تهديدات القتل العديدة، ومطالبة صاحب العمل بنقله خارج البلاد وزيارة قوات أمن الدولة له في منتصف الليل، كل ذلك لم يكن كافياً لتخويف الناشط الإماراتي البارز في مجال حقوق الإنسان؛ أحمد منصور، والذي دعا مؤخراً لإجراء إصلاحات سياسية. وتمكنت قوات الأمن من إسكاته عن طريق زجّه بعيداً عن عائلته أثناء مداهمة منزله يوم 8 أبريل/نيسان. وكان أحمد منصور قد قال لي في واحدة من محادثاتنا الأخيرة قبل اعتقاله: "أدرك حجم المخاطر التي تُحدّق بي، ولكني في حاجة لمواصلة عمل كل ما بوسعي لتحسين وضع حقوق الإنسان في بلدي".
وبعد ستة أسابيع، بقيت المؤسسات الدولية الرئيسية- والتي تتركّز معظم أسهمها في دولة الإمارات العربية المتحدة-صامتة، كجامعة نيويورك، وجامعة السوربون في باريس ومتحف اللوفر ومتاحف غوغنهايم، إزاء اعتقال منصور، وهو عضو في اللجنة الاستشارية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش. فلقد أداروا وجوههم إلى الجهة الأخرى بينما كانت حملة الحكومة على المجتمع المدني تتسع من خلال اعتقال أربعة ناشطين آخرين بالإضافة إلى خلعمجالس الإدارة المنتخَبة لاثنين من أبرز منظمات المجتمع المدني. برفضها إدانة هذا القمع على الرغم من وجوده الجليّ في دولة الإمارات العربية المتحدة، تُعتَبَر هذه المؤسسات العامة متواطئة في الانتهاكات المُرتكَبة من قبل شريكهم -- حكومة الإمارات العربية المتحدة -- وبالتالي تسيء إلى مهمتها في خدمة حركة تنوير البشرية.
وتَبِعَت اعتقالات منصور والآخرين حملة مضايقات بعد أن وقّع العشرات من المواطنين على عريضة نُشِرت يوم 9 مارس/آذار، والتي طالبت بتعديلات دستورية وبرلمانية، وانتخابات حرة لجميع المواطنين. وبعد اعتقال منصور، اعتقلت قوات الأمن الإماراتية ناصر بن غيث، أستاذ الاقتصاد في فرع أبو ظبي لجامعة السوربون في باريس، وناشطي الانترنت؛ فهد سالم دَلك، وحسن علي الخميس، وأحمد عبد الخالق. وتعترف السلطات الآن بأن المعتقلين يواجهون تُهَماً تنطوي على التحدث علناً ضد الحكومة.
وقد سبقت هذه الاعتقالات حملة تشهير شرسة على الانترنت وتهديدات بقتل منصور وآخرين من خلال المدونات، والفيسبوك وتويتر. وكانت الصحافة الإماراتية المحلية التي تمارس منذ فترة طويلة رقابة ذاتية على ما تنشره، قد تدنت إلى مستوى جديد من التغطية السطحية والأحادية-الموالية للحكومة، في معرض ترويجها لهذه الحملة. وكانت الصحف التي تديرها الدولة قد كَرّست الكثير من الأقلام لكتابة المقالات حول القبائل الإماراتية والمحامين الذين أقسَمَوا يمين الولاء للحكومة والذين ندّدوا بمنصور و "أتباعه".
ولم تقصر حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة حملتها القمعية على الأفراد الناشطين أو حتى على حدود دولتها. فقد قامت الحكومة بِحَّل المجالس المنتخبة لاثنين من أقدم وأبرز المنظمات غير الحكومية في البلاد -- جمعية المعلمين وجمعية الحقوقيين -- بعد أن وقّعوا بيان 6 أبريل/نيسان العلني، والذي يدعو إلى مزيد من الديمقراطية. وبعيداً عن الوطن، أرسَلَت حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة قواتها لتعزيز النظام الملكي البحريني بينما كان ينهار على سكانها المضطربين، كما أيّدت مصر في عهد حسني مبارك حتى النهاية المريرة، عندما أُجبِر على التنحيّ عن منصبه.
على الرغم من أن هذه إهانة للحرية وحقوق الإنسان الأساسية، فقد شارَكَت مؤسسات تعليمية وثقافية حكومة الإمارات العربية المتحدة في فتح فروع لها في البلاد في مقابل أرباح هائلة دون أن تلفظ كلمة احتجاج واحدة. وبعد أن أرسَلَت هيومن رايتس ووتش رسائل إلى هذه المؤسسات في الشهر الماضي لتستحّثها على إدانة حملة دولة الإمارات العربية المتحدة، جامعة السوربون هي وحدها مَن رَدّت، ولكن، فقط لتُقّلل من شأن صِلة الجامعة بـ بن غيث، زاعمة أنه مجرد "مُحاضِر" هناك، بدلا من أن تَعِدَ بالعمل من أجل حريته.
في تصريحات أَدلَت بها جامعة نيويورك لوسائل الإعلام، أَوضَحَت أنها ستبقى صامتة كما انتقدت بشكل غير مباشر هيومن رايتس ووتش لأنها طلبت من الجامعة التحدث عَلَناً. وقالت الجامعة لجريدة وقائع التعليم العالي: "نحن لا نعلم ما الذي يُمكن أن نستنتجه عندما يحاول فريق من الخارج الإصرار على وضع أجندة سياسية معينة لمؤسسة تعليم عالي مستقلة".
كشركاء لحكومة الإمارات العربية المتحدة، فإن هذه المؤسسات غير الربحية ليست فقط في موقع جيد لإدانة هذه الهجمات المروعة بل إن عليها مسؤولية للقيام بذلك. فهذه المؤسسات العامة تدّعي أنها تفعل أكثر من تحويل الأرباح الضخمة بقواعدها البراقة الرسمية التصميم في أبو ظبي. ووعدوا العالم أنهم سوف يخدمون الصالح العام من خلال إنشاء أساس قوي للإمارات العربية المتحدة من "الأفكار، والخطاب، والتفكير النقدي"، بحيث تكون فروعها بمثابة "جسر بين الحضارات"، كما ينص شعار جامعة السوربون في أبو ظبي.
ومع ذلك؛ كيف يمكن أن تكون بمثابة جسر مع حكومةٍ كانت قد أظهرت القليل من الاحترام للحقوق والحرية والكرامة لمواطنيها ومئات الآلاف من العمال المهاجرين الذين يعملون في ظروف أشبه بالعبودية في البلاد؟ ما هو مقدار الإساءة والقمع الذي ستتسامح معه هذه المنظمات قبل أن تصل إلى أن مهمتها في الإمارات لا تلقى استجابة حكومية؟ لم تتوان غوغنهايم عن إدانة الحكومات المُتعسّفة الأخرى، حيث بادَرَت بالتوقيع على عريضة تطالب الصين بالإفراج عن المعتقل الفنان آي ويوي. بالتأكيد قد حان الوقت لفعل نفس الشيء هنا.
وإذا كانت هذه المؤسسات حقاً لديها رؤية لقيادة التنمية في المنطقة كمجتمع يحتفي بالفنانين والأكاديميين، فإنها تحتاج إلى التحدث الآن بقوة ضد إسكات الحكومة للأصوات الرائدة و الواهبة نفسها من أجل الحرية في دولة الإمارات العربية المتحدة. أحمد منصور والآخرين الذين يفترشون السجن تحدّثوا عَلَناً من أجل الحرية. وأقل ما يُمكن لهذه المؤسسات القيام به هو التحدّث نيابة عنهم.
سامر المسقطي هو باحث في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش