Skip to main content

هل هذه نهاية محاكم بوش غير المشروعة؟

رفض قضيتين في خليج غوانتانامو يوجه ضربة سديدة للنظام شبه القضائي الذي تستخدمه الإدارة الأميركية في التعامل مع الإرهابيين المزعومين.

لو كان لإدارة بوش أية قدرة على التمييز، لاعتبرت مشهد قاعة المحكمة يوم الاثنين مؤذناً بإسدال الستار على اللجان العسكرية في خليج غوانتانامو بكوبا.

هبطتُ مساء الأحد من طائرة نفاثة مستأجرة تغص بالصحفيين والمصورين والمحامين والمرافقين العسكريين وغيرهم من المراقبين المستقلين، متطلعةً لما يُفترض أن يكون بداية لأولى المحاكمات الكاملة هناك. فبعد أكثر من خمس سنوات رهن الاعتقال لدى الولايات المتحدة، وبعد العديد من الطعون القضائية، يُقدَّم للمحاكمة أخيراً اثنان من المعتقلين هما عمر خضر، الذي كان في الخامسة عشرة من عمره عندما أُلقي القبض عليه، وسليم حمدان الذي يُزعم أنه أحد سائقي أسامة بن لادن. ولكن لم يحل مساء الاثنين حتى كانت القضيتان قد رُفضتا، وأصبح مصير أي محاكمات من هذا القبيل في المستقبل محفوفاً بأخطار بالغة.

وقد بدأت وقائع المحاكمة بخضر، وهو كندي طويل القامة كاسف الوجه، متهم بقتل جندي أميركي في أثناء القتال في أفغانستان، وقد أمضى حتى الآن ربع عمره رهن الاعتقال. وسرعان ما حسمت المعركة المتوقعة حول التوكيل القانوني باتفاق الجانبين على إيجاد وسيلة لمشاركة المحامين الكنديين الذين اختارهم خضر، رغم أن القواعد المعمول بها تستوجب أن يكون محامو الدفاع المدنيون مواطنين أميركيين.

ولكن ما لبثت أن تفجرت القنبلة؛ فقد أعلن رئيس المحكمة الكولونيل بيتر براونباك رفضه النظر في الدعوى– حتى بدون الاستماع لحجج أي من الطرفين – وذلك لعدم اختصاص المحكمة. فضجت القاعة بجلبة شديدة؛ أما حيثيات هذا الرفض فهي كالتالي: منح الكونغرس اللجان العسكرية الاختصاص بمحاكمة أي شخص يثبت أنه "مقاتل عدو غير شرعي"، لكن خضر – فيما خلص إليه العقيد – قد صنفه مجلس المراجعة العسكري الذي بت في وضعه على أنه "مقاتل عدو" فحسب (وهو مصطلح ينضوي تحته أفراد الجيش النظامي الذين يحق لهم وضع سجين الحرب). ومن ثم فإن اللجان العسكرية ليس لها أي صلاحية للنظر في قضية خضر.

وبعد بضع ساعات جاءت قضية حمدان – أطراف مختلفة، وقاضٍ عسكري مختلف، ولكن نفس النتيجة؛ فقد رفضت القضية رقم اثنين، وسط تنهيدات مسموعة للبعض وابتسامات عريضة للآخرين. وسُمع البعض يتنهد بينما شوهد آخرون يبتسمون.

وهذه النتيجة غير المتوقعة هي نتيجة لائقة وانتصار لسيادة القانون؛ فقد تعثرت منذ اليوم الأول محاولة إدارة بوش لخلق نظام شبه قضائي جديد برمته – نظام لا يقوم على أي سوابق أو قواعد راسخة، إلى حد أن سند الاختصاص فيه يُلفق عرضاً حسبما ينشأ من الأمور.

وكانت اللجان العسكرية قد أُنشئت قبل خمس سنوات وسط صخب إعلامي كبير، إذ روجت لها الإدارة وأنصارها بوصفها أفضل منبر لتقديم العقول المدبرة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول للعدالة. وأعلن نائب الرئيس الأميركي تشيني آنذاك أنهم "لا يستحقون نفس الضمانات والإجراءات الوقائية المكفولة للمواطن الأميركي الذي يخضع للإجراءات القضائية العادية"؛ وبدلاً من ذلك يُحرم المشتبه في ضلوعهم في الإرهاب من المبادئ الأساسية للإجراءات القضائية المنصفة، وتجوز إدانتهم بناء على أدلة لم يروها مطلقاً – بما في ذلك الأدلة التي يحصل عليه المحققون باستخدام التعذيب.

ولكن لم تُحَل إلى هذه اللجان العسكرية إلا 10 قضايا؛ وفي يونيو/حزيران 2006، أفتت المحكمة العليا بعدم شرعية هذه اللجان، معتبرة أن الإدارة لم تحصل على موافقة الكونغرس عليها، فرفضت القضايا المنظورة أمامها. ولكن بعد بضعة أشهر، هب الكونغرس لنجدة الإدارة معجلا بإصدار تشريع يجيز الاستمرار في استخدام هذه اللجان، وهو قانون اللجان العسكرية لعام 2006، الذي منح الرئيس التفويض المطلوب للمضي قدما في هذا الأمر.

وجاءت الإدانة الأولى والوحيدة قبل شهرين عندما اعترف الأسترالي ديفيد هيكس، وهو تاجر جلود سابق، بتقديم دعم مادي للإرهاب مقابل الحكم عليه بالحبس لمدة عشرة أشهر فقط يقضيها في مدينة أديليد بأستراليا.

وبالمقارنة بإجراءات محاكمة الإرهابيين أمام القضاء الفيدرالي، فإن اللجان العسكرية تعتبر فشلاً ذريعاً؛ فعلى مدى فترة الخمس سنوات ونصف التي أدانت خلالها فرداً واحداً فقط، أقامت وزارة العدل المئات من الدعاوى القضائية الناجحة المتعلقة بالإرهاب، من بينها عشرات من القضايا الدولية. وبعضها من القضايا الشهيرة، مثل قضية "مفجر الحذاء" ريتشارد ريد الذي تم القبض عليه في مطار لوغان، وحُكم عليه بالسجن المؤبد، وزكريا موسوي الذي حكم عليه بالسجن المؤبد لضلوعه في هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول.

وهناك آخرون أقل شهرة لكنهم مهمون، مثل "ستة لاكاوانا" الذين حكم عليهم بالسجن لمدد تتراوح ما بين سبعة وعشر أعوام لتلقيهم التدريب في معسكر في أفغانستان قبل الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، وأحمد عمر أبو علي الذي حكم عليه بالسجن 30 عاما للتدريب مع القاعدة وتقديم الدعم لها، ومحمد علي حسن المؤيد ومحمد زايد اللذين حكم عليهما بخمسة وسبعين عاما للأول وخمسة وأربعين عاما للثاني لتوصيلهما أموالا إلى القاعدة وحماس؛ وهناك آخرون بالقائمة. وجميع هؤلاء في السجن الآن ويقضون العقوبات المحكوم بها عليهم، بعد أن مثلوا أمام القضاء الأميركي العادي.

وعلى النقيض من ذلك، فإن الأفراد الذين أحيلوا إلى اللجان العسكرية، وهم أفراد قليلو الشأن نسبياً، تابعهم الصحفيون من كل أنحاء العالم، وكانوا مثار ضجة إعلامية كبيرة، تضمنت مقالة تلو الأخرى تكشف عن تعسف اللجان وتحيزها وعبثيتها. وقد أصبح النظام نفسه هو الذي يقدم للمحاكمة، لا المعتقلون الذين أنشئ من أجلهم، والذين يُزعم أنهم على مستوى عالٍ من الخطورة.

ويجب أن يبقى هذا النظام موضع المحاكمة حتى تتم تصفيته تماماً، إذ تتكشف طبيعته الاستثنائية شيئاً فشيئاً مع كل خطوة جديدة يخطوها في إجراءاته.

فعندما أصدر الكونغرس قانون اللجان العسكرية، ميز بوضوح بين "المقاتلين الأعداء الشرعيين" – أي أفراد الجيوش المُشكلة كما ينبغي، والذين يحق لهم وضع سجين الحرب – و"المقاتلين الأعداء غير الشرعيين" الذين يعرفهم القانون تعريفاً سلبياً بأنهم "ليسوا" من المقاتلين الأعداء الشرعيين، ولكنهم اشتركوا في القتال ضد الولايات المتحدة أو قدموا له دعما "مادياً متعمداً". ومن الجوانب البالغة الأهمية بالنسبة للحكم الصادر بالأمس أن اللجان العسكرية يقتصر اختصاصها على "المقاتلين الأعداء غير الشرعيين".

أما المحاكم التي تم تشكيلها من قبل لمراجعة وضع المقاتلين – وهي مجالس عسكرية للمراجعة أنشأتها وزارة الدفاع أول الأمر للتحقق من وضع السجناء في خليج غوانتانامو – فلم تكن تميز على هذا النحو بين صنفي المقاتلين الأعداء؛ ومن ثم فإن الإدارة الأميركية بات أمامها الآن ثلاثة خيارات؛ الأول أن تطعن في الحكم أمام محكمة مراجعة قرارات اللجان العسكرية، وهي محكمة لا وجود لها حتى الآن من الأصل؛ والثاني أن تعيد إجراءات محاكم مراجعة وضع المقاتلين في ضوء تعريف "المقاتلين الأعداء غير الشرعيين" على نحو ما أقره الكونغرس للتحقق مما إذا كان ينطبق على المشتبه فيهم أم لا. والثالث أن تعترف بأن نظامها شبه القضائي التجريبي قد باء بالفشل، فتسدل عليه الستار، وتحيل أي دعاوى مستقبلية للقضاء الفيدرالي أو القضاء العسكري، وهما نظامان قضائيان لهما قواعد راسخة وسوابق قضائية معروفة، بحيث يمكن في آخر الأمر تقديم الإرهابيين المزعومين لمحاكمة جديرة بأن توصف بالعدالة.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة