التحديث في 27 مارس/آذار 2009
في الرابع من مارس/آذار 2009 أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق الرئيس عمر البشير، رئيس السودان، بناء على اتهامات بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وفي 5 مارس/آذار سعت حكومة السودان إلى تشتيت الانتباه عن مسؤولية البشير المزعومة عن تفشي الأعمال الوحشية بإعلانها نية طرد العاملين بالإغاثة الإنسانية من دارفور وإلقاء اللوم على المحكمة الجنائية الدولية. وضم الجدال العام المُثار حول هذه الأحداث بعض مواطن الخطأ، والتي لا يدعمها واقع الأمور في شيء:
1. خطأ: المحكمة الجنائية الدولية عرضت الناس للخطر بإصدارها مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني إذ تم طرد منظمات المساعدة الدولية من السودان نتيجة لهذا.
الصواب: الحكومة السودانية وليست المحكمة الجنائية الدولية، هي التي تسببت في تبعات كارثية لحقت بالناس في دارفور بإبعادها للمساعدات الإنسانية. وبطرد منظمات المساعدة أسقطت المزيد من الضحايا وهم بالفعل ضحايا للأعمال الوحشية التي تم اتهام البشير بارتكابها في دارفور. وهذه الخطوة تضاعف من مسؤولية القيادة العليا السودانية عن ارتكاب أفدح الجرام في دارفور، وتُبرز مخاطر السماح للمزعومة مسؤوليتهم عن هذه الجرائم بالإفلات من المحاسبة.
وعلى السودان التزام بموجب القانون الإنساني الدولي بضمان بلوغ المساعدات إلى مستحقيها في مناطق النزاع. وطبقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فإن المنظمات التي تم طردها كانت توفر نصف المساعدات الإنسانية تقريباً في كافة أنحاء دارفور. وعدد الأشخاص المتأثرين بنقص المياه والطعام ومرافق المجاري والرعاية الصحية بالملايين. مثلاً، وصف مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية الوضع في مخيم كالما للاجئين - وهو أحد أكبر مخيمات الأشخاص المشردين في دارفور - بصفته وضعاً يائساً. وبالإضافة إلى توفير الرعاية الصحية وغيرها من أشكال المساعدات، فإن المنظمات التي تم طردها مسؤولة عن إمداد كالما بالمياه، والتي يمكن أن تنفد في ظرف 48 ساعة.
2. خطأ: طرد السودان للمنظمات الإنسانية ليس بالمشكلة الكبيرة بما أن 13 منظمة دولية فقط هي التي تعرضت للطرد وما زالت هناك العشرات من المنظمات الدولية الأخرى ومئات المنظمات السودانية الناشطة في دارفور. المنظمات المتبقية يمكنها القيام بعمل المنظمات المطرودة، وحكومة السودان قالت أيضاً إنها ستساعد.
الصواب: المنظمات الـ 13 المطرودة توظف 40 في المائة من جميع العاملين بالمساعدات الإنسانية في دارفور. وتقدر الأمم المتحدة أنهم كانوا يوفرون الطعام والمياه لـ 1.1 مليون نسمة والرعاية الطبية لـ 1.5 مليون نسمة في أوضاع معقدة وينعدم فيها الأمان وتنضح بالتحديات المادية. والحكومات غير الحكومية ومؤسسات الأمم المتحدة التي سُمح لها بالبقاء تفعل ما بوسعها لملء هذه الفجوات، لكن ليس لديها القدرات اللازمة لتنفيذ جميع برامج المنظمات المطرودة. وحتى إذا فعلت، فإن أسلوب غلق الحكومة للبرامج جعل تسليم البرامج للمنظمات الباقية أمر مستحيل. فالمنظمات لم تحصل على إنذار مسبق وقد صادر المسؤولون الحكوميون ممتلكاتهم ومنها الحواسب الآلية ومعدات الاتصال والعربات. كما أمر المسؤولون الحكوميون المنظمات بفصل العاملين الوطنيين، والكثير منهم عادوا إلى منازلهم في أماكن أخرى من السودان. وتسليم برامج معقدة موسعة النطاق عملية في أفضل الظروف تستغرق شهوراً ولا يمكن تحقيقها في ظرف ساعات، لا سيما في غياب المعلومات والمعدات المطلوبة.
