بعد أربع سنوات من سيطرة الدولة الإسلامية، أمام الحكّام الجدد لمدينة الرقة المنكوبة قائمة طويلة ومرهقة من الأمور التي يجب إنجازها. من المهام الملحّة إعادة إرساء منظومة قضائية تعمل كما يجب بحيث تتمكّن من إحقاق العدالة للضحايا، ومقاضاة المشتبه بهم الخطرين المنتمين إلى تنظيم "الدولة الإسلامية"، والبت في عدد كبير من الخلافات على الأملاك والخلافات الشخصية التي طرأت خلال النزاع.
قد تبدو العدالة أقل إلحاحا بالمقارنة مع المشاغل الفورية المتعلقة بنزع الألغام وإعادة تفعيل خدمات المياه والكهرباء، لكن سيكون من الخطأ التفكير بهذه الطريقة. فمستقبل الاستقرار في الرقة يتوقف على قدرة السلطات على تأمين العدالة كي لا يسعى الضحايا إلى الانتقام، وكي لا يتم إنزال عقاب جماعي بالأشخاص الذين يُعتقَد أنهم عملوا مع تنظيم الدولة الإسلامية أو قدّموا له المساعدة. إنه تحدٍّ عسير لا تتوافر له حلول بسيطة. في الوقت الراهن، تُرِكَت هذه المهمة في عهدة محاكم أنشئت حديثا تضم قضاة ومحامين ذوي نوايا حسنة، إنما تعاني من شح الموارد، ومحدودية الشرعية، ومن مشكلات خطيرة في اتباع الأصول والإجراءات القانونية.
أعلنت "قوات سورية الديمقراطية"، وهو التحالف الكردي-العربي المدعوم من الولايات المتحدة الذي استعاد السيطرة على الرقة، أنها ستقوم بتسليم إدارة الشؤون اليومية للمدينة إلى مجلس الرقة المدني. يسعى المجلس راهنا إلى الانضمام إلى منظومة الحكم الذاتي اللامركزية التي أنشأها الأكراد في ثلاثة كنتونات في المنطقة الواقعة في شمال سوريا والتي يُشار إليها عادةً بروج آفا. تشجّع السلطات في روج آفا اعتماد مقاربة "هرمية من الأسفل إلى الأعلى"، كما تسمّيها، في إدارة شؤون القضاء والعدالة، عبر إنشاء محاكم شعب محلية للنظر في القضايا المدنية والجنائية. في 22 أكتوبر/تشرين الأول، أعلن مجلس الرقة، على خطى بلدات أخرى تمت استعادتها من قبضة الدولة الإسلامية، أنه في صدد إنشاء محكمة شعب جديدة لمدينة الرقة والريف المحيط بها. سوف تبتّ المحكمة في القضايا الجنائية كما المدنية، لا سيما النزاعات على الأملاك التي نشأت خلال وجود التنظيم في المدينة.
لم يوضَع تقييم شامل لعمليات هذه المحاكم، غير أن الدراسات القليلة التي أُنجِزت تُظهر أنها تعاني من غياب المهنية، بما في ذلك ندرة المدّعين العامين والقضاة المدرَّبين. واشتكى بعض النقّاد أيضا من تسييسها على أيدي حزب الاتحاد الديمقراطي" المسيطِر محلياً".
أما في ما يتعلق بقضايا الإرهاب، فهي ليست من اختصاص محاكم الشعب، بل "محكمة حماية الشعب" التي لها مقر في كل من القامشلي وعفرين. في يوليو/تموز الماضي، قبل استعادة السيطرة على الرقة، نظرت هذه المحكمة في أكثر من 700 قضية على صلة بالإرهاب في روج آفا، وذلك بموجب قانون لمكافحة الإرهاب أقرّه المجلس التشريعي المحلي في روج آفا العام 2014. تسود مخاوف شديدة بشأن مدى تقيّد هذه المحكمة بالأصول والإجراءات القانونية، وذلك على ضوء حرمان المشتبه بهم من الحق في توكيل محامٍ وفي استئناف الأحكام الصادرة بحقهم. وقد اشتكى المعتقلون من إبقائهم في الحجز لفترات طويلة قبل إحالتهم إلى المحاكمة، ومن عدم قدرتهم على تحدّي الأدلة المستخدَمة ضدهم. لكن، وفي خطوة إيجابية، أقدمت السلطات في روج آفا على إلغاء عقوبة الإعدام، بما في ذلك في قضايا الإرهاب.
في غضون ذلك، ليست هناك استراتيجية للتعامل مع المواطنين الأجانب الذين انضموا إلى تنظيم الدولة الإسلامية، أو مع عائلات السوريين المنضويين في التنظيم، والتي يعيش عدد كبير من أفرادها في المخيمات المخصصة للنازحين. صحيح أن عددا كبيرا من النساء والأطفال ليس قيد التوقيف رسميا، إلا أنهم محتجَزون بحكم الأمر الواقع داخل المخيمات، وليست لديهم أدنى فكرة عما ينتظرهم في المستقبل.
من السهل توجيه الانتقادات إلى هذه المحاكم المحلية. فهي تعمل في ظل الشح الشديد في المواد والموارد البشرية، كما أنها لا تستوفي المعايير الأساسية التي تضمن التقيد بالأصول والإجراءات القانونية. إلا أنه ليس هناك من بديل آخر في الوقت الراهن، فالمحاكم التابعة للحكومة السورية تلجأ إلى التعذيب على نطاق واسع ولا تتقيد بالإجراءات القانونية. بدلا من ذلك، من شأن بذل مزيد من الجهود الدولية أن يساهم في تحسين هذه المحاكم لضمان حقوق المعتقلين ومعالجة مسألة محاكمة الرعايا الأجانب.