(جنيف) - قالت "هيومن رايتس ووتش" و"العيادة الدولية لحقوق الإنسان" التابعة لكلية القانون في "جامعة هارفرد" في تقرير مشترك نُشر اليوم إن الحروق والمعاناة المروعة مدى الحياة التي تسببها الأسلحة الحارقة تتطلب من الحكومات مراجعة معايير المعاهدات الحالية فورا.
يُفصّل تقرير ""تحرق كل شيء": التكلفة البشرية للأسلحة الحارقة وحدود القانون الدولي"، الصادر في 45 صفحة، الإصابات المباشرة والأضرار الجسدية، والنفسية، والاجتماعية-الاقتصادية المستمرة للأسلحة الحارقة، بما فيها الفوسفور الأبيض، من قبل أطراف النزاعات الأخيرة. خلصت هيومن رايتس ووتش إلى أن على الدول إعادة النظر وتعزيز المعاهدة الدولية التي تحكم هذه الأسلحة التي تحرق الناس وتشعل النار في المباني والممتلكات المدنية.
قالت بوني دوكيرتي، باحثة أولى في الأسلحة في هيومن رايتس ووتش والمديرة المساعدة للنزاعات المسلحة وحماية المدنيين بالعيادة الدولية لحقوق الإنسان: "بينما يتحمل الضحايا الآثار القاسية للأسلحة الحارقة، تخوض الدول نقاشا لا ينتهي حول ما إذا كانت ستجري مباحثات رسمية بشأن هذه الأسلحة. على الدول الاعتراف بالمعاناة طويلة الأمد للناجين من خلال معالجة التقصير في القانون الدولي الحالي."
يستند التقرير إلى مقابلات مطولة مع ناجين، وشهود، وأطباء ميدانيين، وممرضين، واختصاصيين في الحروق، وخبراء آخرين، بالإضافة إلى بحوث معمقة منشورة في مجلات طبية. يتضمن أيضا دراسات حالة من أفغانستان، وغزة، وسوريا.
تتسبب الأسلحة الحارقة بحروق شديدة، في بعض الأحيان للعظام، ويمكن أن تسبب ضررا في الجهاز التنفسي، والتهابات، وصدمة، وتلفا للأعضاء. بمرور الوقت، تؤدي الندوب بشكل واسع إلى شد الأنسجة العضلية وإحداث إعاقات جسدية. الصدمة الناتجة عن الهجوم، والعلاج المؤلم الذي يليه، والندوب المغيرة للمظهر تؤدي إلى ضرر نفسي واستبعاد اجتماعي.
يؤدي نقص الرعاية الصحية في أماكن النزاع المسلح إلى تفاقم العملية الصعبة أصلا لعلاج الحروق الخطيرة. ما ينتج عن الأسلحة الحارقة من إعاقات طويلة المدى، وتكلفة الرعاية الطبية، وفقدان الممتلكات له آثار اجتماعية-اقتصادية سلبية.
قالت الدكتورة رولا حلام، التي عالجت ضحايا الأسلحة الحارقة في سوريا: "تسبب الأسلحة الحارقة حروقا مدمرة، وبطرق أسوأ بكثير من أي حرق عادي بسبب الحرائق. يمكنها حرق كل شيء. يمكنها حرق المعدن واختراقه، فكيف سيصمد اللحم البشري؟ "
ينظم "البروتوكول الثالث لاتفاقية الأسلحة التقليدية" المُعتمد عام 9801 الأسلحة الحارقة التي تنتج الحرارة والنار من خلال التفاعل الكيميائي لمادة قابلة للاشتعال. لكن ثغرتين ملحوظتين تحد من فعالية البروتوكول. أولا، تعريفها القائم على التصميم يستبعد بعض الذخائر متعددة الأغراض ذات الآثار الحارقة، بما فيها تلك التي تحتوي على الفوسفور الأبيض. ثانيا، قيودها على الأسلحة الحارقة التي تُطلق من الأرض أضعف من تلك المفروضة على النماذج التي تُسقَط من الجو.
قالت هيومن رايتس ووتش وعيادة هارفرد الدولية لحقوق الإنسان إن الدول الأطراف في المعاهدة أعربت عن مخاوفها بشأن استخدام الأسلحة الحارقة لسنوات عديدة، لكن عليها تكريس مناقشات حول مدى كفاية البروتوكول الثالث.
كان من المقرر عقد الاجتماع السنوي لاتفاقية الأسلحة التقليدية من 11 إلى 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 في الأمم المتحدة بجنيف. لكن بسبب قيود جديدة متعلقة بفيروس "كورونا"، تم تأجيل الاجتماع بحسب تقارير قبل أيام فقط من بدئه.
قالت هيومن رايتس ووتش وعيادة هارفرد إنه في حين أن الأمم المتحدة لم تحدد بعد موعدا جديدا للاجتماع السنوي لاتفاقية الأسلحة التقليدية، على الدول استغلال وقت المداخلات لحشد الدعم للعمل على الأسلحة الحارقة.
خلال الأشهر المقبلة، على الدول الأطراف في اتفاقية الأسلحة التقليدية أن توافق على تخصيص وقت في مؤتمر مراجعة المعاهدة الذي يستمر خمس سنوات، والمقرر عقده أواخر 2021، لتقييم مدى كفاية البروتوكول الثالث وبدء عملية لسد ثغرات البروتوكول.
قالت دوكيرتي: "أبدت عديد من الحكومات اهتماما بإجراء تقييم متعمق لحدود البروتوكول الثالث. الدول القليلة التي تعترض الطريق يجب أن تدرك الضرورة الإنسانية لمراجعة هذه الاتفاقية البالية".
دراسات الحالة
أفغانستان
أُصيبت راضية )8 أعوام( بحروق شديدة عندما سقطت قذائف الفوسفور الأبيض من طرف غير محدد في النزاع على منزل عائلتها المبني من الطين في قرية أفغانية في 14 مارس/آذار 2009. رغم تلقيها العلاج في مستشفى عسكري أمريكي بقاعدة باغرام الجوية، لديها ندوب دائمة تسببت في أذى جسدي ونفسي مستمر.
قالت النقيب كريستين كولينز، وهي ممرضة تعالج راضية من الصدمة في باغرام: "بكت راضية كثيرا لأنها كانت تتألم. أثّر هذا الأمر على حياتها في هذه السن المبكرة". أضافت كولينز، متحدثةً بصفتها الشخصية: "مع هذه الأنواع من الأسلحة، يجب أن يكون هناك نوع من القيود. بالتأكيد، مئة بالمئة".
غزة
في 4 يناير/كانون الثاني 2009، اخترقت ثلاث قذائف مدفعية من عيار 155 مليمتر تحتوي على فسفور أبيض أطلقتها القوات الإسرائيلية وسط أعمال قتالية مع مجموعات فلسطينية مسلحة، سطح منزل عائلة أبو حليمة في شمال غزة. قتلت حرائق الفوسفور الأبيض فورا خمسة من أفراد الأسرة وأصابت خمسة آخرين.
قالت صباح أبو حليمة: "اشتعل كل شيء. زوجي وأربعة من أطفالي احترقوا أمام عينيّ. ابنتي الصغيرة، ابنتي الوحيدة، ذابت بين ذراعي. كيف يمكن للأم أن ترى أطفالها يحترقون أحياء؟ لم أستطع إنقاذهم. لم أستطع مساعدتهم".
سوريا
أسقطت القوات الحكومية السورية ذخيرة حارقة على مدرسة في أورم الكبرى في 26 أغسطس/آب 2013.
قالت الدكتورة رولا حلام، التي عالجت الضحايا: "صدقا، بدا الأمر وكأنه مشهد من يوم القيامة. كانت ملابسهم ملتصقة بهم. وصدرت عنهم رائحة فظيعة للحم المحروق ورائحة اصطناعية كيميائية غريبة... كان من الواضح جدا أنهم أصيبوا بحروق شديدة".
أًصيب محمد عاصي بندوب شديدة، مع حروق شملت 85 بالمئة من جسده. "كل مرة أخرج بها من المنزل، أعود بعد خمس أو عشر دقائق لأنني لا أرغب بأن يوقفني أحد في الشارع ويسألني لماذا جسمك هكذا؟ ما هذه الحروق؟" أضاف عاصي: "الشيء الصعب هو أن ابن أخيك الصغير يخاف أن يقترب منك، ابن أختك الذي كان دائما في حضنك يخاف أن يلعب معك".