Skip to main content

مقابلة: حرمان المرأة من المساواة في القانون اللبناني

عندما كان لبنان جزءاً من الإمبراطورية العثمانية ـ حتى قبل أن يصبح بلداً ـ كان من حق طوائفه الدينية الإشراف على ما يعادل قانون العائلة، وقد أبقى المستعمر الفرنسي على هذا النظام، ولدى لبنان اليوم 15 قانوناً مختلفاً ـ للسنة والشيعة والدروز والكاثوليك والأرثوذكس وإلإنجيليين وغيرهم ـ لضبط مسائل الطلاق وحضانة الأطفال والحقوق المالية للزوجين أثناء الزواج وبعد انتهائه. وتتمتع كل طائفة بمعاملة مختلفة [عن الأخريات] لكن أفراد مجموعة بعينها ـ مجموعة النساء ـ تعانين من التمييز عبر جميع الطوائف الدينية. وقد قام فريق من الباحثين، يضم لمى فقيه، باحثة سوريا ولبنان في هيومن رايتس ووتش، بقضاء 3 سنوات في تمحيص ما يتجاوز 450 قضية قانونية وفي إجراء المقابلات مع 70 شخصاً، لفحص الطبيعة التمييزية لقوانين الأحوال الشخصية هذه والمحاكم التي تنفذها، من أجل التقرير الجديد "لا حماية ولا مساواة". وتتحدث فقيه مع إيمي براونشفايغر عما يعنيه هذا النظام عمليا بالنسبة للمرأة اللبنانية.

 

تبدو المرأة اللبنانية وكأنها تتمتع بقدر معين من الحرية، لكن هذا التقرير يبين أن الوضع ليس كذلك فيما يتعلق بقوانين الأحوال الشخصية. فهل تعتقدين أن المعلومات التي جمعتها ستفاجئ الناس في لبنان؟

 

لم تدرك كثيرات من السيدات اللواتي أجرينا معهن المقابلات أن النظام منحاز ضدهن حتى سعين للطلاق.

 

فهناك طرق عديدة في لبنان لحصول الرجل على الطلاق، لكن عددها أقل بالنسبة للمرأة. ويمكن انتزاع الأطفال من أمهن، حتى إذا لم يكن هذا التغيير يمثل مصالحهم الفضلى. أما عن الأمور المالية فلا وجود لـ "الملكية الزوجية". وإذا كان المنزل مسجلاً باسم الزوج ـ وهو الوضع التقليدي ـ فهو ملك الرجل، حتى ولو ساهمت المرأة فيه مالياً أو ساندت زوجها في المنزل وقامت بتربية الأطفال بينما التفت هو إلى عمله. إن هذه القوانين تضطر المرأة في أحيان كثيرة إلى تنازلات مجحفة. وكثيراً ما تضطر السيدات إلى التنازل عن حضانة أطفالهن وأي حقوق مالية للحصول على الطلاق.

 

وقد مثلت أبحاث هذا التقرير تحدياً، إذ لا تندرج وثائق محاكم الأحوال الشخصية تحت الوثائق العامة. وقد وافق قضاة المحاكم السنية والشيعية على منحنا الوثائق، لكن قضاة المحاكم المسيحية رفضوا مساعدتنا، ولذا اعتمدنا على محامين يمارسون المحاماة أمام المحاكم المسيحية للحصول على ملفات قضاياهم. وقد استنزفت غربلة هذا الجبل من المعلومات الكثير من الوقت، لكنه أمر مهم، فهذه القضية الملحة تمس الجميع في لبنان وتلحق الضرر بسيدات ثريات وفقيرات ومسلمات ودرزيات ومسيحيات.

 

ما هي الطوائف المشمولة بقوانين الأحوال الشخصية؟

 

هناك قوانين للطوائف الإسلامية، بما فيها السنة والشيعة ـ وهما أكبر مجموعتين ـ وقانون للدروز، وقانون لليهود، أما القوانين الباقية فتنطبق على مختلف الطوائف المسيحية. ولا يوجد قانون وطني للأشخاص الراغبين في زواج غير محكوم بالقوانين الدينية ـ فليس في لبنان قانون مدني للأحوال الشخصية يعامل الرجال والسيدات على قدم المساواة.

 

وأنا لبنانية، وسجلي المدني يعرفني بأني شيعية. فإذا أردت الزواج، فليس هناك قانون لبناني يسمح لي بهذا ويحمي حقوقي الأساسية.

 

ما مدى صعوبة الحصول على الطلاق في لبنان؟

 

الأمر يتوقف، فرجال السنة والشيعة والدروز بوسعهم تطليق زوجاتهم بمطلق إرادتهم. بل يجوز لرجال السنة والشيعة القيام بهذا خارج المحاكم، بل أحياناً في غياب الزوجة وبغير علمها. وما عليهم سوى النطق بكلمة الطلاق ـ حرفياً، أن يقول "أنت طالق" بصوت عال ـ فيتم الأمر، بقدر ما يتعلق الأمر بالقوانين الدينية. ولا يلزم إجراء هذا أمام موظف عمومي. وفي إحدى الحالات التي راجعناها، ذهبت سيدة إلى المحكمة لطلب الطلاق من زوجها لتفاجأ بأنه طلقها فعلاً!

 

لكن إذا رغبت السيدة المسلمة أو الدرزية في الطلاق فهذه قصة أخرى. هناك طرق محدودة تتيح لها هذا. فبوسع سيدات السنة والدروز التماس التفريق من المحكمة، وهذا كفيل بإنهاء الزيجة، لكن مسوغاته محدودة ـ الغياب الطويل، كأن يكون في السجن أو مسافراً طوال سنوات، والعجز الجنسي، أو إذا امتنع الزوج عن إعالة أسرته مالياً. وللسيدات أيضاً طلب التفريق إذا استطعن إثبات "الشقاق والنزاع"، لكنه قد يستغرق وقتا طائلاً. أما سيدات الشيعة فالطلاق أصعب عليهن، لاضطرارهن للاعتماد على عملية تسمة بالطلاق الحاكم، وقد تستغرق سنوات.

 

والطلاق متاح أيضاً لسيدات السنة والشيعة والدروز إذا وافقن على التنازل عن حقوقهن المالية وإذا وافق الزوج على الطلاق، في العملية المعروفة بالخلع. كما يمكن تدوين حق التطليق في عقد الزواج، فيما يسمى بالعصمة، لكن القليلات من السيدات تفعلن هذا.

 

وقد وصف أحد المحامين حالة سيدة كانت تحاول الحصول على الطلاق من زوجها بالتماس التفريق، بسبب انتهاكه الجنسي لطفلتهما. ومثل هذا مشكلة للقاضي، حيث أن انتهاك الأطفال جنسياً ليس من مبررات التفريق. وفي النهاية اضطرت السيدة لإثبات الشقاق والنزاع الزوجي لمدة محددة. وانقضى أكثر من عام قبل أن تحصل على التفريق وتحمي نفسها وطفلتها.

 

يدين حوالي 40 بالمئة من مواطني لبنان بالمسيحية. فهل الطلاق أسهل عليهم من المسلمين؟

 

كلا هو أصعب، للرجال والنساء على السواء، رغم استضعاف المرأة بوجه خاص. فتعدد الزوجات مباح لرجال المسلمين في لبنان، وهكذا فإن بعض الرجال المسيحيين العاجزين عن الحصول على الطلاق يعتنقون الإسلام ويتزوجون ثانية فيجمعون بين زوجتين. لكن الزوجة الأولى لا تستطيع الزواج مجدداً. علاوة على هذا فإن حقوقها وحقوق أطفالها، في الميراث على سبيل المثال، تتعرض للانتقاص بحقوق الزوجة الثانية.

 

كما أن العنف الأسري لا يبرر التعجيل بالطلاق لدى الطوائف المسيحية، ما لم يكن فيه تهديد للحياة.

 

في أبريل/نيسان تبنى لبنان قانوناً للعنف الأسري، وهو تقدم كبير. لكن القانون الجديد ينص على أن تعلوه القوانين الدينية في حالة التعارض. وهكذا لم يتضح إن كانت المشاكل الكامنة قد وجدت حلها.

 

وكيف تؤثر قوانين الطلاق هذه في حياة المرأة؟

 

ميراي كاثوليكية مارونية، وقد ظلت تعمل طوال زواجها. وكان زوجها يسيء إليها، لكنها حين طلبت نصيحة مستشارها الديني، وهو أسقف محلي، قال لها أن تبقى ببيت زوجها، وإلا خاطرت بالنشوز ـ وهو مفهوم تطبقه المحاكم الدينية على المرأة التي ترفض العيش مع زوجها ـ وقد تخسر حضانة ابنتيها. لم تترك ميراي زوجها حتى كبرت ابنتاها ـ اللتان تعملان الآن في مهن مرموقة. لكنها حتى في ذلك الوقت اضطرت للتنازل عن كل شيء. وبعد 25 عاماً من الزواج والعمل، كما قالت لنا، رحلت هي وابنتاها بما عليهما من ثياب. لقد "باعت حياتها"، كما قالت.

 

وقصتها ليست فريدة من نوعها.

 

وكيف تبدو القوانين المتعلقة بالأطفال بعد الطلاق؟

 

في النظام اللبناني لا تتمتع مصالح الأطفال الفضلى بالاعتبار الأول عند تحدديد الطرف الذي يقيم معه الطفل بعد انتهاء الزواج. وتميز القوانين بين "الولاية" و"الحضانة". فتستند الحضانة عادة إلى سن الطفل، مع تفضيل إبقاء الأطفال الصغار مع أمهاتهم لدى كافة الطوائف. وبعد ذلك ترتد الحضانة للأب فور بلوغ الطفل تلك السن.

 

فإذا كنت شيعية، ترتد الحضانة للأب عند سن العامين للصبية و7 للفتيات. أما السنة فقد رفعوا السن لتوهم إلى 12 سنة للجنسين. وسن الحضانة عند الدروز والسريان والأرمن الأرثوذكس هي 7 سنوات للصبية و9 للفتيات. وهي 11 سنة للصبية 13 للفتيات عند الأقباط الأرثوذكس، و14 للصبية و15 للفتيات عند الروم الأرثوذكس. وسن الحضانة عند الكاثوليك هي عامين للجنسين، و12 عام للجنسين عند الطائفة الإنجيلية.

 

ويمكن إسقاط حضانة الأم لأطفالها بسهولة إذا أعادت الزواج. كما يمكن اعتبار الأم "غير مؤهلة"، مما يعني في الواقع أنها لا تتصرف بالطريقة "اللائقة" بالسيدات. وقد تشمل تلك التصرفات دق الوشم، أو نشر صورة لها مع صديقاتها على فيسبوك، أو العمل خارج المنزل.

 

وفي إحدى القضايا تزوجت سيدة مطلقة وتتمتع بالحضانة من جديد، لتفاجأ بأن زواجها الثاني يمنح زوجها الأول مبرراً لأخذ الأطفال منها. وهكذا طلقت زوجها الثاني للاحتفاظ بأطفالها، ومع ذلك أخذ منها القاضي أطفالها.

 

أما حق الولاية فهو يظل للأب، في جميع الطوائف عدا الأرمن الأرثوذكس ـ حتى عند وجود الأطفال في حضانة أمهم. وإذا توفي الأب فإن الولاية تنتقل إلى أقاربه من الذكور، وليس إلى الأم.

 

وكيف يقوم القضاة بتخصيص الموارد المالية للمرأة؟

 

فيما يتعلق بالحقوق المالية، غالباً ما تخسر المرأة كل شيء في الطلاق. فلبنان لا يعترف بالملكية الزوجية. وحتى إذا كانت المرأة تعمل وتساهم في الإنفاق على أسرتها، فليس لها حق في تلك الأموال إذا دفعت في ملكية مسجلة باسم زوجها. وإذا ظلت المرأة في المنزل واعتنت بالأطفال وساندت زوجها وهو يعمل، فإن القانون لا يعوضها عن مساهماتها.

 

عند المسيحيين والدروز، يفترض في الطرف المسؤول عن انتهاء الزيجة أن يعوض الآخر. لكن نادراً ما يتم هذا بكرامة. لقد رأينا قضية تطلقت فيها سيدة من زوج شديد الثراء، ومع ذلك دفعها الفقر للإقامة في دير.

