Skip to main content

سوريا: شهود يصفون أعمال التدمير والقتل في إدلب

الهجمات العشوائية تُكبد السوريين خسائر فادحة خلال عام من الاحتجاجات

(نيويورك) – قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن شهادات الشهود تكشف عن حجم الدمار الفادح وكثرة عدد المصابين والقتلى بسبب قصف مدينة إدلب السورية. وفي الذكرى الأولى لبدء الاحتجاجات في سوريا، دعت هيومن رايتس ووتش روسيا والصين إلى الموافقة على قرار من مجلس الأمن يدعو سوريا إلى وقف الهجمات العشوائية على المُدن ويطالب بإتاحة دخول العاملين بالإغاثة الإنسانية والصحفيين ومراقبي حقوق الإنسان إلى البلاد.

تعتبر إدلب آخر معقل للمعارضة يتعرض لهجمات قوات الأمن السورية، التي تحاول القضاء على المعارضة المسلحة. قام نشطاء سوريون بجمع قائمة بأسماء 114 مدنياً قُتلوا منذ بدء الهجوم على إدلب في 10 مارس/آذار 2012. هناك خمسة شهود – منهم ثلاثة مراسلين أجانب – حدثوا هيومن رايتس ووتش، كلٌ على انفراد، عن قيام القوات الحكومية باستخدام بنادق آلية برصاصات ذات أعيرة كبيرة ودبابات ومدافع هاون في القصف العشوائي على البنايات والأفراد في الشوارع. بعد أن دخلت القوات الحكومية إدلب، قامت بالقبض على الأشخاص خلال عمليات تفتيش للمنازل، ونهبوا بنايات وأحرقوا بعض المنازل، بحسب أقوال الشهود.

وقالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "مدينة وراء مدينة، وبلدة بعد بلدة، تستخدم قوات الأمن السورية سياسة الأرض المحروقة، فيما ما زالت أيدي مجلس الأمن مغلولة بسبب روسيا والصين. بعد مرور عام، على مجلس الأمن أن يتحد أخيراً وأن يرسل رسالة واضحة للأسد مفادها أنه يجب وضع حد لهذه الهجمات".

جاءت الهجمات على إدلب إثر شهور من الأعمال الوحشية التي وصفتها كل من لجنة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق والمفوضة السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، بأنها جرائم ضد الإنسانية.

بدأت العملية العسكرية الموسعة على إدلب يوم 10 مارس/آذار في الخامسة صباحاً تقريباً.

قال "مايكل" الصحفي الدولي الذي كان في المدينة لـ هيومن رايتس ووتش:

بدأ الجيش في قصف المدينة صباحاً بالدبابات واستمر حتى الليل. راحوا يقصفون كل شيء. في الصباح سمعنا القذائف تسقط واحدة كل دقيقتين. مرت فترة هدوء قصيرة في منتصف النهار قبل أن يبدأوا من جديد. لم يستهدفوا بالقصف شيئاً بعينه، بل راحوا يروعوا المدنيين لا أكثر. حاول المتمردون القتال، لكنه مستحيل. بعد القصف، بدأ الجيش في دخول المدينة.

"ماريا" صحفية دولية أخرى كانت هناك يومها، وقالت إن الجيش عندما فتح النار من عربات نقل الجنود المدرعة على بنايات قريبة منها، هرعت لمساعدة المصابين:

[بعد أن سمعت بالهجوم] هرعت إلى البناية مع مجموعة من السوريين لنحاول مساعدة الناس هناك. بعض السوريين الذين ركضوا إلى البناية كانت معهم أسلحة وهواتف خلوية، لكن لم يشاركوا في القتال. كانت هناك مروحية تحلّق حولنا ويبدو أن الهجمات كانت جيدة التنسيق. قبل أن أصل إلى البناية بقليل – كنت على مسافة 10 أمتار منها – فتحت القوات الحكومية النار مرة أخرى. يبدو أنهم كانوا يطلقون النار من بندقية على ظهر ناقلة جنود مدرعة. فلو كانوا يطلقون أي قذائف أكبر، لكنت مُت.

