(رام الله) - قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن المضايقات الحادة من قبل أجهزة أمن السلطة الفلسطينية وحماس والتي استهدفت الصحفيين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، كان لها أثر على شل وتقييد حرية التعبير. في تقريرها الجديد، تدعو هيومن رايتس ووتش السلطات الفلسطينية في الضفة والقطاع إلى محاسبة قوات الأمن على الانتهاكات الممنهجة والجسيمة ودعت المانحين الأجانب للسلطة الفلسطينية إلى ربط تقديم المساعدات لقوات الأمن، باتخاذ إجراءات ملموسة للمحاسبة.
تقرير "لا خبر.. لا قلق: انتهاكات أجهزة الأمن الفلسطينية لحقوق الصحفيين" الذي جاء في 35 صفحة، يوثق حالات لجأت فيها قوات الأمن لتعذيب وضرب واحتجاز الصحفيين تعسفاً، ومصادرة معداتهم، ومنعهم من مغادرة الضفة الغربية أو قطاع غزة.
وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "أصبحت قوات الأمن الفلسطينية معروفة باعتدائها على الصحفيين وترهيبهم فيما يحاولون أداء عملهم لا أكثر. السلطة الفلسطينية في الضفة وحماس في القطاع عليهما وضع حد لهذه الهجمات الفجّة على حرية التعبير".
شهدت الضفة الغربية زيادة حادة مؤقتة في عدد حالات المضايقات الأمنية (أجهزة أمن السلطة الفلسطينية) للصحفيين، أثناء الاعتداء الإسرائيلي على غزة في ديسمبر/كانون الأول 2008 ويناير/كانون الثاني 2009، لكن التوجه بشكل عام مستمر في التدهور. طبقاً لمنظمة حقوقية، هي مركز التنمية والحريات الإعلامية، فإن عدد الاعتداءات البدنية والاعتقالات والاحتجاز والمصادرة التعسفية للمعدات وغيرها من خروقات حقوق الصحفيين على يد قوات الأمن الفلسطينية، هو في زيادة، سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة؛ والزيادة في عام 2010 جاءت بواقع 45 في المائة أكثر من معدلات العام الماضي.
التقرير الذي يستند إلى مقابلات مع صحفيين فلسطينيين وممثلين عن نقابة الصحفيين ومسؤولين من السلطة الفلسطينية، يُلقي الضوء تحديداً على سبع حالات لصحفيين أساءت إليهم قوات أمن السلطة الفلسطينية، كما يوثق حالتين لإساءات بحق صحفيين في غزة ارتكبتها عناصر من الأمن الداخلي التابع لحماس، ويشهد القطاع تدهور حال الصحفيين، كما هو حاصل في الضفة الغربية. وقالت هيومن رايتس ووتش إن انتهاكات حماس في غزة وكذلك انتهاكات القوات العسكرية الإسرائيلية في شتى أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة، سيتم تناولها في تقارير أخرى.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن الأيام الأخيرة شهدت انتهاك أجهزة الأمن الداخلي التابعة لحماس بشكل متكرر لحق الصحفيين في تغطية التظاهرات الشعبية في غزة، وهي التظاهرات التي تحتج على الخلاف السياسي بين حماس والسلطة الفلسطينية بقيادة فتح. على سبيل المثال قال صحفيون لـ هيومن رايتس ووتش إن 15 عنصراً أمنياً تقريباً من حماس، في ثياب مدنية، قاموا يوم 19 مارس/آذار 2011 بمداهمة مقر وكالة أنباء رويترز في غزة، فحطموا أجهزة كمبيوتر وضربوا صحفيين بعد أن صوبوا بندقية إلى أحدهم وهددوا برمي آخر من النافذة. في حالة أخرى، قال مراسل يعمل لصالح إذاعة القدس لـ هيومن رايتس ووتش إن في يوم 27 مارس/آذار، قامت شرطة حماس بتهديده وسبّه واحتجازه لأكثر من ساعة، فور أن أذاع تقريراً ينتقد مسؤولي الصحة بحماس. كانت قوات الأمن قد أحالته إلى مشرحة، حيث تفقد جثمان رجل، يُفترض أنه قُتل أثناء هجوم عسكري إسرائيلي، ثم تبين فيما بعد أنه ما زال على قيد الحياة.
منذ استيلاء حماس على السلطة في قطاع غزة في يونيو/حزيران 2007، فإن أغلب الانتهاكات ضد الصحفيين في الضفة الغربية وغزة على حد سواء، مرتبطة بالتوترات والخلاف بين السلطة وحماس، حسبما تبين التقرير. في الضفة الغربية، يعتبر المستهدفون بالأساس هم الصحفيون الذين تشتبه السلطة الفلسطينية في عملهم لصالح محطات تلفزة وإذاعة ومواقع وصحف تُرى على أنها تميّز حماس أو الجماعات الإسلامية الأخرى مثل الجهاد الإسلامي أو التي تنتقد السلطة الفلسطينية بأي شكل من الأشكال.
