(نيويورك، 19 يوليو/تموز 2010) - قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن القتال الكثيف بين الحكومة السودانية وقوات المتمردين في عام 2010 أسفر عن المئات من الوفيات ووقائع (ووقوع) النزوح الجماعي في دارفور، وإنه يتعين على الأمم المتحدة أن تعمل على وجه السرعة على ضمان تعزيز حماية قوات حفظ السلام الدولية للمدنيين. ومن المقرر أن يجدد مجلس الأمن ولاية بعثة حفظ السلام في دارفور في أواخر يوليو/تموز 2010.
كما أسهم القتال بين قوات المتمردين والجماعات الإثنية المسلحة في اشتعال العنف. ففي شهر مايو/أيار وحده، مات 600 شخص في دارفور جراء نزاعات عديدة، وفقا لبعثة الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة المشتركة في دارفور.
وقالت رونا بيليغال، رئيسة قسم أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "فيما انصب اهتمام الأطراف الدولية على الانتخابات السودانية والاستفتاء على جنوب السودان، ما زالت دارفور محطمة". وتابعت: "القتال المتجدد والانتهاكات الحقوقية الجديدة في شتى أنحاء دارفور تُظهر بوضوح أن الحرب بعيدة كل البعد عن الانتهاء وأن على الأمم المتحدة بذل المزيد من الجهود لحماية المدنيين".
وقد اشتد القتال بين الحكومة وقوات المتمردين في دارفور بعد اتفاق السلام الذي عُقد بين الحكومة السودانية وحركة العدالة والمساواة المتمردة في فبراير/شباط. واستهدف جنود القوات الحكومية والميليشيات الموالية لها المدنيين، في خرق للقانون الإنساني الدولي، أثناء المصادمات مع جماعات المتمردين في جبل مون وجبل مرة في دارفور، واستمرت الخروقات أثناء يونيو/حزيران في بعض المواقع.
وقال شهود وضحايا الهجمات لـ هيومن رايتس ووتش إن قوات الحكومة قتلت واغتصبت المدنيين، ودمرت المنازل وقصفت مصادر المياه، مما أجبر آلاف المدنيين على النزوح.
وشملت الهجمات القصف الجوي الحكومي في جبل مون وحوله في أواخر أبريل/نيسان ومطلع مايو/أيار. ويظهر من إفادات الشهود أن القنابل كانت موجهة نحو أماكن قريبة من مصادر المياه، يتجمع حولها المدنيون. وفي إحدى الحوادث في 29 أبريل/نيسان تناقلت التقارير تسبب القنابل في مقتل تسعة مدنيين في قرجي قرجي، قرية تقع على مسافة 15 كيلومتراً شرقي جبل مون.
وقال رجل لقيت ابنته حتفها بسبب إحدى القنابل:
"رأيت الدخان ينبعث من نقطة المياه إثر القصف. كنت أعرف أن ابنتيّ زينب، 13 عاماً، ومقبولة، 9 أعوام، كانتا عند مضخة المياه تجلبان الماء اليومي. جريت إلى المضخة ورأيت زينب تنزف من عدة أماكن في جسدها ومقبولة ميتة. لم أقدر على النظر إلى جثمانها المحترق حتى. جلست على الأرض وأنا أحاول أن أمنع دموعي."
أسفرت الصدامات المسلحة في مناطق أخرى في دارفور والقتال بين مختلف الجماعات الإثنية في جنوب وغرب دارفور عن خسائر في صفوف المدنيين أيضاً، وتدمير للمنازل والنزوح الجماعي للمدنيين هذا العام، طبقاً للأمم المتحدة ولمصادر محلية قابلتهم هيومن رايتس ووتش. ولم يتم توثيق كامل آثار القتال على المدنيين لأن الحكومة والمتمردين رفضوا تكراراً إتاحة وصول قوات حفظ السلام والمنظمات الإنسانية إلى المناطق المتأثرة بالقتال.
وقالت بيليغال: "هناك المئات من المدنيين يموتون، وقوات حفظ السلام في حالات كثيرة لا يمكنها حتى بلوغ السكان المعرضين للخطر". وأضافت: "على الحكومة السودانية أن تضع حداً للهجمات على المدنيين وأن تتخذ خطوات فورية لتحسين قدرة عناصر قوات حفظ السلام على بلوغ المناطق المتأثرة. يجب أن يكون وصول عناصر قوات حفظ السلام لهذه المناطق أولوية قصوى".
ومنذ نشر قوة حفظ السلام المشتركة في يناير/كانون الثاني 2008 تكرر منع الحكومة وقوات المتمردين لبعثات القوة المشتركة من تقييم الأوضاع. وبموجب التفويض الممنوح للقوات المشتركة، فإن على الحكومة السودانية منح عناصر قوات حفظ السلام حرية تنقل غير مشروطة في دارفور. كما وحدّت أنشطة العصابات والهجمات على عناصر حفظ السلام والمنظمات الإنسانية من تنقلاتهم، مع مقتل ثلاثة عناصر من قوات حفظ السلام وعاملين اثنين بمنظمات إنسانية تعرضا للاختطاف في يونيو/حزيران وحده. وقد أخفقت القوات السودانية في مقاضاة المسؤولين عن هذه الهجمات.
وتعكف المحكمة الجنائية الدولية على التحقيق في جرائم دارفور ومقاضاة المسؤولين عنها، وأصدرت مذكرتي توقيف بحق الرئيس عمر البشير، ومذكرات بحق أحمد هارون، الحاكم الحالي لولاية جنوب كردفان، وعلي كوشيب، زعيم الجنجويد واسمه الحقيقي علي محمد علي. ورفضت الحكومة السودانية التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، وما زال المشتبهون - المطلوبين على خلفية اتهامات بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية - طلقاء. وأصدرت المحكمة مذكرة توقيف إضافية بتهمة الإبادة الجماعية في 12 يوليو/تموز بحق البشير. وقد مثل بالفعل ثلاثة زعماء للمتمردين من دارفور طوعاً أمام المحكمة رداً على استدعاءات صدرت بحقهم على صلة بهجوم على قاعدة للاتحاد الأفريقي في حسكنيتة، في دارفور.
وقد خفضت الحكومة إلى حد كبير من تواجد المنظمات الإنسانية في مارس/آذار 2009، بعدما طردت 13 منظمة إثر صدور مذكرة توقيف المحكمة الجنائية الدولية بحق البشير. منذ ذلك الحين، أصبحت تقييمات الأمم المتحدة المشتركة مع الحكومة للاحتياجات غير مستقلة أو شاملة أو تضم بواعث القلق الخاصة بحقوق الإنسان. وفي 15 يوليو/تموز، بعد ثلاثة أيام من صدور مذكرة التوقيف على خلفية اتهام الإبادة الجماعية بحق البشير، أمرت الحكومة العاملين بمنظمة إنسانية دولية أخرى بمغادرة البلاد.
عمليات الطرد، بالإضافة إلى القيود المفروضة على دخول دارفور، أدت إلى غياب المعلومات عن الوضع الأمني والإنساني في دارفور. ورغم توثيق هيومن رايتس ووتش للهجمات التي وقعت قبل شهور، فإن الأمم المتحدة لم تكتب عنها علناً بعد.على قطاع حقوق الإنسان المرافق لوحدة حفظ السلام أن يزيد من تقاريره الصادرة عبر مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، وأن يقيّم التقدم الذي تحرزه الحكومة على خلفية المعايير المرجعية التي وضعتها مجموعة من خبراء الأمم المتحدة عن دارفور في عام 2007.
وقالت هيومن رايتس ووتش إنه يجب تيسير توصيل المساعدات للنازحين بشكل يحافظ على حيادية بعثة حفظ السلام ويحمي حق النازحين في العودة الطوعية، ويجب ألا تؤثر هذه الجهود على واجب قوات حفظ السلام الأساسي الخاص بحماية المدنيين وتوفير الأمن.
ودعت هيومن رايتس ووتش بعثة الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة المشتركة في دارفور إلى تكثيف دورياتها حول مخيمات النازحين ومستوطنات السكان المعرضين للضرر، وإلى الضغط من أجل إتاحة زيارة جميع المناطق المتأثرة بالنزاع، وإلى تطبيق وثيقة ولاية البعثة بشكل شامل.
وقالت بيليغال: "نظراً للهجمات القائمة والقيود على إتاحة الوصول للمناطق المتأُثرة، فمن الواجب أن ينصب اهتمام بعثة حفظ السلام على تكثيف جهودها من أجل حماية المدنيين". وأضافت: "لم يحن الوقت لنقل تركيزها إلى إعادة البناء وإعادة المشردين إلى بيوتهم".
عملية السلام المتعثرة
في مطلع أبريل/نيسان اتفقت كل من تشاد والسودان على الكف عن دعم جماعات المتمردين التي تقاتل في أراضي الدولتين، وعلى نشر دوريات مشتركة على الحدود بين الدولتين. ونتيجة لذلك الاتفاق، غادرت حركة العدالة والمساواة تشاد - التي كانت تلقى الدعم من تشاد - وانتقلت إلى دارفور. وفي 23 فبراير/شباط، وقّعت حركة العدالة والمساواة اتفاق إطاري مع الحكومة السودانية، وينص على وقف لإطلاق النار، وتلاه اتفاق أكثر شمولاً تم توقيعه في 15 مارس/آذار.
ولم يدم اتفاق وقف إطلاق النار، إذ لم يلتزم الطرفان بالاتفاق، واستأنفت قوات حركة العدالة والمساواة والحكومة القتال في دارفور في الأسابيع اللاحقة. وتناقلت التقارير في مارس/آذار وقوع مناوشات جديدة. وانسحبت الحركة رسمياً من المحادثات مع الحكومة في مايو/أيار.
قاطع فصيل جيش تحرير السودان المتمرد، بقيادة عبد الواحد النور، وجماعات أخرى العملية. وظهرت جماعة جديدة تجمع تحت لوائها الفصائل، هي حركة التحرير والعدالة، نتيجة للضغوط الدولية على قيادات التمرد من قبائل الفور، وهي الجماعة الوحيدة التي تتفاوض حالياً مع الحكومة السودانية.
المصادمات والهجمات على المدنيين في جبل مرة
جبل مرة، المنطقة الجبلية التي تمر بولايات دارفور الثلاث، الشمالية والجنوبية والغربية، هي موطن أكثر من 100 ألف شخص، أغلبهم من قبائل الفور. وتعتبر المنطقة معقل قوي لجماعة جيش تحرير السودان المتمردة منذ بدء نزاع دارفور.
في مطلع عام 2010 أسفر القتال بين فصائل المتمردين، والمصادمات بين المتمردين والحكومة، عن مقتل ما يُقدر بأربعمائة مدني، طبقاً لتقدير للخسائر في مارس/آذار من قبل بعثة حفظ السلام. كما أسفرت أعمال القتال المتجددة عن نزوح عشرات الآلاف وإعاقة المساعدات الإنسانية في المنطقة. ولم تظهر إلا معلومات قليلة عن القتال، إذ لم تتمكّن الأمم المتحدة ولا المنظمات الإنسانية من بلوغ المناطق المتأثرة. قدرت المنظمات الإنسانية القادرة على الوصول لبعض المناطق شرقي جبل مرة في مايو/أيار، أن 50 ألف شخص قد نزحوا من هذه المنطقة وحدها.
وفي يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط، ظهرت انقسامات في صفوف فصائل جيش تحرير السودان حول المشاركة في مفاوضات سلام دارفور في الدوحة، قطر. أدت هذه الانقسامات إلى مصادمات مسلحة فيما بين فصائل جيش تحرير السودان. وأفاد شهود عيان أنّ القتال بين قوات عبد الواحد بدعم من ميليشيات عربية من غرب دارفور، وبين فصائل أخرى من جيش تحرير السودان، أسفرت عن تدمير 11 قرية ونزوح الآلاف من سكان القرى إلى نرتيتي ومستوطنات أخرى للنازحين.
وفي الوقت نفسه، نفذت الحكومة السودانية حملة قصف استهدفت مواقع عديدة تسيطر عليها قوات جيش تحرير السودان. وأفادت منظمة إنسانية تعمل من شرقي جبل مرة بوقوع 10 غارات جوية في فبراير/شباط. وأفاد أحد قادة المجتمع شرقي جبل مرة بقصف الطائرات الحكومية للقنابل على مناطق قريبة من كاتور، وهي بلدة تقع على أرض منخفضة على الطريق المؤدي إلى الجبال، مما أسفر عن مقتل ثمانية مدنيين، وعدد من الماشية وتدمير العديد من المنازل.
وفي 10 فبراير/شباط، بدأت الحكومة والميليشيات الموالية لها في سلسلة من الهجمات البرية على قرى عدة يُتشبه في استضافتها لمقاتلين من فصيل عبد الواحد شرقي جبل مرة. الروايات التي جمعتها هيومن رايتس ووتش تشير إلى أن القوات الحكومية خرقت قوانين الحرب في حظرها على الهجمات العشوائية واستهداف المدنيين والأعيان المدنية.
