(بيروت) - قالت "هيومن رايتس ووتش'' اليوم إن الحكومة المصرية قيّدت بشدة قدرة الجماعات البيئية على العمل المستقل المتعلق بالسياسات والمناصرة والبحوث الميدانية، الضروري لحماية البيئة الطبيعية في البلاد. تنتهك هذه القيود الحق في حرية التجمع وتكوين الجمعيات وتهدد قدرة مصر على الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بالعمل البيئي والمناخي، بينما تستضيف الدورة الـ 27 لـ"مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ" المعروف بـ"مؤتمر الأطراف 27" (’كوب 27‘) في نوفمبر/تشرين الثاني 2022.
قال ريتشارد بيرسهاوس، مدير قسم البيئة في هيومن رايتس ووتش: "فرضت الحكومة المصرية عقبات تعسفية على التمويل والبحث والتسجيل أضعفت الجماعات البيئية المحلية، وأجبرت بعض النشطاء على الهروب إلى المنفى والبعض الآخر على الابتعاد عن العمل المهم. ينبغي للحكومة أن ترفع فورا قيودها الطاغية على المنظمات غير الحكومية المستقلة، بما فيها الجماعات البيئية".
في يونيو/حزيران، أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع 13 ناشطا وأكاديميا وعالما وصحفيا يعملون على قضايا بيئية في مصر. شاركوا جميعا بشكل أو بآخر في تعزيز التحرك والمناصرة والعمل من أجل المناخ. يعمل بعضهم حاليا لصالح مجموعات غير حكومية. توقف آخرون لأسباب تتعلق بالسلامة أو الأمن أو غادروا البلاد. تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم لأسباب أمنية. رفض ستة أشخاص آخرين إجراء المقابلات، بسبب مخاوف أمنية مختلفة، أو لأن القيود الحكومية أجبرتهم على التوقف عن عملهم البيئي.
وصف من قابلتهم هيومن رايتس ووتش تراجعا حادا في مساحة العمل المستقل المعني بالبيئة والمناخ منذ تولي حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي السلطة في 2014. وصفوا أساليب المضايقة والترهيب، بما يشمل الاعتقالات وصعوبة السفر، التي خلقت جوا عاما من الخوف. تعكس هذه التجارب تكتيكات مماثلة اتبعتها السلطات المصرية ضد المنظمات المحلية والدولية المستقلة بشكل عام منذ 2014 كجزء من حملة قمع لا هوادة فيها على المجتمع المدني.
في الوقت نفسه، وصف بعض الأشخاص توسعا حصل مؤخرا في التسامح الرسمي مع الأنشطة البيئية التي تنسجم بسهولة مع أولويات الحكومة ولا يُنظر إليها على أنها تنتقد الحكومة. يعمل عدد ناشئ من هذه الجماعات البيئية في الغالب في مجالات تقنية مثل جمع القمامة وإعادة التدوير والطاقة المتجددة والأمن الغذائي وتمويل المناخ.
قال أحد الذين قابلناهم إنه على نحو متزايد "تتبنى الحكومة الخطاب الراديكالي عندما يتعلق الأمر بدول الشمال ومساهمتها في تغير المناخ وانبعاثات الكربون، فقط لأن هذا يتقاطع مع مصالحها، مثل الحاجة إلى المزيد من التمويل".
لكن العاملين في الجماعات الحقوقية والبيئية الناقدة للحكومة قالوا إنهم قلقون من المشاركة علنا في كوب27 بسبب مخاوف من الانتقام. قال ناشط يعيش خارج مصر: "الأجهزة الأمنية ستركز على الأرجح الآن أكثر من أي وقت مضى على المجتمع المدني البيئي في مصر. عندما ينتهي المؤتمر، قد يبدؤوا في البحث والتقصي عمن كان يفعل ماذا، ومن الذي حصل على التمويل ومن أين، مثلا."
وجدت هيومن رايتس ووتش أن أكثر القضايا البيئية حساسية هي تلك التي تشير إلى تقاعس الحكومة عن حماية حقوق الناس من الأضرار التي تسببها مصالح الشركات، بما فيها القضايا المتعلقة بالأمن المائي، والتلوث الصناعي، والأضرار البيئية الناجمة عن أعمال في مجالات التطوير العمراني، والسياحة، والزراعة.
