(بيروت) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة يوم 2 أبريل/نيسان 2019 تمنح الجزائر فرصة هامة لتغيير قوانينها القمعية وتكريس الحريات العامة على مستوى التشريع والممارسة. هذه أول مرة تنجح فيها احتجاجات الشارع في إجبار زعيم من العالم العربي على الاستقالة منذ انتفاضات 2011.
منذ 22 فبراير/شباط، نظم ملايين الجزائريين مسيرات في مختلف المدن احتجاجا على ترشح الرئيس المريض لعهدة جديدة، في تحدّ لحظر المظاهرات الذي كان واحدا من عدة قيود أخرى تفرضها السلطات الجزائرية على حقوق الإنسان منذ عقود.
قالت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "رحيل بوتفليقة ليس إلا خطوة أولى لإنهاء الحكم الاستبدادي. الخطوة التالية يجب أن تكون الإفراج عن المسجونين بسبب التعبير أو التجمع السلمي، ومراجعة القوانين التي استخدمت لوضعهم خلف القضبان".
بموجب المادة 102 من "الدستور الجزائري"، في حال استقالة رئيس الدولة، يُصبح رئيس "مجلس الأمة"، المجلس الأعلى في البرلمان، هو الرئيس لفترة انتقالية أقصاها 90 يوما، تُنظم خلالها انتخابات رئاسية.
رحب بعض النشطاء وأحزاب المعارضة باستقالة بوتفليقة، لكنهم دعوا إلى وضع هيكلية سياسية بديلة للمرحلة الانتقالية، وهو ما يعتقدون أنه سيسمح بتحقيق انتقال ديمقراطي حقيقي.
قالت هيومن رايتس ووتش إنه، في أي مرحلة انتقالية، ينبغي للسلطات أن تحترم حقوق الجزائريين في التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات في ما بينهم بشكل كامل. كما يتعين على السلطات أن تضع برنامجا، في أقرب وقت ممكن، لإصلاح أحكام قانون العقوبات وقوانين تكوين الجمعيات والتجمع الخانقة للحقوق. فقد اعتمدت السلطات على هذه القوانين لإسكات المنتقدين وقمع الاحتجاجات وإضعاف المنظمات المستقلة. كما توفر القوانين الحالية للسلطة التنفيذية هامشا واسعا للسيطرة على السلطة القضائية، التي تفتقر للاستقلالية اللازمة لتكون ضامنا حقيقيا للحقوق والحريات.
يتعين على السلطات الجزائرية إلغاء جميع البنود الواردة في القانون الجنائي وقانون الصحافة التي تجرّم التعبير غير العنيف، مثل "الإساءة إلى الرئيس" و"التشهير بمؤسسات الدولة". كما يتعين عليها إلغاء الحظر الفعلي المفروض على المظاهرات في الجزائر العاصمة والذي كان ساريا قبل انطلاق موجة الاحتجاجات الحالية، ورفع جميع العراقيل غير المعقولة على مستوى القانون والممارسة أمام التجمعات السلمية، بما يشمل تغيير شرط الحصول على ترخيص مسبق بمجرّد الإعلام. يتعين عليها أيضا وضع حدّ لاعتقال المتظاهرين تعسفا.
ينبغي للسلطات أيضا تجديد قانون الجمعيات، الذي يسمح فعليا للسلطات بعدم الاعتراف بقانونية الجمعيات التي لا تروق لها.
كان بوتفليقة، الذي انتُخب رئيسا لأول مرة في 1999، قد أعلن ترشحه لعهدة خامسة يوم 10 فبراير/شباط. ثم أعلن يوم 11 مارس/آذار في رسالة نشرتها وكالة الأنباء الرسمية أنه عدل عن الترشح لعهدة خامسة، وأجّل الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة يوم 18 أبريل/نيسان إلى وقت لاحق. لكن هذا الإعلان لم يُهدّئ الاحتجاجات الأسبوعية المطالبة بتنحيته. ويوم 2 أبريل/نيسان، قدم بوتفليقة رسميا استقالته إلى "المجلس الدستوري".
قالت ويتسن: "بما أن الجزائر وجدت نفسها في مفترق طرق، فإن الإصلاح لن يكون حقيقيا إلا إذا شمل تفكيك ترسانة القوانين القمعية التي استخدمتها السلطات لسنوات في قمع الأصوات المعارضة".
حرية التجمع
ينص دستور الجزائر لعام 2016 على أن "حرية التظاهر السلمي مضمونة للمواطن في إطار القانون الذي يحدد كيفيات ممارستها" (المادة 49). لكن على مستوى الممارسة واعتمادا على مجموعة من القوانين، تعمد السلطات الجزائرية إلى خرق الحق في التجمع بشكل روتيني. يعاقب قانون العقوبات على تنظيم مظاهرة غير مرخص لها في فضاء عام أو المشاركة فيها بالسجن حتى سنة (المادة 98). على سبيل المثال، اعتُمدت هذه المادة للحكم على نشطاء عماليين بالسجن في 2016 بسبب انخراطهم في احتجاجات سلمية مساندة لعمال عاطلين عن العمل.
في 1991، عدّل البرلمان "القانون رقم 28-89 المتعلق بالاجتماعات والمظاهرات العمومية"، الذي اعتُمد في 1989 خلال مرحلة شهدت تحررا سياسيا وقانونيا. فرض قانون 1991 تدخلا كبيرا في الحق في التجمع وعقد الاجتماعات، حيث صار يتعين على كل مجموعة تسعى إلى عقد تجمع الحصول على ترخيص مسبق من الوالي.
غالبا ما تحجب السلطات هذا الترخيص، فيصير مستحيلا على المنظمات عقد تجمعات. على سبيل المثال، قدّمت "حركة مواطنة"، المعارضة للعهدة الخامسة لبوتفليقة والداعية إلى انتقال ديمقراطي، طلبات لعقد اجتماعات في أكتوبر/تشرين الأول 2018 ويناير/كانون الثاني 2019، لكنها لم تحصل قط على ترخيص.
يحظر القانون أي "اجتماع أو مظاهرة مناهضة للثوابت الوطنية" و"كل مساس برموز ثورة أول نوفمبر [تاريخ بدء حرب الاستقلال في الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي] أو النظام العام أو الآداب العامة". يستطيع المنظمون استئناف رفض الترخيص لدى المحكمة الإدارية.
حظرت السلطات المظاهرات العامة في الجزائر العاصمة إلى أجل غير مسمى عام 2001، عندما كانت البلاد في حالة الطوارئ. لم تلغِ الحظر عند رفع حالة الطوارئ عام 2011. إلى حين الأحداث الأخيرة، كانت السلطات تنفذ هذا الحظر بشكل صارم، وتفرّق حتى المظاهرات الصغيرة، وأحيانا تعتقل المشاركين فيها.
كتب المقرّر الخاص للأمم المتحدة المعني بالحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات:
تقتضي الممارسات الفُضلى أن تفرض الدول، في أقصى الحالات، إخطارا مسبقا لعقد تجمعات سلمية، وليس الحصول على ترخيص. الهدف من الإخطار المسبق هو تمكين السلطات من تسهيل ممارسة الحق في التجمع السلمي، واتخاذ تدابير لحماية المتظاهرين والأمن العام والنظام العام وحريات الآخرين وحرياتهم.
حرية تكوين الجمعيات
في 5 أبريل/نيسان، وعد بوتفليقة بحزمة من الإصلاحات السياسية والتشريعية، تشمل قانون تكوين الجمعيات، عقب الانتفاضات الشعبية التي شهدتها مصر وتونس وأدت إلى خلع الرئيسين المستبدين، وفي وقت كانت انتفاضة في ليبيا تهزّ حكم الزعيم معمر القذافي. لكن القانون الجديد – "القانون رقم 06-12" – الذي اعتُمد في يناير/كانون الثاني 2012، كان أكثر تقييدا من القانون الذي جاء لتعويضه.
يفرض القانون 06-12 على الجمعيات الحصول على وصل تسجيل من السلطات قبل أن تبدأ نشاطها بشكل قانوني. تستطيع السلطات رفض تسجيل أي جمعية إذا وجدت مضمون أنشطتها وأهدافها مخالفة "للثوابت والقيم الوطنية والنظام العام والآداب العامة وأحكام القوانين والتنظيمات المعمول بها". هذه المعايير الغامضة تمنح السلطات هامشا كبيرا للامتناع عن تقنين الجمعيات.
قدّمت كل من "الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان" و"تجمع عمل-شبيبة – راج" والفرع الجزائري لـ "منظمة العفو الدولية" طلبات بموجب القانون 06-12 سنة 2012، لكنها لم تحصل على وصل يثبت وجودها القانوني. عدم توفر هذا الوصل يتسبب في تعطيل الجمعيات إداريا وماليا لأنها لا تستطيع بدونه فتح حساب بنكي أو استئجار مكتب باسمها أو استئجار فضاء عام للاجتماع. كما يواجه كل عضو في جمعية "لم يتم تسجيلها أو اعتمادها، معلقة أو محلّة" السجن حتى 6 أشهر عند القيام بأنشطة باسمها.
كما يسمح القانون 06-12 للحكومة بتعليق أي جمعية "في حالة التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد أو المساس بالسيادة الوطنية"، ويشترط أن تكون كل "علاقات التعاون" بين الجمعية الجزائرية والمنظمات الدولية حاصلة على موافقة مسبقة من الحكومة.
يتعين على السلطات تعويض القانون رقم 06-12 بقانون متلائم مع المعايير الدولية، من خلال السماح للجماعات بتأسيس جمعيات عبر اعتماد نظام تصريح خاص بإنشاء الجمعيات، يُزيل كل العقبات التعسفية أمام ممارسة الجماعات حقها في تكوين الجمعيات.
حرية التعبير
القوانين الجزائرية المنظمة لحرية التعبير والوصول إلى المعلومة والإنتاج السمعي-البصري لا ترقى إلى المعايير الدولية. "قانون الإعلام"، الذي اعتُمد في 12 يناير/كانون الثاني 2012، تضمن العديد من المواد التي تقيّد حرية التعبير والصحافة. فالمادة 2 منه تنص على أن "يُمارس نشاط الإعلام بحرية"، لكن يجب أن يكون ممتثلا لمفاهيم فضفاضة من قبيل "الهوية الوطنية والقيم الثقافية للمجتمع، السيادة الوطنية والوحدة الوطنية، متطلبات أمن الدولة والدفاع الوطني، متطلبات النظام العام، المصالح الاقتصادية للبلاد"، وغيرها من المفاهيم.
قانون العقوبات أيضا يعجّ بالمواد التي تجرّم التعبير الحر، مثل المادة 144 المتعلقة بإهانة موظف عمومي، والمادة 144 مكرر المتعلقة بـ "الإساءة للرئيس"، والمادة 146 المتعلقة بـ "إهانة أو سب أو قذف مؤسسات الدولة".
استخدمت السلطات الجزائرية المحاكمات الجنائية كوسيلة لإسكات المنتقدين.
على سبيل المثال، قضت محكمة في بجاية يوم 21 يونيو/حزيران بسجن المدوّن مرزوق التواتي 7 سنوات بتهمة التحريض على تجمهر غير مرخص، والحث على الاحتجاجات ضدّ قانون مالي جديد، والتخابر مع دولة أجنبية بهدف إلحاق الضرر بالجزائر. تتعلق التهمة الأخيرة بنشره مقابلة مع متحدث باسم الحكومة الإسرائيلية. سُجن التواتي يوم 22 يناير/كانون الثاني 2017، وأمضى عامين وشهرين في سجن بجاية. أفرجت عنه السلطات يوم 4 مارس/آذار، بعد أن قضت محكمة الاستئناف بسجنه 5 سنوات، اثنتان منها مع وقف التنفيذ.
في يوليو/تموز 2016، قضت محكمة بسجن الصحفي المستقل محمد تمالت سنتين بتهمة "الإساءة" إلى الرئيس والمؤسسات العامة بسبب تعليقات نشرها على "فيسبوك" ومدونته زعم فيها تورط مسؤولين بارزين في الفساد والمحسوبية. وفي أغسطس/آب 2016، أيدت محكمة الاستئناف الحكم بعد جلسة اتهم فيها حراس السجن بضربه. بدأ تاملت إضرابا عن الطعام عند اعتقاله في يونيو/حزيران، ودخل في غيبوبة في أغسطس/آب، ثم توفي في المستشفى في ديسمبر/كانون الأول 2016.
أيدت محكمة الاستئناف في غليزان، في 6 يونيو/حزيران، حكما بالسجن عامين على المدون عبد الله بنعوم، بسبب منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تتهم السلطات والجيش الجزائري بالمسؤولية عن عدة مذابح ضد المدنيين، واختفاء الآلاف خلال الصراع الداخلي المسلح في تسعينيات القرن الماضي. واستندت التهم على مواد من قانون العقوبات تحظر إهانة مؤسسات الدولة والمادة 46 من "ميثاق السلم والمصالحة الوطنية"، الذي يحظر استعمال "جراح المأساة الوطنية [أي الحرب الأهلية في تسعينات القرن الماضي التي حاربت فيها قوات الأمن المسلحين الإسلاميين، وقتل فيها أكثر من 100 ألف شخص] أو يعتد بها للمساس بمؤسسات الجمهورية" أو تشويه سمعتها في المحافل الدولية. لا يزال بنعوم يقضي عقوبته.
الإصلاح القضائي
تنص المادة 156 من دستور 2016 على أن "السلطة القضائية مستقلة". كما كرّس الدستور ضمانات المحاكمة العادلة من خلال تضمين الحق في الاتصال بمحام أثناء الحبس الاحتياطي، وغيره من الإصلاحات.
غير أن هيكليّة السلطة القضائية تقوّض استقلاليتها المفترضة. فرئيس الجمهورية هو الذي يترأس "المجلس الأعلى للقضاء"، الهيئة التي تشرف على السلطة القضائية والمسؤولة عن تعيين القضاة والتدابير التأديبية وطردهم. رئيس الوزراء هو نائب رئيس المجلس. يعيّن الرئيس 6 من أصل 20 عضوا في المجلس.
ينص قانون سبتمبر/أيلول 2004 المتعلق بتعيين القضاة على أن يقترح وزير العدل مرشحين، ثم يعين الرئيس القضاة بمرسوم بعد التشاور مع المجلس الأعلى للقضاء. يراقب الرئيس تعيين القضاة، بينما يبقى دور المجلس استشاريا فقط.
استقلالية القضاء ركن أساسي في سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان. تنصّ "مبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية" على أن:
تكفل الدولة استقلال السلطة القضائية وينص عليه دستور البلد أو قوانينه. ومن واجب جميع المؤسسات الحكومية وغيرها من المؤسسات احترام ومراعاة استقلال السلطة القضائية.
كما تنصّ "المبادئ التوجيهية بشأن الحق في المحاكمة العادلة في أفريقيا" على أن تكون:
عملية تعيين الهيئات القضائية شفافة ومسؤولة، ويشجع إنشاء هيئة مستقلة لهذا الغرض. وينبغي في أي نموذج لاختيار القضاة أن يكفل استقلال القضاء وحياديته.
بينما لا يتضمن القانون الدولي نموذجا موحدا لضمان استقلالية القضاء، فهو يشجع الدول على إنشاء سلطة تشرف على القضاء لا تهيمن عليها الحكومة والإدارة. توصي العديد من الآليات الدولية بأن تكون للجهة المسؤولة عن التعيين تركيبة مختلطة: قضاة وغير قضاة، على أن تكون أغلبية الأعضاء أو نسبة هامة منهم منتخبة من السلطة القضائية نفسها.
أكدت "لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان" على أن ممارسة وزارة العدل سلطة على المسائل القضائية، بما في ذلك صلاحياتها في تفتيش المحاكم، قد تشكل تدخلا من قبل السلطة التنفيذية وتهديدا لاستقلالية السلطة القضائية.