(نيويورك) ـ قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن العشرات من الغارات الجوية التي شنتها قوات الحكومة على محافظة حلب في الشهر الماضي، وأسفرت عن مقتل المئات من المدنيين وبينهم أطفال، كانت غير مشروعة. بعد شهور من تعادل الكفتين بين القوات الحكومية والمعارضة في حلب، وثقت هيومن رايتس ووتش اشتداداً للهجمات الحكومية بدءاً من 23 نوفمبر/تشرين الثاني، وقد شهدت أيام 15-18 ديسمبر/كانون الأول أعنف الغارات الجوية على حلب حتى تاريخه.
أصابت الهجمات مناطق سكنية وتجارية، فتسببت في أحيان كثيرة في مقتل العشرات من المدنيين، إما بإخطاء الأهداف العسكرية المحتملة أو بدلائل لا تذكر على وجود أهداف عسكرية مقصودة في محيط الهجمات. أجرت هيومن رايتس ووتش عن طريق الهاتف مقابلات مع ضحايا وشهود ونشطاء محليين ومشتغلين في القطاع الطبي، وتحققت من أقوالهم بتحليل مقاطع فيديو وصور فوتوغرافية منشورة على الإنترنت. كما زار أحد مستشاري هيومن رايتس ووتش ثلاثة من مواقع الهجمات وأجرى مقابلات مع ثمانية من الضحايا والشهود.
قال أوليه سولفانغ، وهو باحث أول في ملف حالات الطوارئ في هيومن رايتس ووتش: "لقد عملت القوات الحكومية على نشر الدمار في حلب خلال الشهر الماضي، فإما أن تكون القوات الجوية السورية عديمة الكفاءة لدرجة إجرامية، أو أنها لا تكترث بقتل العشرات من المدنيين ـ أو أنها تتعمد استهداف المناطق المدنية".
قامت الشبكة السورية لحقوق الإنسان التي تتخذ من لندن مقراً لها، والتي حققت في الوفيات الواقعة بين 15 و18 ديسمبر/كانون الأول، بتوثيق وفاة 232 مدنياً، توفي أغلبيتهم الساحقة جراء الغارات الجوية. كما قامت مجموعة رصد أخرى من داخل سوريا تعمل على جمع معلومات عن الوفيات أثناء النزاع، وهي مركز توثيق الانتهاكات، بجمع أسماء 206 أشخاص قتلوا في غارات جوية بين 15 و18 ديسمبر/كانون الأول، بينهم مقاتلان.
وثق مركز توثيق الانتهاكات مقتل 433 شخصاً في غارات جوية في سائر محافظة حلب بين 22 نوفمبر/تشرين الثاني و18 ديسمبر/كانون الأول، وكان ثمانية فقط من هؤلاء من مقاتلي المعارضة.
وتشير أبحاث أجرتها هيومن رايتس ووتش أيضاً إلى أن هجمات قوات المعارضة، التي أدت إلى مقتل مدنيين في الجزء الخاضع لسيطرة الحكومة من مدينة حلب في نفس التوقيت، كانت على ما يبدو عشوائية عديمة التمييز، وبالتالي غير مشروعة.
ويبدو أن هذه الغارات الجوية الأخيرة قد اتبعت نفس النمط الذي اتبعته غارات كانت هيومن رايتس ووتش قد وثقتها في تقريرها لشهر أبريل/نيسان، "موت من السماء". خلصت هيومن رايتس ووتش إلى أن القوات الحكومية استخدمت وسائل وأساليب حربية لا يمكنها، في الظروف السائدة، التمييز بين المدنيين والمحاربين، مما يجعل الهجمات عشوائية عديمة التمييز وبالتالي غير مشروعة. بدت قوات الحكومة في بعض الحالات وكأنها تتعمد استهداف المدنيين والأعيان المدنية، أو كأنها لم تستهدف أعياناً عسكرية ظاهرة.
أصابت معظم الهجمات التي وثقتها هيومن رايتس ووتش في الشهر الماضي ما لا يقل عن 16 حياً سكنياً في الجزء الخاضع لسيطرة المعارضة من مدينة حلب، وبلدة الباب التي تبعد 40 كيلومتراً إلى الشمال الشرقي. كانت الباب في قبضة المعارضة منذ يوليو/تموز 2012، وكثيراُ ما تأتي منها إمدادات المقاتلين لمواجهة القوات الحكومية في حلب.
سقطت بعض الهجمات التي وثقتها هيومن رايتس ووتش على مقربة نسبية من أهداف عسكرية محتملة، فعلى سبيل المثال، في 12 نوفمبر/تشرين الثاني، سقطت قنبلة أدت إلى مقتل 12 مدنياً في حلب على مسافة نحو 100 متر من بناية يحتلها مقاتلون للمعارضة. إلا أن سكان محليين من حلب والباب قالوا إن هجمات الشهر الماضي لم تصب أو تعطب أياً من قواعد المعارضة أو نقاط تفتيشها المعروفة في المدينتين.
قال سكان محليون ممن شهدوا الهجمات أو وصلوا إلى مسرحها بعدها بقليل، قالوا لـ هيومن رايتس ووتش إنهم لم يروا مقاتلين معارضين مسلحين ضمن الجرحى والقتلى. وقال طبيب يعمل بمستشفى ميداني في حلب، استقبل أكثر من 100 مصاب في 15 ديسمبر/كانون الأول، لـ هيومن رايتس ووتش إن عدداً قليلاً من مقاتلي المعارضة كانوا بين المصابين، لكن الـ30 الذين توفوا في المستشفى في ذلك اليوم لم يكن بينهم أحد منهم. وقال الطبيب إن مقاتلي المعارضة جرحوا عند سقوط قنابل على بناية سكنية يعيش فيها أقارب لهم بينما كانوا يستريحون في بيوتهم، وليس أثناء القتال.
زعم الشهود وبعض التقارير الإعلامية أن الكثير من القنابل التي أصابت حلب والباب في الشهر الماضي كانت عبارة عن براميل للنفط مملوءة بالمتفجرات والمواد المساعدة على التشظي، مثل المعادن الخردة أو المسامير، والتي يطلق عليها عادة القنابل البرميلية، وقد تم إلقاؤها من مروحيات. ويبدو أن صورة فوتوغرافية منشورة على صفحة "فيسبوك" الخاصة بقناة "حلب اليوم"، ويظهر بها برميل نفط مهشم يُزعم أن مروحية أسقطته على حلب في 16 ديسمبر/كانون الأول، تؤيد المزاعم التي تفيد باستخدام القنابل البرميلية، كما كانت هيومن رايتس ووتش قد وثقت استخدام القوات الجوية السورية لمثل تلك الأسلحة في الماضي. إلا أن غياب الأدلة القاطعة المستمدة من مقاطع الفيديو وغياب بقايا الأسلحة في مواقع الهجمات كانا يعنيان عدم تمكن هيومن رايتس ووتش من الخلوص إلى استنتاج بشأن نوعية الأسلحة المستخدمة في الهجمات الأخيرة.
تبين المقابلات، والصور ومقاطع الفيديو المأخوذة في أعقاب الهجمات، أن العديد من الهجمات قد أدت إلى تلفيات كبيرة، ودمرت في بعض الأحيان بناية أو عدة أبنية بالكامل. وتعتقد هيومن رايتس ووتش أنه لا يجوز للقادة العسكريين، كسياسة عامة، إصدار أوامر باستخدام أسلحة انفجارية يمتد أثرها على مساحات واسعة في المناطق المأهولة، بسبب الضرر المتوقع للمدنيين.
ويبدو أيضاً أن قوات المعارضة قد خالفت القانون الدولي إبان الاشتداد الأخير للقتال، عن طريق إطلاق صواريخ وقذائف هاون على نحو عشوائي على مناطق مدنية في الجزء الخاضع لسيطرة الحكومة من حلب. فعلى سبيل المثال، في 4 ديسمبر/كانون الأول، أطلقت قوات المعارضة ما لا يقل عن 10 صواريخ أرض-أرض على العديد من تلك المناطق السكنية، فقتلت 19 مدنياً على الأقل، بحسب مقابلة مع أحد سكان المنطقة، وصور ومقاطع فيديو راجعتها هيومن رايتس ووتش.
تقرر بدء مباحثات السلام في مفاوضات "جنيف 2" السياسية بين الحكومة وبعض فصائل المعارضة في مونترو بسويسرا، يوم 22 يناير/كانون الثاني 2014.
قالت هيومن رايتس ووتش إن على مجلس الأمن الأممي إحالة الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية، وفرض حظر للتسلح على الحكومة، وتبني جزاءات بحق مسؤولي الحكومة المتورطين في انتهاكات.
قال أوليه سولفانغ: "فيما كان انتباه العالم ينصب على مباحثات السلام المحتملة، كانت الحكومة السورية تهاجم المناطق المدنية بقوة نيران كبيرة. وحتى بينما يحاول الدبلوماسيون التوصل إلى حل سياسي، ينبغي للعالم ألا يسكت على قتل المدنيين دون وجه حق".
الهجمات الحكومية
فيما يلي الهجمات التي تم شنها منذ 22 نوفمبر/تشرين الثاني، والتي وثقتها هيومن رايتس ووتش وأسقطت العدد الأكبر من القتلى المدنيين.
15-18 ديسمبر/كانون الأول، حلب
شنت القوات الجوية السورية هجمة متواصلة، بالمقاتلات النفاثة والمروحيات، فأسقطت عشرات القنابل فوق ما لا يقل عن 16 حياً في الجزء الخاضع لسيطرة المعارضة من حلب، بين 15 و18 ديسمبر/كانون الأول.
وقد أدى القصف المكثف والعدد الكبير من الخسائر المدنية إلى صعوبة التحديد الفوري لحصيلة القتلى بدقة، لكن الشبكة السورية لحقوق الإنسان، التي كانت تحقق بالتحديد في الوفيات الناجمة عن غارات جوية، قامت بجمع أسماء 233 شخصاً قتلوا على مدار الأيام الأربعة. وبحسب الشبكة، كان أحد القتلى مقاتلاً معارضاً قتل جراء القصف يوم 16 ديسمبر/كانون الأول، بينما كان الباقون من المدنيين. اشتملت الأسماء التي جمعتها الشبكة على 60 طفلاً و35 سيدة. أما مركز توثيق الانتهاكات فقد جمع 206 أسماء، بينهم اثنان من المقاتلين. وتشمل قائمة مركز توثيق الانتهاكات 72 طفلاً و15 سيدة.
أكد الشهود والسكان المحليون الذين أجرت معهم هيومن رايتس ووتش مقابلات العدد الكبير من الخسائر المدنية في أعقاب الغارات المتكررة على مناطق سكنية وتجارية من المدينة. وقال طبيب يعمل بأحد مستشفيات حلب الميدانية إن مستشفاه، في يوم 15 ديسمبر/كانون الأول وحده، استقبل أكثر من 100 جريح، وتوفي ثلاثون منهم في المستشفى. وكان بين الجرحى 41 طفلاً و11 سيدة. وقال لـ هيومن رايتس ووتش إن عدداً من المستشفيات الأخرى في حلب استقبلوا مصابين بدورهم.
تكررت غارات القوات الجوية السورية على دوار الحيدرية، وهو تقاطع محوري على أحد الطرق الرئيسية، يربط بين حلب الخاضعة لسيطرة المعارضة وبين المناطق الريفية. كما كان الدوار نقطة تجمع للحافلات التي تخدم ريف حلب، فكان يزدحم عادة بالمدنيين، كما قال السكان لـ هيومن رايتس ووتش. هاجمت القوات الحكومية تلك المنطقة في يومي 15 و16 ديسمبر/كانون الأول، بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان وشاهدين أجرت معهما هيومن رايتس ووتش مقابلات. وقال ناشط، كان قد وصل إلى الدوار بعد 10 دقائق من هجمة يوم 16 ديسمبر/كانون الأول، إن الهجمة أصابت مرآباً يكتظ بالناس ويجاور الدوار:
رأيت النيران مشتعلة في ما لا يقل عن 8 حافلات صغيرة [ميكروباصات]، وكان هناك الكثير من المصابين، وبينهم سيدات وأطفال. كانت يد أحد الرجال قد انفصلت في الهجمة. كان يبيع الخضر في سوق قريبة. أعتقد أن 60 شخصاً على الأقل أصيبوا وقتل 25 في الهجمة.
قال الشاهدان لـ هيومن رايتس ووتش إنهما لم يريا مقاتلين معارضين مسلحين ضمن الجرحى، ولم تكن هناك قواعد أو نقاط تفتيش للمعارضة قرب الدوار.
في حوالي الساعة 3:30 من مساء 15 ديسمبر/كانون الأول، بعد الهجمة على الدوار، قامت مروحية بإسقاط قنبلتين على حي الصاخور، على بعد نحو 400 متر، فقتلت 12 شخصاً، بحسب ناشط وصل إلى مسرح الأحداث عقب الغارة الأخيرة:
كانت نحو ست بنايات قد تعرضت لتلفيات كبيرة. أسقطت المروحية قنبلة واحدة في البداية، ثم أسقطت الثانية بعد وصول الإسعاف، بحيث كان كثير من القتلى من فريق المسعفين.
يظهر في صور ومقاطع فيديو راجعتها هيومن رايتس ووتش لموقع الهجوم تلفيات كبيرة في عدة مباني.
قال الناشط لـ هيومن رايتس ووتش إنه ذهب أيضاً إلى سوق الخضر بحي الصاخور بعد إصابته في 16 ديسمبر/كانون الأول. وقال إن تسعة منازل تعرضت لتدمير تام وقتل 17 شخصاً في الهجوم.
أصابت إحدى هجمات يوم 16 ديسمبر/كانون الأول موضعاً يقع أمام بوابة مدرسة طيبة في حي الإنذارات، فقتلت ما لا يقل عن 14 مدنيا، بينهم معلمان و4 أطفال وسيدة واحدة، بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان. وأكد طبيب المستشفى الميداني أسماء 10 من القتلى، وأن القنبلة أصابتهم في مدرسة. وقال أحد الجيران لـ هيومن رايتس ووتش إنه كان بمنزله عند وقوع الهجمة:
كان هناك انفجار هائل وسقطت أنا وزوجتي على الأرض. كنا مغطيين بالزجاج المهشم من النوافذ المكسورة. وبعد الانفجار خرجت. حين وصلت إلى مدرسة طيبة رأيت أن صاروخاً قد سقط أمام بوابة المدرسة مباشرة. وكان عدة أشخاص ممن كانوا يقفون بجوار البوابة قد قتلوا. وتقطع جار لنا، وهو صبي عمره 11 عاماً، إلى 3 قطع. كما رأيت الحارس و3 أو 4 من المدرسين مقتولين.
قال الجار لـ هيومن رايتس ووتش إن مدرسة طيبة كانت من المدارس القليلة في الجزء الخاضع لسيطرة المعارضة من حلب التي أعيد افتتاحها بعد اندلاع القتال في حلب في العام الماضي. وقال إنه كانت هناك مبان يستخدمها مقاتلو المعارضة على بعد 200 متراً إلى الشرق و200 متراً إلى الغرب من المدرسة، لكن أولياء الأمور أصروا على عدم وجود مقاتلين معارضين مسلحين قرب المدرسة بسبب خطر الهجمات:
ما زالت الحكومة تدير المدرسة وتدفع رواتب المدرسين. وهم يعرفون أنه لا يوجد مقاتلون للمعارضة بالقرب من المدرسة. لم يخطر لي ببال أن يهاجموا المدرسة. عندما أعيد افتتاحها أصر أولياء الأمور على عدم وجود مقاتلين معارضين مسلحين قرب المدرسة، فأخلوا الحي. لن أفهم أبداً لماذا هاجموا المدرسة على هذا النحو.
بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، سقط أكثر من 30 قنبلة على ما لا يقل عن 16 حياً في حلب وكذلك الباب وعندان بريف حلب، يومي 15 و16 ديسمبر/كانون الأول.
30 نوفمبر/تشرين الثاني-1 ديسمبر/كانون الأول، الباب
في يومي 30 نوفمبر/تشرين الثاني و1 ديسمبر/كانون الأول، هاجمت القوات الجوية السورية بلدة الباب، بإطلاق صواريخ من مقاتلات وإلقاء قنابل من مروحيات، فقتلت ما لا يقل عن 61 شخصاً، بحسب قائمة بالخسائر أعطاها لـ هيومن رايتس ووتش أحد أعضاء اللجنة التنسيقية بالباب، التي توثق الانتهاكات وتقدم المساعدات.
قال ناشط محلي، يجمع المعلومات عن المصابين والقتلى ويحقق في الهجمات، لـ هيومن رايتس ووتش إن مقاتلة نفاثة أطلقت صاروخين قرب طرف السوق الرئيسية في المدينة يوم 30 نوفمبر/تشرين الثاني، فقتلت 12 مدنياً. ثم قامت المروحيات بإسقاط 6 قنابل على مناطق سكنية في شرق المدينة ووسطها في أوقات متباينة، فقتلت 18 شخصاً آخرين.
وفي 1 ديسمبر/كانون الأول ألقت طائرة مروحية ما لا يقل عن 4 قنابل على الباب، بحسب اثنين من السكان المحليين الذين أجرت معهما هيومن رايتس ووتش مقابلات. سقطت إحدى القنابل قرب سوق تعرف بالسوق المغطاة، أو السوق القديمة. وقال ساكن محلي وصل إلى مسرح الأحداث بعد 30 دقيقة من الهجمات لـ هيومن رايتس ووتش:
أصابت القنبلة مقهى تمتلكه عائلة حبش. تدمر المقهى تماماً، وقتل خمسة أشخاص من العائلة. كما تدمرت عدة مباني بالكامل. وكان معظم المصابين من السيدات والأطفال، مجرد متسوقين عاديين. تقع معظم الغارات في مناطق كثيفة السكان.
وأكد شاهد ثان إصابة المقهى. واشتملت قائمة الخسائر التي أعدتها لجنة التنسيق المحلية على أسماء خمسة من أفراد عائلة حبش. إجمالاً، تسببت الغارات الجوية على الباب يوم 1 ديسمبر/كانون الأول في قتل 31 مدنياً.
قال الشاهدان اللذان أجرت معهما هيومن رايتس ووتش مقابلات إنهما لم يريا مقاتلين معارضين بين الجرحى في مسرح الهجمة. أما قائمة الخسائر، التي تذكر ما إذا كان القتيل مدنياً أو مقاتلاً، فهي تدرج أسماء كافة القتلى باعتبارهم مدنيين. قال الشاهدان لـ هيومن رايتس ووتش إن أياً من قواعد المعارضة المسلحة المعروفة في الباب لم تصب أو تعطب في الهجمات.
28 نوفمبر/تشرين الثاني، حلب
في حوالي الساعة 3:30 من مساء 28 نوفمبر/تشرين الثاني، قامت مروحية بإسقاط قنبلة قرب دوار قاضي عسكر في حلب. وسجل مركز توثيق الانتهاكات أسماء 12 شخصاً قتلوا في الهجمة، بينهم 5 أطفال. زارت هيومن رايتس ووتش الموقع وأجرت مقابلات مع 5 شهود. وقال الشهود إنهم يعتقدون أن نحو 15 شخصاً قد قتلوا. قال ميكانيكي سيارات كان يعمل في ورشة قريبة:
رأينا مروحيات تحوم في السماء، ثم سمعنا انفجاراً. وبقيت داخل الورشة كالمعتاد تحسباً لسقوط المزيد من القنابل. بعد دقيقتين سمعت انفجاراً شديد الارتفاع، وارتجت الأرض. كانت قطع من المبنى تسقط على رأسي. حين هرعت للخارج، رأيت الكثير من الموتى. كانت هناك حافلة تمر بالشارع عند سقوط القنبلة، وكان هناك العديد من الموتى داخل الحافلة. تعرفت على بعض جيراني وسط القتلى.
سقطت القنبلة في الشارع على بعد 50 إلى 150 متراً من عدة مباني تستخدمها جماعات المعارضة، كما اكتشفت هيومن رايتس ووتش في تحقيق ميداني.
23 نوفمبر/تشرين الثاني، حلب
في نحو ظهيرة يوم 23 نوفمبر/تشرين الثاني، قامت مروحية بإلقاء قنابل قرب دوار الحلوانية في حي طريق الباب بحلب، فدمرت بالكامل أحد المباني وأصابت مبان أخرى بتلفيات. زود بعض الجيران هيومن رايتس ووتش بأسماء 23 شخصاً قتلوا في الهجمات، بينهم 6 أطفال، وكلهم مدنيون. أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع 3 شهود، وقال صاحب متجر مجاور للمبنى المنهار:
كنت أساعد زبونة في متجري، حين سمعت فجأة صوتاً هائلاً وشعرت بالأرض ترتج. كانت الحجارة تتطاير في الهواء، والغبار بكل مكان. هرعنا إلى الخارج ورأينا أن المبنى المجاور قد انهار وأن الطابق الخامس من مبنانا قد تدمر بدوره. بدأنا نزيل الركام للبحث عن ناجين. رأيت ما لا يقل عن 10 من الموتى وسط الأنقاض، وبعضهم كنت أعرفهم.