قال النشطاء أيضا إن الأثر البيئي للنشاط التجاري التابع لوزارة الدفاع، الواسع والغامض في مصر، مثل الأشكال المدمرة من استغلال المحاجر، ومصانع تعبئة المياه، وبعض مصانع الأسمنت، كلها حساسة بشكل خاص، كما هو الحال بالنسبة إلى مشاريع البنية التحتية "الوطنية" كـ"العاصمة الإدارية الجديدة"، والعديد من منها مرتبطة بمكتب الرئيس مباشرة أو بالجيش.
قال أحد الذين قابلناهم: "[مشاريع البنية التحتية الوطنية] هي خط أحمر. لا يمكنني العمل على هذا".
قال العديد من الأشخاص إن منظماتهم، التي يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها رائدة في مصر، ضعفت بشدة بسبب القيود الحكومية والشعور السائد بالخوف وعدم اليقين، ما جعلهم غير قادرين على أداء دور "المراقبة" لإساءة استخدام السلطة الحكومية.
قال ناشط بارز في القاهرة: "إنهم مصابون بشلل كبير بسبب إمكانية ما قد يقع لهم ]من أذى]، بحيث لا يفعلون شيء".
أثّرت القيود المفروضة على تلقي التمويل على العديد من الجماعات البيئية. الكثير من القوانين منذ 2014، بما فيها تعديل عام 2014 لقانون العقوبات وكذلك القانون القديم والجديد الخاص بالجمعيات الأهلية، تقيّد تعسفيا المنح والتبرعات من مصادر أجنبية ووطنية. على نحو متزايد منذ 2014، حاكمت الحكومة عشرات المنظمات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني المستقلة، وبعضها يقوم بأعمال بيئية، بسبب تلقي أموال أجنبية، وفرضت حظر سفر وتجميد أصول على نشطاء بارزين. كان لهذه الملاحقات أثر مخيف على هذه المنظمات.
قال العديد من الأشخاص إن منظماتهم واجهت صعوبات كبيرة في التسجيل كمجموعات غير حكومية. قال جميع النشطاء الذين قابلناهم إنهم تراجعوا بشكل متزايد عن إجراء البحوث الميدانية الأساسية، لأنهم يخشون أن يُعتقلوا، هم أو من يقابلونهم، ولأنه أصبح من المستحيل تقريبا الحصول على تصاريح بحث، والتي تتطلب عادة موافقة واحد أو أكثر من الأجهزة أمنية.
في فبراير/شباط 2020، قال سبعة من خبراء "الأمم المتحدة" الذين راجعوا هذه القوانين القمعية وغيرها إنهم "ينظرون إلى مجمل هذه التشريعات وآثارها المترابطة والتراكمية، على أنها ذات آثار جماعية ومدمرة على تعزيز وحماية حقوق الإنسان".
أجبر القمع الحكومي عشرات نشطاء وجماعات المجتمع المدني الرائدة في مصر، بمن فيهم الذين يعملون على قضايا بيئية وحقوقية، على مغادرة البلاد أو تقليص نشاطهم أو تركه. أغلق عدد من المنظمات الحقوقية والبيئية الأجنبية مكاتبها في مصر منذ 2014. قال ناشط بيئي: "لم نفكر حتى في الاحتجاج [هذه الأيام]". قال آخر: "قبل2011، لم تكن المساحة مغلقة [كما هي اليوم]. الآن الوضع خطير جدا".
أرسلت هيومن رايتس ووتش أسئلة حول وضع الجماعات البيئية إلى السلطات المصرية في 23 أغسطس/آب لكنها لم تتلق أي رد. على السلطات المصرية أن توقف على وجه السرعة حملة القمع ضد منظمات المجتمع المدني المستقلة، بما فيه إنهاء الملاحقات القضائية المستمرة منذ أعوام وتجميد الأصول وحظر السفر ضد الجماعات الحقوقية والبيئية والعاملين فيها. على الحكومة تعديل قانون 2019 الخاص بالجمعيات جذريا بما يتوافق مع دستورها والالتزامات الدولية لحماية حرية تكوين الجمعيات. على الحكومة أيضا رفع الحجب عن جميع المواقع الإخبارية والحقوقية.
ينبغي لأمانة "اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ" والحكومات الأخرى المشاركة في كوب27 أن تعمل مع الحكومة المصرية لتوفير مساحة لمشاركة متنوعة من جانب المجتمع المدني في محادثات المناخ. يشمل هذا ضمان أن تكون المواقع التي تجري فيها فعاليات المؤتمر شمولية ومتاحة للجميع، وأن المراقبين، بمن فيهم الجماعات التي تنتقد الحكومة، يمكنهم التسجيل والوصول إلى المفاوضات، وأن يكونوا قادرين على الاحتجاج والتعبير عن مواقفهم بحرية. على الأمانة أيضا وضع مجموعة من المعايير الحقوقية التي يتعين مستقبلا على الدول التي تستضيف مؤتمر الأطراف الالتزام بالوفاء بها كجزء من اتفاق الاستضافة.
من الضروري كذلك أن تُسلّم السلطات المصرية التأشيرات في الوقت المحدد والمناسب لتمكين المشاركين في كوب27، وتُنهي جميع أساليب المراقبة والترهيب غير القانونية.
قال بيرسهاوس: "يحتاج العالم إلى نشاط أكبر من أجل المناخ، وليس أقل، بيد أنه لا يمكن أن يكون هناك نشاط فعال عندما تتعامل الحكومة مع الجماعات المدنية على أنها تهديد، وليست مصدر قوة. على الدول الأعضاء في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية والأمانة الضغط على الحكومة المصرية للتأكد من أن الجماعات البيئية تطمئن أنه من الآمن المشاركة في مؤتمر الأطراف وبعد انتهائه".
لقراءة تفاصيل إضافية حول القيود، يرجى مواصلة القراءة أدناه.
مضايقة الجماعات البيئية المصرية
وصف العديد من النشطاء البيئيين نمطا من المضايقات من قبل السلطات الحكومية. تلقى بعضهم مكالمات هاتفية تهديدية في بعض الأحيان عندما يُنظر إليهم على أنهم ينتقدون الحكومة، وذلك عند سعيهم لأهداف المناصرة المتعلقة بعملهم البيئي. قال أحد المدافعين عن البيئة الذين أوقَفوا بعض أعمالهم منذ ذلك الحين بسبب مثل هذه التهديدات: "تلقى بعض شركائي في القطاع العام مكالمات هاتفية من رؤسائهم يطلبون منهم إيجاد شخص آخر للعمل معه".
وصف آخرون احتجازهم مرارا لفحوصات أمنية واستجوابهم في مطار القاهرة عند المغادرة أو الوصول، وأحيانا منعهم من مغادرة البلاد. وصف أحد الأشخاص المضايقات التي تعرض لها شركاؤه في حملة "مصريون ضد الفحم" الشعبية التي فشلت في نهاية المطاف والتي ظهرت ردا على مساعي الحكومة لزيادة استخدام الفحم لتوليد الطاقة لمصانع الأسمنت منذ 2013.
قال أحد الأشخاص: "كان لدينا بعض الأشخاص البارزين الذين ظهروا في حملات متلفزة للتحدث ضد الفحم، لكنهم فجأة شرعوا بالانسحاب من الحملة. تعرض أحدهم لمضايقات من قبل الأمن في المطار، لذلك غادر الحملة".
تتكرر الاستدعاءات الأمنية للجماعات البيئية المحلية، وتستهدف هذه الاستدعاءات أيضا السكان وضحايا التلوث البيئي. ذكر ثلاثة نشطاء أن الأجهزة الأمنية هددت السكان الذين تفاعلوا معهم في إحدى الحملات، بتهم تتعلق بالإرهاب. لم تُضّمن هيومن رايتس ووتش تفاصيل القضية لتجنب التعرف عليهم.
في الأشهر والسنوات الأخيرة، أزالت السلطات المصرية بعض المساحات الأخيرة من الحزام الأخضر الداخلي في القاهرة والإسكندرية ومدن أخرى لصالح مشاريع عمرانية، والتي يبدو أنها شملت قدرا ضئيلا من المشاورات، أو لا مشاورات على الإطلاق، مع السكان أو جماعات المجتمع المدني. قال ناشط إنه كان من الصعب القيام بعمل منظم مستقل حول هذه القضية المهمة بسبب القمع، رغم أن القاهرة من أكثر مدن العالم تلوثا وأقلها خضرة.
تحديات التمويل
وصف العديد ممن قابلناهم القيود الحكومية المفروضة على تلقي التمويل بأنها أكثر عقبة منهكة. لا تقدم الشركات وأصحاب الأعمال المصريون والمتواجدون في مصر أي تمويل، أو تمويلا محدودا فقط، لأي عمل يُنظر إليه على أنه ينتقد الحكومة، وذلك لتجنب الأعمال الانتقامية التي قد تستهدف استثماراتهم. تاريخيا، اضطرت جماعات المجتمع المدني المصرية، بما في ذلك الجماعات البيئية، إلى البحث عن مصادر تمويل أجنبية، مثل المؤسسات والحكومات في أوروبا وأمريكا الشمالية.