 

وعند الفصل في التسوية المالية، لا يستعين القضاة الدينيون بمعايير واضحة لتقييم مستويات الإعالة اللائقة، فهم لا يعتمدون بشكل منتظم على عوامل من قبيل تكاليف المعيشة والحد الأدنى للأجور وقدرة المرأة على إعالة نفسها. كما لا يراعون قيمة أصول الزوج أو راتبه السنوي.

 

وفي أغلب الأحوال يكون الرجل هو العائل الأساسي، فتعمل التكلفة المرتفعة لإجراءات المحاكم على منع المرأة من طلب الطلاق. كما تجد كثيرات صعوبة، بدون سجل رسمي للتوظف، في إعالة أنفسهن بدون النفقة.

 

وقد حظيت أمينة، التي تزوجت أمام المحاكم السنية، بزوج يسئ إليها بدنياُ، كما كانت تعمل في وظيفتين للمساعدة في إعالة أطفالها الأربعة. وحين لجأت للمحكمة، وافق زوجها على منحها الطلاق ولكن بشرط تنازلها عن حقوقها المالية كافة. واشتمل هذا على السيارة التي اشترتها، ومنزلها، وحليها. كما أنه رفض تحمل المسؤولية المالية عن تعليم الأطفال. وقد أوصاها القاضي بقبول عرضه، حيث كان البديل هو إجراءات المحاكم المكلفة والطويلة. وقالت أمينة إنها شعرت بأنها لا تملك الاختيار.

 

أنت تعيشين في لبنان ومن الواضح أنك على وعي تام بواقع حقوق المرأة هناك، ومع ذلك، هل فاجأك شيء مما اكتشفته أثناء أبحاثك؟

 

أجل، لقد فوجئت بالمدى الذي يذهب إليه الناس للالتفاف على قوانين الأحوال الشخصية. بعض الأزواج يطيرون إلى قبرص المجاورة لمدة يوم واحد للزواج بموجب قانونها المدني.

 

كما أن انتماء والدك الديني يضاف إلى سجلك المدني فور ولادتك. لكن بعض الناس اختاروا مؤخراً حذف الانتماء الديني قبل الزواج، ثم الزواج في لبنان بموجب القانون المدني لبلد آخر. وقد بدأت بعض هذه الحالات تصل إلى المحاكم الآن، لكننا لا نعرف كيف سيتعامل معها قضاة لبنان. كما لم يتضح تأثير حذف الانتماء الديني في بقية الحقوق. هل يؤثر في حقك الانتخابي؟ وإذا ولد أطفال بدون توصيف ديني، هل لهم حق في الميراث؟ وأيضاً، كيف ستتعامل المحاكم مع الأمر؟ إنه عبء كبير أن نطلب من قضاة لبنان الحكم بمقتضى القوانين الفرنسية أو التركية أو القبرصية.

 

وما الذي تريدين تحقيقه؟

 

هناك مسودة قانون للزواج المدني تقبع في أدراج البرلمان اللبناني منذ سنوات. ونحن نريد من اللجان الفرعية المعنية أن تنظر فيها، وتناقشها وتطرحها للاقتراع. وعلى القانون أن يضمن المساواة في المعاملة بين الرجال والسيدات، واتخاذ القرارات بمراعاة المصالح الفضلى للأطفال. ويجب تمكين الناس من إجراء زيجات دينية إذا شاءوا، لكننا نريد من سلطات الدولة أن تشرف عليها وأن تضمن المساواة في المعاملة بين الرجال والسيدات، وحماية الحقوق الأساسية.

 

بالنظر إلى الحرب في سوريا واشتداد النزاع في المنطقة، ناهيك عن عدم استقرار الحكومة في لبنان ذاتها، هل ستمثل هذه القضية أولوية؟

 

هناك انعدام متزايد للأمن في لبنان، وغياب للقيادة، مع تأجيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية مرة أخرى. كما التمس أكثر من مليون لاجئ سوري المأوى في لبنان. لكن لدينا أيضاً المشكلة الحقوقية المستديمة. إذا لم نضغط لتحقيق تقدم في هذه القضايا فلن توضع على جدول الأعمال قط. ودعونا لا ننس أن القضية ليست هامشية، فهي تمس كل شخص في البلاد حرفياً. 

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الموضوع

الأكثر مشاهدة