في حالة وثقها التقرير، حكمت محكمة عسكرية تابعة للسلطة الفلسطينية في مدينة جنين على مراسل تلفزيوني يُدعى طارق أبو زيد، 34 عاماً، بالسجن عاماً ونصف العام رغم حكمان صادران عن محكمة مدنية بالإفراج عنه. كان أبو زيد مراسل منطقة شمال الضفة الغربية لقناة الأقصى التلفزيونية، وعمل لصالح صحيفة الرسالة الصادرة من غزة، ويعتبر هذان المنفذان الإعلاميان مواليان لحماس.
كما استهدفت أجهزة أمن السلطة الفلسطينية صحفيين مستقلين مشتبهين بالإعداد لموضوعات ربما تكون انتقادية للسلطة الفلسطينية. قام ضباط أمن بالسلطة باحتجاز مهند صلاحات، وهو مراسل صحفي حُر ومُخرج، لمدة 14 يوماً في مارس/آذار وأبريل/نيسان 2010 دون اتهامه أو إخطاره بسبب القبض عليه. استجوبه ضباط الأمن طيلة أيام عما إذا كان يُحضر لفيلم وثائقي عن السلطة الفلسطينية على شاشات الجزيرة، التي دأبت على انتقاد السلطة الفلسطينية وتراها السلطة مؤيدة لحماس. احتجزت أجهزة الأمن صلاحات 10 أيام إضافية في مايو/أيار 2010، وفيما بعد منعه ضباط المخابرات الأردنية من السفر من الضفة للأردن، بحجة أنه يحتاج لتصريح خاص من السلطة قبل أن يُسمح له بالسفر.
أغلب الانتهاكات التي وثقتها هيومن رايتس ووتش وتحدثت عنها منظمات حقوقية محلية تورط فيها جهاز الأمن الوقائي والمخابرات العامة بالسلطة الفلسطينية، بالإضافة إلى احتجاز الصحفيين المدنيين من قبل القضاء العسكري بالسلطة. وفي تطور إيجابي وقع مؤخراً، قال القضاء العسكري أنه سيكف عن ممارسة أي اختصاص على المدنيين، رغم أن العديد من المدنيين ما زالوا محتجزين طرفه.
وإجمالاً، فإن زيادة عدد الانتهاكات المزعوم ارتكابها بحق الصحفيين جاء في سياق إفلات فعلي للعقاب عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وهي الانتهاكات التي يرتكبها مسؤولو الأمن بالسلطة الفلسطينية بشكل عام، على حد قول هيومن رايتس ووتش. بشكل مجمل، كتبت منظمات حقوقية فلسطينية عن أكثر من 200 زعم بالتعذيب على يد أجهزة أمن السلطة الفلسطينية في عام 2010 - بزيادة 164 حالة عن عام 2009 - إلا أن المحاكم لم تقم بعد بمقاضاة مسؤولي الأمن جنائياً على الإساءة للمحتجزين، إلا في حالة واحدة، برأت فيها محكمة عسكرية الخمسة المتهمين، في يوليو/تموز 2010.
لا تعرف هيومن رايتس ووتش بتعليمات محددة أصدرتها قيادات السلطة الفلسطينية لأجهزة الأمن، لأمرها بارتكاب هذه الانتهاكات، إلا أن الإخفاق التام من قبل قيادة السلطة في التصدي لثقافة الإفلات من العقاب المتفشية، عن مثل هذه الانتهاكات، يوحي بأن التجاوزات المذكورة هي انعكاس ومرآة لسياسة حكومية قائمة.
قدمت الولايات المتحدة في عام 2010 350 مليون دولار للسلطة الفلسطينية مساعدات أمنية وعامة، بالإضافة إلى 150 مليون دولار دعم مباشر للميزانية، فيما منح الاتحاد الأوروبي للسلطة الفلسطينية أكثر من 230 مليون يورو (315 مليون دولار)، بما في ذلك مساعدات أمنية. دعت هيومن رايتس ووتش الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى ربط جميع الدعم المقدم لأجهزة أمن السلطة الفلسطينية، باتخاذ السلطة لخطوات فعالة للتحقيق مع مسؤولي الأمن المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة، وملاحقتهم قضائياً ومعاقبتهم.
أما في قطاع غزة، فقد لجأ أعوان الأمن الداخلي التابع لحماس لاستدعاء الصحفيين أصحاب الكتابات الانتقادية للاستجواب، وهو ما فسّره صحفيون على أنه نوع من الترهيب، كما اتصل بعض المسؤولين الحكوميين بصحفيين لتحذيرهم من أن تغطيتهم للأحداث "متحيزة" أو "انتقائية". في إحدى الحالات، ضايقت قوات أمن حماس صحفية من حماس تعمل لصالح صحيفة الحياة الجديدة المؤيدة لفتح، وقاموا بزيارة بيتها مراراً وتهديدها على مدار 3 شهور في عام 2010. في حالة ثانية، استدعت وزارة داخلية حماس صحفياً نشر مقالاً عن لجوء سلطات حماس للتعذيب في مراكز احتجاز سرية، مهددة إياه - الوزارة - بإجراءات قانونية إذا لم ينشر اعتذاراً عن الموضوع، مع تحذيره بضرورة أن يغير من تغطيته "المنحازة".