في 2014، عدّل الرئيس السيسي بمرسوم قانون العقوبات لمعاقبة من يطلب أو يتلقى أو يساعد في تحويل الأموال، سواء من مصادر أجنبية أو منظمات محلية، بهدف القيام بعمل يضر "بمصلحة قومية" أو يمس باستقلال البلاد أو يُخلّ بالأمن والسلم العام، بالسجن المؤبد أو الإعدام. هذا التعديل، إضافة إلى الملاحقة القضائية التي تستمر لسنوات للجماعات بسبب تلقيها الأموال الأجنبية، فضلا عن القيود الجديدة والعمليات المعقدة التي أدخلها قانون الجمعيات الأهلية لعام 2017 والقانون المحدث لعام 2019، ضرب المنظمات المستقلة، بما في ذلك الجماعات البيئية، في مقتل، وجعل عملياتها صعبة للغاية.
تفرض هذه القوانين مجموعة من القيود والمراقبة الشديدة الأخرى بما في ذلك منح الحكومة، بقيادة الأجهزة الأمنية، سلطة "تفتيش" عمل المنظمات في أي وقت دون تحديد الأسباب بالضرورة. وفقا لأحد الأشخاص، دعمت الحكومة الخطاب المسيء حول المنظمات غير الحكومية "في وسائل الإعلام والثقافة الشعبية على أنها متلقية للأموال الأجنبية وبالتالي فهي عميلة لأجندات أجنبية".
قال أحد المدافعين عن البيئة في منظمة مقرها القاهرة إن منظمته التي اعتادت التعاون في عدة مشاريع مع المانحين والمؤسسات الدولية توقفت عن ذلك لأن هؤلاء الفاعلين الدوليين "يوجهون مواردهم بعيدا عن مصر بسبب القمع".
حتى عندما تؤمّن الجماعات البيئية المصرية التمويل، غالبا من خلال العمل مع السفارات أو المؤسسات الدولية في القاهرة، فإنها تظل أسيرة العملية العدائية والبيروقراطية و/أو التعسفية لصنع القرارات الحكومية.
في إحدى الحالات، قال أحد النشطاء المعنيين إنه سُمح لمنظمة معروفة بتلقي أموال من الخارج، لكن وزارة التضامن الاجتماعي، وهي الهيئة الحكومية المسؤولة عن الإشراف على تسجيل المنظمات غير الحكومية وعملها، أوقفت الأموال "حتى ثلاثة أشهر قبل نهاية المشروع. [نتيجة لذلك]، نفذت المنظمة المشروع بطريقة سيئة للغاية". قال آخرون إن الوزارة أعطت في بعض الأحيان الإذن بالتحويلات الأجنبية، لكن الأجهزة الأمنية كانت تمنع توزيعها لأسباب غير مبررة ويستحيل التراجع عنها.
مشاكل التسجيل
قُيدت العديد من الجماعات البيئية المصرية بسبب صعوبة، أو في بعض الحالات، استحالة أن تضمن الحصول على تسجيل رسمي كمجموعات غير حكومية. قال شخصان إنهما لم يكونا على علم بأي منظمات بيئية تنتقد الحكومة علنا تمكنت من التسجيل بنجاح في السنوات الأخيرة.
حتى تعمل قانونيا، يجب تسجيل منظمات المجتمع المدني لدى وزارة التضامن الاجتماعي وإجراء عمليات تسجيل معقدة طبقها قانون الجمعيات الأهلية لعام 2019. تتطلب العملية أحيانا مئات الصفحات من الوثائق، والتي قال الأشخاص الذين قابلناهم إنها تترك العديد من المنظمات حائرة بشأن كيفية القيام بذلك. قال أحد الذين قابلناهم: "أمضيت عاما ونصف في محاولة لمعرفة كيف يمكننا التسجيل. لكن هذا انتهى. لقد توقفت".
تلقى آخرون تحذيرات غير رسمية عندما استفسروا عبر علاقات شخصية ومعارف داخل الحكومة عن إمكانية تسوية وضعهم بشكل رسمي. يعني ذلك غالبا أن المجموعة لن تتمكن من التسجيل وأن أعضاءها يخاطرون بمزيد من التدقيق حتى لمجرد محاولتهم ذلك.
في ظل هذه الظروف، لم يكن في وسع المنظمات في معظم الأحيان إلا العمل في الخفاء، مما يحد بطبيعة الحال من نطاقها، و/أو من خلال تجنب الموضوعات الحيوية، التي تكون حساسة للغاية. في المقابل، وجدت الجماعات البيئية المصرية المستقلة أحيانا أن الطريقة الوحيدة للقيام بالعمل هي الشراكة مع المنظمات التي تدعم وتدافع في كثير من الأحيان عن سياسات الحكومة وسردياتها.
كما هو الحال مع التمويل، حتى الموافقات المبدئية لا تضمن العمل السلس. يمكن للسلطات أن تجمد أو تهدد بتجميد تسجيل المنظمات التي ترى أنها تجاوزت الخطوط الحمراء، كما فعلت مع مجموعات قليلة دعمت "مصريون ضد الفحم". قال ناشط بيئي: "ضايقت وزارة التضامن الاجتماعي المجموعة من خلال التدقيق على وثائقها فجأة. استمر التدقيق خمسة أشهر، تراجعت [خلالها] قدرتها على العمل."
معوقات البحث
حتى إذا تمكنت جماعة من التسجيل، يتعين عليها تأمين طيف واسع من التصاريح الإضافية للقيام بالعمل الميداني، وجمع العينات، واستيراد المعدات وغير ذلك. قال الأشخاص الذين قابلناهم إنه يتعين الحصول على موافقة العديد من الوزارات والأجهزة الأمنية على هذه الطلبات، لا سيما الطلبات المتعلقة بالبحث في المناطق النائية أو الحدودية، مثل مثلث حلايب، ومعظم شبه جزيرة سيناء، وتقريبا كل الصحراء الغربية، التي تواجه مشاكل بيئية هامة.
تستخدم القوانين المصرية تعريفا فضفاضا للغاية للمناطق الحدودية في بعض الأماكن التي تمتد مئات الكيلومترات قبل الحدود الدولية الفعلية. يتطلب قانون الجمعيات الأهلية لعام 2019، بشكل عام، موافقة حكومية قبل أن تنشر المجموعات نتائج أي دراسات أو استطلاعات، ويحظر أي عمل يعتبر ذا طبيعة "سياسية" (دون توضيح المقصود بالسياسية).
يحظر قانون 2019 أيضا "أي نشاط يتطلب تصريحا من جهة حكومية" دون الحصول على تصريح من الجهة المختصة. على سبيل المثال، يحظر القانون المصري مجرد التقاط الصور في شارع أو منطقة عامة دون ترخيص عند استخدام حتى معدات شبه احترافية مثل أدوات الإضاءة أو العاكسات. كما يحظر التصوير في أي مبنى حكومي أو بالقرب منه دون الحصول على تصاريح من "الجهة المختصة".
بالنظر إلى مشقة العملية، والتدقيق الأمني الذي يمكن أن تستدعيه هذه الإجراءات، وفرص نجاحها المنخفضة، قلة قليلة من الناس تكلف نفسها عناء التقدم للحصول على تصاريح بحثية. قال موظف سابق في جماعة بيئية طلب عدم الكشف عن موقعه: "هناك الكثير من العمل الذي لا تشارك فيه لأنك تعرف ببساطة أنك لن تحصل على تصاريح".
يقول معظم الذين قابلناهم إنهم اضطروا مع اشتداد القيود إلى الحد من الأبحاث التي يجرونها أو التخلي عنها تماما. حلّت جماعة بيئية مصرية بارزة وحدتها البحثية بسبب استحالة العمل الميداني. هناك جماعة بيئية مصرية بارزة أخرى لا تقوم الآن إلا "بالأعمال المكتبية" المتعلقة بالبيئة. مع ذلك، أغلقت جماعة بيئية مصرية أخرى أبوابها، وقلصت منظمة قانونية عملت سابقا على موضوعات بيئية نطاق عملياتها بشكل كبير.
