Skip to main content

تونس: اعتراض مهاجرين أفارقة في البحر وطردهم

التحول الظاهر في السياسات يُعرّض المهاجرين وطالبي اللجوء والأطفال للخطر

مهاجرون وطالبو لجوء أفارقة سود يسيرون في الصحراء قرب الحدود التونسية-الجزائرية بين 5 و7 يوليو/تموز 2023 بعد الطرد الجماعي أو النقل القسري هناك من صفاقس، تونس من قبل قوات الأمن التونسية. © 2023 خاص

(تونس) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إنّ "الحرس الوطني" التونسي طرد جماعيا أكثر من 100 مهاجر من دول أفريقيّة إلى الحدود مع الجزائر بين 18 و20 سبتمبر/أيلول 2023. المطرودون، ومنهم أطفال وطالبو لجوء محتملون، كان قد تمّ اعتراضهم في البحر وإعادتهم إلى تونس من قبل "الحرس البحري"، وهو جزء من الحرس الوطني.

قد تُشير هذه العمليّات إلى تحوّل في السياسات التونسيّة، حيث كانت السلطات في السابق تُطلق سراح المهاجرين الذين يتمّ اعتراضهم في تونس بعد إنزالهم. وقّع "الاتحاد الأوروبي" مذكّرة تفاهم مع تونس في 16 جويلية/تموز لزيادة التمويل الموجه إلى القوات التونسيّة، بما فيها الحرس البحري، لوقف الهجرة غير النظاميّة عبر البحر نحو أوروبا.

قالت سلسبيل شلالي، مديرة هيومن رايتس ووتش في تونس: "بعد شهرين فقط من عمليّات الطرد الجماعي اللاإنسانيّة للمهاجرين وطالبي اللجوء الأفارقة السود نحو الصحراء، تعمد القوّات التونسيّة مجددا إلى تعريض الناس للخطر بتركهم في مناطق حدوديّة نائية، دون طعام أو ماء. على الاتحاد الأفريقي وحكومات الأشخاص المتضرّرين أن يدينوا علنا سوء المعاملة التي يلقاها أبناء قارّتهم الأفارقة في تونس، وعلى الاتحاد الأوروبي وقف كل أشكال التمويل المقدّم إلى السلطات المتورّطة في الانتهاكات".

قال بعض المهاجرين أيضا إنّ أعوان الحرس الوطني ضربوهم وسرقوا ممتلكاتهم، بما فيها هواتفهم وأموالهم وجوازات سفرهم.

في 22 سبتمبر/أيلول، أعلنت "المفوضيّة الأوروبيّة" أنها ستقدّم قريبا إلى تونس 67 مليون يورو لإدارة الهجرة، دون أيّ معايير واضحة لضمان حماية السلطات التونسيّة لحقوق المهاجرين وطالبي اللجوء. يبقى من غير الواضح كيف سيؤثر الرفض العلني للتمويل من قبل الرئيس قيس سعيّد في 2 أكتوبر/تشرين الأول على الاتفاق.

بين 20 سبتمبر/أيلول و3 أكتوبر/تشرين الأول، قابلت هيومن رايتس ووتش رجلا كاميرونيا (38 عاما)، وصبيا غينيا (17 عاما)، وثلاثة صبيان سنغاليين (أحدهم عمره 18 عاما والآخران 16 عاما)، وجميعهم مقيمون بشكل غير نظامي في تونس. قالوا إنهم كانوا ضمن مجموعة كبيرة من الأشخاص من جنسيات أفريقيّة مختلفة، نُقلوا بالحافلات إلى الحدود الجزائريّة، مباشرة بعد اعتراضهم في البحر.

تأتي حوادث الطرد الأخيرة هذه إلى مناطق حدودية نائية في أعقاب عمليّات الطرد الجماعي التي نفذتها قوات الأمن في جويلية/تموز لأكثر من 1,300 مهاجر وطالب لجوء، منهم أطفال، نحو الحدود مع ليبيا والجزائر، فظلّوا عالقين هناك لعدّة أسابيع دون طعام وماء كافيين. وفقا للسلطات الليبيّة، توفي 27 شخصا على الأقل على الحدود.

قال الصبيّ الغيني والسنغاليين الثلاثة الذين تمت مقابلتهم إنّ "الحرس البحري" التونسي اعترضهم في البحر يوم 17 سبتمبر/أيلول، بعد ساعات من إبحار قاربهم من ساحل مدينة صفاقس في اتجاه إيطاليا. قالوا إنّ المركب كان يحمل حوالي 40 شخصا، منهم 15 امرأة ورضيعا واحدا. قال أحد الأطفال الذين تمت مقابلتهم إنّ أعوان الحرس البحري تسبّبوا بأمواج حول قاربهم لإجبارهم على التوقف، ثم أعادوهم ومهاجرين آخرين اعترضوهم في قوارب أخرى إلى شاطئ صفاقس.

قال الأشخاص الذين قابلناهم إنّه بمجرّد إنزالهم، طلب منهم أعوان الأمن وثائقهم وسجلوا على ما يبدو بيانات بعض الذين وجدوا معهم وثائق هويّة. لكن أحد الصبيَّين البالغ عمرهما 16 قال إنّ الأعوان مزّقوا جواز سفره.

قالوا إنّ الحرس الوطني احتجز حوالي 80 شخصا لعدّة ساعات في 17 سبتمبر/أيلول، وقدّم إليهم فقط القليل من الماء، وتركهم دون طعام أو فحوص طبيّة، وصادر كلّ هواتفهم وجوازات سفرهم، باستثناء البعض ممن تمكنوا من إخفائها. قال شخصان تمت مقابلتهما إنّ الأعوان أخرجوا شرائح الهاتف والذاكرة، وتأكدوا من أنّه لم يتمّ تصوير عمليّة الاعتراض، واحتفظوا ببعض الهواتف وجوازات السفر. قال الصبي السنغالي ذو الـ 18 عاما إنّ أحد الأعوان صفعه هو وأحد أصدقائه متهما إياهما بتصوير عمليّة الاعتراض. كما قال إنّه استعاد هاتفه، لكنّه اكتشف أنّه تمت إعادة ضبط إعداداته ومُسحت البيانات منه.

في مساء 17 سبتمبر/أيلول، وضع الحرس الوطني المجموعة على متن حافلات ونقلهم في رحلة دامت ست ساعات إلى مكان قرب مدينة الكاف، على بعد حوالي 40 كيلومتر من الحدود الجزائريّة. وهناك، قسّمهم الأعوان إلى مجموعات من عشرة أفراد تقريبا، ووضعوهم في شاحنات "بيك-آب" واقتادوهم إلى منطقة جبليّة. قال الأشخاص الأربعة الذين تمت مقابلتهم، وكانوا على متن الشاحنة نفسها، إنّ شاحنة أخرى تُقلّ عناصر مسلّحين رافقت شاحنتهم. كما قالوا إنّ علامات الطريق كانت تشير إلى أنّهم ما زالوا في الكاف، وهو ما أكّده لهم مواطنون تونسيون التقوهم قرب الحدود.

قالوا إنّ الأعوان أنزلوا مجموعتهم في الجبال قرب الحدود التونسية الجزائريّة. قال الصبيّ الغينيّ إنّ أحد الأعوان هدّدهم قائلا: "إن عدتم مجددا [إلى تونس] سنقتلكم". قال أحد الصبيَّيْن السنغاليين إنّ أحد الأعوان كان يصوّب سلاحه نحو المجموعة.

تمكّن الأربعة من مغادرة المنطقة الحدوديّة والعودة إلى مدن ساحليّة تونسية بعد أيام.

في حادثة منفصلة، غادر الرجل الكاميروني صفاقس على متن قارب مع زوجته وابنه (5 أعوام) مساء 18 سبتمبر/أيلول. وفي صباح اليوم التالي، اعترض الحرس البحري قاربهم، وكان على متنه حوالي 45 شخصا، منهم ثلاثة نساء حوامل وطفله. قال الرجل إنّه عندما رفضت مجموعته التوقف، عمد الحرس البحري إلى الإبحار بشكل دائري حولهم، ما تسبب بأمواج أفقدت القارب توازنه، وأطلق عليهم الغاز المسيل للدموع، ما خلق حالة ذعر في صفوفهم. قال إنّ الركّاب أوقفوا المحرّك، ثمّ صعدوا على سفينة الحرس البحري.

أعادهم الحرس البحري إلى صفاقس، وهناك انضمّوا إلى أشخاص آخرين كان قد تمّ اعتراضهم أيضا. قال الرجل الكاميروني إنّ أعوان الأمن ضربوا الجميع في مجموعته بعد إنزالهم – باستخدام الهراوات في بعض الأحيان – "لأنّنا لم نتعاون حين طُلب منا التوقف في البحر"، بحسب الكلام الذي نقله الرجل عن الأعوان.

قال إنّ الأعوان صادروا هواتفهم، وعمدوا إلى مسح وإعادة ضبط إعدادات بعضها، ولم يعيدوا بعضها الآخر، وأخذوا منهم الأموال وجوازات السفر. لكنّه تمكّن من إخفاء هاتفه، وأطلع هيومن رايتس ووتش على صور وفيديوهات، بالإضافة إلى سجلّات تتبع موقعه عبر نظام "جي بي إس" من الساحل إلى الحدود.

© 2023 هيومن رايتس ووتش

في مساء 19 سبتمبر/أيلول، كان الرجل الكاميروني ضمن مجموعة قدّر عددها بـ300 شخص نقلها الحرس الوطني في أربع حافلات إلى وجهات مختلفة. قال إنّ الطعام الوحيد الذي حصل عليه الركاب في حافلته كان رغيف خبز طيلة الرحلة التي استغرقت ثماني ساعات. ولما وصلوا إلى مركز للحرس الوطني في منطقة الكاف، وضع الأعوان الأشخاص الذين كان في حافلته على متن شاحنات بيك-آب، ونقلوهم إلى مكان قريب من الحدود الجزائريّة.

قال إنّ عائلته كانت ضمن 50 شخصا وُضعوا في ثلاث شاحنات بيك-آب وأنزلوا في نفس الموقع، ولا يعلم ما الذي حلّ بالبقيّة. كما قال إنّ أعوان الحرس الوطني صوّبوا أسلحتهم نحوهم وأمروهم بعبور الحدود الجزائريّة. حاولت المجموعة العبور، لكنّ عناصر الجيش الجزائري أطلقوا أعيرة تحذيريّة. وفي اليوم التالي، صدّهم الحرس الوطني مجددا نحو الحدود.

أخيرا، تمكّنت المجموعة من مغادرة المنطقة. لكن في 24 سبتمبر/أيلول، طاردهم الحرس الوطني التونسيّ قرب الكاف، ما تسبّب في تشتت المجموعة. قال الرجل الكاميروني إنّه وابنه كانا ضمن مجموعة وصلت إلى صفاقس سيرا على الأقدام لمدّة تسعة أيام. كما قال إنّ زوجته وصلت أيضا إلى صفاقس في 6 أكتوبر/تشرين الأول.

حتى أكتوبر/تشرين الأول، ليس من الواضح ما إذا كانت السلطات التونسية تستمر في تنفيذ عمليات الطرد الجماعي بعد الاعتراض.

أثناء نقل المهاجرين وطالبي اللجوء إلى الحدود ودفعهم نجو الجزائر، حاولت السلطات التونسيّة طردهم بشكل جماعي، وهو إجراء يحظره "الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب". كما انتهكت السلطات الحقوق المتعلقة بالإجراءات القانونيّة الواجبة إذ حرمت الأشخاص من الاعتراض على طردهم.

كما تجاهلت السلطات التزاماتها في مجال حماية الطفل. بصفتها طرفا في "اتفاقية حقوق الطفل"، فإنّ تونس ملزمة باحترام حقوق الطفل في الحياة، وطلب اللجوء، وعدم التمييز، والعمل تحقيقا لمصالحه الفضلى، بما يشمل تنفيذ إجراءات تحديد السنّ والبحث عن الأسرة، وتوفير الأوصياء المناسبين والرعاية والمساعدة القانونيّة للأطفال المهاجرين غير المصحوبين.

قالت هيومن رايتس ووتش إنّ على المفوضيّة الأوروبيّة تعليق كلّ التمويل المخصّص لمراقبة الهجرة الذي تعهدّت بتقديمه إلى الحرس الوطني والبحريّة التونسيَّيْن بموجب اتفاق جويلية/تموز. عليها أيضا إجراء تقييمات مسبقة لآثار ذلك على الحقوق، ووضع معايير واضحة يتعيّن على السلطات التونسيّة الإيفاء بها قبل الالتزام بتقديم أيّ دعم يتعلّق بإدارة الهجرة.

 

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة