في الستين من عمرها، تضطر سميرة، وهي أم أردنية مطلقة لأربعة أبناء وبنات بالغين ولدوا لأب غير أردني، على أن تكون المعيلة الوحيدة لأسرتها. تعيش في منزل متواضع في إربد مع ابنيها وزوجتيهما وثلاثة أحفاد. في عيد الأم هذا، كغيره من الأيام قبله، ستخرج وحدها لتكافح من أجل تغطية نفقاتها.
أحد الأسباب الرئيسية لحالة سميرة هو قانون أردني تمييزي، يمنع المرأة من منح جنسيتها إلى أطفالها على قدم المساواة مع الرجل. في نظر الحكومة الأردنية، فإن أولادها، الذين يعتبرون الأردن وطنهم، هم «أجانب»، وليس لديهم حق دائم في العيش أو العمل في البلاد. يواجه أبناؤها عقبات هائلة في العثور على وظيفة والعمل بشكل قانوني، فضلا عن الحصول على الرعاية الصحية والتعليم والحق في السفر، وغير ذلك الكثير.
«ولادي مش عايشين. زي الموتى الأحياء»، تقول سميرة، مشيرة إلى الحواجز العديدة التي تمنعهم من أن يصبحوا أفرادًا نشطين في المجتمع، في بلد يسمونه بلدهم.
يكافح أبناء سميرة للحصول على الحقوق والخدمات الأساسية ليعيشوا حياة كريمة. فهم يعتمدون تقريبًا بشكل كامل على الدعم من والدتهم، بينما تزوجت بناتها من أردنيين وأصبحن مواطنات بموجب القانون، الذي يسمح للرجال بنقل الجنسية إلى أبنائهم وأربع زوجات.
«نحنا بس بدنا نعيش»، تقول سميرة، موضحة أن القليل الذي تجنيه لا يكفي لإعانة عائلتين شابتين ونفسها. «من ناحية الأكل، العلاج، الشغل، العيشة، نحن مهددين».
عام 2014، صرحت وزارة الداخلية أن هناك أكثر من 355 ألفا من غير المواطنين أبناء الأردنيات، ولد العديد منهم وتربى وتعلم في الأردن. في ذلك العام، وفي أعقاب تزايد الضغوط الداخلية، أصدر مجلس الوزراء قرارًا يقضي بتخفيف القيود المفروضة على حصول هؤلاء الأبناء والبنات على فرص العمل والتعليم والرعاية الصحية الحكوميَّين، بالإضافة إلى إمكانية التملك، والاستثمار، والحصول على رخصة قيادة. كما أنشأ بطاقة تعريفية خاصة مطلوبة للوصول إلى هذه الامتيازات.
لكن، كما يكشف تقرير هيومن رايتس ووتش القادم، ما زال أبناء سميرة وآلاف غير المواطنين من أبناء الأردنيات مثلهم يعانون من العديد من القيود القانونية التي تعوق قدرتهم على المشاركة في المجتمع الأردني والمساهمة فيه. حتى شباط/فبراير 2018 ، كانت السلطات الأردنية قد أصدرت أكثر من 72000 بطاقة تعريفية، أي أقل من 20 بالمئة من العدد التقديري للأطفال غير المواطنين من النساء الأردنيات. وحتى بالنسبة لأولئك الذين حصلوا على بطاقات، أفاد الكثيرون بعدم وجود تحسن ملحوظ في ظروفهم. وعلى العموم، تواصل الهيئات الحكومية الأردنية إخضاعهم لنفس القوانين والأنظمة التي تحكم تقديم الخدمات للوافدين.
في بعض الحالات، يؤدي التمييز الذي يواجهونه إلى شبه الحرمان. مريم، وهي أم أردنية لخمس بنات من غير المواطنات عمرها 57 عاما، تكاد تعتمد كليًا على المساعدات التي تقدمها المنظمات الإنسانية لتعين نفسها وبناتها، في حين أن ثلاثة منهن في سن العمل. لا تزال بناتها الراشدات عاجزات عن الحصول على تصاريح تسمح لهن بإيجاد وظائف قانونية، ناهيك عن عمل يؤمن راتبًا كافيًا.
«ليش لازم أضل أقبل تبرعات وأنا عندي خمس بنات قادرين بقدروا يشتغلوا ويساعدوني؟ ما استفدنا بالمرّة [من هذا القرار]».
حتى لو طُبقت الإصلاحات المعلنة، فهي لا تزال تترك نظامًا من الواضح أنه تمييزي ويتناقض مع خطاب المسؤولين الأردنيين بشأن وضع المرأة، وكذلك «الخطة الوطنية الشاملة لحقوق الإنسان» لعام 2016. تدعو الخطة إلى إجراء تغييرات في القوانين والسياسات والممارسات التي تتعارض مع الدستور والقانون الدولي.
قانون الجنسية الأردني هو أحد هذه التشريعات. يعامل القانون النساء الأردنيات كمواطنات من الدرجة الثانية، ويعاقب بواقع الأمر النساء اللواتي اخترن الزواج من غير الأردنيين؛ فهو يعطي الرجال فقط الحق في منح الجنسية لأطفالهم وأزواجهم.
تقول سميرة: «فهميني. أنا أردنية. بعطي بلدي كل شي مطلوب مني. بستثمر فيها، بشتغل فيها، بلتزم بالقانون. بدفع فواتيري. بعمل كلشي مثلي مثل أي مواطن غيري. مثلي مثل أي رجل. طب ليش الدولة مش راضية تعطيني حقوقي؟ ليش مش راضية تعطيني كرامتي؟»
يستشهد المسؤولون الحكوميون الأردنيون الذين يعارضون الإصلاحات التشريعية مرارًا بالاعتبارات السياسية والديمغرافية كمبررات. لكن على الحكومة الأردنية أن تدرك أن هذه الحجج، القائمة فقط على أساس جنس أحد الوالدين الأردني، ليست خادعة في الحقيقة فحسب، بل هي تمييزية بطبيعتها.
يفخر الأردن بأنه «نموذج» للمنطقة بشأن مجموعة متنوعة من القضايا، بما في ذلك حقوق الإنسان. ﻋﺎم 2016، ﻋﻟﯽ ﺳﺑﯾل اﻟﻣﺛﺎل، واﺳﺗﻧﺎدًا إﻟﯽ اﻟﺗزامه ﺑﺗﺧﻔﯾض اﻟﺣواﺟز أﻣﺎم العمل اﻟﻘﺎﻧوني ﻟﻼﺟﺋﯾن، أﺻﺑﺢ اﻷردن أول ﺑﻟد ﻓﻲ اﻟﻣﻧطﻘﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ يسهل إﺻدار ﺗﺻﺎرﯾﺢ ﻋﻣل ﻟﻼﺟﺋﯾن اﻟﺳورﯾﯾن. ﮐﻣﺎ أن اﻷردن ﮐﺎن أول ﺑﻟد ﻓﻲ اﻟﻣﻧطﻘﺔ ﯾﺷﻣل العاملات المنزليات بالحماية اﻟﻘﺎﻧوﻧﯾﺔ نفسها اﻟﻣﺗﺎﺣﺔ للعاملات والعمال اﻵﺧرﯾن.
لكن فيما يتعلق بمسألة المواطنة، فإن الأردن يتخلف كثيرًا عن البلدان العربية الأخرى، بما فيها تونس، الجزائر، مصر، المغرب، واليمن. هذا التمييز الصارخ يجب ألا يكون له مكان في بلدنا، خاصة عندما يسبب الكثير من الألم والمعاناة الاقتصادية للأمهات وأولادهن، الذين يعتبرون أنفسهم أردنيين مثل جيرانهم وزملائهم في الصف وأقاربهم. على الحكومة الأردنية أن تعدل هذه السياسات المؤدية الى نتائج عكسية، حتى تحتفل سميرة في عيد الأم القادم وهي ليست المعيلة الوحيدة لأسرتها.