنا.
وفي 13 نوفمبر/تشرين الثاني قال حراس السجن لزوجة حنفي إنها لا تستطيع زيارته. وفي اليوم التالي سمحوا لابن شقيق حنفي بالدخول، فاكتشف وفاة حنفي. وقال شقيق حنفي السجين إن الحراس عثروا على حنفي متوفياً في زنزانته ونقلوا جثمانه إلى عربة إسعاف. وكتبوا في شهادة الوفاة إنه توفي في مستشفى.
إن إعادة مريض في حالة حرجة مثل حنفي إلى السجن على الرغم من توصيات الأطباء بإرساله إلى مستشفى آخر كانت ترقى على الأرجح إلى مصاف المعاملة اللاإنسانية والمهينة بموجب القانون الدولي.
عبد الرحمن الرزاحي: الإخفاق في السماح بالرعاية داخل السجن
توفي عبد الرحمن الرزاحي، الموظف الذي يبلغ من العمر 43 عاماُ والقيادي بجماعة الإخوان من محافظة أسيوط، يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول 2013 أو بعده بقليل، في سجن طرة في القاهرة.
اعتقلت الشرطة الرزاحي في 17 أغسطس/آب 2013 بعد 3 أيام من تفريق قوات الأمن الوحشي للاعتصامين المؤيدين لمرسي في العاصمة وقتل ما يزيد على 800 شخص معظمهم من مؤيدي الإخوان المسلمين. اتهمت النيابة الرزاحي بالتجسس لحساب حركة حمماس الفلسطينية والفرار أثناء ثورة 2011 من سجن وادي النطرون ـ حيث كان يجري احتجاز العديد من قادة الإخوان أثناء انتفاضة يناير/كانون الثاني 2011.
وقد احتجزته السلطات في البداية في الحبس الانفرادي في قسم مشدد الحراسة من ليمان طرة. وحين رأته زوجته بعد أكثر من شهر من اعتقاله، كان الرزاحي قد فقد بعض وزنه وأصابه المرض والقيء، كما قالت. وقالت إن خيرت الشاطر، القيادي الإخواني البارز المحتجز مع الرزاحي، كان قد طلب من إدارة السجن السماح بعرض الرزاحي على طبيب، لكن المأمور رفض، وأضافت أن حراس السجن كانوا أحياناً يلقون بأدوية يجلبها شقيق الرزاحي إليه. تدهورت صحة الرزاحي، بحسب زوجته، وطلب طبيب عيون يشاركه الزنزانة من السلطات نقله إلى المستشفى. فرفضت السلطات ولم تسمح لطبيب العيون إلا بطلب تحاليل للرزاحي. ولم تكشف التحاليل عن أي شيء غير طبيعي، كما قالت.
قالت زوجة الرزاحي لـ هيومن رايتس ووتش إنها كانت تعتقد أن النيابة ستفرج عن الرزاحي لعدم وجود أي أدلة على سجنه في وادي النطرون، لكن ضباط الأمن الوطني قدموا شهادة لمنع الإفراج عنه. وفي 12 أكتوبر/تشرين الأول 2013، أمر قاضي التحقيق بالإفراج عن الرزاحي بدون كفالة لأسباب صحية، ووصلت عربة إسعاف لنقله إلى منزله في أسيوط. لكن النيابة استأنفت قرار الإفراج، وأمر القاضي باحتجاز الرزاحي لمدة 45 يوماً أخرى على ذمة التحقيقات، كما قالت زوجته.
وفي 13 أكتوبر/تشرين الأول، وصل شقيق الرزاحي إلى السجن لزيارته، فوجد المنشأة في فوضى. وقال له الحراس إن أحد السجناء توفي وأمروه بالانصراف. اتصل شقيق الرزاحي بمحاميّ العائلة، الذين اكتشفوا وفاة الرزاحي وأن السلطات نقلت الجثمان بالفعل إلى مشرحة زينهم في القاهرة. قال شقيق الرزاحي إن عمال المشرحة أبلغوه بأن ضباط الأمن الوطني أمروهم بالامتناع عن تأكيد وجود الجثمان هناك. وعند السماح لشقيق الرزاحي بأخذ الجثمان أخيراً، سأله مسؤولو المشرحة عما يريد كتابته في شهادة الوفاة. فرد بأنه لا يهم، فكتبوا "هبوط حاد في الدورة الدموية".
قالت زوجة الرزاحي لـ هيومن رايتس ووتش إن مسؤولي ليمان طرة لم يجروا أي فحوص طبية لزوجها، لكن طبيب السجن أبلغها بأنه يشتبه في إصابته بقرحة المعدة.