(جنيف) – قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن مع احتفال العالم باليوم الدولي الأول للفتاة في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2012، فمن الواجب أن يكون القضاء على زواج الأطفال من الأولويات السياسية للحكومات؛ من أجل حماية حقوق الفتيات والنساء.
زواج الأطفال هو الزيجات التي يكون أحد طرفيها تحت 18 عاماً وقت الزواج، وهو يخرق حقوق الإنسان ويضر الفتيات على وجه الخصوص وبشكل غير متناسب. كما يخرق زواج الأطفال حقوق إنسانية أخرى، منها الحق في التعليم والحق في عدم التعرض للعنف، وانتهاك الحقوق التناسلية وعدم إتاحة الرعاية المتعلقة بالصحة التناسلية والجنسية، والعمل، وحرية التنقل، والحق في الزواج بعد القبول.
في عام 2005 قدر صندوق الأمم المتحدة للسكان أن هناك أكثر من مائة مليون فتاة سيتزوجن في سن الطفولةعلى مدار السنوات العشر التالية. سوف يعرض صندوق الأمم المتحدة للسكان بيانات جديدة عن مدى انتشار زواج الأطفال في شتى أنحاء العالم، وذلك يوم 11 أكتوبر/تشرين الأول 2012 في الأمم المتحدة.
وقالت لايزل غيرنهولتز، مديرة قسم حقوق المرأة في هيومن رايتس ووتش: "لابد أن يكون اليوم الدولي الأول للفتاة بداية لالتزام عالمي جديد بإنهاء زواج الأطفال تحت سن 18 عاماً. على الحكومات أن تبذل جهوداً أكبر من أجل منع زواج الأطفال ومن أجل زيادة التوعية بمخاطر هذه المشكلة".
وثقت هيومن رايتس ووتش انتهاكات حقوق الإنسان الخاصة بفتيات وصبية على صلة بالزواج المبكر في كل من أفغانستان وبنغلادش والهند والعراق وكينيا وقرغيزستان ونيبال وبابوا غينيا الجديدة وجنوب السودان واليمن. يظهر من شهادات الأطفال الذين تمت مقابلتهم الأثر السلبي الجسيم لزواج الأطفال على سلامتهم البدنية والنفسية وتعليمهم وقدرة الأطفال على العيش بدون التعرض للعنف. لا تنتهي تبعات زواج الأطفال لدى بلوغ الزوجات الأطفال سن الأهلية الكاملة، بل يتبعهن هذا الزواج المبكر على امتداد حياتهن مع مكافحتهن للآثار الصحية للحمل في سن مبكرة ومرات عديدة، ويعانين من نقص التعليم والاستقلال الاقتصادي والعنف الأسري والاغتصاب الزوجي.
في كل الأحوال تقريباً يؤدي زواج الأطفال لتوقف تعليم الفتيات ويعرضهن للعنف الأسري. تحدثت هيومن رايتس ووتش مع فايزة أحمد، وهي فتاة من بنغلادش لا تعرف كم تبلغ من العمر، لكن ربما تكون في سن 15 أو 16 عاماً. أجبرت فايزة على الزواج ما إن انتهت من الفصل الدراسي الخامس. بعد الزواج، لم تتمكن من إرضاء طلبات زوجها بأن تأتيه بنقود من أسرتها (نقود المهر)، وكان يضربها وفي النهاية سكب عليها حمضاً قوياً، على وجهها وعينيها وظهرها.
قالت فايزة فما كانت تصف زيجتها المروعة والعنيفة: "أحسست بحزن بالغ وبكيت وقت زواجي. لم أتمكن حتى من رؤية الورقة [عقد الزواج]. كانت دموعي تنهمر على الورقة. لم أرغب في ترك أبي وأن أتزوج. كما كنت أريد الدراسة... إن كنت درست، كنت لأصبح مثلك أنت [الباحثة التي تتحدث معها]. كنت لأتمكن من الكتابة والقراءة... خلال شهرين ونصف من زواجي، بدأ زوجي يضربني... ثم ذات ليلة في الحادية عشرة [مساءً] كنت نائماً، فأيقظني زوجي وسألني إن كنت أريد الذهاب إلى دورة المياه. قلت له لا وعدت للنوم. بعد فترة أيقظني وقال إنه يريد الذهاب ويريدني أن أرافقه. عندما خرجت ضربني بشيء على وجهي، وكان حارقاً. بدأت أصرخ وأجري. أمسك بيدي وسكب المزيد منه على ظهري. كان شعري طويلاً. كان شعري جميلاً، وها قد احترق كله. أحرق عينيّ ولم أعد قادرة على الرؤية جيداً".
