"الأمر الرئاسي رقم 117" الذي صدر يوم 22 سبتمبر/أيلول، والذي ألغى ضمنيّا النظام الدستوري في تونس، هو أولى الخطوات نحو الاستبداد. نقطة التحوّل هذه تهدّد حقوق الإنسان والتطلعات الديمقراطية للشعب التونسي.
رغم الإقرار بمحدودية النظام السياسي الذي أرساه "دستور 2014"، فإننا ندعو إلى أن يكون أي إصلاح لهذا النظام في إطار الاحترام الكامل للدستور، وخاصة الفصل بين السلطات، مع الضمان الكامل للحريات الأساسية وحقوق الإنسان.
قد تكون هناك حاجة إلى إعادة التفكير في النظام السياسي وإصلاح دستور 2014 – وكلاهما ثمرة لعمليّة ديمقراطية دامت طويلا، غير أنّه لا يُمكن أن تُملى هذه الإصلاحات بصفة أحادية من طرف الرئاسة وحدها، دون نقاش تعددي ورقابة فعالة.
وفقا للأمر الرئاسي رقم 117، تم تعليق الدستور باستثناء التوطئة والبابين الأول والثاني المتعلقين بالأحكام العامة والحقوق والحريات. تمنح الأحكام الانتقالية لرئيس الجمهورية وحده سلطة التشريع في كل المجالات، سواء تعلقت بتنظيم قطاع العدالة والقضاء، أو الإعلام والصحافة والأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات والمنظمات والهيئات المهنية، وكذلك تمويلها، أو تنظيم قوات الأمن الداخلي والديوانة، وضبط قانون الانتخابات، والحريات وحقوق الإنسان، والأحوال الشخصية، والسلطة المحلية، والقانون الأساسي للميزانية. بل ذهبت الرئاسة إلى أبعد من ذلك وأبطلت القاعدة العامة المتعلقة بعلوية الدستور من خلال اعتبار الأمر الرئاسي أعلى قيمة. أما الأبواب المتبقية في الدستور فستبقى سارية فقط إذا لم تكن متعارضة مع التدابير الاستثنائية والأوامر الرئاسية.
لم يعد الدستور مصدر القوانين، ولا يُمكن الطعن في الأوامر الرئاسية. تمّ أيضا إلغاء "الهيئة الوقتية لمراجعة دستورية مشاريع القوانين"، وصار رئيس الدولة يُمارس كل الصلاحيات التنفيذية بمساعدة حكومة تعمل تحت قيادته، وهو الذي يترأس مجلس الوزراء. جميع هذه الصلاحيات يمارسها رئيس الدولة دون أي أفق زمني محدد.
تحت مُسمى خارطة الطريق، سيتولى الرئيس – بمساعدة لجنة – صياغة إصلاحات سياسية لتأسيس "نظام ديمقراطي حقيقي يكون فيه الشعب بالفعل هو صاحب السيادة". وبخلاف تصريحاته المتكررة، لم يُحرز رئيس الجمهورية تقدما في محاربة الفساد والإفلات من العقاب في ما يتعلق بشهداء الثورة، والعدالة الانتقالية، والاغتيالات السياسية، والإرهاب. كما أنه لا يوجد برنامج واضح حول كيفية وقف الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها تونس منذ سنوات. يبدو أنّ تونس، التي كانت تعتبر حتى الآن الدولة الوحيدة التي ألهمت المنطقة بأمل التغيير الحقيقي، أدارت ظهرها لديمقراطيتهاا الناشئة.
رأينا في تجارب متكررة عبر التاريخ العواقب الوخيمة على حقوق الإنسان عندما تستولي السلطة التنفيذية أو الرئاسة على الحكم. نذكّر بأن القانون الدولي لحقوق الإنسان يسمح بتفعيل سلطات الطوارئ، لكن فقط في ظلّ شروط محددة بصرامة. غير أن هذا التفعيل المؤقت مشروط بمبادئ الشرعية والضرورة والتناسب، وبوجود رقابة قضائية صارمة. وقبل كل شيء، يتطلب القانون الدولي التعامل مع حالات الطوارئ في إطار سيادة القانون. أي تغيير في الإطار السياسي أو الدستوري يجب أن يتمّ من داخل المنظومة التي أسس لها الدستور، التي تنص على شروط تعديله مع الاحترام الكامل للعملية الديمقراطية.
في مواجهة الانزلاقات المقلقة التي نشهدها، تدين منظمات المجتمع المدني الوطنية والدولية بشدة القرارات التي اتخذها الرئيس قيس سعيّد من جانب واحد، وتعيد تأكيد تمسكها الثابت بمبادئ الديمقراطية، وتشجب الاستيلاء على السلطة وغياب جميع أشكال الضمانات. نتعهد بدعم أي مسار يهدف إلى تجاوز الأزمة السياسية والدستورية الحالية بشرط احترام سيادة القانون، وضمانات حقوق الإنسان، والتعبير الديمقراطي عن تطلعات الشعب.
الموقعون:
- التحالف التونسي للكرامة ورد الاعتبار
- الجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية
- الرابطة التونسية للمواطنة
- الشبكة التونسية للعدالة الانتقالية
- الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان
- اللجنة الدولية للحقوقيين
- المخبر الديمقراطي
- المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب
- المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب
- جمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية
- جمعية بيتي - تونس
- جمعية صوت شباب الكريب
- جمعية مسرح الحوار – تونس
- جمعية نشاز
- محامون بلا حدود
- منظمة العفو الدولية فرع تونس
- منظمة لا سلام بدون عدالة
- هيومن رايتس ووتش