قالت منظمة هيومان رايتس ووتش في تقرير جديد أصدرته اليوم، إن الحكومة المصرية تواصل اعتقال وتعذيب رجال مشتبه بممارستهم الجنس مع ذكور آخرين بمحض إرادتهم. وأضافت أن الاعتقال والتعذيب الذي تعرّضَ له مئات الرجال يكشف عن هشاشة الحماية القانونية لخصوصية الفرد والقواعد الإجرائية القانونية لكافة المصريين.
وقال كينيث روث، المدير التنفيذي لمنظمة هيومان رايتس ووتش،
"إن حظر التعذيب هو حظر مُطلق وشامل بصرف النظر عن الضحية. ومن شأن القبول بتعذيب الضحايا الذين لا يتمتعون بشعبية جماهيرية -بسبب آراءهم السياسية أو سلوكهم الجنسي- أن يسهّل للحكومة استخدام هذه الممارسات الشنيعة ضد الآخرين."
يتكون التقرير من 210 صفحة، وعنوانه "في زمن التعذيب: إهدار العدالة في الحملة المصرية السلوك المثلي "، وهو يوثّق القمع الحكومي المتزايد للرجال ذوي الميول الجنسية المثلية. وكانت المحاكمة التي جرت ل52 رجلاً في العام 2001، بتهمة "الدأب على ممارسة الفجور" -وهي التهمة القانونية المُستخدمة لتجريم الممارسات الجنسية في القانون المصري- هي المحطة الأبرز في حملة القمع المستمرة والمتصاعدة.
تستخدم الشرطة المصرية حالياً وسائل لمراقبة الاتصالات، وعدداً متزايداً من المخبرين للقيام بمداهمات للبيوت الخاصة، أو لاعتقال المشتبه بهم في الشارع. ويقوم عناصر الشرطة السريين بترتيب لقاءات مع رجال عبر غرف الدردشة والحوارات والإعلانات الشخصية على الإنترنت، ومن ثم يعتقلونهم.
وتقوم الشرطة روتينياً بتعذيب الرجال المشتبه بإتيانهم ممارسات جنسية مثلية. ويورد التقرير شهادات أدلى بها بعض الضحايا، ووصفوا من خلالها التعذيب الذي تعرضوا له مثل التقييد، والتعليق بأوضاع مؤلمة، والحرق بالسجائر، أو التغطيس في ماء مثلج، كما تحدّثوا عن تعرّضهم لصعقات كهربائية على أطرافهم وأعضائهم التناسلية. وقد اتّهم عدد من الضحايا في شهاداتهم طه إمبابي، رئيس شرطة الآداب في القاهرة، بالمشاركة المباشرة في التعذيب.
كما وجدت منظمة هيومان رايتس ووتش أن الأطباء يشاركون أيضاً في تعذيب المتهمين بممارسة الجنس المثلي، وذلك تحت غطاء جمع أدلة قضائية لدعم تهمة "الدأب على ممارسة الفجور"، إذ يقوم وكلاء النيابة بإحالة المتهمين إلى مصلحة الطب الشرعي، التابعة لوزارة العدل المصرية. وهناك يجبر الأطباء الرجال على خلع ملابسهم والسجود، ومن ثم يقوم الأطباء بتدليك وتوسيع واحياناً باختراق الشرج. هذا الفحص الطبي الإجباري يعتبر إذلالاً للمتهم -ويُعد شكل من أشكال التعذيب- ويجرى من أجل "إثبات" أن المتهم قد قام بممارسات جنسية مثلية.
وقد ناشدت منظمة هيومان رايتس ووتش الحكومةَ المصرية للعمل على تعديل جهاز العدالة الجنائية، وذلك لحماية كافة المواطنين من التعذيب والإساءات، كما دعت الحكومة لإنهاء الاعتقالات والمحاكمات بسبب قيام ذكور بالغين بممارسات جنسية مثلية قائمة على رضا ممارسيها.
هذا وقد اشتركت خمس منظمات حقوق إنسان مصرية إلى منظمة هيومان رايتس ووتش في القاهرة للإعلان عن نشر هذا التقرير، وهي: الجمعية المصرية لمناهضة التعذيب؛ والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية؛ ومركز هشام مبارك للقانون؛ ومركز النديم للعلاج والتأهيل النفسي لضحايا العنف؛ والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان. وكانت هذه المنظمات قد شاركت هيومان رايتس ووتش في إصدار النسخة العربية من تقرير "اعتداء قوات الأمن على المتظاهرين ضد الحرب"، الذي صدر في نوفمبر/ تشرين الثاني، وتناول موضوع اعتقال وتعذيب المتظاهرين المناهضين للحرب، خلال شهري مارس/آذار وإبريل/نيسان 2003.
وقال كينيث روث، الذي قدم عرض التقرير في مؤتمر صحفي عُقد في القاهرة،
"هذان التقريران يوثقان أزمة في جهاز العدالة الجنائية المصري، إذ أن الإفلات من العقاب لمرتكبي التعذيب والاعتقالات التعسفية، تعرِّض حقوق كافة المصريين للخطر".
وقد وثقت منظمة هيومان رايتس ووتش في تقريرها الصادر في نوفمبر/ تشرين الثاني، الاستخدام المفرط للقوة من قبل قوات الأمن في تفريق المتظاهرين الذين كانوا يحتجون على الحرب التي قادتها الولايات المتحدة ضد العراق، وذلك خلال شهري مارس/آذار وإبريل/نيسان 2003، فبعد أن اعتقلت قوات الأمن مئات المتظاهرين، قامت بضرب العديد من المحتجزين وإساءة معاملتهم -إلى درجة التعذيب في بعض الحالات-، كما امتنعت الشرطة عن توفير الرعاية الطبية للأشخاص الذين أصيبوا بجراح خطيرة. وقد رفع بعض الذين تعرضوا للضرب والتعذيب آنذاك، شكاوى رسمية لمكتب المدعي العام، وطالبوا بإجراء تحقيق بخصوص مزاعمهم. والآن، وبعد مرور ما يقارب عام على الاعتقالات والشكاوى، لم يبدأ المدعي العام بعد بإجراء أي تحقيق في هذا الشأن.
لقد عملت منظمة هيومان رايتس ووتش على توثيق عمليات الاحتجاز التعسفي والتعذيب في مصر، منذ فترة تزيد عن العقد. ففي 1992، نشرت المنظمة تقريراً مكوناً من 219 صفحة، بعنوان "خلف أبواب مغلقة: التعذيب والاعتقال في مصر"، بحث التعذيب الروتيني من قبل مباحث أمن الدولة التابعة لوزارة الداخلية، خصوصاً ضد من كانت تزعم بأنهم ناشطين إسلاميين أو متعاطفين معهم.
وقال كينيث روث، الذي قام أيضاً بالإعلان عن التقرير الصادر في 1992 خلال مؤتمر صحفي عُقد في القاهرة،
"إنه لمن المحزن أن نرى عمل منظمة هيومان رايتس ووتش في توثيق عمليات التعذيب يتواصل لفترة تزيد عن العقد. إن المبادرة الجديدة للحكومة المصرية من أجل تحسين صورتها في مجال حقوق الإنسان، لا تعني شيئاً طالما لم تفي الحكومة بالتزامها بالتحقيق ومعاقبة المسؤولين عن التعذيب".