(نيويورك) – على النائب العام المصري أن يحقق في الاحتجاز غير القانوني والمعاملة السيئة بحق العشرات من المتظاهرين المعارضين في القاهرة على يد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في 5 و6 ديسمبر/كانون الأول 2012. تم احتجاز 49 شخصاً على الأقل من المتظاهرين المعارضين للرئيس محمد مرسي بشكل غير قانوني أمام بوابة قصر الاتحادية الرئاسي، وهي المنطقة التي احتلها الإخوان المسلمون في ذلك التوقيت وأشرف عليها الأمن المركزي، على حد قول محتجزين وشهود عيان لـ هيومن رايتس ووتش. تمت أعمال الاحتجاز إبان مصادمات مسلحة أسفرت عن مقتل 10 أشخاص أغلبهم من أعضاء الإخوان المسلمين، وإصابة 748 آخرين طبقاً لوزارة الصحة.
يجب على النائب العام أن يحقق للتوصل للأطراف المسؤولة عن مقتل وإصابة المتظاهرين، وكذلك إخفاق قوات الأمن في التدخل لحماية الاعتصام السلمي الذي نظمه متظاهرون معارضون لمرسي، ومن أجل وقف عنف مؤيدي مرسي والمحتجين المعارضين لمرسي. يجب عليه أيضاً أن يحقق مع قيادات حزب الحرية والعدالة الذين دعوا علناً مؤيديهم إلى القبض على المتظاهرين المعارضين لمرسي.
ألقى مرسي كلمة في 6 ديسمبر/كانون الأول أشار فيها إلى "اعترافات" المتظاهرين المحتجزين كدليل على أنهم "بلطجية مأجورين"، وهي الكلمة التي تتعارض مع مبدأ براءة المتهم حتى تثبت إدانته وتدل على أن السلطات كانت تعلم بوقوع أعمال الاحتجاز غير قانونية أمام القصر الرئاسي. قال سكرتير الرئيس للشؤون الخارجية، المهندس خالد القزاز، لـ هيومن رايتس ووتش أن الرئاسة لم تكن تعرف باحتجاز 49 شخصاً في ذلك التوقيت وأنه جاري الآن التحقيق في هذا الأمر بالإضافة إلى التحقيق في التقارير التي ظهرت عن الوفيات والإصابات.
وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "بدلاً من إدانة الاحتجاز غير القانوني والانتهاكات التي وقعت أمام القصر الرئاسي، تحدث الرئيس مرسي ضد الضحايا. إن رد النائب العام إزاء هذه القضية البارزة والمهمة، وبالأساس استعداده للتحقيق في العنف من الجانبين ودور مسؤولي الدولة في أعمال العنف، سيحدد مدى حماية سيادة القانون أثناء هذه الفترة المضطربة المتوترة".
بعد ظهر يوم 5 ديسمبر/كانون الأول، خرج المئات من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين ومؤيدي الجماعة في مسيرة إلى القصر الرئاسي رداً على عدة أيام من احتجاجات المعارضين للإعلان الدستوري الذي أصدره مرسي في 22 نوفمبر/تشرين الثاني، الذي منح الرئيس سلطات موسعة. انضم إليهم أعضاء من حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين، وقد طالب قيادات الحزب أعضائه بالمشاركة في الاحتجاجات. ثم قام مؤيدو الجماعة وحزب الحرية والعدالة بتفريق اعتصام العشرات من المتظاهرين المعارضين لمرسي، فمزقوا خيامهم وعبثوا بأمتعة المعتصمين طبقاً لشهود عيان وبناء على مقاطع فيديو توثق ما حدث.
وعلى مدار الساعات الـ 12 التالية، تصاعد العنف بين مؤيدي مرسي والمتظاهرين المعارضين له، في البداية بالتراشق بالأحجار، ثم بزجاجات المولوتوف الحارقة والخرطوش والأسلحة النارية الخفيفة، من قبل الطرفين. لم تبذل قوات الأمن المركزي – شرطة مكافحة الشغب المصرية – وقوات الأمن المتمركزة إلى جوار الأحداث وبينها الحرس الجمهوري والشرطة العسكرية – أي جهود تُذكر لوقف العنف. قال المهندس القزاز لـ هيومن رايتس ووتش إن الرئيس أعطى "تعليمات لأجهزة الأمن كي تمارس ضبط النفس وتتفادى استخدام القوة المفرطة، وأن تنسحب إذا لزم الأمر لتفادي وقوع خسائر بشرية".
وقال جو ستورك: " مسؤولية السلطات المصرية تتمثل في ضمان حماية الشرطة وصيانتها للحق في التظاهر السلمي". وأضاف: "يجب على النائب العام أن يحقق فوراً وبشكل غير منحاز في الوفيات التي أسفرت عنها المصادمات وأن يشمل التحقيق إخفاق قوات الأمن في منع كسر الاعتصام ووقف العنف الذي وقع بعد ذلك".
أثناء المصادمات مساء 5 ديسمبر/كانون الأول، قال نائب أمين عام حزب الحرية والعدالة، عصام العريان في حديث له على الهواء إن على جميع الآن أن يذهبوا إلى الاتحادية لحصار البلطجية ولإبعاد الثوار الحقيقيين عنهم حتى نتمكن من القبض عليهم [البلطجية] جميعاً بعد ليلة أو ليلتين... تم إطلاق دعوات مشابهة على مواقع التواصل الاجتماعي. وبعد ذلك بقليل، بدأ مؤيدو مرسي في القبض على المتظاهرين المعارضين لمرسي واحتجازهم.
ظهرت تقارير عن قيام أعضاء من الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة ومؤيدين للجماعة والحزب، باحتجاز 49 متظاهراً معارضاً لمرسي في مركز احتجاز ميداني لدى بوابة الاتحادية. تعرض هؤلاء المحتجزين للضرب والمعاملة السيئة أثناء القبض عليهم وفي موقع الاحتجاز. ونص أحد محاضر قسم شرطة مصر الجديدة حصل محامي حقوق الإنسان طاهر عبد الناصر على نسخة منه بأن "شباب الحرية والعدالة قاموا بتسليم المحتجزين إلى القسم". وبعد الإفراج عن المتظاهرين، وصف خمسة منهم لـ هيومن رايتس ووتش كيف تم اختطافهم واحتجازهم وإساءة معاملتهم، بينما ذكر المحامون وأقارب لهم جهودهم التي بذلوها من أجل التوصل لأماكنهم وللإفراج عنهم.
وقال محمد عُمر، وهو مهندس: "الضرب الأكثر إيلاماً تم وأنا في الطريق إلى هنا، لأن الناس عندما رآوني وقد تم القبض عليّ اقتربوا مني وراحوا يضربوني. لكن عندما تم تقييدي كنت ما زلت أتعرض للركل في ظهري والضرب على رأسي. قالوا عليّ بلطجي، واتهموني بأنني أتقاضى أجراً من قيادات المعارضة".
قامت الشرطة بحبس 92 شخصاً على الأقل ليلة 5 ديسمبر/كانون الأول. وفي اليوم التالي تمت إحالة المحتجزين الـ 49 عند الاتحادية إلى النيابة. سرعان ما أخلت النيابة سبيل 133 شخصاً دون اتهامات لنقص الأدلة، وأربعة آخرين لأنهم قُصّر. ظل أربعة أشخاص محتجزين حتى 10 ديسمبر/كانون الأول. قال محامون يمثلون المحتجزين لـ هيومن رايتس ووتش إن النيابة أمرت بإحالة 95 محتجزاً إلى الطب الشرعي لفحصهم، وهي الخطوة التي تشير إلى احتمال وقوع انتهاكات بدنية.
قالت هيومن رايتس ووتش إنه يظهر من تصريحات الرئيس مرسي أنه ربما كان يعرف بأعمال الاحتجاز غير القانونية للمتظاهرين المعارضين له أمام قصر الرئاسة. مساء 6 ديسمبر/كانون الأول أعلن مرسي عبر كلمة متلفزة أن اعترافات المقبوض عليهم والاستجوابات تُظهر أن المحتجزين حصلوا على نقود وتم تحريضهم على استخدام أسلحة.
تمكن الصحفي المصري محمد الجارحي من الوصول إلى مركز الاحتجاز بصفته مصور وقال لـ هيومن رايتس ووتش: "كلما جاءوا بمحتجز جديد كانوا يستدعون مراسل التلفزيون ليصور "الاعتراف" وعملية استجواب المحتجز". قال محامي جماعة الإخوان المسلمين عبد المنعم عبد المقصود لـ هيومن رايتس ووتش إن هوية أولئك الذين احتجزوا هذه المجموعة من المتظاهرين مجهولة.
وقال جو ستورك: "إن أعمال الاحتجاز غير القانونية والانتهاكات التي وقعت على أبواب قصر الرئاسة في حضور الأمن المركزي، تثير التساؤلات الجدّية حول معرفة قصر الرئاسة بهذه الانتهاكات وأن الرئاسة لم تبذل جهوداً لمنعها".
متظاهرو الإخوان المسلمون يفرقون الاعتصام السلمي
بدأت مصادمات 5 ديسمبر/كانون الأول 2012 عندما قامت مسيرة قوامها المئات من مؤيدي الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة بتفريق اعتصام سلمي للعشرات من المتظاهرين المعارضين لمرسي أمام قصر الرئاسة في القاهرة. كانت قوات الأمن المركزي وقوات أمن أخرى حاضرة ولم تتدخل لحماية المتظاهرين السلميين.
قبل ذلك وفي اليوم نفسه، كانت جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة قد دعيا مؤيدي مرسي إلى النزول في مسيرة إلى قصر الرئاسة. وفي مناسبتين سابقتين، قامت جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة بتغيير مكان مظاهرة سبق التخطيط لها لتفادي المصادمات بسبب تواجد المتظاهرين المعارضين لمرسي في المكان نفسه، إثر واقعة في أكتوبر/تشرين الأول، عندما تصادموا مع متظاهرين معارضين لمرسي لمدة ست ساعات بميدان التحرير في القاهرة. نُشرت دعوة المسيرة ليوم 5 ديسمبر/كانون الأول إلى القصر الرئاسي على موقع حزب الحرية والعدالة وفي بيان صحفي أصدره المتحدث باسم الحزب، محمود غزلان، حوالي الساعة 1:30 بعد الظهر. بعد ذلك بقليل، نشر نائب رئيس الحرية والعدالة، عصام العريان، تغريدة على موقع تويتر يدعو فيها إلى المسيرة وورد في كلمة نشرها على صفحته العلنية على موقع الفيس بوك:
هذا الشعب سيتدفق لحماية الشرعية إلى كل الميادين وفى كل المحافظات، خاصة أمام اﻻتحادية... لن يسمح الشعب هذه المرة لأي طرف ثالث أو رابع أو طابور خامس أن يحدث فتنة بالبلاد، أو يتسبب فى سفك الدماء... لن يتراجع الرئيس [بشأن الإعلان الدستوري]. وإذا كانت أجهزة الدولة ضعيفة ومثخنة بجراح الفترة السابقة، فالشعب يقدر على فرض إرادته وحماية الشرعية.أعضاء الحزب سيكونون فى مقدمة الصفوف إن شاء الله.
في 6 ديسمبر/كانون الأول أقر مسؤول الأمانة البرلمانية بحزب الحرية والعدالة إبراهيم السيد، في لقاء على الهواء بقناة أون تي في، إن المتظاهرين المعارضين لمرسي كانوا سلميين:
لم يكن هناك أي قصد لإزاحة أي أحد موجود، لأن من كان موجود بضع خيام قليلة موجودة على جنب ولم تكن تشغل حيزاً مكانياً ولم تمثل أي مشكلة في وجودها... عند وصول المتظاهرين السلميين [من الحرية والعدالة]، وأظنه أمر موجود ومسجل من وسائل الإعلام، [من] بعض الكاميرات، لما كان موجوداً داخل هذه الخيام. فر من كان بداخلها هارباً ووُجد فيها كما رأى الجميع، من الخمور والمخدرات ومن كذا وكذا، أمور لا تليق أبداً. قيل أن لا بأس بوجودهم دون أي احتجاج، لولا أنهم أصدروا شتائم وسباب وألفاظ بذيئة.
السلطات تفشل في وقف عنف المتظاهرين
بين الساعة 3 و4 مساءً يوم 5 ديسمبر/كانون الأول، كان مؤيدو الإخوان المسلمين في المسيرة التي وصلت قصر الرئاسة قد راحوا يفككون الخيام الخاصة بالمعارضين لمرسي ويطالبونهم بمغادرة المكان. غادر معارضو مرسي المكان لكن تجمعوا على مسافة من القصر الرئاسي، حيث انضم إليهم متظاهرون آخرون معارضون لمرسي. سرعان ما اندلعت المصادمات عندما راح المتظاهرون على الجانبين يتبادلون الرشق بالحجارة. لم تبذل قوات الأمن المركزي التي كانت متمركزة هناك منذ الساعة 7 مساءً جهداً جاداً لوقف العنف. وعلى مدار الساعات الـ 11 التالية، مع تصاعد المصادمات، لم تبذل قوات الأمن المتواجدة أي جهد جاد لوقف العنف، من أمن مركزي وشرطة عسكرية وحرس جمهوري.