وورد في تقرير تقييمي صادر عن الأمم المتحدة بشأن أداء حكومة السودان، في 21 مارس/آذار 2009، بعد أسبوعين من إجبار المنظمات الـ 13 على وقف عملها، ما ينطوي عليه الموقف حالياً:
- برنامج الأمم المتحدة للغذاء لا توجد لديه حالياً جهات شريكة لتنفيذ عملية توزيع الطعام التالية، المقرر أن تتم في مايو/أيار، على أكثر من مليون نسمة. وفيما تمد هيئة الأمم المتحدة المذكورة [دارفور] بالطعام، فإنها تعتمد على المنظمات غير الحكومية في توزيعه.
- 32 من مراكز الصحة و28 مركز تغذية علاجي للأطفال الذين يعانون من سوء التغذية، إما أغلقت أو أوقفت جزء كبير من أنشطتها عن العمل، والنتيجة أن 650 ألف شخص حالياً لديهم قدرة محدودة أو لا قدرة بالمرة على الحصول على الرعاية الصحية.
- نحو 700 ألف نسمة لن يحصلوا على المساعدات المطلوبة من مواد غير غذائية ومآوى طوارئ قبل موسم الأمطار.
- في مواقع تعقيم صحي كثيرة توقفت الأنشطة تماماً، مما يزيد كثيراً ما احتمال التعرض للأمراض.
- إجراءات التوقف الحالية التي أدت للفجوة الخاصة بتوصيل المياه إلى مخيمات عديدة، يمكن أن يدوم في ظلها مخزون لمدة 2 إلى 4 أسابيع، وبعدها تنفد المياه. وقد يؤثر هذا على أكثر من مليون نسمة ويعلي كثيراً من خطر تفشي الأمراض.
وإذا كانت الحكومة السودانية مستعدة وقادرة على توفير المساعدة للسكان المتأثرين، فإن المنظمات الإنسانية ما كانت لتعمل بهذه الكثافة والقوة في دارفور. وفكرة أن الحكومة يمكنها بطريقة ما التدخل بفعالية للتصدي للفجوة الهائلة المتخلفة عن أعمال الطرد ليست واقعية على الإطلاق. وبعض المنظمات المطرودة تدير أيضاً برامج في أجزاء أخرى من السودان، منها شرق السودان وجنوب كردفان. وفي العديد من هذه المناطق، توجد منظمات أخرى قليلة وقدرات حكومية محدودة للغاية لتقديم أي مساعدة من ثم فإن الأشخاص هناك قد يكونون عرضة لخطر أكبر ممن في دارفور.
3. خطأ: بما أن المحكمة الجنائية الدولية تعوزها سبل توقيف البشير، فإن المذكرة الصادرة لن تزيد عن خلق الصعوبات دون أن تساعد الناس في دارفور مساعدة حقيقية.
الصواب: المحكمة الجنائية الدولية ليس لديها قوة شرطية تخصها وتعتمد على تعاون الدول في تنفيذ مذكراتها. وقرار مجلس الأمن 1593 - الذي أحال الوضع في دارفور إلى المحكمة - يُلزم السودان بالتعاون مع المحكمة، بما في ذلك بإجراء التوقيف استجابة لمذكرات المحكمة الجنائية الدولية. والنظام المنشئ للمحكمة يطالب أيضاً الدول الأطراف بالتعاون مع المحكمة، والقرار 1593 يدعو الأطراف من غير الدول إلى التعاون مع المحكمة فيما يخص دارفور.
إلا أن حتى إذا لم يتم توقيف البشير سريعاً، فالمذكرة يمكن أن يكون لها مزايا حقيقية وفورية. وكما حدث من قبل لدى إصدار المحكمة الدولية لأمر توقيف بحق شخصية رفيعة المستوى - مثل تشارلز تايلور في ليبيريا، على سبيل المثال، أو سلوبودان ميلوسوفيتش في يوغوسلافيا السابقة - فالبشير حالياً موصوم بأنه متهم بكونه مجرم حرب وهارب من العدالة. ويمكن أن تُهمش المذكرة من سلطة البشير وتخفف من إمساكه بالسلطة، مما قد يساعد على تفادي وقوع جرائم أخرى.
4. خطأ: إصدار مذكرة توقيف يهدد عملية السلام التي قد تنهي النزاع في دارفور.
الصواب: لا توجد في الوقت الحالي عملية سلام حقيقية بسبب غياب الإرادة السياسية اللازمة من الحكومة وقوات المتمردين من أجل إنهاء النزاع في دارفور. وعملية السلام متوقفة منذ فترة طويلة. رغم أن جماعة متمردين واحدة، هي حركة العدالة والمساواة، وقعت مع الحكومة "إعلان نوايا" في فبراير/شباط، إلا أن هذا الاتفاق لا يشمل الالتزام بوقف إطلاق النار. ويبدو أن الأطراف غير ملتزمة بالعثور على حل عبر المحادثات السلمية. وهذا الإخفاق لا علاقة له بالمرة بالمحكمة الجنائية الدولية.
5. خطأ: المحكمة الجنائية الدولية تستهدف الزعماء الأفارقة على نحو غير مُنصف.
الصواب: فيما تجري تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية بالكامل في الوقت الحالي في أفريقيا، فإن ثلاثة من تحقيقات المحكمة الأربعة أحيلت إليها طوعاً من حكومات وقعت فيها الجرائم. والوضع الرابع، وهو دارفور، أحيل إلى المحكمة من مجلس الأمن.
وتتخذ المحكمة القرارات بشأن تحقيقاتها بناء على عدة معايير متباينة، منها ما إذا كان لديها اختصاص النظر في الجرائم وجسامتها. وسلطة المحكمة تمتد بالأساس إلى الجرائم التي تم ارتكابها في دول أطراف في اتفاقية المحكمة الجنائية الدولية ما لم يقم مجلس الأمن بإحالة أحد الأوضاع إلى المحكمة أو إذا قبلت دولة غير طرف في المحكمة طوعاً باختصاص المحكمة. وبعض أسوأ الجرائم المرتكبة منذ عام 2002 تم ارتكابها من قبل دول ليست أطرافاً في المحكمة ومن ثم فهي خارج مجال اختصاص المحكمة، بما في ذلك ما وقع في سريلانكا وميانمار والعراق.
ويجب الإقرار بأن ساحة القضاء الدولي تنطوي على عدم المساواة. فزعماء الدول القوية أقل عرضة للمقاضاة من قبل المحاكم الدولية حين تُنسب إليهم الجرائم الجسيمة. إلا أنه يجب عدم حرمان المستحقين للعدالة لمجرد أنه من المستحيل سياسياً ضمان العدالة للجميع. بل إن مجال المحاسبة يجب أن يتسع ليشمل أي مكان تقع فيه الجرائم. ويمكن فعل هذا جزئياً بتوسيع المشاركة في المحكمة الجنائية الدولية.
6. خطأ: المحكمة الجنائية الدولية هي شكل جديد من الإمبريالية الغربية في أفريقيا.
الصواب: كانت الدول الأفريقية من بين أشد المؤيدين لتأسيس المحكمة وإدارتها على النحو الفعال. ولعبت الدول الأفريقية دوراً نشطاً في المفاوضات الخاصة بنظام روما، وكانت 22 دولة أفريقية من بين الدول المؤسسة التي صدقت على نظام المحكمة، أي نظام روما. ومن بين الدول الأطراف الـ 108 في المحكمة الجنائية الدولية، توجد 30 دولة أفريقية. وفي الانتخابات القضائية الأخيرة للمحكمة الجنائية الدولية، قامت الحكومات الأفريقية بترشيح 11 مُرشحاً. والأفارقة من بين كبار المسؤولين والعاملين في المحكمة الجنائية الدولية.
7. خطأ: مذكرة التوقيف ليست جدية لأن القضاة لم يُقروا باتهامات بالإبادة الجماعية.
الصواب: مذكرة توقيف المحكمة بحق الرئيس السوداني تخص أعمال وحشية موسعة وقعت في دارفور على مدار سنوات، وهي ليست بالجرائم قليلة الشأن. وبموجب المذكرة، فعمر البشير مُتهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. والوقائع التفصيلية تشمل تفشي القتل أو القت المنهجي، وأعمال التصفية، والاغتصاب والتعذيب ونقل أعداد غفيرة من المدنيين قسراً. كما تشمل النهب والهجمات العمدية بحق السكان المدنيين. وهي كما هو واضح جرائم مروعة وفي غاية الجسامة.
تم النشر لأول مرة في 9 مارس/آذار 2009