Skip to main content
تبرعوا الآن

I. مقدمة

تكشف سلسلة الدعاوى القضائية التي أقامتها السلطات المغربية ضد الصحف الأسبوعية المستقلة، وهي القطاع الأكثر صراحة والأشد انتقادا للحكومة من بين قطاعات الإعلام الإخباري المغربي، عن استمرار فرض القيود على حرية الصحافة في هذا البلد. فعلى مدى العام الماضي أدانت المحاكم ما لا يقل عن أربع أسبوعيات، أو الصحفيين العاملين بها، بتهم جنائية من قبيل التشهير أو نشر "أنباء زائفة" أو "إهانة" حاكم دولة أجنبية، كما تحاكم حالياً جريدة خامسة بتهمة الحط من شأن المؤسسة الملكية.

ونتيجة لذلك، قد تضطر إحدى الأسبوعيات الصادرة بالفرنسية، وهي "لوجورنال إبدومينير" (بالفرنسية: "الجريدة الأسبوعية" و يشار إليها اختصاراً فيما يلي باسم "لوجورنال")، للاحتجاب عن الصدور إن لم تجد مفرا من سداد غرامة لم يسبق لها مثيل في تاريخ القضاء المغربي، قدرها 3.1 مليون درهم1 بناء على حكم محكمة استئناف في 18 إبريل/نيسان بتأييد فرض الغرامة على الأسبوعية. كما توجد دلائل تشير إلى أن السلطات تقف وراء المظاهرات التي خرجت إلى الشارع ضد "لوجورنال" في فبراير/شباط، والتي أضافت نبرة وعيد جديدة إلى الضغوط الحكومية على الصحافة المستقلة، كما شابت تغطية التليفزيون الحكومي لهذه المظاهرات انحيازا خلى من أي انتقاد للحكومة .

وفي الأعوام الخمسة عشر الماضية كان الإعلام المغربي يتمتع بمساحة متنامية من الحرية في تغطية القضايا الحساسة، مثل حقوق الإنسان والمشكلات الاجتماعية والاقتصادية والفساد. وقد امتحنت الأسبوعيات المستقلة، وبدرجة أقل بعض الصحف اليومية، حدود هذه الحرية الجديدة، سواء في اللهجة التي حفلت بها افتتاحياتها أو من خلال التحقيقات الصحفية المنشورة بها. وتعتبر هذه الأسبوعيات من أكثر وسائل الإعلام جرأة وصراحة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، عدا إسرائيل.

أما الإذاعة المغربية والتليفزيون المغربي فقد ظلا أقرب إلى الخط الرسمي، بالرغم من وعود المسئولين بأن يؤدي الترخيص بإنشاء محطات جديدة خاصة في الشهور القادمة، إلى التنوع في مجال الإعلام المرئي والمسموع.

وعلى الرغم من هذه التطورات، فإن قانون الصحافة الصادر عام 19582، والذي تم تعديله في عام 2002 في عهد الملك الحالي محمد السادس، يتضمن العديد من النصوص التي لا تتفق والممارسة الكاملة لحرية التعبير، ومنها عدد من النصوص التي تقضي بالحبس في "جرائم" التعبير عن الرأي. و يتعارض تطبيق هذه النصوص من آن لآخر ضد الصحفيين، مع الصورة التي تسعى السلطات المغربية لتصديرها عن الالتزام بحقوق الإنسان وحرية التعبير بوجه خاص.

ومن جانبهم، يبدو أن القضاة المغاربة لا يقيمون وزنا لحرية التعبير، كمصلحة عامة أو كحق يكفله الدستور المغربي،3 حين يقومون بالبت في الخروقات المزعومة لقانون الصحافة، وعند تقدير حجم التعويض المستحق في قضايا التشهير. وعلى الرغم من أن المحاكم لم تحكم على أي صحفي بالحبس الفعلي بموجب قانون الصحافة خلال العام الماضي، إلا أنها حكمت على ما لا يقل على خمسة صحفيين بالسجن مع إيقاف التنفيذ، ووجهت صفعة إلى المجلات الناقدة الجريئة عن طريق الحكم عليها بتعويضات باهظة بصورة تعسفية في قضايا التشهير، مما يوحي بأن القصد من الأحكام هو التضييق على هذه المجلات ماليا لإجبارها على الإغلاق. ومن هذه القضايا ما يلي:

  • حكم محكمة استئناف بتأييد الإدانة الجنائية لعدد من الصحفيين بجريدة "لوجورنال" بتهمة التشهير بمعهد للأبحاث يتخذ من بروكسيل مقرا له، وفرض غرامة وتعويض قدره 3.1 مليون درهم مغربي، وهو مبلغ يفوق أي تعويض سبق أن حكم به القضاء المغربي في قضايا التشهير.
  • أدانت محاكم الاستئناف عددا من صحفيي "تيلكيل" (وتعني "على سبيل المثال" باللغة الفرنسية) والناطقة باللغة الفرنسية في قضيتي تشهير، وقضت بتغريمهم 50 ألف درهم مغربي وسداد تعويض قدره 500 ألف درهم في القضية الأولى، وبتغريمهم 10 آلاف درهم وسداد تعويض قدره 800 ألف درهم في الثانية. ويلاحظ أن الغرامة المفروضة على "تيلكيل" في القضية الأولى تفوق بكثير ما فرض على ثلاث مطبوعات أخرى نشرت موضوع التشهير نفسه، على الرغم من انخفاض توزيع "تيلكيل" كثيرا عن اثنتين من هذه المطبوعات، وعلى الرغم من أنها نشرت تراجعا واعتذارا فوريا عن موضوع التشهير. وفي كلتا القضيتين ضد "تيلكيل" لم تفصح المحكمة عن سبب ضخامة حجم التعويض الذي قضت به.
  • أدانت محكمة ابتدائية اثنين من الصحفيين بجريدة "الأيام" الصادرة باللغة العربية، لنشرهما صورا للعائلة المالكة بدون إذن، استنادا إلى قانون يكتنفه الكثير من الغموض صدر في عام 1956 ونادرا ما جرى العمل به، ولنشرهما معلومات كاذبة، حيث فرضت المحكمة غرامات على أحد الصحفيين بالجريدة وعلى مديرها وحكمت عليهما بالسجن مع إيقاف التنفيذ.
  • أدانت محكمة ابتدائية جريدة "المشعل" الأسبوعية التي تصدر بالعربية بتهمة إهانة رئيس دولة أجنبية من خلال رسم كاريكاتيري ومقالة تتهكم على الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، وفرضت على رئيس تحرير الجريدة غرامة قدرها 100 ألف درهم، وحكمت عليه بالحبس لمدة عام مع إيقاف التنفيذ. ومن المتوقع أن تنظر إحدى محاكم الاستئناف في هذه القضية في التاسع من مايو/أيار.
  • يُحاكم مدير "الأسبوعية الجديدة" الصادرة باللغة العربية، مع الناشطة الإسلامية نادية ياسين، بتهمة جنائية هي "المس بالنظام الملكي" عن طريق نشر حوار مع ياسين التي وصفت فيه الملكية بأنها "نظام سياسي لا يناسب المغرب".

II.  المعايير القانونية الدولية

ينص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي صادق عليه المغرب دون إبداء أي تحفظات، في المادة 19 منه على ما يلي:

لكل إنسان حق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل شفوي أو مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها.

وتنص الفقرة الثالثة من المادة 19 من العهد المذكور على أن هذا الحق قد يخضع لقيود، ولكن "شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية: (أ) لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم؛ (ب) لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة".

وفي التعليق العام للجنة المعنية بحقوق الإنسان التابعة للأم المتحدة تفسيرا لهذا الحق، تقول اللجنة:

عندما تفرض دولة طرف بعض القيود على ممارسة حرية التعبير، لا يجوز أن تعرض هذه القيود الحق نفسه للخطر. وتضع الفقرة 3 شروطا، ولا يجوز فرض القيود إلا بمراعاة هذه الشروط: ويجب "نص القانون" على هذه القيود؛ ولا يجوز أن تفرض إلا لأحد الأهداف المبينة في الفقرتين الفرعيتين (أ) و(ب) من الفقرة 3؛ ويجب تبريرها بأنها "ضرورية" للدولة الطرف لتأمين أحد تلك الأهداف.4

وبينما جاءت تعديلات 2002 على قانون الصحافة ببعض التحسينات على القانون الموجود، فلا زال هناك العديد من الجوانب ذات الطابع القمعي قائمة في هذا القانون. فعلى سبيل المثال، أبقى القانون على العقوبات الجنائية للتشهير مع تخفيض مدة السجن التي يجوز فرضها، كما أبقى على السجن كعقوبة لمن "يهين" الملك أو "يزعزع أركان "دين الإسلام أو مؤسسة الملكية أو "سلامة الأراضي" المغربية – وهو مفهوم مبهم وفضفاض يُستند إليه لتحريك الدعوى القضائية ضد من يثيرون علامات الاستفهام حول ادعاء المغرب السيادة على الصحراء الغربية المتنازع عليها.

ومن ثم فإن ملاحظات اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بشأن المغرب في عام 1999 لا تزال تنطبق إلى حد كبير على محنة الصحافة اليوم؛ ففي تقييمها للتقرير الدوري الرابع للمغرب بشأن التزامه بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ذكرت اللجنة ما يلي:

لا تزال اللجنة تشعر بالقلق من أن قانون الصحافة المغربي يتضمن نصوصا... تتسبب في تقييد شديد لحرية التعبير عن طريق السماح بمصادرة المطبوعات وفرض عقوبات على جرائم تعريفها فضفاض ( مثل نشر معلومات غير دقيقة أو زعزعة أركان المؤسسة السياسية أو الدينية)... وبالإضافة إلى ذلك، تشعر اللجنة بالقلق بوجه خاص بشأن الحكم بالسجن على الأشخاص الذين يعبرون عن آراء سياسية معارضة للحكومة أو يدعون إلى شكل جمهوري للحكم... ويبدو أن هذه القوانين وتطبيقها يتعدى الحدود المسموح بها في إطار المادة 19(3). [وينبغي على المغرب] التوفيق الكامل بين جميع قوانينه الجنائية والمدنية وبين المادة 19 من العهد...5

وفي الوقت الذي تؤكد فيه هيومن رايتس ووتش على حق ضحايا التشهير في اللجوء إلى القضاء لإنصافهم وجبر أي أضرار لحقت بهم؛ إلا أنها تعتبر أن القوانين الجنائية المتعلقة بتشويه السمعة لا تتفق والمادة 19 من العهد ومن ثم تحض على إلغائها. وقد وضعت منظمة "المادة 19"، وهي منظمة غير حكومية تتخذ من لندن مقرا لها، مجموعة مفيدة من المبادئ التي توازن بين الحق في حرية التعبير والحق في حماية السمعة، حيث تقول في بعض هذه المبادئ:

  • يجب إلغاء كافة القوانين الجنائية الخاصة بتشويه السمعة وسن قوانين مدنية أخرى مناسبة بدلا منها، متى اقتضى الأمر. ويجب اتخاذ خطوات في الدول التي لا زالت فيها قوانين جنائية متعلقة بتشويه السمعة من أجل تطبيق هذا المبدأ تطبيقا تدريجيا.
  • من الناحية العملية، وإقرارا بأن القوانين الجنائية المتعلقة بتشويه السمعة في العديد من الدول تمثل الوسيلة الأساسية للتعامل مع الاعتداءات غير المبررة على السمعة، فإنه من الواجب اتخاذ خطوات فورية ضمانا لاستيفاء الشروط التالية في أي قوانين جنائية لا تزال سارية فيما يتعلق بتشويه السمعة:
    • ضرورة عدم إدانة أي شخص بالتشويه الجنائي للسمعة ما لم يثبت الطرف المدعي بما لا يدع مجالا لقدر معقول من الشك وجود كافة عناصر الجريمة، على نحو ما هو موضح أدناه؛
    • لا تعتبر جريمة التشويه الجنائي للسمعة قائمة ما لم يثبت أن الأقوال المطعون فيها كاذبة وأنها صدرت مع العلم بكذبها فعلا، أو مع الاستهتار بمدى صدقها أو كذبها، أو أنها صدرت بنية الإضرار بالطرف المدعي على وجه التحديد؛
    • على السلطات العامة، بما فيها الشرطة والنيابة العامة، عدم الاشتراك في فتح أو مباشرة الدعاوى القضائية المتعلقة بالتشويه الجنائي للسمعة، بصرف النظر عن وضع الطرف المدعي تعرضه لتشويه السمعة، حتى ولو كان من كبار المسئولين العموميين؛
    • يجب ألا يتم أبدا استعمال الحكم بالسجن أو الحكم بالسجن مع إيقاف التنفيذ أو تعليق الحق في التعبير عن النفس من خلال أي وسيلة معينة من وسائل الإعلام أو الحق في ممارسة الصحافة أو أية مهنة أخرى أو فرض الغرامات الطائلة أو غيرها من العقوبات الجنائية القاسية عقابا على خرق قوانين تشويه السمعة، مهما كان التصريح المسيء للسمعة فادحا أو سافرا.6

ولا تتخذ هيومن رايتس ووتش أي موقف بشأن حيثيات قضايا التشهير الخاصة التي يتناولها هذا التقرير؛ إلا أن التعويضات الضخمة التي فرضتها المحاكم المغربية في قضايا التشهير ضد "لوجورنال" و"تيلكيل" بصورة استثنائية وغير مبررة توحي بأن السلطات تمارس النفوذ السياسي على المحاكم، لحمل هذه المطبوعات لا على تعويض المدعي عن الضرر الذي يزعم أنه لحق به فحسب، ولكن أيضا على دفع ثمن انتقاداتها وفضحها السياسات والممارسات الحكومية وتحقيقاتها حول الفساد. وتبدي هيومن رايتس ووتش قلقا مماثلا من القضايا التي رفعتها أطراف خاصة كونها تنطوي على ذات القدر من محاولة الإسكات الذي تنطوي عليه قضايا التشهير، كونها لا تقتصر على القضايا المرفوعة من قبل المسئولين العموميين أو لصالح مؤسسات الدولة.

III. حكم لم يسبق له مثيل في قضية تشهير ضد "لوجورنال"

كان أحدث حكم في قضية تشهير يتسم بأبعاد مثيرة للقلق هو الحكم الصادر ضد "لوجورنال"، وهي - كمنافستها الرئيسية "تيلكيل" (انظر ما يلي) - مطبوعة أسبوعية فاخرة الطباعة تصدر من الدار البيضاء، وتتسم بالجرأة وتجتذب قاعدة نخبوية من القراء.

في الثالث من ديسمبر/كانون الأول 2005، نشرت "لوجورنال" تقريرا عن الصحراء الغربية حمل نقدا وتهكما موجها إلى بحث أعده أحد مراكز البحوث في بروكسيل، وهو مركز المعلومات الاستراتيجية والأمن الأوروبي، ويركز على حركة البوليساريو الساعية للاستقلال في المغرب والتي تعد خصم المغرب في الصراع الطويل على الصحراء الغربية. ويحمل البحث عنوان "جبهة البوليساريو: شريك يعتد به في المفاوضات، أم بقية من بقايا الحرب الباردة وعقبة في طريق الحل السياسي في الصحراء الغربية؟" واتهمت "لوجورنال" البحث بالانحياز الشديد إلى الخط الرسمي للحكومة المغربية إلى درجة توحي بأن التقرير قد تم إعداده بإيعاز أو تمويل من الحكومة المغربية أو أنصارها.

لم تدّعِ "لوجورنال" قط، والتي يبلغ عدد النسخ المباعة منها حوالي 16 ألف نسخة، أن مركز المعلومات الاستراتيجية والأمن الأوروبي تلقى أية مبالغ أو توجيهات مباشرة من السلطات المغربية أو من وسطاء ينوبون عنها. إلا أن تغطيتها المستندة إلى تحليل مضمون البحث كانت مفعمة بالإيحاءات، حيث استعملت مصطلحات مثل "موجه عن بعد" و"موجه" لوصف البحث، لكنها حرصت على وضعها بين علامات تنصيص؛ فمثلا جاء العنوان على الغلاف هكذا: "هل انتهت البوليساريو؟ الحجج الباطلة في تقرير ’توجهه الرباط عن بعد‘".

فما كان من كلود مونيكي مدير مركز المعلومات الاستراتيجية والأمن الأوروبي إلا أن رفع قضية تشهير ضد "لوجورنال" في المغرب قائلا إن الادعاء بتلقي أموال مغربية لإصدار البحث يسيء إلى سمعة المركز. وقال في مؤتمر صحفي عقد في 20 ديسمبر/كانون الأول7 "إننا نرفض قبول التمويل من أي طرف معني بأبحاثنا". وطالب مونيكي بتعويض قدره خمسة ملايين درهم مغربي، وبأن تنشر "لوجورنال" "تصحيحا" على نفقتها في الصحف في المغرب وأوروبا والولايات المتحدة. كما طالبت النيابة العامة أيضا بتعويض للمدعي قدره خمسة ملايين درهم مغربي.

وفي 16 يناير/كانون الثاني بدأت محاكمة أبو بكر الجامعي مدير "لوجورنال" وفهد العراقي الصحفي بالأسبوعية أمام المحكمة الابتدائية بالرباط. وطلب المتهمان إلى القاضي استدعاء باحثيْن مختصيْن بصراع الصحراء الغربية للشهادة، أحدهما مقيم في أسبانيا والآخر في فرنسا. وكان الدفاع يأمل أن يؤيد هذان الشاهدان الخبيران تقييم "لوجورنال" القائل بأن بحث مركز المعلومات الاستراتيجية والأمن الأوروبي يبدو قريبا من النهج الرسمي للحكومة المغربية بدرجة مريبة، مما يظهر "حسن نية" "لوجورنال" في حكمها القاسي على البحث.

ويعتبر الصدق،عموما، من الحجج الدفاعية في قضايا التشهير في ظل القانون المغربي؛ حيث تنص المادة 73 من قانون الصحافة على أن على الطرف المتهم بالتشهير " أن يثبت صدق الحقائق التي تعتبر تشهيرا"، بأن يقدم للنيابة العامة "نسخة من الوثائق، [و] أسماء الشهود الذين ينوي إثبات حجته من خلالهم، وأعمالهم وعناوينهم ".

إلا أن القاضي في محاكمة "لوجورنال" محمد علوي8 رفض طلب الجريدة استدعاء الشاهدين الخبيرين؛ وفي قال في نص الحكم إنه لم يستند في هذا الرفض إلى مدى أهمية الشاهدين للقضية، وإنما إلى قراءة غير معهودة وغير بديهية للمادة 73، تستوجب أن يكون دليل النفي المقدم من المتهم مؤلفاً من الوثائق والشهادة الشفوية للشهود معا، وليس من أحدهما دون الآخر. وقد دفع هذا الحكم الإجرائي محامي "لوجورنال" إلى الانسحاب من المحاكمة احتجاجا عليه، قائلين إن القاضي علوي حرمهم من سبل الدفاع عن موكليهم.

وفي 16 فبراير/شباط، أعلن القاضي علوي إدانة "لوجورنال" بتشويه سمعة المدعي، وحكم على كل من الجامعي والعراقي بغرامة قدرها 50 ألف درهم مغربي، وهو الحد الأقصى المسموح به كغرامة تشهير بموجب المادة 47 من قانون الصحافة. كما أمر "لوجورنال" بدفع مبلغ ثلاثة ملايين درهم مغربي إلى مونيكي كتعويض، وسداد قيمة نشر الحكم في ثلاث صحف مغربية.

وإذا كان القانون المغربي يحدد الحد الأقصى للغرامة التي يمكن فرضها في قضايا التشهير، فإنه يترك لتقدير القاضي تحديد مقدار التعويض الممنوح للطرف المُشهر به، على أساس تقدير القاضي للضرر الواقع عليه. ولكن القاضي في محاكمة "لوجورنال" لم يطلب من مونيكي توثيق تكلفة الضرر الواقع على مركز المعلومات الاستراتيجية والأمن الأوروبي، ولم يوضح كيفية التوصل إلى رقم التعويض الذي قدره بثلاثة ملايين درهم. (وقد أقر مونيكي في مكالمة هاتفية مع هيومن رايتس ووتش في 20 إبريل/نيسان 2006 أن المحكمة لم تطلب منه مطلقا توضيح كيفية تقديره المبلغ الذي طلبه وهو خمسة ملايين درهم كتعويض مادي وأدبي عما لحق به. إلا أنه ذكر لهيومن رايتس ووتش في العاشر من إبريل/نيسان 2006 أن المقال، فضلا عن مساسه بسمعة المركز، كان من العوامل التي حدت بواحد على الأقل من عملاء المركز إلى اتخاذ قرار بتأجيل أو إلغاء مهمة كان سيكلف المركز بها فيما يتعلق بشمال إفريقيا).

واستأنف كل من المتهمين من ناحية، والمدعي والنيابة من ناحية أخرى، ضد الحكم حيث دفع المتهمون بالبراءة بينما دفع خصومهم بأن مبلغ ثلاثة ملايين درهم أقل بكثير مما يستحقون.

وفي دعوى الاستئناف، طلب الدفاع من محكمة الاستئناف بالرباط إلغاء حكم الإدانة الذي صدر عن المحكمة الأدنى درجة، بسبب ما زُعم من وجود أخطاء إجرائية، أبرزها رفض استدعاء الشاهدين اللذين اقترحهما الدفاع. لكن قاضي محكمة الاستئناف رفض هذا الطلب، إلا أنه بادر من تلقاء نفسه باستدعاء الشاهدين اللذين اقترحهما الدفاع أثناء المحاكمة أمام المحكمة الابتدائية.

ولم يحضر من الاثنين سوى الباحث الأسباني برنابي لوبيز غارسيا، الذي مثل أمام المحكمة في الرابع من إبريل/نيسان، ولكن الدفاع كان قد انسحب من المحاكمة احتجاجا على رفض المحكمة إلغاء الحكم الصادر عن المحكمة الأدنى. ووجه القاضي إلى لوبيز غارسيا سؤالا جوهريا واحدا: هل أمرت الحكومة المغربية مركز المعلومات الاستراتيجية والأمن الأوروبي بإعداد التقرير أو دفعت له أي مبلغ لهذا الغرض؟ فرد لوبيز بأنه لا يدري شيئا عن هذا الأمر، بينما تجنب القاضي أسلوب الاستجواب الذي حاول الدفاع انتهاجه في محاولة لاستجلاء ما إذا كان الخبراء المعنيون بصراع الصحراء الغربية يعتبرون نقد "لوجورنال" لتقرير المركز مقبولا. وفي 18 إبريل/نيسان، أيدت محكمة الاستئناف حكم المحكمة الأدنى.

وطبقا لما قاله المتهم ومدير "لوجورنال" أبو بكر الجامعي، فإن هذا الحكم الذي لم يسبق له مثيل ضد "لوجورنال" لم يكن مرجعه إلى ما زُعم من تشهيرها بمركز المعلومات الاستراتيجية والأمن الأوروبي، وإنما إلى الرأي الذي ينطوي عليه المقال، وهو أن السلطات المغربية تسيء إدارة قضية الصحراء الغربية بمحاولة تشويه البوليساريو وتصويرها على أنها شريك غير أهل للتفاوض. وقال الجامعي لهيومن رايتس ووتش في 20 إبريل/نيسان إن السلطات، التي لا تقبل نقد سياستها إزاء الصحراء الغربية، وجدت أن شكوى المركز من تشويه سمعته أداة مناسبة لمعاقبة "لوجورنال".

وأدت الأحداث المقلقة التي تزامنت مع محاكمة "لوجورنال" أمام المحكمة الابتدائية إلى تعزيز الشك في أن السلطات المغربية تسعى للضغط على الجريدة الأسبوعية أو معاقبتها؛ ففي 14 فبراير/شباط – أي قبل صدور حكم المحكمة الأولى بيومين – احتشد عدد من المتظاهرين أمام مقر "لوجورنال" في قلب مدينة الدار البيضاء، منددين بالجريدة لأنها أعادت نشر الرسوم الكاريكاتيرية المثيرة للجدل التي تصور الرسول محمد، والتي كانت قد نشرت لأول مرة في صحيفة دانمركية. كما قامت مظاهرة أخرى أمام مبنى البرلمان في الرباط في اليوم السابق احتجاجا على ما زُعم من قيام جريدة "لوجورنال" بنشر الرسوم الكاريكاتيرية. وكانت تغطية التليفزيون المغربي للمظاهرات متحيزة تماماً، إذ تضمنت مقابلات مع المتظاهرين الغاضبين، بينما خلت من أي مقابلات أو تصريحات لأي من العاملين في "لوجورنال" أو الإشارة إلى أن الجريدة لم تنشر هذه الرسوم قط.

وكانت هذه المظاهرات بعيدة كل البعد عن العفوية؛ فقد قام مسئولون مغربيون – وهو أمر وثقته "لوجورنال" وغيرها على نحو جدير بالتصديق - بتجنيد رجال ونساء وأطفال وتوفير وسائل النقل اللازمة لهم من الأحياء الفقيرة، وقيل لهؤلاء إن المظاهرات تستهدف "الكفرة" الذين أعادوا نشر الرسوم. وعلى الرغم من أن الشهود قالوا إن المسئولين المحليين وسياراتهم كانوا موجودين في المظاهرات وشاركوا فيها، فمن الضروري إجراء المزيد من التحريات لتحديد المسئولين العموميين الذين أمروا بهذه الإجراءات وأشرفوا عليها. وقد أنكر وزير الاتصالات نبيل بن عبد الله أن السلطات المغربية كان لها يد في المظاهرات، وفيما عدا مثل هذه التكذيبات، لم يدلِ أي مسئول مغربي بتصريح علني بشأنها.

وقال العاملون في "لوجورنال" إنهم صاروا لا يأمنون على سلامتهم الشخصية، وهو معذورون في ذلك، نظرا للمظاهرات المناهضة للجريدة والتغطية العدائية لها على شاشات التليفزيون الحكومي، في وقت شهد وفاة العشرات من الأشخاص في شتى أنحاء العالم الإسلامي في خضم المظاهرات الغاضبة المتعلقة بالرسوم الكاريكاتيرية.

IV. محاكم الاستئناف تؤيد حكمين بتعويضات باهظة ضد "تيلكيل"
في قضيتي تشهير

فرضت المحاكم المغربية تعويضات باهظة في قضيتي تشهير ضد جريدة "تيلكيل" الأسبوعية خلال الشهور الأخيرة؛ ففي السابع من فبراير/شباط، قضت محكمة استئناف الدار البيضاء بأن تدفع المجلة 500 ألف درهم مغربي إلى تورية أجعايدي (التي تُكنى أيضا بـ"بوعبيد"، وهو اسم زوجها عثمان بوعبيد) رئيسة الجمعية المغربية لمساعدة الأطفال المعسرين لأنها نشرت أنباء غير صحيحة في عددها الصادر في السابع من مايو/أيار 2005 عن قيام الشرطة بالتحقيق مع أجعايدي بتهمة اختلاس المال العام. وبذلك خفضت محكمة الاستئناف قيمة التعويض الذي كانت محكمة الدار البيضاء الابتدائية قد حكمت به في 24 أكتوبر/تشرين الأول 2005، وقدره 900 ألف درهم. إلا أن محكمة الاستئناف أيدت الحكم على أحمد بنشمسي رئيس تحرير "تيلكيل" والصحفي كريم البخاري بغرامة قدرها 5000 درهم لكل منهما.

وفي محاكمات منفصلة، أدانت المحاكم ثلاث مطبوعات أخرى – جريدة "الأحداث المغربية" (وهي جريدة يومية عربية) و"الأيام" و"الأسبوعية الجديدة" – كانت قد نشرت بشكل أو بآخر نفس المعلومات الخاطئة عن أجعايدي. لكن المحكمة الابتدائية ومحكمة الاستئناف كلتيهما فرضتا تعويضات باهظة على "تيلكيل" بالمقارنة بالصحف الأخرى، على الرغم من أن توزيع اثنتين منها – "الأحداث المغربية" و"الأيام" – أعلى بكثير من توزيع "تيلكيل"، وعلى الرغم من أن "تيلكيل" نشرت اعتذارا وتراجعا كاملا في العدد التالي للعدد الذي حمل المعلومات الخاطئة.9 ويبدو من الممكن تفسير هذا التفاوت بأنه إصرار على معاقبة "تيلكيل" أو الضغط عليها لأن تغطيتها النقدية للشؤون الحكومية تجتذب قاعدة رفيعة من القراء.

وفي 14 إبريل/نيسان، أيدت إحدى محاكم الاستئناف إدانة المحكمة الابتدائية "للأسبوعية الجديدة"، وأبقت على الغرامة المفروضة وقدرها 20 ألف درهم وعلى التعويض الواجب دفعه لأجعايدي وقدره 30 ألف درهم. وفي 18 إبريل/نيسان، أيدت محكمة استئناف إدانة "الأحداث المغربية" و"الأيام" بتهمة التشهير. وبالنسبة للأولى (القضيتان 71/67/05 و72/67/05) أيدت المحكمة فرض غرامتين قيمة كل منهما 20 ألف درهم على مدير "الأحداث" محمد البريني، وعلى الصحفي عبد المجيد حشادي، بينما رفعت قيمة التعويض المقرر لأجعايدي من 100 ألف درهم إلى 250 ألف درهم وخفضت التعويض المقرر لجمعيتها من 100 ألف درهم إلى 60 ألف درهم. وهكذا قضت محكمة الاستئناف بأن تدفع "الأحداث" غرامات وتعويضات تبلغ 350 ألف درهم، بدلا من مبلغ 240 ألف درهم الذي قررته المحكمة الابتدائية. كما أبقت محكمة الاستئناف التي تنظر في قضية "الأيام" (القضية 93/67/05) على غرامة قدرها 12 ألف درهم على مديرها نور الدين مفتاح ورفعت حجم التعويضات من 120 ألف درهم إلى 250 ألف درهم، ليصل الإجمالي المفروض على "الأيام" بذلك إلى 262 ألف درهم.

وقد أدت أحكام الاستئناف إلى تضييق الفجوة بين التعويضات الباهظة المفروضة على "تيلكيل" وتلك المفروضة على المطبوعتين الأخريين، ولكنها لم تسدها تماما. وكما حدث في المحكمة الابتدائية، فإن محكمة الاستئناف التي نظرت قضية "تيلكيل" لم تسجل الأساس الذي استندت إليه في تقدير حجم التعويض المقرر لأجعايدي.

وفي حالة الإدانة الثانية لجريدة "تيلكيل" بالتشهير، قضت محكمة الدار البيضاء الابتدائية في 15 أغسطس/آب 2005 بتعويض قدره مليون درهم إلى المدعية حليمة عسالي وحكمت على مدير "تيلكيل" أحمد بنشمسي وعلى الصحفي كريم البخاري بالحبس شهرين مع إيقاف التنفيذ وبغرامة قدرها 25 ألف درهم لكل منهما. وجدير بالذكر أن عسالي من أعضاء البرلمان الموالين للحكومة، وكان البخاري قد سخر منها في عمود الشائعات الذي نشر في عدد يوليو/تموز 2005 من الجريدة،10 واصفاً إياها بأنها قروية من أرياف منطقة جبال أطلس الوسطى انتخبت لعضوية البرلمان على الرغم من عدم أهليتها لهذا المنصب، وأنها نادرا ما تحضر الجلسات البرلمانية. كما وصفها العمود بأنها "شيخة سابقة وامرأة تهوى الطرب والمتعة"، الأمر الذي ينطوي على تلميحات بشأن أخلاقها من وجهة نظر بعض المراقبين.

واستأنفت عسالي و"تيلكيل" ضد حكم المحكمة الابتدائية، حيث سعت النائبة إلى الحصول على تعويض أكبر، فذكرت أمام محكمة استئناف الدار البيضاء أنها لم تكن "شيخة" من قبل على الإطلاق وأن المقالة آذتها، وهي امرأة متزوجة وأم لطفلين، واضطرتها لتحاشي الظهور في المناسبات الاجتماعية منعا للحرج.11 أما المتهمان فزعما أن وصف "شيخة" وأي عبارات أخرى في العمود لم يقصد بها التشهير وأن العمود يتسق تماما مع قواعد الأسلوب المتعارف عليه في كتابة الأعمدة الصحفية وهو الأسلوب "اللاذع دون تجريح".

وفي 29 ديسمبر/كانون الأول، أيدت محكمة الاستئناف حكم الإدانة وعقوبة السجن مع إيقاف التنفيذ على بنشمسي والبخاري، لكنها خفضت قيمة التعويض المقرر لعسالي من مليون إلى 800 ألف درهم، وهو مبلغ لا يزال يعتبر من أكبر التعويضات المحكوم بها في قضايا التشهير في المغرب على الإطلاق. ولم توضح المحكمة كيف قدرت قيمة الضرر الواقع على عسالي؛ وطعن المتهمان في حكم الإدانة أمام محكمة النقض، ولم تصدر المحكمة حكمها بعد.

وفي الأسابيع الأخيرة، أشارت عسالي كتابة إلى أنها لن تسعى للحصول على التعويض المقرر لها من "تيلكيل"

V. إدانة "الأيام" لنشر كتابات عن حريم الملوك السابقين

أدينت أسبوعية "الأيام" مثل "تيلكيل" بالتشهير بـ تورية أجعايدي (انظر ما تقدم)، وواجهت عقوبة أشد في قضية أخرى فجّرها مقال افتتاحي نشر في عددها الصادر في السادس من نوفمبر/تشرين الثاني 2005، تحت عنوان "أسرار حريم القصر بين ثلاثة ملوك"، استند في بعض أجزائه إلى حوار أجرته الصحفية مرية مكريم مع فرانسوا كليريه الطبيب الفرنسي الخاص للملك الراحل محمد الخامس الذي حكم المغرب فيما بين 1956 و1961. ووصفت الصحفية الحريم اللاتي قيل إن الملك محمد الخامس وابنه الذي خلفه في الحكم الملك الحسن الثاني كانا يملكانهن، لكنها أضافت أن الملك الحالي محمد السادس تخلى عن هذه العادة.

وفي 22 نوفمبر/تشرين الثاني، أعلنت وكالة الأنباء المغربية الرسمية أن المدعي العام بالدولة سيفتح تحقيقا جنائيا في تقرير "الأيام". وفي اليوم التالي، وفي تطور غريب للأحداث، نشرت الوكالة رسالة إخبارية تفيد بأن الطبيب كليريه أنكر أنه أجرى الحوار مع مكريم الصحفية بـ"الأيام" من الأصل، وقال إن الصحفية التقت بزوجته وحاورتها. وطبقا لما أفادت به الوكالة، فإن زوجة الطبيب شككت في دقة الملاحظات التي نسبتها "الأيام" إلى زوجها. (وفيما بعد طعن الطبيب كليريه في محاولة الوكالة التشكيك في الحوار، مؤكدا أن مكريم أجرت الحوار معه، وأنها عموما تحرت الدقة في نقل الكلام عنه.12)

وفي 24 نوفمبر/تشرين الثاني، استدعت "الضابطة القضائية" في الدار البيضاء كلا من مرية مكريم ونور الدين مفتاح مدير "الأيام" لاستجوابهما بشأن مقال الحريم، وبعدها وجهت النيابة العامة لهما تهمة "الإخلال بالنظام العام" عن طريق نشر ونقل "أنباء زائفة وادعاءات ووقائع غير صحيحة" "بسوء نية"، وذلك بموجب المادة 42 من قانون الصحافة. والمعروف أن جريمة المعلومات الكاذبة عقوبتها السجن لمدة تتراوح بين شهر و12 شهرا وغرامة تتراوح بين 1200 درهم و100 ألف درهم. كما وجه المدعي إليهما تهمة نشر صور للعائلة المالكة بدون إذن، استنادا إلى قانون مغمور صدر في عام 195613 ولم يطبق في السنوات الأخيرة على الرغم من أن الصحف المغربية تنشر مئات الصور للعائلة المالكة كل عام دون ضرورة استصدار إذن. ويبدو أن "جريمة" الأيام هي أنها نشرت صورا "خاصة" للعائلة المالكة لم تظهر من قبل مطلقا في الإعلام المغربي، منها صورة لزوجة الملك محمد الخامس وصورة أخرى للملك الحسن الثاني في لباس السباحة.

وفي 13 فبراير/شباط 2006، أدانت محكمة الدار البيضاء الابتدائية مفتاح ومكريم بالتهمتين وحكمت على كل منهما بالحبس أربعة أشهر مع إيقاف التنفيذ وعلى "الأيام" بغرامة قدرها 100 ألف درهم (القضية 153/2006). وسرد حكم المحكمة عددا من المعلومات "الزائفة" الواردة في مقال "الأيام" مثل تصوير الملك الحسن الثاني على أنه رجل مولع بالتنجيم بالخرافات، والعبارة التي تقول "في العادات العلوية الحمل يسبق الزواج".

وجدير بالذكر أن قانون الصحافة ينص على ضرورة توافر شرطين للإدانة بتهمة نشر معلومات كاذبة بموجب المادة 42: أولا، يجب أن يكون الخبر الكاذب قد نشر "بسوء نية"؛ ثانيا، أن يكون النشر فيه "أخلت بالنظام العام".

وقد ركزت استراتيجية الدفاع على محاولة توضيح أن مفتاح ومكريم لم يضمرا سوء نية، حيث قالا إن المعلومات التي قدماها عن الحريم الملكي مستقاة من د. كليريه ومصادر أخرى، وإنهما فعلا ذلك بحسن نية ودون قصد الإساءة لأي شخص.

لكن محمد كرم محامي "الأيام" قال لهيومن رايتس ووتش في 21 إبريل/نيسان إن الدفاع عندما قرر انتهاج هذه الاستراتيجية وجد نفسه بين "شقي رحى"؛ فلو كان المتهمان قد اختارا استراتيجية مختلفة، مثل محاولة إثبات صدق المعلومات المطعون في صحتها، لحوكما بموجب المادة 41 بدلا من المادة 42. والمعروف أن المادة 41 تعاقب على الأقوال التي يعتبر أن من شأنها زعزعة أركان مؤسسة الملكية أو الدين الإسلامي أو "وحدة الترابية" المغربية – سواء أكانت صحيحة أم كاذبة. كما تنص المادة 41 على عقوبات أشد من العقوبات المنصوص عليها في المادة 42، ومنها الحبس لمدة تتراوح بين ثلاثة وخمسة أعوام، وغرامة مالية تتراوح بين 10 آلاف و100 ألف درهم، مع إيقاف النشر لمدة أقصاها ثلاثة أشهر.

ورأت المحكمة أن المتهمين مفتاح ومكريم تصرفا بسوء نية إذ نشرا هذه الأخبار مع علمهما بكذبها – وهو ما لم يقر به الاثنان مطلقا حسبما قال كرم. إلا أن أكثر ما يثير الانزعاج في الحكم هو المفهوم الفضفاض بصورة خطيرة للقول الذي ينطوي على الإخلال بـ"النظام العام":

حيث أن المقال المشار إليه أعلاه تضمن إذن وقائع غير صحيحة مسست المؤسسة الملكية حين ذكره "كان دور الحريم مقصوراً في التجميل وتقبيل رجل السلطان محمد الخامس وتلبية رغباته الجنسية" و"أن هذا العقلاني – الحسن الثاني – مولع بالتنجيم ويضع في معصمه سلسلة طلسم يفترض فيها أن تحميه من الأرواح الشريرة، كما مست الدين الإسلامي حين ذكره "في العادات العلوية الحمل يسبق الزواج" اعتباراً إلى أن الحديث هنا يتعلق بالملك الذي هو شرعاً أمير المؤمنين، أي أن المقال مس بالثوابت الأساسية للدولة والتي تتجلى في المؤسسة المدنية في المؤسسة الملكية والدين الإسلامي إحدى المقدسات الوطنية التي يرتبط بها المغاربة ارتباطاً روحياً، وأن ما نشر عنهما من وقائع غير صحيحة بالمقال المذكور أحدث استنكاراً لدى المواطنين واضطراباً لكونه مسهم في قيمهم الروحية ومقدساتهم التي تشكل جزءاً من النظام العام إن لم تكن هذه النظام العام نفسه.

ولاحظ بعض المراقبين أن تحريك الدعوى القضائية ضد "الأيام" لم يكن بدافع كبح التغطية الإخبارية السياسية بقدر ما كان يهدف إلى إيقاف توجه في الصحافة الشعبية نحو كتابة مقالات عن العائلة الملكية بطريقة القيل والقال. ومع ذلك فقد كانت هذه الدعوى بمثابة إنذار إلى جميع المطبوعات بشأن المخاطر القانونية المرتبطة بأي شكل من أشكال التغطية الإخبارية أو التعليقات التي تنتقد المؤسسة الملكية.

VI. اتهام مدير "الأسبوعية" بإجراء مقابلة تثير تساؤلات حول الملكية

تُعد مقاضاة عبد العزيز كوكاس مدير أسبوعية "الأسبوعية الجديدة" والناشطة الإسلامية نادية ياسين مثالاً نموذجياً للمخاطر القانونية المرتبطة بإثارة تساؤلات، حتى ولو كانت عامة، حول الملكية. حيث يواجه كوكاس وياسين، المتحدثة باسم حركة العدل والبر، وهي حركة إسلامية مغربية، خطر السجن في حالة إدانتهما بسبب الحوار الذي نشرته "الأسبوعية الجديدة" مع نادية ياسين في السادس من يونيو/حزيران 2005. ففي هذا الحوار وصفت ياسين الملكية بأنها شكل من أشكال الحكم غير ملائم للبلد. وفي أعقاب نشر الحوار وجه المدعي العام إليها وإلى كوكاس تهمة "الإخلال بالاحترام الواجب للملك" بموجب المادة 41 من قانون الصحافة.

وقد أجلت المحكمة محاكمة ياسين وكوكاس عدة مرات، أقربها في 14 مارس/آذار 2006، ولم تعلن عن تاريخ جديد إلا أن التهم لا تزال ماثلة أمام كل منهما؛ وقد اتخذ مكتب المدعي هذه التهم ذريعة لمنع ياسين من السفر إلى الخارج في 20 فبراير/شباط. ثم سمح لها بالسفر بعد يومين، ولكن بعد فوات أوان الحدث الذي كانت تريد السفر لحضوره، حسبما قالت.

VII. غرامة وحكم بالسجن مع إيقاف التنفيذ "المس بشخص"
حاكم دولة أجنبية

حكم القضاء المغربي على جريدة "المشعل" بغرامة قدرها 100 ألف درهم وعلى مديرها إدريس شحتان بالحبس لمدة عام مع إيقاف التنفيذ، وذلك بسبب نشر مقالة ساخرة ورسم كاريكاتيري عن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة.

ففي 20 أكتوبر/تشرين الأول 2005، قضت محكمة ابتدائية بأن العمود الذي نشرته جريدة "المشعل" الأسبوعية في مايو/أيار 2005 عن مغامرات بوتفليقة في شبابه عندما كان يعيش في وجدة بالمغرب، والرسم الكاريكاتيري المصاحب له – الذي يصور الرئيس الجزائري مرتدياً سروالا داخليا وقد تدلى بنطاله إلى كاحليه – يمثل مساسا بكرامته وأدانت الجريدة بموجب المادة 52 من قانون الصحافة، التي تقول "يعاقب بسجن تتراوح مدته بين شهر واحد وسنة واحدة وبغرامة يتراوح قدرها بين 10.000 و 100.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط على المس بصفة علنية بشخص رؤساء الدول وكرامتهم و وزراء الشؤون الخارجية للدول لأجنبية".

وقال محامو "المشعل" إن المحاكمة كانت جائرة حيث رفضت المحكمة مطالب الدفاع بفحص الشكوى المقدمة ضد المقالة التي يفترض أن الرئيس بوتفليقة رفعها أو أنها رفعت لصالحه. فطبقا للمادة 71 من قانون الصحافة، يجوز رفع دعوى بموجب المادة 52 " بطلب ممن وجهت إليه الإهانة أو الشتم وإما تلقائيا بناء على طلبه الموجه إلى الوزير الأول أو وزير الشؤون الخارجية". لكن ملف القضية لم يتضمن أي شكوى من هذا القبيل من الرئيس بوتفليقة أو من أي مسئول جزائري آخر، وذلك حسبما قال محمد طارق السباعي، المحامي عن "المشعل"، لهيومن رايتس ووتش في 25 إبريل/نيسان 2006.

واستأنفت "المشعل" ضد حكم الإدانة ومن المتوقع أن تصدر محكمة الاستئناف حكمها في التاسع من مايو/أيار.

VIII. هل يؤدي الترخيص بإنشاء محطات خاصة إلى تعدد
مصادر الأخبار ووجهات النظر؟

على الرغم من الضغوط على الصحف الأسبوعية المستقلة، فقد كان قرار الملك محمد السادس بتسهيل تراخيص إنشاء محطات إذاعية وتليفزيونية خاصة باعثاً على الأمل في تحقيق المزيد من التعدد في مجال البث المرئي والمسموع بالمغرب. ويتولى المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري فحص طلبات استصدار تراخيص البث. وقد تنبأ أحمد غزالي رئيس المجلس في حوار مع وكالة رويترز للأنباء في الثامن من مارس/آذار أن المجلس سرعان ما سيصدر تراخيص لحوالي أربع وعشرين محطة إذاعية وخمس محطات تليفزيونية.

وعلى الرغم من أن هذه الخطوة سترفع بالتأكيد من عدد المحطات الخاصة في المغرب، فإن الامتحان الأهم هو ما إذا كان المجلس سينأى بنفسه عن المعايير السياسية عندما يفصل في أمر طلبات الترخيص، وما إذا كانت الحكومة ستسمح للمحطات المرخصة حديثا بتقديم تغطيات وتعليقات إخبارية مستقلة على القضايا الحساسة. وسوف يكون هذا التطور بمثابة خطوة هائلة إلى الأمام بالنسبة للصحافة في المغرب، في وقت تواجه فيه المطبوعات المشهود لها بالجرأة دعاوى وأحكام قضائية ذات دوافع سياسية، ويقدم فيه التليفزيون وجبة مملة من التحقيقات الإخبارية والتعليقات التي لا بد أن توافق عليها الجهات المسئولة.