ورد في بيان وزارة الصحة أن العنف أسفر عن مقتل 10 أشخاص وإصابة 748 آخرين. بالإضافة إلى ذلك أصيب صحفي جريدة الفجر، الحسيني أبو ضيف برصاصة في الرأس فيما كان يغطي أحداث العنف وما زال في غيبوبة. وصف الشهود أحداث العنف بأنها وقعت عند جبهة أمامية تتجابه عندها عناصر الطرفين. قال متظاهرون وشهود آخرون لـ هيومن رايتس ووتش إن الطرفين راحا يتبادلان الرشق بالحجارة وزجاجات المولوتوف واستخدموا أسلحة نارية مثل مسدسات الخرطوش وأسلحة نارية خفيفة. في مناسبتين على الأقل قام متظاهرون معارضون لمرسي بتكسير سيارات متواجدة في المكان – سيارة وشاحنة – كان يبدو أنها تابعة لأنصار الإخوان المسلمين.
قيام أعضاء الإخوان المسلمين باحتجاز المتظاهرين والمارة والإساءة إليهم
ليلة 5 و6 ديسمبر/كانون الأول، قام مؤيدو مرسي وعناصر من الشرطة بالقبض على 141 متظاهراً وماراً على الأقل، كانوا في محيط قصر الرئاسة حيث تقع المصادمات. قام مؤيدو الإخوان بتسليم بعض هؤلاء الأفراد إلى الشرطة، لكن رفضوا تسليم المتظاهرين الـ 49 المعارضين لمرسي الذين احتجزوهم في بقعة يحيط بها جنود الأمن المركزي أمام قصر الرئاسة في شارع الميرغني.
قابلت هيومن رايتس ووتش أربعة من المحتجزين المُفرج عنهم بالإضافة إلى ثلاثة من الأقارب والأصدقاء، قالوا إنهم رأوا مركز الاحتجاز الميداني الذي تم احتجازهم فيه. كما تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى ثلاثة محامين يمثلونهم بالإضافة إلى صحفي تمكن من مقابلة المحتجزين.
تم احتجاز الـ 49 حتى الساعة الرابعة من عصر يوم 6 ديسمبر/كانون الأول، عندما وصلت شرطة قسم مصر الجديدة إلى المحتجزين عند بوابة القصر وأخذتهم إلى قسم الشرطة. تم احتجازهم مع آخرين جرى القبض عليهم الليلة السابقة. ثم قامت النيابة باستجوابهم برفقة محامين بناء على اتهامات متصلة بأعمال العنف، ومنها الاعتداء. مساء 7 ديسمبر/كانون الأول، أمرت النيابة بالإفراج عن 133 شخصاً من بين 141، بسبب نقص الأدلة. قبل ذلك كانت النيابة قد أفرجت عن 4 من القُصّر. وتم احتجاز أربعة أشخاص في حيازة الشرطة حتى 10 ديسمبر/كانون الأول على ذمة اتهامات بالاعتداء.
قال محتجزون مُفرج عنهم وشهود آخرون لـ هيومن رايتس ووتش إن الإخوان المسلمين بمساعدة من مؤيدي حزب الحرية والعدالة، بدا أنهم يديرون مركز احتجاز ميداني في المنطقة المجاورة تماماً لبوابة قصر الرئاسة.
قال شهود عيان ومحتجزون مفرج عنهم لـ هيومن رايتس ووتش إنه كان من الضروري المرور بكردون للأمن المركزي من أجل الوصول إلى مركز الاحتجاز الميداني عند البوابة وأن الشرطة كانت حاضرة في المنطقة، وهو ما أكدته مقاطع فيديو تم تصويرها من قبل جرائد. في أحد مقاطع الفيديو على موقع رصد الإخباري بعنوان "اعترافات بلطجي الاتحادية" هناك مجموعة رجال تحاصر رجلاً مصاباً بكدمات على وجهه، وهو يبكي، وأحدهم يستجوب الرجل. الرجل الذي يمسك به يقول: "ده رقم ستة بالنسبة لي، لن أسلمه للشرطة، عارف باسلمه فين، سيبهولي".
تمكن الصحفي محمد الجارحي من الوصول إلى مركز الاحتجاز وكتب فيما بعد عما حدث في صحيفة المصري اليوم. قال لـ هيومن رايتس ووتش:
كنت على جانب متظاهري الإخوان المسلمين، وتمكنت من الوصول إلى مركز الاحتجاز. مكثت هناك ثلاث ساعات، من الساعة 7:30 مساءً تقريباً. كل مرة يجلبون أحد يفتشونه ويأخذون تليفونه وبطاقته ويستدعون مراسل التلفزيون ليصور "اعترافاته". خلال الفترة التي قضيتها هناك رأيتهم يضربون 13 محتجزاً بأيديهم وبالعصي. التقطت صوراً وكتبت تغريدات على تويتر تحسباً لأن يدركوا في أي وقت لصالح من أكتب. تأكدت أن جدار القصر الرئاسي يظهر وراء المحتجزين الذين ينزفون كدليل على ما حدث. كانت الشرطة هناك ولم تفعل أي شيء لوقف الضرب.
وصف متظاهرون معارضون لمرسي لـ هيومن رايتس ووتش تعرضهم للضرب وإساءة المعاملة على يد من يبدو أنهم أعضاء بجماعة الإخوان المسلمين ومؤيدون لها أمام القصر الرئاسي. تم التقاط تغطية لهذه الانتهاكات في مقطع فيديو نُشر على صفحة شبكة رصد الإخبارية يوم 6 ديسمبر/كانون الأول، وهي الشبكة المقربة من الإخوان المسلمين. يظهر في المقطع بعنوان "اعترافات المتهمين" نحو 16 شخصاً مقيدين بينهم على الأقل طفل واحد صغير. جميعهم تقريباً تظهر عليهم الإصابات وهناك دماء على وجوههم أو رؤوسهم وكدمات وندوب، وتظهر عين أحد المحتجزين وعليها دماء. في المقطع يقوم مراسل التلفزيون بسؤال ثلاثة من المحتجزين – أحدهم يقول إنه لم يقابل وكيل النيابة بعد. يقول المراسل لأحد المحتجزين أنه متهم بالقتل وأن الشهود رأوه يضرب طلقات الخرطوش. يقول الرجل إنه لا يعرف أي شيء عن هذا الكلام وأنه جاء من ميدان التحرير لأنه يعارض الإعلان الدستوري للرئيس مرسي.
محمد عمر – المهندس الذي كان ضمن الـ 49 شخصاً المحتجزين – قال لـ هيومن رايتس ووتش إن حوالي الساعة 11 مساء يوم 5 ديسمبر/كانون الأول ذهب لشراء إمدادات طبية للعيادة الميدانية من صيدلية قريبة. قال إنه وفي طريق العودة:
كانت هناك هجمة من المؤيدين للإخوان في تلك اللحظة وقامت مجموعة منهم بالقبض عليّ في شارع الخليفة المأمون. أعتقد أنهم كانوا خمسة في البداية تقريباً، وراحوا يضربوني على رأسي وعلى جنبي وعلى ساقيّ بأيديهم وبالعصي. أخذوني إلى بوابة القصر عبر كردون الشرطة إلى المنطقة الواقعة قبالة البوابة رقم أربعة. قيدوني وأجلسوني على الأرض. الضرب الأكثر إيلاماً تم وأنا في الطريق إلى هنا، لأن الناس عندما رآوني وقد تم القبض عليّ اقتربوا مني وراحوا يضربوني. لكن عندما تم تقييدي كنت ما زلت أتعرض للركل في ظهري والضرب على رأسي. قالوا عليّ بلطجي، واتهموني بأنني أتقاضى أجراً من قيادات المعارضة.
أما يحيى نجم الدبلوماسي السابق الذي شارك في المظاهرات، فقال لـ هيومن رايتس ووتش:
حوالي الساعة 10 مساءً بالقرب من نادي هليوبوليس في شارع الميرغني، اقترب متظاهرو الإخوان في هجمة نحو المكان الذي كنت أقف عنده ولم أتمكن من الجري بسرعة كافية بسبب إصابة في قدمي. أمسكوني وبدأوا في ضربي، كانوا كثيرون، بأيديهم وبالحجارة، وسحلوني على الأرض حتى بوابة قصر الرئاسة، حيث مكان الاحتجاز. قيدونا بشدة ونحن جالسون على الأرض. راح رجلان يضرباني وقامت سيدة بركلي بقدمها. كان هناك عدة رجال مسؤولين عن المكان راحوا يسألونني أسئلة ويسألون من كانوا معي. "من يمولك؟ من أتى بك إلى هنا؟" ذات مرة قال أحدهم: "لن تتمكن من العثور علينا لأننا نستخدم أسماءً مستعارة".. لكنني أعرف أنني إن رأيتهم مرة أخرى فسوف أتعرف عليهم. كان هناك نحو 20 إلى 30 عنصراً من الأمن المركزي، لكنهم جنود لم يتدخلوا. كانوا يأخذون الأوامر من الإخوان المسلمين.
كان أحمد خيلة قد غادر منطقة القصر الرئاسي لتوه عندما عرف أن مؤيدي مرسي قد قبضوا على ابن خاله يحيى نجم. قال لـ هيومن رايتس ووتش إنه سأل أحد مسؤولي وزارة الداخلية قرب القصر الرئاسي عن مكان قريبه:
قال لي الضابط أن أتكلم مع الطبيب وأشار نحو بوابة القصر، حيث كان رجلاً في ثياب مدنية يعطي الأوامر. قال لي إن ابن خالي سيمثل أمام النيابة الساعة 9 صباح الغد. [في الصباح التالي] ذهبت إلى مكتب النيابة لكن وكيل النيابة الذي تحدثت معه قال إنهم لم يُخطروا حتى بوجود محتجزين لأنهم لم يُحتجزوا في قسم الشرطة. نتيجة لبلاغات الاختطاف المقدمة من محامين، ذهب وكلاء النيابة إلى القصر بأنفسهم وحوالي الساعة 5 مساءً [يوم 6 ديسمبر/كانون الأول] أحيل نجم إلى قسم شرطة مصر الجديدة.
قال صبري – من أعضاء التحالف الشعبي الاشتراكي – لـ هيومن رايتس ووتش إنه كان يقف قرب المتظاهرين المعارضين لمرسي في شارع الخليفة المأمون مع صديقته علا شهبة، حوالي الساعة 1 صباح يوم 6 ديسمبر/كانون الأول، عندما ركضت مجموعة من مؤيدي مرسي نحوهما. تعثر على الأرض وهو يحاول الفرار وقاموا بأسره:
بدأوا في ضربي بالعصي وفي ركلي. كانوا كثيرون، وفقدت نظارتي ولم أر جيداً. سحلوني على الأرض في الشارع. ثم أخذوني إلى كردون الأمن المركزي نحو بوابة قصر الرئاسة. تم احتجازي مع 10 أشخاص تقريباً في البداية ثم بدأ المزيد من المحتجزين في التوافد. وقت أن أخذونا [المحتجزين] إلى النيابة اليوم التالي في الخامسة مساءً، كنا 49 شخصاً. [من بين من كانوا يأسروننا] عدة أعضاء في الإخوان المسلمين. كنت أعرف أنهم إخوان لأنني سمعتهم يقولون إنهم تحدثوا إلى قيادات من الإخوان على التليفون.
صبري هو المحتجز الثاني الذي يظهر في مقطع فيديو شبكة رصد الإخبارية يوم 6 ديسمبر/كانون الأول. كان رأسه ملفوفاً بالضمادات الدامية بينما صحفي يسأله إن كان قد تورط في أعمال العنف. أنكر صبري وقال إنهم تعرض للهجوم والضرب وأنه لم يعرض على النيابة بعد. قال زميل صبري في الحزب، أكرم إسماعيل محمد، لـ هيومن رايتس ووتش، إنه عرف بأن صبري محتجز وذهب في التاسعة صباح 6 ديسمبر/كانون الأول إلى مكان قريب من البوابة وقال إنه رأى هناك كردون الأمن المركزي ووراء الكردون مكان يقف فيه رجال في ثياب مدنية. قال لأحد الرجال إنه جاء للاطمئنان على سلامة صبري. قال إن الرجل ذهب للداخل وجاء يقول إن صبري بخير.
كان بين المقبوض عليهم ممن تعرضوا للضرب على يد مؤيدي الإخوان المسلمين بعض السيدات، لكن لم يتم احتجازهن برفقة الرجال الـ 49. كانت لينا مجاهد تجلس أمام مدخل بناية في شارع الخليفة المأمون عندما هرع نحوها مؤيدون لمرسي:
لم أتمكن من الحركة، فجلست مكاني أراقبهم يركضون نحوي. ألقوا حجارة كثيرة نحوي وقد كانوا يظنون أنني رجل. سمعت أحدهم يهتف: إنها بنت! إنها بنت! أخذوني إلى حشد أكبر من مؤيدي الإخوان المسلمين... ضربوني بعصا ووصفوني بأنني عاهرة عدة مرات. ضربوني بأي شيء في أيديهم، حتى باللافتات، وظلوا يسألونني كم أتقاضى لكي أتظاهر. كان بعض الناس يصورون ويلتقطون صوراً بهواتفهم المحمولة. هددوني بأخذي إلى "المركز". لم أفهم معنى "المركز". كنت خائفة للغاية. بدلاً من المركز أخذوني إلى ركن في محطة بنزين قريبة. سألوني من أين أنا وماذا أفعل مع البلطجية وقال أحد الرجال لي: "هاتي بطاقتك".. كنت أبكي فتركوني أذهب.
قامت المجموعة التي قبضت على صبري في شارع الخليفة المأمون بالقبض على علا شهبة. وفي لقاء تلفزيوني على الهواء في برنامج آخر كلام يوم 6 ديسمبر/كانون الأول قالت:
بدأوا في ضربي بقسوة. خنقوني. أصبت ببعض الكدمات حول عنقي. حتى عندما أخذوا خوذة [الدراجة النارية] الخاصة بي لضربي جيداً، وبعد أن أدركوا أنني بنت، لم يتوقفوا عن الضرب. تعرضت للتحرش الجنسي، لامسوا جسمي وثديي. عندما حاول أحدهم نقلي إلى سيارة إسعاف، منعه رجل آخر وقال له أنني أستحق الضرب كما يستحقه أي أحد غيري. الرجل الذي حاول مساعدتي كان سلفياً. أدركت أنهم ليسوا جميعاً من الإخوان المسلمين. تم احتجازي [في كشك] لعدة ساعات.
هناك مقطع فيديو صورته صحيفة الوطن المستقلة عند مركز احتجاز الإخوان المسلمين يُظهر ثلاثة رجال في ثياب مدنية يضربون رجلاً عاري الجذع كان ينزف من فمه. أحد الرجال يصيح: "بلطجي!" حتى وفي واقعة نادرة من نوعها، تدخل عنصر من قوات الأمن، ضابط أمن مركزي. ثم ركزت الكاميرا على رجل آخر مصاب بكدمات وهناك دماء على وجهه. كان هناك رجلان يستجوبانه، يقولان: "من أعطاك نقود؟ من ورائك؟ أخبرنا وإلا ضربوك.. سوف يقتلونك" وراح رجل يرتدي بدلة يقول: "من مِن الحزب الوطني؟ الآخرون الذين قبضنا عليهم اعترفوا بمن تكون، أخبرنا باسمك. فتشوه".
ثم يظهر في مقطع الفيديو طفلاً يبدو أن عمره بين 14 و16 عاماً مقيد اليدين ويبكي. وهناك ضابط أمن مركزي يقف إلى جوار ذوي الثياب المدنية الذين يضربون ويستجوبون المحتجزين المصابين.
قيادات حزب الحرية والعدالة يدعون مؤيديهم إلى القبض على المتظاهرين المعارضين لمرسي
يبدو أن التوقيف والاحتجاز غير القانونيين للمتظاهرين المعارضين لمرسي على يد مؤيدي الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة كانا بتحريض من كبار قيادات الحزب. مساء 5 ديسمبر/كانون الأول قال نائب أمين عام حزب الحرية والعدالة عصام العريان في لقاء على الهواء بقناة مصر 25، القناة المقربة من الإخوان المسلمين:
وأنا أدعوهم لأن يتوافدوا بعشرات الألوف ليحاصروا هؤلاء البلطجية، لأن هذه هي الفرصة المتاحة الآن للقبض عليهم، وكشف الطرف الثالث الذي يطلق الرصاص الحي ويطلق الخرطوش وقتل المتظاهرين في موقعة الجمل وقتل في ماسبيرو ومحمد محمود وفي مجلس الوزراء. هذه فرصتنا الآن، على الشعب أن ينزل من كل مكان ليقبض على هؤلاء ويقدمهم إلى نائب عام حقيقي الآن يستطيع أن يقبض عليهم متلبسين وأن يقدمهم إلى العدالة لنكشف من الذي يموّل... من الذي يمول هؤلاء من رجال الأعمال... أعضاء الحزب الوطني القديم... على الجميع أن يتوافدوا الآن إلى محيط الاتحادية وأن يحاصروا هؤلاء البلطجية وأن يفرزوا الثوار الحقيقيين... هذه فرصتنا، ليلة أو ليلتين وسنلقي القبض عليهم جميعاً...
دعوات العريان العلنية ودعوات مسؤولين آخرين من الحزب بالقبض على المتظاهرين المعارضين لمرسي واحتجازهم ربما كانت تحريضاً على العنف، على حد قول هيومن رايتس ووتش. يجب على النائب العام أن يحقق في احتمالات وقوع المسؤولية الجنائية على مسؤولي حزب الحرية والعدالة الذين ظهروا علناً يدعون إلى أعمال أسفرت عن اعتقالات غير قانونية وإساءة معاملة.
خطبة الرئيس مرسي تقوض مبدأ افتراض البراءة حتى ثبوت الإدانة
في كلمة الرئيس مرسي المتلفزة بتاريخ 6 ديسمبر/كانون الأول، افترض الرئيس أن الجديد في أحداث اليوم السابق هو استخدام المتظاهرين للأسلحة المميتة. ومضى يقول إن قوات الأمن قبضت على 80 شخصاً على صلة بأحداث العنف:
ومن المؤسف أن بعض هؤلاء المقبوض عليهم لديهم روابط عمل واتصال ببعض من ينتسبون أو ينسبون أنفسهم إلى القوى السياسية. وبعضهم – بعض هؤلاء المستخدمين للسلاح الممارسين للعنف – بعضهم من المستأجرين، مقابل مال دُفع لهم. كشفت عن ذلك التحقيقات، واعترافاتهم فيها. من أعطى لهم المال ومن هيأ لهم السلاح؟ ومن وقف يدعمهم؟ وذلك حدث منذ فترة طويلة في المرحلة الانتقالية. لقد رأينا قبل ذلك حديثاً مجهلاً عن الطرف الثالث في أحداث ماسبيرو المؤسفة وأحداث محمد محمود المؤسفة، وأحداث مجلس الوزراء. ولم يتمكن أحد من أن يصل إلى هذا الطرف الثالث، إن هؤلاء المقبوض عليهم، أكثر من 80 (واحد) ممن استخدموا السلاح بالفعل أمس، وما لا يقل عن 40 آخرين تكلموا هم عنهم وعن ارتباطاتهم بهم، إن اعترافات هؤلاء والتحقيقات معهم سوف تعلن النيابة من جانبها نتائجها التي تجرى الآن... مع مرتكبيها والمحرضين عليها ومموليها، في الداخل كانوا أو في الخارج.
كان خطاب مرسي مسجلاً وتم بثه في الساعة العاشرة مساءً، وقتها كانت النيابة تستجوب المحتجزين قبل أن تصدر قرارها باتهامهم أو عدم اتهامهم. بعد ساعة ونصف تقريباً ذلك المساء أمرت النيابة بالإفراج عن 141 محتجزاً بناء على نقص الأدلة، وتركت أربعة أشخاص فحسب محتجزين على ذمة التحقيق أربعة أيام.
على الأقل، انتهك الرئيس حقوق المحتجزين في افتراض براءتهم حتى ثبوت الإدانة بتصريحاته تلك. لكن المحامين الحاضرين أثناء الاستجوابات، سيد فتحي وراجية عمران ومحمد عبد العزيز، قالوا لـ هيومن رايتس ووتش إن أحداً من المحتجزين لم يعترف بأي جرائم اتهموا بها وأنهم أنكروا جميع الاتهامات. يبدو إذن أن الرئيس كان يشير إلى "اعترافات" تم استخلاصها بالإكراه أثناء استجواب الـ 49 محتجزاً على يد الإخوان المسلمين في مركز احتجازهم الميداني أمام بوابات القصر الرئاسي. قالت هيومن رايتس ووتش إن تحقيقات النيابة في الواقعة لابد أن تشمل البحث في وجود صلات محتملة تربط احتجاز الإخوان المسلمين للمتظاهرين المعارضين لمرسي، بسلطات الدولة.
كما أن خطبة مرسي تعكس بشكل مقلق المزاعم التي أدلى بها الإخوان المسلمون قبل كلمته ضد المتظاهرين. في وقت سابق من يوم 6 ديسمبر/كانون الأول، نشر موقع الإخوان المسلمون (إخوان أون لاين) خبراً يزعم أن "بلطجية" قبض عليهم مؤيدو مرسي "اعترفوا بتلقي تمويلٍ من حمدين صباحي وعمرو موسى ومحمد البرادعي والسيد البدوي". وقال محامي جماعة الإخوان المسلمين، عبد المنعم عبد المقصود – وهو أيضاً عضو في المجلس القومي لحقوق الإنسان ورئيس الجماعة الحقوقية التابعة للإخوان، سواسية – قال لوكالة أنباء الأناضول التركية:
ألقى مؤيدو الرئيس القبض على 83 بلطجيًّا معهم أموال وأسلحة بيضاء ومولوتوف، اعترفوا على رموز سياسية بأنهم هم من حرّضوهم على المجىء وإحداث شغب أمام القصر الرئاسي وقتل وإصابة المئات من المؤيدين [للرئيس]... لدينا أدلة قاطعة وبراهين موثّقة تثبت تورّط رموز سياسية كبيرة وإعلاميين في أعمال العنف.
قال شقيقه صلاح عبد المقصود – وزير الإعلام والعضو بجماعة الإخوان المسلمين – لصحيفة الأهرام اليومية إن لديه "وثائق وأدلة ضبطت مع عشرات البلطجية المسلحين أمام قصر الاتحادية، تؤكد أن مصر تتعرض لمؤامرة شرسة بلغ مداها التحريض علي اقتحام قصر الاتحادية من قبل بعض القوي السياسية بهدف إحداث فوضي وإفساد كل خطوات الرئيس نحو الاستقرار".