Skip to main content

يجب التحقيق في الانتهاكات البريطانية بالعراق

تحقيق شيلكوت يجب أن ينظر فيما تم فعله تحت اسم بريطانيا أثناء حرب يُزعم أنها باسم حقوق الإنسان

في كلمته أمام البرلمان عشية حرب العراق، أشار توني بلير إلى "قسوة قمع" صدام حسين و"مخيمات القتل والتعذيب والسجون الهمجية المخصصة للخصوم السياسيين وأعمال الضرب المنهجي بحق أي شخص وأفراد أسرته يُشتبه في عدم ولائه".

بالطبع غزت القوات البريطانية واحتلت وحكمت جزءاً من العراق، وتم إغلاق حجرات تعذيب صدام. لكن ثمة أدلة متزايدة على أنها استبدلت القديم بأشكال إساءات جديدة للمحتجزين، ليس فقط من فعل الولايات المتحدة، بل أيضاً بريطانيا. ومع انسحاب القوات البريطانية، فقد حان الوقت لاكتشاف كيف حدث هذا. وتحقيق شيلكوت هو نقطة البداية على هذا المسار.

لقد أوضحت لجنة التحقيق - بما لها من ولاية واسعة - أنها بحاجة إلى التركيز على القضايا الأساسية فحسب. وكما أوضحت هيومن رايتس ووتش في رسالة بعثت بها إلى لجنة شيلكوت هذا الشهر، فإن أحد هذه القضايا الأساسية يجب أن يكون تورط بريطانيا في انتهاكات حقوق الإنسان، ليس فقط لأن إنهاء انتهاكات حقوق الإنسان في العراق قد تم استخدامه كذريعة للحرب، بل أيضاً لظهور أدلة على أن الانتهاكات البريطانية كانت منهجية، ولم يتم تعويض الضحايا عنها، ومن ثم فمن اليسير تكرارها في أماكن أخرى من العالم.

والأدلة التي بدأت تظهر تدريجياً على مدار السنوات، تشير حالياً إلى وجود سجل من الانتهاكات المتفشية والجسيمة بحق العراقيين طرف الاحتجاز البريطاني، ومنها أعمال اعتداء وتعذيب وعدة وفيات. وبعض هذه الانتهاكات لفتت انتباه الإعلام، ومما يستحق الترحيب أن قضية واحدة بالغة السوء، هي ضرب وقتل موظف استقبال الفندق بهاء موسى في سبتمبر/أيلول 2003، أصبحت حالياً عرضة لتحقيق علني متأخر. لكن التحقيق في قضية فردية لا يمكن أن يصل إلى أصل وحقيقة الطبيعة المنهجية للانتهاكات المذكورة.

ونشرت "بابليك إنتريست لويارز" مؤخراً - وهي مؤسسة محاماة شاركت في التحقيق بعدة حالات فردية - الأدلة المكتشفة إلى الآن، وهي مؤشر واضح على أن الانتهاكات لم تكن مجرد "قلة قليلة" من حالات الفساد، بل يبدو أنها كانت أسلوباً متبعاً وشائعاً في التعامل مع المحتجزين.

واستمرت الانتهاكات بمختلف أشكالها حتى مغادرة بريطانيا [للعراق]. ولدى نهاية عام 2008 سلمت بريطانيا السلطات العراقية آخر اثنين من المحتجزين طرفها، ظلا محتجزين لمدة خمس سنوات، زاعمة أنهما مشتبهان جنائيان لكن دون اتخاذ خطوات لتقديمهما للمحاكمة. وهذا التسليم وقع رغم مخاطر جسيمة تتهدد الرجلين بالمعاناة من محاكمة غير عادلة وفرض عقوبة الإعدام عليهما في سياق نظام العدالة العراقي، وهذا رغم حُكم من محكمة حقوق الإنسان الأوروبية بعدم تسليمهما.

لكن ليست الانتهاكات وحدها في حد ذاتها هي التي يجب التصدي لها. فمن المروع بالمثل انعدام المقاضاة لدى اكتشاف وقوع الجريمة. فرد السلطات البريطانية تمثل في الإنكار وتقديم الأعذار والتغطية على الوقائع. حتى مع بث تسجيل فيديو في عام 2006 يظهر منه إساءات بدنية بحق أربعة أطفال محتجزين في مخيم بريطاني قبل عامين، فلم يسفر هذا إلا عن بيان من الجيش مفاده أن ذلك التسجيل دليل "غير كاف" لا يؤدي إلى أية مقاضاة.

وقد اتخذت الحكومة البريطانية واحداً من أكثر المواقف تطرفاً قد تتخذه أية دولة في إنكارها انطباق أي من قواعد قانون حقوق الإنسان على قواتها ومسؤوليها خارج أراضيها، وهي بريطانيا في هذه الحالة. حتى إنها أنكرت انطباق المواثيق الدولية التي تحظر التعذيب على قواتها في العراق، وهو موقف أكثر تشدداً من الموقف الأميركي نفسه. والنتيجة كانت درجة عالية من عدم المشروعية في غضونها احتجزت القوات البريطانية الأفراد لسنوات.

هناك أربع مناطق مطلوب من تحقيق في وزن تحقيق سير جون شيلكوت أن يغطيها. أولاً: ما مدى تفشي الانتهاكات أثناء الاحتجاز؟ التحقيق الذي من شأنه أن يستجوب الوزراء وكبار المسؤولين لا أقل هو القادر على تبيّن على أية درجة كان يتم التصريح بمثل هذا السلوك، بما في ذلك الاستخدام الظاهر للحرمان من المحفزات الحسية الذي تعهدت الحكومات البريطانية المتعاقبة قبل ثلاثين عاماً تعهداً مشدداً بالتخلي عنه كأسلوب للضغط، وما هي الإجراءات التي تم اتخاذها - إن وجدت - على أعلى المستويات لوضع حد لهذه الانتهاكات حين اكتُشِفت.

ثانياً: يجب أن ينظر التحقيق في الإخفاق في المقاضاة، رغم وجود أدلة ظاهرة في قضايا عديدة على وقوع جرائم، بما في ذلك الإخفاق في تعقب المسؤولين حتى الوصول إلى الأشخاص في مناصب السلطة. في واقع الأمر، بموجب القانون الدولي فإن أصحاب المناصب هم من يتحملون الجرائم الأكثر جسامة، مثل التعذيب، التي كان يجب أن يعرفوا بوقوعها وأخفقوا في منعها أو مقاضاة الجناة.

ثالثاً: على الحكومة أن تكشف عن القواعد الأساسية التي استخدمتها لإدارة "استخدام الاحتجاز" من قبل القوات البريطانية في العراق. ومن المهم بشكل خاص الأسانيد القانونية للاحتجاز، وضمان المراجعة المستقلة لكل المحتجزين. وبعد التحقيق في انتهاكات الاحتجاز البريطانية يجب أن يخرج تحقيق شيلكوت بتوصيات لضمان تحسين هذه القواعد بحيث يتقلص خطر التعرض للانتهاكات، وأن يتم التحقيق بشكل كامل في الانتهاكات التي تُكشف، وبشكل علني، وأن يتم مقاضاة المسؤولين عن أية جرائم. كما توجد حاجة إلى صياغة قواعد واضحة لمنع تسليم الأشخاص إلى حكومات أخرى يتعرضون طرفها لخطر انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة.

رابعاً: فهم الحكومة للقوانين المُطبقة يحتاج للتحقيق والطعن. ويجب أن يُذكر بوضوح أن القانون الدولي الذي تروج له الحكومة البريطانية بهمّة، ومنه قانون حقوق الإنسان، ينطبق على القوات البريطانية ومسؤوليها، وعلى الأقل كلما وحينما كانوا في مركز السلطة.

إن فحص الانتهاكات الجسيمة التي وقعت تحت اسم بريطانيا، بعد الحرب، يُفترض به أن يضمن حقوق الإنسان الأساسية للعراقيين، وتحقيق شيلكوت كفيل بالمساعدة على عدم تكرار مثل هذه الانتهاكات ثانية.

* كلايف بالدوين هو مُراجع قانوني رئيسي في هيومن رايتس ووتش

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة