أثارت طريقة تعامل إدارة أوباما مع هجوم سبتمبر/أيلول في بنغازي جدلاً مشتعلاً خلال حملته الانتخابية للرئاسة، وهو الهجوم الذي قُتل فيه السفير الأمريكي وثلاثة مواطنين أمريكيين. يجب أن لا تبتعد ليبيا عن نطاق الاهتمام الأمريكي بمرور الوقت، حتى وإن انقضت مرحلة تسجيل النقاط للدعاية السياسية. على الساسة والمُحللين الأمريكيين أن يتعلموا من ذلك الهجوم وما خلفه من موت، وأن يبحثوا عن طريق تستطيع به حكومة الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الحكومات مساعدة ليبيا في بناء الأمن والاستقرار بعد 42 عاماً من الديكتاتورية.
هناك مجموعة أفكار أساسية ليبدأ منها الحوار. أولاً، تشجيع ودعم ليبيا لتطور قوات أمن تعمل باحترافية وشفافية وخاضعة للمحاسبة، وهي عناصر غابت لمدة 4 عقود في ظل حكم مُعمر القذافي. كما تحتاج ليبيا بشدة إلى قوات مسلحة وقوات شرطة فعالة، ولكن على هذه القوات أن تقطع صلتها بممارسات الماضي، وأن تخدم الشعب في إطار القانون وليس وفق رغبات فرد أوحد.
التقارير التي ظهرت عن خطة أمريكيةلدعم ليبيا في تطوير قوات سريعة الاستجابة لمكافحة الإرهاب، تحمل بشائر بدايات طيبة. الأمل أن تكون هذه القوات جزءاً من عملية إصلاح واسعة للقطاع الأمني، تتضمن فحص سِجلات المجندين لمعرفة ما إن كانوا قد مارسوا انتهاكات في الماضي، وتدريبهم وفق معايير حقوق الإنسان، والحرص على انضباطهم بالشكل المناسب، ومعاقبتهم إذا انتهكوا القانون. وينبغي أن تكون قوات الجيش والشرطة تحت رقابة مدنية، ويجب ألا يتم استخدام القوات المسلحة من أجل فرض القوانين المدنية.
ثانياً، يجب التركيز في نفس الوقت على إعادة بناء النظام القضائي المختل، الذي تم تجاهله منذ سقوط القذافي. حيث تحتاج الشرطة القضائية المسؤولة عن أمن قاعات المحاكم إلى تعزيز، وتحتاج السجون إلى التحديث. والعمل على أن يتعلم المحققون طريقة جمع الأدلة لتقديمها إلى القضاة، بدلاً من الممارسات القديمة المعتمدة على اعتراف المتهم، الذي يدلي به غالباً تحت الضغط. إن الإنفاق ببذخ على القوات الخاصة، وإهمال النظام القضائي لن يأتي بالاستقرار والأمن الدائم الذي ينشده الشعب الليبي.
ثالثاً، عرض المساعدات التقنية، والمالية إذا لزم الأمر، بالتعاون مع بعثة الأمم المتحدة وغيرها من الأطراف الدولية، وذلك من أجل دعم الحكومة الليبية المُنتخبة حديثاً في نزع سلاح وإعادة دمج الميلشيات المتعددةالتي تمتلك نفوذاً أكثر مما ينبغي بعد أكثر من عام على موت القذافي. ومن الضروري أن تنبُع هذه العملية من الليبين أنفسهم، لكن النصيحة والدعم سوف تساعد بالتأكيد، خاصة إذا استندت إلى تجارب مماثلة في مجتمعات أُخرى.
رابعاً، مواجهة الحكومة الليبية إذا حادت عن التزاماتها الداخلية والدولية، وتشجيع الحلفاء على فعل نفس الشيء. فالصمت على الانتهاكات المستمرة حتى الآن لا طائل منه، الانتهاكات التي تحدث خلال الهجمات العشوائية في بني وليد، أو التهجير القسري للسكان من تاورغاء، وهما من المدن التي كانت تعتبر موالية للقذافي، أو تدمير الأضرحةالصوفية. يجب أن تدينها الولايات المتحدة ، وعليها أن تحث السلطات في طرابلس على اتخاذ إجراءات للتعامل معها بحزم.
هذه الإجراءات تتضمن محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات الخطيرة، دون النظر إلى كونهم حاربوا مع القذافي أو ضده، كذلك التعامل بحزم مع كافة الجرائم التي ارتكبتها قوات الديكتاتور القذافي قبلوأثناءمواجهات العام الماضي، وكذلك الانتهاكاتالتي ارتكبتها القوات التي قتلته. كما يجب إلغاء القانون الجديدالذي يضمن الحصانة لمن كانت أفعالهم "من أجل دعم وحماية الثورة" ضد القذافي.
الحكومات الراغبة في مساعدة ليبيا، عليها أن تنتبه إلى الخيط الرفيع الفاصل بين تدعيم سلطة الحكومة الجديدة لفرض سيطرتها على الميليشيات والعصابات المحلية من جهة. وفي ذات الوقت، يتحتم عليها تجنب إعادة إحياء النزعة السلطوية التي ازدهرت تحت حكم القذافي. أو بعبارة أخرى، على هذه الحكومات أن تساهم في بناء دولة مركزية قوية لا تمارس انتهاكات الماضي.
المسؤولية الملقاة على عاتق الدول التي تدخلت عسكرياً في ليبيا من أجل اجتياز هذا المأزق كبيرة. فلقد بدأت الخطوة الأولى في عملية بناء الديموقراطية بالتخلص من القذافي، لكن الخطوة الأهم هي بناء مؤسسات مستقلة تستطيع استبدال حكم الفرد.
منذ سقوط القذافي، تخلت الولايات المتحدة عن هذه المسؤولية. ثم رأينا بعد ذلك اهتماماً أمريكياً بالغاً، لأسباب سياسية داخلية، من أجل معرفة كافة التفاصيل المتعلقة بهجوم بنغازي. من الضروي معرفة ما حدث في بنغازي، لكن السؤال الأهم هو هل ستكون ليبيا المستقبل أكثر استقراراً وأمناً واحتراماً للقانون من ليبيا الماضي، أم لا؟ هذه هي القضية الأساسية التي من خلالها يُمكن الحُكم على سياسات الإدارة الأمريكية في عهد أوباما.
فريد آبراهامز: مستشار خاص في هيومن رايتس ووتش ومعني بالشأن الليبي.