بحسب معلومات جمعتها هيومن رايتس ووتش، كان مقاتلو المعارضة قد استولوا على قاعدة صغيرة تجاور المبنى المنهار، وقاعدة أكبر على بعد 350 متراً. وبحسب الجيران الذين زودوا هيومن رايتس ووتش بأسماء القتلى، لم يكن هناك وجود لمقاتلي المعارضة وسط المصابين أو القتلى.
الهجمات غير المشروعة من طرف قوات المعارضة
4 ديسمبر/كانون الأول، حلب
في 4 ديسمبر/كانون الأول سقط ما لا يقل عن 10 صواريخ أرض-أرض على عدة مناطق سكنية من الجزء الخاضع لسيطرة الحكومة من حلب، فقتلت 19 مدنياً على الأقل.
قال محلل سياسي يقيم بالجزء الخاضع لسيطرة الحكومة من حلب، وينتقد قوات الحكومة والمعارضة على السواء، ويكتب باسم مستعار هو "إدوارد دارك"، قال لـ هيومن رايتس ووتش عن طريق الهاتف إنه ذهب إلى حي الفرقان، أحد المناطق المتضررة من الصواريخ، بعد الهجمات بقليل. وبحسب أشخاص أجرى معهم مقابلات، سقط صاروخ واحد في البداية على الشارع، فدفع آخرين للإسراع نحو مسرح الأحداث. وبعد هذا بقليل سقط صاروخ ثان في محيط الأول المباشر، فسبب خسائر إضافية.
ونشرت شبكة أخبار حلب الموالية للحكومة على صفحتها بموقع "فيسبوك" أسماء 19 شخصاً، بينهم طفلان، قتلوا جراء الصواريخ في الجزء الخاضع لسيطرة الحكومة يوم 4 ديسمبر/كانون الأول.
قال دارك لـ هيومن رايتس ووتش إن صواريخ حي الفرقان سقطت على الجانب الشمالي من طريق تحفه بنايات من 5 طوابق، مما يدل على مجيء الصواريخ من المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة جنوبي موقع الهجمة.
تشير مقاطع فيديو أذاعها التليفزيون السوري، وصور فوتوغرافية لبقايا الأسلحة، إلى أنها كانت صواريخ مدفعية غير موجهة وسطحية الإطلاق. ويتعرض هذا النوع من الأسلحة للاستخدام العشوائي عديم التمييز لأنه سلاح طويل المدى مشبع التغطية، ولا يمكن توجيهه على نحو موثوق أو قصر آثاره على الأهداف العسكرية.
قال دارك لـ هيومن رايتس ووتش إن قوات المعارضة تطلق الصواريخ على الجزء الخاضع لسيطرة الحكومة من حلب بشكل شبه يومي:
لا أدري إن كانوا يستهدفون شيئاً بعينه، لكن إذا كانوا يفعلون فهم يخطئونه. بعض تلك المناطق مليئة بمباني الأجهزة الأمنية، لكنها لم تصب. أحياناً ما تسقط الصواريخ على أسطح أو شوارع خالية، لكنها تسقط في أحيان أخرى على شوارع مزدحمة أيضاً، فتحدث الكثير من الأضرار.
قال دارك لـ هيومن رايتس ووتش إن هجمات المعارضة تسببت أيضاً في قتل مدنيين في مناسبات أخرى، منها 19 نوفمبر/تشرين الثاني، حين تعرض الشارع الذي يطل عليه مبنى البلدية في حلب للهجوم. التقطت الدائرة التلفزيونية المغلقة خارج المبنى الهجمة، فظهر انفجار يحدث مباشرة بجوار شخصين يجلسان على جانب ما يبدو أنه ممر الدخول إلى المبنى.