IX. التوصيات

ينبغي على السلطات المغربية السماح للمطبوعات المستقلة بممارسة الحق في حرية التعبير إلى أقصى حد تضمنه المعايير الدولية، دونما خوف من الملاحقات القضائية أو غيرها من أشكال المضايقة؛ وذلك ينبغي عليها ما يلي:

  • سن تشريع لتعديل جميع نصوص قانون الصحافة لعام 2002 التي تخالف المعايير المعترف بها دولياً لحرية التعبير. ويجب التعامل مع التشهير على أنه مسألة مدنية بحتة، وإلغاء القوانين الجنائية المتعلقة بالتشهير. كما ينبغي على السلطات إلغاء المواد التي تجرم الأقوال التي تعتبر إخلال بالاحترام الواجب للملك أو أصحاب السمو الملكي الأمراء والأميرات (مادة 41)؛ المس بصفة علنية بشخص رؤساء الدول وكرامتهم ووزراء الشؤون الخارجية للدول لأجنبية (مادة 52)؛ المس بصفة علنية بشخص و كرامة الممثلين الديبلوماسيين أو القنصليين الأجانب أو المندوبين بصفة رسمية لدى جلالة الملك (مادة 53).
  • سن تشريع لإلغاء المواد الأخرى التي تجرم الأقوال التي "تمس بالدين الإسلامي أو بالنظام الملكي أو بالوحدة الترابية" (مادة 41)؛ والمواد التي تجرم " بسوء نية بأية وسيلة لاسيما... نشر أو إذاعة أو نقل نبإ زائف أو ادعاءات أو وقائع غير صحيحة أو مستندات مختلفة أو مدلس فيها منسوبة للغير إذا أخلت بالنظام العام أو أثارت الفزع بين الناس" (مادة 42)، أو لتقييد نطاق هذه المواد بصورة جذرية.
  • إعطاء أولوية لضرورة تعديل جميع المواد المذكورة عليه لإلغاء الحبس كأحد الخيارات المتاحة للعقوبة.
  • إلى أن يتم التوفيق بين قانون الصحافة والمعايير المتعارف عليها دوليا لحرية التعبير، ينبغي على السلطات الامتناع عن مقاضاة الصحفيين بموجب أي نصوص تخالف هذه المعايير، أو تجعل من الحبس عقوبة على جرائم التعبير.
  • يجب على السلطات إصدار توجيهات للقضاة كي يأخذوا بعين الاعتبار، عند تقدير حجم التعويضات في قضايا التشهير، ما يمكن أن يترتب عليها من أثر هائل على حرية التعبير وغيرها، ولضمان مراعاة التناسب بين التعويض والضرر الواقع فعلا، وإيلاء الاعتبار لسبل الإنصاف والتعويض غير المالية مثل نشر التصويب.

وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي على السلطات أن تجري تحقيقاً بشأن السبب الأصلي وراء المظاهرات التي خرجت إلى الشوارع في فبراير/شباط احتجاجا على ما زُعم من نشر الرسوم الدانمركية للنبي محمد في جريدة "لوجورنال"، وأن تعلن على الملأ ما يتم التوصل إليه من نتائج بشأن الدور الذي قام به مسئولون عموميون بعينهم في الأمر بهذه المظاهرات وتنظيمها.

1 الدرهم المغربي يعادل 11.5 سنتا أمريكيا.

[2]الظهير رقم 1-2-207، الصادر في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2002، بصدور القانون رقم 77 بتعديل قانون الصحافة لعام 1958.

3 تكفل المادة التاسعة من الدستور الصادر عام 1996 لكل المواطنين المغاربة "حرية الرأي وحرية التعبير بجميع أشكاله... ولا يمكن أن يوضع حد لممارسة هذه الحريات إلا بمقتضى القانون".

4 اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، التعليق العام رقم 10،: حرية التعبير (مادة 19): 29/6/1983، على الموقع التالي على الإنترنت: http://www.unhchr.ch/tbs/doc.nsf/(Symbol)/2bb2f14bf558182ac12563ed0048df17?Opendocument

اللجنة المعنية بحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة هي الهيئة المسئولة عن متابعة تنفيذ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية من جانب الدول الأطراف فيه. وتنشر أجهزة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان، مثل اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، تفسيرها لمضمون نصوص حقوق الإنسان في صورة تعليقات عامة حول قضايا موضوعية.

5 رقم الوثيقة CCPR/C/79/Add.113 (1999)، مترجم من الموقع التالي على الإنترنت: http://www1.umn.edu/humanrts/hrcommittee/morocco1999.html

6 المادة 19: "تعريف تشويه السمعة: مبادئ متعلقة بحرية التعبير وحماية السمعة". لندن: المادة 19، يوليو/تموز 2000، على الموقع التالي على الإنترنت: www.article19.org/publications/global-issues/defamation.html

7 انظر:
Morad Aziz, “Claude Moniquet: ESISC to sue Le Journal Hebdomadaire,” Morocco Times, December 23, 2005.

8 من المعروف أن القاضي علوي سبق له الحكم في قضايا أخرى ذات طابع سياسي، منها قضية في إبريل/نيسان 2005 أدان فيها الصحفي علي مرابط لتشهيره بمنظمة غير حكومية غير معروفة بسبب وصف الصحراويين المقيمين في المخيمات التي تديرها البوليساريو في تندوف بالجزائر بأنهم لاجئون، الأمر التي يتعارض مع الخط الرسمي للحكومة المغربية الذي يعدهم "أسرى" تحتجزهم البوليساريو رغما عنهم. ولذلك منع القاضي علوي مرابطاً من ممارسة الصحافة لمدة عشر سنوات، وهي عقوبة منصوص عليها في قانون العقوبات المغربي ولكن لم يسجل استخدامها ضد أي صحفي في الماضي القريب. إذ تنص المادة 87 من قانون العقوبات على أن يتعين الحكم بالمنع من مزاولة مهنة أو نشاط أو فن في حق المحكوم عليهم من أجل جناية أو جنحة، عندما يتبين للمحكمة أن الجريمة المرتكبة لها علاقة مباشرة بمزاولة المهنة أو النشاط أو الفن وأنه توجد قرائن قوية يخشى معها أن يصبح المحكوم عليه، إن هو تمادى على مزاولة ذلك، خطرا على أمن الناس أو صحتهم أو أخلاقهم أو على مدخراتهم.

وفي عام 2003، حكم القاضي علوي على مرابط بالسجن أربعة أعوام وبغرامة مالية للإخلال "بالاحترام الواجب للملك" و"المس... بالنظام الملكي" و"المس... بالوحدة الترابية" عبر مقالاته ورسومه الكاريكاتيرية ومقابلاته التي كان ينشرها. وفي يناير/كانون الثاني 2004 أصدر الملك محمد السادس عفوا عن مرابط بعد أن قضى أكثر من سبعة أشهر في السجن.

9 انظر: « Erratum. Mme. Bouabid hors de cause » TelQuel, May 14, 2005,
www.telquel-online.com/176/actu_176.shtml

10 انظر المقال: “Secrets d’une brune;”
www.telquel-online.com/184/actu_184.shtml

11 انظر: “Les choses sérieuses (si on ose dire) commencent,” TelQuel, November 26, 2005.

12 انظر: Catherine Graciet, “Un inextricable imbroglio,” Le Journal Hebdomadaire, December 3, 2005

13 ظهير ملكي رقم 204-56-1 بتاريخ 19 ديسمبر/كانون الأول 1956، نشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 11 يناير/كانون الثاني 1957.

 

 

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الموضوع