لم تكن هناك أسلحة في المبنى، رغم أن ثمة قتال كان يدور في الجوار، ولم يطلق أحد النار من المبنى. كانوا يهاجمون الأماكن التي يرون فيها تجمعات من الناس، ولا يهمهم إن كانوا يشاركون في القتال أم لا.

ماريا، مثل بعض الذين أجريت هيومن رايتس ووتش مقابلات معهم، طلبت عدم استخدام اسمها الحقيقي خوفاً من الانتقام، وقالت لـ هيومن رايتس ووتش إن 5 أشخاص على الأقل قد أصيبوا وقُتل اثنين في الهجوم.

كما استخدمت القوات الحكومية قذائف الهاون أثناء مهاجمة المدينة. "وسيم"، من سكان إدلب، وصف لـ هيومن رايتس ووتش ما رآه عندما ذهب إلى بناية في شارع عجمة بالجزء الشمالي الغربي من المدينة، وقد تعرض ذلك المكان للهجوم في السادسة صباح 10 مارس/آذار:

دُمرت نصف البناية. قُتل ثلاثة أطفال – فتاتين وصبي – وقُتل أباهم. إحدى الفتيات سقطت من البناية وكانت راقدة على الأرض في الشارع. أفراد الأسرة الآخرين أصيبوا بدورهم. وكأن البناية أصيبت من سطحها. لم يكن ثمة سبب واضح يدعو الجيش لمهاجمة المبنى. المسألة أنهم كانوا يطلقون النار على كل شيء. إنهم مجانين، ليست لهم أهداف محددة.

"حسن" الصحفي ذات الخبرة في العمل بمناطق الحرب، قال لـ هيومن رايتس ووتش إن أحد الذين كانوا يُبعدون المصابين والقتلى من البناية في شارع عجمة جلب له بقايا قذيفة استخدمت في مهاجمة المبنى. تعرف فيها حسن على بقايا قذيفة هاون.

هناك صحفي دولي آخر، كان على مشارف المدينة، وقال إن القصف استمر في 12 مارس/آذار، وبدرجة أخف في 13 مارس/آذار.

نُقل الكثير من المصابين والقتلى إلى مشفى في المدينة القديمة، وسرعان ما فاق عدد الإصابات إمكانات المشفى. قال مايكل لـ هيومن رايتس ووتش:

نُقل 20 شخصاً على الأقل إلى المشفى في اليوم الأول. العدد كان أكبر في اليوم الثاني، 30 على الأقل. اليوم الثالث كان مرعباً . لا أعتقد أن أحداً كان يحصي القتلى والمصابين في ذلك اليوم. راح المصابون يتوافدون طوال الوقت. حاول المسعفون والأطباء إفاقة ورعاية المصابين على الأرض في الردهات لعدم توفر الأماكن. أجرى الأطباء عمليات جراحية دون توفر المعدات اللازمة. كانوا يبذلون قصارى جهدهم، لكنهم كانوا في غاية التعب.

وصف حسن نفس المشفى بنفس الشكل:

كان المشفى في فوضى عارمة. لم يتمكنوا من التعامل مع عدد القتلى والمصابين الكبير. دُفن القتلى فوراً في حديقة قريبة. لكن بحلول يوم الأحد [الموافق 11 مارس/آذار] نفدت الأماكن في الحديقة، وتم أيضاً استخدام حديقة ومدرسة وراء الحديقة الأولى في دفن القتلى، حيثما يستطيعون.

هناك أربعة شهود ممن قابلتهم هيومن رايتس ووتش كانوا قد زاروا المشفى أثناء الأحداث، وقالوا إن العديد من القتلى والمصابين لم يشاركوا – بكل وضوح – في أي أعمال قتال. قال مايكل لـ هيومن رايتس ووتش:

أرى أن نصف المصابين والقتلى تقريباً مدنيين. كان هناك نساء وأطفال ورجال مسنين بينهم. أغلب المدنيين أصيبوا وقُتلوا بسبب القصف.

مع انتقال القوات الحكومية لاحتلال مناطق المدينة، لجأت في حالات كثيرة إلى نهب المتاجر والشقق السكنية، وتعمدت إحراق بيوت الأفراد المشتبه بأنهم نشطاء، على حد قول الشهود. قال وسيم لـ هيومن رايتس ووتش إن بعد أن غادر المدينة في 12 مارس/آذار، اتصل به والده ليقول له إن القوات دمرت العديد من المتاجر في شارعهم وأنهم أحرقوا البناية على الصف المقابل من الشارع.

"مصطفى" من سكان إدلب، قال لـ هيومن رايتس ووتش:

معي قائمة بثلاثين منزلاً تقريباً، وقد احترقت كلها. بعض هذه المنازل يسكن فيها نشطاء. في بعض الشوارع تم نهب كل المتاجر. حتى إنهم أخذوا خزائن من بعض المتاجر.

كما احتجزت القوات الحكومية بعض الناس أثناء الهجوم، في إدلب وفي البلدات المحيطة. تم الإفراج عن بعضهم، بينما ما زال البعض رهن الاحتجاز.

قال شهود قابلتهم هيومن رايتس ووتش إن من الصعب للغاية على الناس الخروج من المدينة، بما أن الطريق السريع المحيط بإدلب – وهو طريق دائري حول المدينة – تسيطر عليه قوات الجيش السوري. وقد أدت عملية زرع الألغام من قبل القوات الحكومية على امتداد الحدود مع تركيا إلى تصعيب فرار الناس من العدوان الحكومي. يقدر حسن أن 85 في المائة من سكان إدلب ما زالوا داخل المدينة.

وقال حسن: "الجيش يسيطر على الطريق السريع. السبيل الوحيد للخروج هو التسلل من بين أشجار الزيتون ليلاً ومحاولة عبور الطريق دون أن يلاحظ أفراد الجيش".

قال مصطفى إنه سار عبر الحقول في الظلام مسافة 15 كيلومتراً حتى يخرج من المدينة.

قال شهود لـ هيومن رايتس ووتش إن سكاناً بالمدينة قُتلوا بفعل القصف العشوائي ونيران القناصة قبل اعتداء 10 مارس/آذار، لكن على نطاق أضيق.

بعد عام من بدء الاحتجاجات في سوريا، قتلت قوات الأمن 8000 مدني على الأقل، بحسب القوائم التي يعدها نشطاء سوريون. منع فيتو روسيا والصين مجلس الأمن من اتخاذ أي قرار بشأن سوريا، رغم الأدلة على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.

سوف يقوم مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة – كوفي أنان – بإطلاع مجلس الأمن على ما انتهت إليه جهوده في 16 مارس/آذار. تدعو هيومن رايتس ووتش روسيا والصين إلى دعم قرار مجلس الأمن الذي من شأنه أن يمنح جهود أنان أكبر قدر ممكن من الدعم، مع مطالبة الحكومة السورية بوقف القصف العشوائي للمدن والسماح بدخول العاملين بالإغاثة الإنسانية إلى المناطق المتأثرة، وكذلك الصحفيين ومراقبي حقوق الإنسان. كما ينبغي أن ينص القرار على عقوبات ضد المسؤولين المتورطين في الانتهاكات وأن يشمل حظر أسلحة على الحكومة السورية، مع إحالة الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية.

كانت مفوضة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة قد أوصت في عدة مناسبات بأن يحيل مجلس الأمن الوضع إلى المحكمة. بالمثل، فهناك عدد متزايد من الدول من مختلف التوجهات، أعربت عن دعم الإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية. في 13 مارس/آذار، أثناء انعقاد جلسة لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، أدلت النمسا ببيان من 13 دولة من شتى أنحاء العالم، يدعو إلى دعم مطالبة المفوضة السامية لحقوق الإنسان بإحالة الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية.

تدعو هيومن رايتس ووتش الدول الأخرى إلى الانضمام إلى الدعوات المتزايدة بالمحاسبة، عن طريق إبداء الدعم لإحالة الوضع في سوريا إلى الجنائية الدولية، بصفتها الطرف الأقدر على إجراء التحقيقات الفعالة والملاحقة القضائية لمن يتحملون أكبر قدر من المسؤولية عن الانتهاكات في سوريا.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الموضوع