تقف القيود الشديدة على الوصول إلى المعلومات كعقبة أخرى أمام البحث المستقل. حجبت السلطات المصرية منذ 2017، ما يقرب من 700 موقع إلكتروني، بما في ذلك المنصات المستقلة القليلة المتبقية لوسائل الإعلام الإخبارية والمواقع الحقوقية الموجودة في البلاد. حجبت السلطات أيضا آلاف المواقع الإلكترونية وتطبيقات الاتصال والرسائل النصية بشكل مؤقت خلال الأحداث التي شهدت احتجاجات كبيرة مثل احتجاجات الشوارع عام 2019. هذه الرقابة الواسعة مقترنة بالاعتقالات والملاحقات المنهجية للصحفيين، قيّدت بشدة الوصول إلى المعلومات والتقارير حول الموضوعات التي تعتبرها الحكومة محظورة، بما في ذلك القضايا البيئية.
النشاط البيئي في كوب27 وما بعده
في أبريل/نيسان ومايو/أيار 2019، أبلغت مجموعة من النشطاء الأفارقة عن مجموعة من الانتهاكات عندما استضافت مصر "اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب"، في شرم الشيخ أيضا، حيث سيعقد كوب27. أفاد العشرات من المشاركين أن السلطات أخّرت أو منعت حصولهم على التأشيرات أو عرقلت تسليم الشارات اللازمة لحضور القمة الرسمية. قال كثيرون إنهم تعرضوا للملاحقة الأمنية الجسدية والتجسس عليهم، وأفاد بعضهم بتعرضهم للإيذاء الجسدي على يد عناصر الأمن المصري. وصفوا أيضا كيف رفضت الفنادق تأجيرهم قاعات اجتماعات، بحجة "التعليمات الأمنية".
رغم المناخ العام السائد بسبب القيود الحكومية، قال بعض النشطاء إن مؤتمر كوب27 يعتبر فرصة إيجابية لمصر. يأملون أن يساعد ذلك في زيادة الوعي بالمناخ وتشجيع المزيد من التمويل للعمل المناخي في جميع أنحاء المنطقة.
في الفترة التي تسبق كوب27، قال بعض الأشخاص إنه يبدو أن هناك قبولا متزايدا للمناصرة والعمل بشأن العدالة المناخية، والتكيف مع المناخ، والخسائر والأضرار في سياق مفاوضات المناخ العالمية، والتي غالبا ما تكون موضوعات "آمنة" ومرحب بها، لأنها لا تشكل تهديدا للسلطات المصرية وتتماشى مع رؤية الدولة لنفسها كرائدة للدول الفقيرة المتضررة جراء تغير المناخ.
أشار النشطاء أيضا إلى سهولة نسبية مستجدة في التفاعل مع بعض الجهات الحكومية. قال أحد الذين قابلناهم إنه "من الممكن الاتصال" بكبار المسؤولين في وزارة البيئة والتواصل معهم. في الأشهر الأخيرة، يبدو أن هذا التواصل بين المسؤولين ونشطاء البيئة قد توسع إلى ما هو أبعد وزارة البيئة. قامت السلطات المصرية التي تنظم كوب27 باستطلاع آراء بعض النشطاء بشأن الأولويات البيئية لمصر في المؤتمر، حتى أنها وظّفت بعضهم للمساعدة في التحضيرات.
قالت عدة مصادر مطلعة إن السلطات المصرية، من خلال وزارتي البيئة والخارجية، طلبت في الأشهر الماضية في اجتماعات مغلقة من عدة مجموعات مصرية المشاركة في فعاليات كوب27، بشكل عام حول مواضيع "مرحب بها". قالت أمانة كوب27 لـ هيومن رايتس ووتش في رسالة عبر البريد الإلكتروني إنه تم منح ما يزيد عن 30 مجموعة مصرية تم ترشيحها جميعا بواسطة الحكومة المصرية، الموافقة على المشاركة الاستثنائية لمرة واحدة في كوب27، وذلك من دون المرور بالعملية المعتادة لاعتماد المنظمات. أرسلت هيومن رايتس ووتش خطابا لأمانة الكوب في 22 أغسطس / آب متضمنا أسئلة حول تلك العملية والمعايير لمنح الموافقة الاستثنائية، لكن لم تتلق أي رد.
قال البعض أيضا إنه يرى في المؤتمر فرصة لتعزيز الوعي الدولي بالسياق السياسي الذي يُعقد فيه كوب27، لأسباب ليس أقلها دوره المركزي في إعاقة النشاط البيئي المصري. قال أحد الأشخاص: "لا يمكن أن يكون هناك تحسن في الوضع البيئي دون تحسين حرية التعبير والوضع العام لحقوق الإنسان".