(الرباط) - قالت هيومن رايتس ووتش اليوم، ينبغي على السلطات المغربية إلغاء إدانة الصحافي الذي يقضي عقوبة سنة واحدة في السجن بتهمة "إهانة" مسؤولين حكوميين وتحقير المحاكم. وقالت هيومن رايتس ووتش، إن سجن رشيد نيني يتناقض مع تعهد السلطات المغربية بضمان حرية التعبير في دستور البلاد الجديد.
وقالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي أيضا على المغرب إلغاء جميع القوانين التي تجرم التشهير، وخصوصا بالشخصيات العامة، حتى تصبح القوانين المغربية متسقة مع المعايير الواردة في الدستور الجديد.
قالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "يتواجد واحد من الصحفيين الأكثر شهرة في المغرب وراء القضبان بسبب ما كتبه عن مسئولين حكوميين ومؤسسات الدولة. هذا خطأ – مهما كان الرأي في مقالاته".
وأيدت محكمة الاستئناف بالدار البيضاء يوم 24 أكتوبر/تشرين الأول 2011، عقوبة السجن ضد نيني، الذي يُعتبر عموده في صحيفة مملوكة للقطاع الخاص، المساء، والتي يُديرها، أحد الأعمدة الأكثر قراءة في المغرب.
واستدعت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية نيني للاستجواب في 26 أبريل/نيسان، وأفرجت عنه في وقت لاحق من نفس اليوم. وفي 28 أبريل/نيسان، استدعته الشرطة مرة أخرى، وحصل على أمر باعتقاله لمدة 96 ساعة. وركز التحقيق على مضمون مقالاته في صحيفة المساء، وفقا لمحاميه وللمحاضر التي وقعها.
وفي 1 مايو/أيار، أحضرت السلطات نيني أمام الوكيل في الدار البيضاء، الذي أبلغه أنه يواجه تهم إهانة الموظفين العموميين (الفصل 263 من مجموعة القانون الجنائي)، واتهام مسؤولين حكوميين بانتهاك القانون من دون تقديم دليل (الفصل 264)، وإهانة القضاء أو تحقير مقرراته أو محاولة التأثير على المحاكم (الفصل 266).
رفضت المحكمة، منذ أولى مراحل القضية، طلبات عديدة من قبل محامو نيني لإطلاق سراحه مؤقتا في انتظار صدور حكم نهائي في القضية.
في 9 يونيو/حزيران، أدانت محكمة ابتدائية في الدار البيضاء نيني بالتهم الثلاث وحكمت عليه بالسجن لمدة سنة واحدة وغرامة قدرها 1000 درهم (120 دولارا أمريكيا). وأيدت محكمة الاستئناف كلا من الحكم والعقوبة.
وعدد حكم المحكمة الابتدائية الكتابي (ملف جنحي عدد 3245/10/11، حكم عدد 4675) تسعة مقالات كتبها نيني، وكلها نشرت في شهر مارس/آذار أو أبريل/نيسان. ويقول الحكم إن نيني أكد أنه كتبها. وفي دفاعه، قال نيني للمحكمة إن بعض المعلومات الواردة في المقالات استقاها من مصادر موثوقة وأنه لا يستطيع الكشف عنها. وقال إن أجزاء أخرى من المقالات هي تحليله وآراءه الخاصة بشأن الأحداث اليومية. ونفى نيني في المحكمة أن تكون كتاباته قد أظهرت ضغينة تجاه أي شخص أو احتقار مقررات المحاكم أو رغبة في التأثير عليها.
لم يحدد الحكم بالاسم الأشخاص الذين وجدت المحكمة نيني متهما بالإساءة إليهم أو اتهمهم زورا بارتكاب جرائم. ومع ذلك، فإن المقالات التي دققت فيها المحكمة شملت واحدة تُهاجم عبد اللطيف الحموشي بتهمة استغلال سلطته، حسب الزعم، كرئيس للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، وهي وكالة استخبارات داخلية معروفة على نطاق واسع بـ DST(الأحرف الأولى من اسمها باللغة الفرنسية). ونشر المقال، في المساء في 18 أبريل/نيسان، ثمانية أيام قبل أن تستدعي الشرطة نيني لأول مرة، توجد ترجمة فرنسية على الانترنت للمقال. واستشهدت المحكمة أيضا، في حكمها، بمقال جاء فيه أن نيني، من دون تقديم الأدلة الضرورية، اتهم حسن أوريد اغتنى حين كان والياً على جهة مكناس – تافيلالت.
كثيرا ما يتسهدف عمود نيني اليومي "شوف تشوف" ما يعتبره أعمال قمع وظلم وفساد والتي كان يُحمل مسؤوليتها للسلطات المغربية عموما أو مسؤولين أو مؤسسات محددة. وتحتوي المقالات المذكورة في الحكم، على سبيل المثال، على إحالات عديدة على أعمال التعذيب التي يقول إنها تُمارس ضد المشتبه بهم في مركز تمارة، وهو منشأة تعرضت لانتقادات متكررة من طرف منظمات حقوق الإنسان على أنها مكان للاستجوابات التعسفية، ولكن السلطات نفت وجودها مرارا وتكرارا.
لا يزال نيني (41 عاما) محتجزا في السجن المركزي في الدار البيضاء (سجن عكاشة). وقال محام في الدار البيضاء، رضا أولمين، الذي زاره في 30 نوفمبر/تشرين الثاني، لـ هيومن رايتس ووتش بأنه لا يُسمح له بالحصول على الورق وأدوات الكتابة.
لدى جميع البلدان مصلحة في توفير سبل قانونية للأشخاص الذين يرون أن وسيلة إعلامية ما قد أساءت كثيرا لسمعتهم أو انتهكت حقهم في الخصوصية. ومع ذلك، لتحقيق التوازن بين هذه المصلحة والمصلحة العامة في حرية الصحافة، ينبغي التعامل مع التشهير باعتباره قضية مدنية بدلا من أن يكون قضية جنائية، وأن تفرض المحاكم تعويضات نقدية أو اقتراح الاعتذار أو تصويبات، بدلا من فرض أحكام بالسجن والغرامات.
وقالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي على المغرب، لمواءمة قانونه الجنائي مع ضمانات حرية التعبير المنصوص عليها في الدستور الجديد والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذي صدق عليه المغرب في عام 1979، أن يلغي فورا العقوبات بالسجن على الجرائم التي سُجن من أجلها نيني ووضع حد لتجريم التشهير، خصوصا بالشخصيات العامة.
وقالت سارة ليا ويتسن: "إن سجن رشيد نيني يجعل من سد الفجوة القائمة بين دستور المغرب الإصلاحي الجديد وقوانينه التي تجرم حرية التعبير، أمرا ملحا". وأضافت: "إن استمرار سجنه يؤدي إلى الشك في التزام الحكومة بضمان الحريات العامة".
الإدانات السابقة
أدين نيني بتهم جنائية من قبل لكتاباته. في مارس/آذار 2008، أدانته المحكمة الابتدائية في الرباط بسبب مقال كتبه واصفا "حفل زفاف مثليين" في مدينة القصر الكبير، وقال فيه إن وكيلا عاما من بين مثليي البلدة. وعلى الرغم من أن نيني لم يذكر اسم الوكيل العام، فقد رفع جميع الوكلاء العامون الأربعة لدى محكمة القصر الكبير شكوى للتشهير، وغرمت محكمة في الرباط نيني 6000000 درهم (720،000 دولار أمريكي). ولم يدفع الغرامة في وقت القبض عليه بعد ثلاث سنوات.
في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2009، حكمت محكمة الدار البيضاء الابتدائية على نيني وصحافي زميل له في المساء بالسجن وغرامات لنشرهما مقالا في شهر أغسطس/آب 2009 والذي يحتوي، حسب الزعم، "معلومات كاذبة " حول تورط مسؤول قضائي في عصابة لتهريب المخدرات. وأسقطت محكمة استئناف في يناير/كانون الثاني 2010 عقوبة السجن ولكنها حافظت على الغرامات، 20،000 درهم (2400 دولار أمريكي) في حق الرجلين.
الدستور الجديد
يتضمن الدستور المغربي الذي اعتمد في استفتاء شعبي في 1 يوليو/تموز، خلافا للدستور السابق، تأكيدا على حرية الصحافة. يقول الفصل 28: "حرية الصحافة مضمونة، ولا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية. للجميع الحق في التعبير، ونشر الأخبار والأفكار والآراء، بكل حرية، ومن غير قيد، عدا ما ينص عليه القانون صراحة".
وتنص ديباجة الدستور الجديد على أن المغرب يلتزم بـ "جعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو، فور نشرها، على التشريعات الوطنية، والعمل على ملاءمة هذه التشريعات، مع ما تتطلبه تلك المصادقة".
القانون الجنائي
يُعاقب الفصل 263 كل من "من أهان أحدا من رجال القضاء أو من الموظفين العموميين أو من رؤساء أو رجال القوة العامة أثناء قيامهم بوظائفهم أو بسبب قيامهم بها، بأقوال أو إشارات أو تهديدات أو إرسال أشياء أو وضعها أو بكتابة أو رسوم غير علنية وذلك بقصد المساس بشرفهم أو بشعورهم أو الاحترام الواجب لسلطتهم". وينص الفصل 264 على أن جريمة "إهانة" شخص تشمل اتهام شخص بارتكاب جريمة يعلم بعدم حدوثها. ويسمح الفصل 266 بعقوبات على الأفعال التي تتم بالكتابة والتي "يُقصد منها التأثير على قرارات رجال القضاي، قبل صدور الحكم غير القابل للطعن في قضية ما"، أو التي "يُقصد منها تحقير المُقررات القضائية، ويكون من شأنها المساس بسلطة القضاء أو استقلاله".
القانون الدولي
كتبت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وهي الهيئة المعهودة إليها سلطة تفسير واجبات الدولة بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، في عام 2011 فيما يتعلق بالمادة 19، التي تكفل الحق في حرية التعبير:
يجب صياغة قوانين التشهير بحرص، كي لا تؤدي من حيث الممارسة إلى خنق حرية التعبير... وعلى الأقل فيما يخص التعليق على الشخصيات العامة، فلابد من مراعاة تفادي المعاقبة على الأقوال غير الصحيحة أو اعتبارها غير قانونية، والتي نُشرت بالخطأ دون تعمد. وعلى كل حال، فإن المصلحة العامة المرتبطة بمسألة الانتقاد لابد أن يُعترف بها على سبيل الدفاع عن هذه الآراء المعنية... وعلى الدول الأطراف النظر في أمر إلغاء تجريم التشهير، وأن تقوم على كل حال بقصر تطبيق القانون الجنائي على الحالات الأكثر جسامة، ويعتبر الحبس عقوبة غير ملائمة على الإطلاق للتشهير.