وقال أحد شهود العيان على هجوم حكومي على كدينيير صباح 10 فبراير/شباط، إنه شاهد قوات الحكومة والميليشيات الموالية تصل بالعربات وعلى الأقدام وتبدأ في حرق الأكواخ ونهب السوق. وقال إنهم أطلقوا خمسة أعيرة نارية على المدنيين، مما أجبرهم على الفرار من البلدة. وفر الكثيرون إلى فينا، البلدة المجاورة.
وفي 17 فبراير/شباط، هاجمت القوات الحكومية فينا، من جديد وحسب التقارير أطلقت النار على المدنيين ونهبت السوق، ودمرت خزانات المياه والآبار وعيادة طبية أيضاً. وأفادت طالبة تبلغ من العمر 13 عاماً من فينا إنها شاهدت عناصر من الميليشيات يطلقون النار على المدنيين، ليقتلوا اثنين أمام عينيها ويجبروا الجميع على الفرار.
وقالت لـ هيومن رايتس ووتش: "جاءوا في السيارات وكان بعضهم يسير على الأرض. راحوا يطلقون النار على الناس، وأحدهم أطلق النار عليّ وجاءت الرصاصة في فخذي الأيسر. مرت الرصاصة إلى فخذي الأيمن، وسقطت أرضاً وراح الدم ينزف مني بغزارة".
بعد يومين، نفذت الميليشيات هجوماً على بلدة دربات. وقالت فتاة تبلغ من العمر 16 عاماً من دربات إن في 19 فبراير/شباط، رأت قنبلة تسقط على منازل الجيران وشاهدت عناصر من الميليشيات يطلقون النار على المدنيين، مما حمل المئات على مغادرة البلدة. والتمسوا اللجوء في كهوف بالجبل وتحت الأشجار طيلة أسابيع، ثم ذهبوا سيراً على الأقدام إلى نيرتيتي ونيالا.
واستمر القتال بين الحكومة وقوات جيش تحرير السودان، واستمر القصف الجوي الحكومي في دربات وحولها، وهي مركز تجاري شرقي جبل مرة. في 10 يونيو/حزيران أدى القصف في ديدا بالقرب من قاطور إلى مقتل أربعة مدنيين، منهم طفل في الثالثة من عمره. وفي 30 يونيو/حزيران أفادت قوات المتمردين التابعة لعبد الشافي (قائد كان مع عبد الواحد فيما سبق) بوقوع صدام جديد مع قوات حكومية بالقرب من دربات.
وقام جنود سودانيون في دربات باعتقال العديد من رجال الفور، بتهمة أنهم جنود في جيش تحرير السودان. أحد المعتقلين - وأنكر أي تورط مع جماعة المتمردين وتم الإفراج عنه - قال لباحث محلي إن الجنود قبضوا عليه واحتجزوه في مركز احتجاز عسكري في دربات، وعندما رفض توقيع اعتراف، عرضوه للضرب المبرح.
وقال: "هددوني بالقتل وإطعام جثتي للنسور".
المصادمات والهجمات على المدنيين في منطقة جبل مون وحولها
جبل مون، ويقع على مسافة 80 كيلومتراً شرقي الجنينة، كان معقلاً للمتمردين أغلب فترات نزاع دارفور، وهو شاهد على النزاع القائم على السلطة فيما بين فصائل المتمردين، وكذلك الهجمات التي شنتها القوات الحكومية والميليشيات الموالية لها.
وحتى الآن، في عام 2010، أسفرت المصادمات بين القوات الحكومية وحركة العدالة والمساواة، وبين الحركة وفصائل المتمردين الأخرى والميليشيات المحلية، والغارات الجوية الحكومية، أسفرت عن مقتل وإصابة ونزوح المدنيين وتدمير الأعيان المدنية. وما زال الكثير من آثار هذا النزاع على المدنيين غير موثق لأن الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية لم تتمكن من الوصول إلى المناطق المتأثرة، رغم محاولات لا حصر لها.
وأفاد مدنيون يعيشون في بلدات "الممر الشمالي" في المسافة بين الجنينة وجبل مون، بالتعرض للاعتداءات والضرب وغيرها من الانتهاكات من قبل حركة العدالة والمساواة وجنود الحكومة المسيطرون على المنطقة في مختلف الفترات، وذكروا هذه الانتهاكات للعاملين بوحدة حقوق الإنسان في بعثة حفظ السلام.
ورغم أنه تمت الإفادة بوقوع بعض المصادمات بين الميليشيات الموالية للحكومة ومتمردي حركة العدالة والمساواة في مطلع فبراير/شباط، فإن أغلب الهجمات المكثفة على المدنيين وقعت أواخر أبريل/نيسان ومطلع مايو/أيار، عندما هاجمت القوات الحكومية والميليشيات الموالية لها عدة قرى في منطقة جبل مون وحولها.
وقال شهود عيان لـ هيومن رايتس ووتش على هجوم حليلات، بلدة تقع غربي الجبل على الطريق إلى كلبس - وهي بلدة تسيطر عليها الحكومة على الحدود مع تشاد - قالوا إن الميليشيات وصلت صباح 2 مايو/أيار، وبدأت في مضايقة المدنيين وإطلاق النار عليهم.
وقال أحد الرجال:
رأينا ستة مدنيين يتعرضون لأعيرة نارية وهم يركضون بعيداً عن الهجوم. قُتل أربعة ولحقت إصابات جسيمة باثنين. لا نعرف إن كانا قد عاشا، إذ لم نجرؤ على النظر خلفنا لرؤية ما حدث بعد أن بلغت أنا و50 رجلاً وامرأة وطفلاً صليعة بعد عشر ساعات من الجري والمشي.
كما قال شهود عيان للعاملين بالأمم المتحدة إن جنوداً وعناصر من الميليشيات اعتدوا جنسياً على نساء وفتيات في بعض القرى قرب كلبس، على الحدود مع تشاد، أثناء الهجمات. كما قبض جنود الحكومة والميليشيات الموالية على بعض المدنيين التشاديين بتهمة الانتماء لحركة العدالة والمساواة. تم الإفراج عن البعض بعد أيام ونُقل البعض إلى الجنينة، حيث ما زالوا رهن الاحتجاز دون نسب اتهامات إليهم.
وشملت الهجمات القصف الجوي الحكومي في وحول جبل مون أواخر أبريل/نيسان ومطلع مايو/أيار، والتي قال شهود العيان عنها إنها كانت موجهة لأماكن المياه التي يتجمع حولها المدنيون. وتناقلت التقارير فرار آلاف المدنيين من المنطقة بسبب الهجمات وعمليات القصف، وقد ذهب البعض إلى المخيمات بالقرب من الجنينة، وذهب آخرون إلى مناطق وراء الحدود التشادية.
وخلال الأيام والأسابيع التالية، أفاد سكان بلدات سربا وصليعة وأبو سروج بأن جنود الحكومة والميليشيا الساعين للوصول إلى متمردي حركة العدالة والمساواة، ارتكبوا انتهاكات بحق المدنيين، بما في ذلك الاعتقالات التعسفية والاختطاف والاغتصاب والضرب. أحد الشهود أفاد منظمة إنسانية محلية بأنه في 31 مايو/أيار في أبو سروج، شاهد جنود وميليشيا يعتقلون مجموعة من النساء بالقرب من مصدر للمياه وينقلونهن بعيداً. أفادت إحدى النساء فيما بعد إنها تعرضت للاحتجاز والاغتصاب لمدة ثلاثة أيام. قال أحد السكان بأبي سروج إن الجنود قبضوا على ابنه البالغ من العمر 19 عاماً في 12 مايو/أيار وضربوه قبل الإفراج عنه في مستشفى للعلاج.
وفي 14 مايو/أيار زعمت الحكومة أنها سيطرت على جبل القمر، وأنها قتلت 108 من عناصر حركة العدالة والمساواة واتخذت 61 سجيناً. ونفت الحركة التقرير زاعمة بأنها انسحبت قبل أيام. ولم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تأكيد أو نفي هذه المزاعم.
واستمرت القوات الحكومية السودانية وعناصر متمردي حركة العدالة والمساواة في الصدام في عدة مواقع في شتى أنحاء دارفور، مما أسفر عن وفيات وإصابات ونزوح في صفوف المدنيين. وفي شهور مايو/أيار ويونيو/حزيران ويوليو/تموز، تناقلت التقارير اندلاع القتال من جديد في مواقع متعددة جنوبي وشمالي دارفور. وفي 5 مايو/أيار قصفت القوات الحكومية قرى بالقرب من قلاب، شمالي دارفور، مما أسفر عن مقتل ثلاثة مدنيين وتدمير منازل عدة. وما زال أثر هذه المصادمات الكامل غير معروف.
القتال بين الجماعات الإثنية
القتال بين الجماعات الإثنية العربية تزايد في أجزاء من غرب وجنوب دارفور في عام 2010، مما أسفر عن مقتل 182 شخصاً في شهر مارس/آذار وحده، طبقاً لتقدير بعثة حفظ السلام. تكثف القتال في أبريل/نيسان، مما أوقف سير العملية الانتخابية في كاس، جنوبي دارفور، وأدى لنزوح المدنيين. ويظهر من تقارير لمصادر عديدة أن حرس الحدود - وهي وحدة احتياطية بالجيش السوداني - وضباط الشرطة قاتلوا إلى جانب الجماعات الإثنية. وتم توقيع اتفاق سلام في يونيو/حزيران بين جماعات الرزيقات والمسيرية، يُلزم الأطراف بدفع تعويضات عن 695 وفاة والمساعدة في التحقيق في دور الحكومة والمتمردين في القتال.
اقتصار قدرة بعثة حفظ السلام على الوصول للمناطق المتأثرة
تشمل ولاية بعثة الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة المشتركة في دارفور تهيئة أوضاع آمنة لتيسير زيارة المنظمات الإنسانية لمختلف مناطق دارفور، والمساعدة على حماية السكان المدنيين من "التهديدات القائمة بالعنف الجسدي ومنع الهجمات ضد المدنيين، بحسب قدرات البعثة ومناطق انتشارها، بغض النظر عن مسؤولية حكومة السودان".
عكفت قوات حفظ السلام والمانحون الدوليون في الشهور الأخيرة على زيادة التركيز على أنشطة المعافاة الأولية - وهي خطة يبدو أنها أسهمت في الاعتقاد، لا سيما في صفوف المجتمعات النازحة، بأن بعثة حفظ السلام متحالفة مع الحكومة وأنها قوة حماية غير محايدة.
قدرة بعثة حفظ السلام على تطبيق ولايتها تتطلب القدرة على بلوغ المناطق الأكثر تأثراً بالعنف، عبر الزيارات المتكررة والدوريات قصيرة وطويلة الأجل في أنحاء دارفور كافة ، من أجل تحسين الوضع الأمني حول مخيمات النازحين وفي المناطق الريفية. وطبقاً لاتفاقها مع الحكومة، فإن بعثة حفظ السلام في دارفور يجب أن تحظى بحرية التنقل في شتى أنحاء دارفور. إلا أنه من حيث الممارسة، فالحكومة السودانية وقوات المتمردين تمنع الدوريات وبعثات التقييم والرحلات الجوية من بلوغ المناطق المتأثرة.
على سبيل المثال، أفادت مصادر في الأمم المتحدة نهاية مايو/أيار عن إخفاق 18 من 24 محاولة لبلوغ مواقع في جبل مرة. ووصل فريق من بعثة حفظ السلام في دارفور إلى مجتمعات نازحة من جبل مون في قريتي أرو شورو وهجلجة في 20 مايو/أيار، لكن الجيش السوداني منع الفريق من زيارة قرى كالجو وفلاكو وألونا، قائلاً بأن مخلفات المتفجرات تجعل المنطقة غير آمنة للزيارة.
كما أعاقت الهجمات المتزايدة على عناصر قوات حفظ السلام والمنظمات الإنسانية من العمليات. ففي 5 مارس/آذار، نصب مسلحون فخاً لدورية تابعة لقوات حفظ السلام على الطريق إلى ديريبات واستولوا على بعض العربات وأسلحة ومعدات اتصال. وفي يونيو/حزيران هاجم مسلحون دورية أخرى للبعثة بالقرب من نيرتيتي، غربي دارفور، وقتلوا ثلاثة من عناصر حفظ السلام. رفعت هذه الحادثة عدد عناصر قوات حفظ السلام المتوفين إلى 27 شخصاً منذ انتشار البعثة في يناير/كانون الثاني 2008. وفي مايو/أيار ويونيو/حزيران، هاجمت عصابات مسلحة عاملين بالمساعدات الإنسانية، منهم ثلاثة عناصر دوليين ما زالوا رهائن.