(بيروت، 4 يناير/كانون الثاني 2016) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن السلطات السعودية نفذت أكبر عملية إعدام جماعي في البلاد منذ 1980، وأعدمت 47 رجلا في 2 يناير/كانون الثاني 2016. أُدين جميع الرجال، بحسب وكالة الأنباء السعودية الرسمية، استنادا إلى اتهامات تتعلق بالإرهاب، وكان أغلبهم أعضاء بتنظيم "القاعدة". جاء الإعدام الجماعي الذي استهل 2016، عقب 158 عملية إعدام في 2015 بحسب هيومن رايتس ووتش.
يوجد 4 رجال شيعة على الأقل بين الذين أُعدموا، منهم الشيخ نمر النمر؛ رجل دين شيعي بارز، حُكم عليه بالإعدام في 2014، بعد أن أدانته محكمة سعودية بمجموعة اتهامات غامضة تستند إلى حد كبير، فيما يبدو، إلى انتقاده السلمي للمسؤولين السعوديين. نُفذت عمليات الإعدام الـ 47 داخل السجون في 12 محافظة مُختلفة في المملكة. تم قطع رقاب الرجال في كافة السجون، عدا 4 أُعدموا رميا بالرصاص، بحسب وكالة "رويترز".
قالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "استهلت السعودية 2016 على نحو مُشين بإعدام 47 شخصا في يوم واحد، بعد عام شهد أعلى مُعدل إعدام في تاريخها الحديث. عقوبة الإعدام ليست على الإطلاق حلا لمواجهة الجرائم، ويضيف الإعدام الجماعي للسجناء المزيد من العار إلى سجل السعودية المثير للقلق في مجال حقوق الإنسان".
حذّرت السلطات السعودية في البداية من تنفيذ إعدام جماعي في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2015، حين أفادت صحيفة "عكاظ" المحلية أن المملكة قد تعدم 55 شخصا "ينتمون لتنظيم القاعدة والعوامية"، البلدة الشيعية في المنطقة الشرقية التي انحدر منها النمر.
ربطت وكالة الأنباء السعودية الرجال الذين أُعدموا بسلسلة من هجمات القاعدة في جميع أنحاء المملكة في 2003 و2004، وذكرت على وجه الخصوص هجمات مُنسقة على "مُجمع الحمراء السكني"، و"مجمع فينيل السكني"، و"مُجمع إشبيلية السكني" في الرياض في مايو/أيار 2003؛ وهجمات على "مجمع الشركة العربية للاستثمارات البترولية" (أي بي كورب) و"شركة بتروليوم سنتر"، ومجمع "الواحة السكني" بمحافظة الخبر بالمنطقة الشرقية في مايو/أيار 2004؛ وتفجير استهدف "الإدارة العامة للمرور" بالرياض في أبريل/نيسان 2004؛ وتفجيرين استهدفا مقر وزارة الداخلية ومقر "قوات الطوارئ" في الرياض في ديسمبر/كانون الأول 2004؛ وهجوم على القنصلية الأمريكية في جدة في ديسمبر/كانون الأول 2004.
لم يُحدد الإعلان أي شخص أُدين بأي تهمة، إلا أنه أشار إلى أن 4 أشخاص فقط من بين الـ 47 أُدينوا بجرائم الحد، التي تضع لها الشريعة الإسلامية عقوبات مُعينة منها الإعدام، بينما حُكم على 43 شخصا استنادا إلى تقدير قضائي.
من الاتهامات الموجهة للنمر "الخروج على ولي الأمر"، و"التحريض على الفتنة الطائفية"، ودعم الشغب وتدمير المُمتلكات العامة أثناء احتجاجات 2011 و2012 في البلدات والمُدن ذات الأغلبية الشيعية. ثارت مخاوف خطيرة حول عدالة المُحاكمة جراء إجراءات المحكمة الجزائية السعودية المُتخصصة، التي أجرت المُحاكمة في 13 جلسة على مدار عام ونصف. طالت المخاوف الاتهامات الغامضة التي لا تتطابق مع جرائم محددة، وعقد الجلسات دون إخبار المُستشار القانوني للنمر.
قبضت السلطات على النمر في يونيو/حزيران 2012، واحتجزته لمدة 8 شهور قبل توجيه الاتهامات، رغم أن وزارة الداخلية وصفته بأنه "أحد مثيري الفتنة"، عقب القبض عليه. زعم المسؤولون أنه قاوم القبض عليه واصطدم بإحدى سيارات قوات الأمن، ما أدى إلى تبادل إطلاق نار أُصيب النمر فيه. تُظهر الصور المزعومة للحادث التي نشرتها وسائل الإعلام المحلية، الشيخ الجريح مُمددا في مقعد خلفي بإحدى السيارات وهو يرتدي ثوبا أبيض اللون، عليه آثار دماء. أخبر فرد من عائلة النمر هيومن رايتس ووتش أن النمر لا يمتلك مُسدسا، وأنه يرفض زعم أنه قاوم القبض عليه.
أخبر نشطاء محليون وأفراد من عائلة النمر هيومن رايتس ووتش أن النمر يُساند الاحتجاجات السلمية فقط، ويتجنب أي مُعارضة عنيفة للحكومة. اقتبس تقرير "بي بي سي" عام 2011 كلماته باعتباره مُساندا "زئير الكلمة ضد السلطات بدلا من الأسلحة... سلاح الكلمة أقوى من الرصاص، لأن السلطات ستربح في معركة السلاح". يقول النمر في مقطع فيديو آخر مُتاح على يوتيوب "لا يجوز لأحد أن يستعمل سلاح ويُفسد على المُجتمع ما يحصل عليه من مكاسب".
تميز السلطات السعودية منهجيا ضد المواطنين الشيعة، الذي يشكلون من 10 إلى 15 بالمئة من السكان. يحد هذا التمييز من حصول الشيعة على تعليم عام ووظائف حكومية. لا يحصلون على المُساواة بموجب النظام القضائي، وتعوق الحكومة قدرتهم على مُمارسة شعائرهم الدينية بحُرية، ونادرا ما تسمح للمواطنين الشيعة ببناء المساجد.
تسبب توقيف النمر في 2012 في اندلاع مظاهرات في العوامية، بلدة شيعية في محافظة القطيف، كانت مركزا لمظاهرات مناهضة للحكومة منذ 2011. أفادت وسائل إعلام أن قوات الأمن أطلقت الرصاص وقتلت شخصين من المُتظاهرين عشية القبض على النمر.
قال نشطاء محليون، رفضوا ذكر أسمائهم خوفا من الاعتقال، إن النمر يحظى بتأثير قوي بين شباب الشيعة نتيجة نقده العلني للسياسات الحكومية والدعوة إلى حقوق أكبر لهذه الطائفة. في أواخر مارس/آذار 2009، أشار النمر في خطبة يوم جمعة إلى أن الشيعة قد يُفكرون في الانفصال عن السعودية إذا استمرت الحكومة في إنكار حقوقهم. حين حاولت السلطات احتجازه، لجأ إلى الاختباء. عقب إعدامه، نشرت السعودية قوات أمن في القطيف، وحافظت على وجودها المُكثف بينما تجمعت الحشود للاحتجاج، بحسب الموقع الإخباري "ميدل إيست آي".
وثقت هيومن رايتس ووتش انتهاكات إجراءات التقاضي السليمة القائمة منذ زمن بعيد في نظام العدالة الجنائية السعودي، التي تصعّب حصول المتهم على مُحاكمة عادلة حتى في قضايا الإعدام. وكشف تحليل هيومن رايتس ووتش في سبتمبر/أيلول عن مخاوف جدية بشأن الإجراءات القانونية السليمة خلال 4 محاكمات لمُحتجين من الشيعة أمام "المحكمة الجزائية المتخصصة". منها اتهامات فضفاضة لا تشبه جرائم مُعترف بها، والحرمان من الوصول إلى المحامين عند الاحتجاز وخلال فترة الحبس الاحتياطي، والرفض السريع لادعاءات التعذيب دون التحقيق، وقبول الاعترافات التي زعم المُتهمون أنها اُنتزعت منهم قسرا.
قالت سارة ليا ويتسن: "إن إعدام رجل دين شيعي بارز عقب مُحاكمة غير عادلة لن يؤدي إلا إلى مزيد من الفتنة الطائفية والاضطراب الراهنين. سبيل السعودية إلى الاستقرار في المنطقة الشرقية يكمن في إنهاء التمييز المنهجي بحق المواطنين الشيعة، وليس بالإعدامات".