الفتيات اللاتي يتزوجن في سن مبكرة يتعرضن بنسب أعلى لمضاعفات ومشكلات الحمل والصحة التناسلية المرتبطة بالحمل المبكر. قابلت هيومن رايتس ووتش نجلاء في عيادة للصحة التناسلية في صنعاء باليمن. لم تكن تعرف عمرها بالضبط، لكن قالت إنها تزوجت بعد أن أتمت السنة الثانية بالمدرسة الثانوية، فكانت تقريباً تبلغ من العمر 15 عاماً وقت زواجها. عندها طفلين وُلدا قبل أن تتم سن 18 عاماً. قالت:
كنت حبلى في الطفل الثاني عندما كان طفلي الأول عمره 5 شهور. رحت أنزف بغزارة على مدار خمسة أيام وحسبت أن هذه دورتي الشهرية. كانت حماتي تعرف بما يحدث لي، لكنها لم تخبرني بأي شيء. ثم إنهم [عائلة زوجي] لم يسمحوا لي بالذهاب للمستشفى ولم يخبروا زوجي بما يحدث لي. عندما أصبت بدوار شديد، أخذوني أخيراً إلى المستشفى، لكنهم لم يوقفوا النزيف في المستشفى ولم يعطوني أي علاج. اضطررت للنوم على ظهري ستة أشهر أثناء حملي [الثاني] واحتجت لنقل دم، 500 مللي من الدماء. قال لي الطبيب إن السبب هو زواجي المبكر.
ردود الفعل الضعيفة من الحكومات
يمكن للحكومات أن تخفف من أثر أسوأ الانتهاكات المرتبطة بزواج الأطفال، بأن تحدد سناً قانونية دنيا للزواج، وأن تُنشئ وتطبق بحزم سجلات لعقود الزواج، بحيث يكون تسجيل العقود إلزامياً، وأن تلاحق الجناة المسؤولين عن الزواج الإجباري أمام القضاء. إلا أن دولاً كثيرة لا تفعل هذا.
وثقت هيومن رايتس ووتش في أفغانستان كيف حاولت فتيات صغيرات الهرب من زيجات جبرية أو كيف هربن من أزواج مسيئين وعائلاتهم، ثم يتم القبض عليهن ويتعرضن للسجن. بشيرة س. البالغة من العمر 14 عاماً قالت لـ هيومن رايتس ووتش إنها كانت تبلغ من العمر 12 عاماً عندما أجبرها والدها على الزواج. حملت بعد الزواج مباشرة. هربت بشيرة من زوجها الذي كان يتعرض لها بالأذى، لكن بدلاً من أن تحصل على حماية من الحكومة، تم اتهام بشيرة وأدينت بتهمة "الفرار" وحُكم عليها بالسجن عامين في مركز للأحداث. تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى العديد من الفتيات الأخريات في أفغانستان وكن قد هربن من زيجات مسيئة وإجبارية وعاملتهن الحكومة كالمجرمين.
حتى في حال محاولة الحكومات التوعية ضد زواج الأطفال، فقد تخفق في حماية حقوق الفتيات. في الهند اكتشفت هيومن رايتس ووتش أن السياسات الهندية المصممة لتقليص زيجات الأطفال تميز في الممارسة ضد الفتيات. في مايو/أيار 2012 وثقتهيومن رايتس ووتش حالة سيدة أجبرتها أسرتها على الزواج قبل أن تتم 18 عاماً، ثم رُفض تعيينها في مجلس ولاية ماديا براديش بعد قبولها لأنها تزوجت وهي طفلة.
يوفر برنامج جاناني سوراكشا يوجانا – الذي ترعاه الحكومة المركزية الهندية – مساعدات نقدية مشروطة للسيدات أثناء الولادة في منشآت الرعاية الصحية، وهو مرتبط بخدمات الرعاية الصحية ما قبل الولادة وفي المستشفى وما بعد الولادة. في العديد من الولايات الهندية ذات مؤشرات الصحة الأعلى، يتم استبعاد الفتيات تحت سن 19 عاماً اللاتي لا ينتمين إلى العشائر أو الفئات المجتمعية المقررة، يتم استبعادهن من البرنامج، وفي أماكن عديدة تضيق الحكومة المركزية من الاستفادة بالبرنامج على ولادتين لا أكثر. بالمثل، توجد قيود مماثلة في برنامج للحكومة المركزية للدعم المالي في حالات الحمل وتغذية الأمهات المرضعات.
وقالت لايزل غيرنهولتز: "عندما تخفق الحكومات في منع زواج الأطفال، فعليها ألا تعاقب الفتيات اللاتي يتزوجن قبل بلوغ سن 18 عاماً". وتابعت: "الزج بالفتيات الصغيرات في السجون أو تبني سياسة تمييز ضد الزوجات والأمهات الصغيرات، يعرض حياتهن وصحتهن للخطر بدلاً من حمايتهن".
ومن أجل التصدي لمشكلة زواج الأطفال على نحو فعال، توصي هيومن رايتس ووتش الدول بما يلي:
- تفعيل تشريعات تحدد السن الدنيا للزواج بـ 18 عاماً، وإضافة متطلبات التأكد من السن والموافقة الكاملة والحقيقية من الطرفين المقبلين على الزواج.
- اتخاذ الإجراءات التشريعية والإجراءات الأخرى اللازمة لضمان أن أي شخص يتعمد إجبار بالغ أو طفلة على الزواج يُعاقب على النحو الكافي، واعتبار الزيجات التي تتم جبراً وكأنها لم تكن ولا أثر لها وتنتهي دون أي عبء على الضحية.
- حماية حق الضحية بموجب القانون في أن تلتمس تعويض مالي بعد إلغاء الزواج أو الطلاق أو غير ذلك من سبل الخروج من الزواج، وحماية حقوق الأطفال المولودين في تلك الزيجات.
- توفير التدريب لمسؤولي إنفاذ القانون فيما يتعلق بالتمييز ضد المرأة، والعنف ضد المرأة، بما في ذلك تدريبهم على التحقيق على صلة بزواج الأطفال.
- ضمان أن الجهود الحكومية وغير الحكومية الرامية لمنع زواج الأطفال لا تعاقب بشكل مباشر أو غير مباشر ضحايا زواج الأطفال، باستبعادهم من الخدمات الصحية والتعليمية والمتعلقة بالعمل أو غيرها من الخدمات التي تحمي وتدعم وتكفل حقوق الإنسان.
- اعتبار الاغتصاب الزوجي جريمة يعاقب عليها القانون.
- زيادة وتحسين قدرة الفتيات والسيدات في المناطق الريفية والحضرية على الاستفادة من خدمات الصحة التناسلية، عن طريق تخصيص موارد أكثر من إنفاق الدولة على الصحة وزيادة عدد العاملين بالبرامج.
- ضمان إتاحة خدمات الطوارئ الخاصة بالولادة، بما في ذلك مراقبة الولادة وتدريب القائمين بالتوليد ورعاية المولودين وخدمات منع الحمل، لكل الفتيات والسيدات في المناطق الريفية والحضرية.
- يجب توعية العاملين بالقطاع الصحي والجمهور بشكل عام بأهمية تسجيل المواليد، بما في ذلك من يولدون في البيوت.
- توفير تعليم رسمي مستمر وفرص تدريب مهني للفتيات والسيدات المتزوجات.
وقالت لايزل غيرنهولتز: "زواج الأطفال في كل الحالات تقريباً هو زواج إجباري. إنه يقاطع تعليم الفتيات ويعرضهن للعنف الأسري ولأزمات صحية يمكن تفاديها". وأضافت: "إن قيام الأمم المتحدة وحكومات العالم بالتصدي لزواج الأطفال يعني المساعدة في حماية حقوق النساء والفتيات في شتى أنحاء العالم".