Skip to main content
تبرعوا الآن

العراق يشهد اعتقالات جماعية بمعزل عن العالم الخارجي

السجن سيئ السمعة ما زال مفتوحاً بعد إعلان الحكومة عن إغلاقه

(بيروت) – قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن الحكومة العراقية تنفذ اعتقالات جماعية وتحتجز أشخاصاً بطريقة غير قانونية، في منشأة سجن "معسكر الشرف" (أو كامب أونور) سيئ السمعة في المنطقة الخضراء ببغداد، استنادا إلى لقاءات عديدة مع ضحايا وأفراد عائلات ومسئولين حكوميين. الحكومة كانت زعمت قبل عام أنها أغلقت السجن، الذي وثقت هيومن رايتس ووتش أعمال تعذيب جسيمة به.

السلطات العراقيةنفذت منذ أكتوبر/تشرين الأول، عدة موجات من الاعتقالات، وصف ضباط ومسئولون إحداها بأنها "احترازية." وقال شهود عدة لـ هيومن رايتس ووتش إن قوات الأمن عادة ما طوقت ضواحي في بغداد وغيرها من المحافظات ونفذت حملات تفتيش ومداهمة من منزل لمنزل ومعها قوائم طويلة تضم أسماء أشخاص مطلوبين للاعتقال.  احتجزت الحكومة مئات المعتقلين لشهور، رافضة الكشف عن عدد هؤلاء المعتقلين، أو هوياتهم أو الاتهامات الموجهة لهم، أو أماكن احتجازهم.

وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "قوات الأمن العراقية تعتقل أناس خارج نطاق القانون، من دون محاكمة أو اتهامات معروفة، وتخفيهم بمعزل عن العالم الخارجي.. يجب أن تكشف الحكومة العراقية على الفور عن أسماء وأماكن جميع المعتقلين، وأن تطلق بشكل عاجل سراح أولئك الذين لم توجه إليهم اتهامات جنائية، وأن تحيل من توجه إليهم اتهامات إلى سلطة قضائية مستقلة".

وقالت هيومن رايتس ووتش إن على الحكومة تعيين لجنة قضائية مستقلة للتحقيق في الادعاءات المستمرة بالتعذيب وغيره من أعمال سوء المعاملة، والاختفاءات والاحتجاز التعسفي في معسكر الشرف وغيره من الأماكن.

وقال شهود عدة لـ هيومن رايتس ووتش إن بعض المعتقلين المحتجزين منذ ديسمبر/كانون الأول 2011، محتجزون في سجن معسكر الشرف في المنطقة الدولية ببغداد، المعروفة بالمنطقة الخضراء. في مارس/آذار 2011، أعلنت الحكومة أنها أغلقت سجن معسكر الشرف، بعد أن زار نواب برلمانيون الموقع استجابة لأدلة قدمتها هيومن رايتس ووتش عن أعمال تعذيب متكررة في هذا السجن.

وقعت حملتا الاعتقال الجماعي الأكبر في أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني 2011، حيث جرى اعتقال أناس بزعم انتمائهم لحزب البعث وأنهم موالون لصدام حسين، وفي مارس/آذار 2012، وقبل القمة العربية في بغداد، نهاية ذلك الشهر.

في أبريل/نيسان، قال مسؤولان بوزارة العدل في مقابلتين منفصلتين مع هيومن رايتس ووتش إنه منذ بدء الاعتقالات في أكتوبر/تشرين الأول، فإن قوات الأمن في الغالب لم تحول المعتقلين بشكل كامل إلى إشراف النظام القضائي، كما يشترط القانون العراقي. وقال المسؤولان إنه بدلا من ذلك، نقلت قوات الأمن عشرات السجناء ما بين منشآت احتجاز متعددة، وأحيانا من دون اتباع الإجراءات الرسمية أو إبداء تفسيرات واضحة، تحت إشراف المكتب العسكري لرئيس الوزراء نوري المالكي.

وقال 14 محاميا ومعتقلا ومسئولا حكوميا، أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات معهم، إن المعتقلين في الفترة الأخيرة تم احتجازهم في سجن معسكر الشرف. بعض المسئولين قالوا إن المعتقلين تم احتجازهم في مركزي احتجاز سريين، يقعان داخل المنطقة الخضراء أيضا.

هذه الادعاءات متطابقة مع بواعث قلق أثارتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر في خطاب سري اطلعت عليه هيومن رايتس ووتش في يوليو/تموز 2011، بعدما كشفت صحيفة لوس أنجلس تايمز عن وجود الخطاب.

وقال مسئولون ومحامون ومحتجزون سابقون، لـ هيومن رايتس ووتش، إن محققين قضائيين من مجلس القضاء الأعلى أجروا استجوابات في سجن معسكر الشرف. في الفترة ما بين ديسمبر/كانون الأول ومايو/أيار، أجرت هيومن رايتس ووتش لقاءات مع أكثر من 35 محتجزاً سابقا وأقارب للمعتقلين، ومحامين ونواب برلمان، ومسئولين في الحكومة العراقية ومسئولين أمنيين من وزارات الدفاع والداخلية والعدل. وعبر الجميع من دون استثناء عن قلق بالغ بشأن سلامتهم، وطلبوا من هيومن رايتس ووتش ألا تكشف أسمائهم أو تواريخ وأماكن المقابلات لحماية هوياتهم.

وقال جو ستورك: "مما يثير قلقاً بالغاً أن العراقيين من شتى مشارب الحياة، ومن بينهم مسئولين، خائفون على حياتهم ويخشون من تعرضهم لأذى بالغ إذا ناقشوا ادعاءات حول انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان."

الاعتقالات "الاحترازية" قبل القمة العربية في مارس/آذار 2012

وقعت أعمال التوقيف الجماعية الأخيرة في مارس/آذار مع قيام الحكومة بتشديد الإجراءات الأمنية في أنحاء بغداد استعدادا لقمة الجامعة العربية هناك في 29 مارس/آذار. وقال أقارب لموقوفين وشهود عيان لـ هيومن رايتس ووتش إن الضباط الذين نفذوا أعمال التوقيف وصفوا الاعتقالات بأنها إجراء "احترازي" لمنع هجمات إرهابية أثناء القمة. وقال ستة معتقلين أفرج عنهم في أبريل/نيسان، لـ هيومن رايتس ووتش إنه بينما كانوا محتجزين، أبلغهم المحققون أنه تم احتجازهم لمنع أي نشاط إجرامي محتمل أثناء القمة وأي احتجاجات شعبية "محرجة".

أنكر نواب من قائمة دولة القانون التي يقودها المالكي في تصريحات لوسائل الإعلام حدوث أي أعمال توقيف احترازية، زاعمين أن كل أعمال التوقيف وقعت بحق مجرمين مشتبه بهم واستجابة لمذكرات توقيف قضائية. جميع المعتقلين والشهود الذين تم إجراء مقابلات معهم، ويزيد عددهم الاجمالي على عشرين شخصا، قالوا إنه لم يتم إطلاعهم على مذكرات توقيف.

وقعت أعمال توقيف عديدة في ضواحي بغداد، بما فيها الأعظمية والفرات والجهاد وأبو غريب والرضوانية، وقال سكان لـ هيومن رايتس ووتش إنه بدا أن قسما كبيرا من هؤلاء المحتجزين قضوا في السابق أوقاتا في سجون يديرها الجيش الأمريكي، بما فيها أبو غريب، ومعسكر بوكا ومعسكر كروبر. واستنتج بعض أقارب المقبوض عليهم ونواب برلمانيون أن من تم احتجازهم لم يُحتجزوا بداعي الاشتباه في نشاط إجرامي في الوقت الحالي، بل لأنهم ببساطة تم احتجازهم من قبل.

وفي مايو/أيار، قال مسئول بوزارة الداخلية لـ هيومن رايتس ووتش إن "بهدف الإبقاء على الحد الأدنى من الحوادث الأمنية أثناء القمة، فيما كان العالم يتابعها، رأت قوات الأمن في بعض الأحيان أنه من الأسهل احتجاز أفراد أمضوا من قبل سنوات في السجن، بصرف النظر عن الجرائم التي ربما ارتكبوها".وقال مسئول بوزارة العدل لـ هيومن رايتس ووتش في أبريل/نسيان إن من بين المئات الذين تم القبض عليهم "أفرج عن البعض، وسيوجه الاتهام رسميا لنحو 100 شخص وفق النظام القضائي، والبقية كانت في مكان آخر مختلف. لا نعرف مكانهم."

وفي أثناء جلسة برلمانية في 9 أبريل/نيسان، رفع حسن السنيد، رئيس لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان وعضو ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء المالكي، رفع ما قال إنها تقارير أمنية رسمية من قيادة العمليات ببغداد وقال، ردا على ادعاءات من نواب آخرين حول حدوث أعمال توقيف احترازية، إنه تم احتجاز 532 شخصا فقط في جميع أنحاء بغداد خلال شهر مارس/آذار، وأن أي من تلك التوقيفات لم تكن احترازية.

وقال نائبان آخران بلجنة الدفاع والأمن بعد ذلك لـ هيومن رايتس ووتش إن هذا الرقم يقلل بشكل كبير من عدد الاعتقالات التي وقعت في ذلك الشهر. جرى تشكيل لجنة تحقيق في جلسة التاسع من أبريل/نيسان، تشكلت من أعضاء لجان الأمن والدفاع وحقوق الإنسان. وقال أعضاء بلجنة التحقيق تلك لـ هيومن رايتس ووتش إن خططا لزيارة المحتجزين لم تنفذ على الإطلاق. وحتى هذا التاريخ، لم يتم الكشف عن أي نتائج للتحقيقات.

اعتقالات "بعثية"

في أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني 2011، قامت قوات الأمن باعتقال مئات الأشخاص في بغداد والمحافظات الواقعة على تخومها، وحدثت معظم الاعتقالات أثناء مداهمات ليلية لأحياء سكنية. وأفاد تلفزيون الدولة أن المالكي أصدر أوامر بتلك الاعتقالات. وزعمت بيانات الحكومة، بما في ذلك ما صدر عن رئيس الوزراء، أن تلك الاعتقالات جاءت بحق أشخاص موالين لصدام حسين كانوا يتآمرون ضد الحكومة. وقال أقارب محتجزين لـ هيومن رايتس ووتش إن قوات الأمن جاءت إلى أبواب منازلهم ومعها قوائم وقرأوا الأسماء. بعض هؤلاء المدرجين في القوائم كانوا أعضاء سابقين بحزب البعث وآخرين لم يكونوا كذلك، من بينهم أشخاص وافتهم المنية منذ سنوات. وقال ثلاثة مسئولين لـ هيومن رايتس ووتش في مقابلات منفصلة إن العدد الإجمالي لمن تم توقيفهم في الحملة الأمنية قارب 1500 شخص.

وقال رجل تم احتجاز والده ذي الـ57 عاما، إلى جانب 11 آخرين من جيرانه في 30 أكتوبر/تشرين الأول، قال لـ هيومن رايتس ووتش في ديسمبر/كانون الأول: "بعد أسبوع من اعتقال والدي، جاء نفس ضباط الشرطة الذين قبضوا عليه وقابلوا أقارب لمحتجزين لإعطائهم متعلقات (لرجال الحي الذين تم اعتقالهم)، كملابس أو أموال أو بطاقات هوية، لكنهم قالوا إنه ليس لديهم أي معلومات عن مكان احتجازهم أو الاتهامات الموجهة إليهم".

وأظهر نجل الرجل المحتجز لـ هيومن رايتس ووتش وثيقة أعطته إياها الشرطة بتاريخ احتجاز والده، لكن الخانة التي يكتب فيها مكان الاحتجاز كانت خالية.

ولدى علمها بأن بعض السجناء كان محتجزين في سجن الرصافة في بغداد، الذي تديره وزارة العدل، طلبت هيومن رايتس ووتش من وزير العدل حسن الشمري في 4 يناير/كانون الثاني، زيارة السجن، وقوبل الطلب بالرفض.

ورغم أن ليس كل الاعتقالات جرت على نفس النطاق شأن الاعتقالات التي وقعت في أكتوبر/تشرين الأول، ونوفمبر/تشرين الثاني ومارس/آذار، فقد جرت حملات اعتقال منتظمة، غالبا في الضواحي ذات الأغلبية السنية في بغداد والعديد من المحافظات المحيطة، وفق شهادات أفراد عائلات ووسائل إعلام. وتجعل إجراءات السرية المشددة التي تفرضها الحكومة على أعداد المعتقلين والاتهامات المحددة الموجهة إليهم، تجعل من الصعوبة بمكان تقييم معدل ونطاق الاعتقالات.

وبينما أفرج عن بعض السجناء خلال ساعات أو أيام، ويقولون إنهم لم يتعرضوا لسوء المعاملة، فإن آخرين قالوا لـ هيومن رايتس ووتش إنهم تعرضوا للتعذيب، بما في ذلك باستخدام الصدمات الكهربائية المتكررة. معظم المحققون أجبروهم إما على توقيع تعهدات بعدم انتقاد الحكومة بشكل معلن أو أجبروهم على التوقيع على اعترافات. وقالوا إن المحققين هددوا بأنها إذا لم يوقعوا هذه الاعترافات فإنهم سيعانون من عنف جسدي، وسيتم اغتصاب أفراد عائلاتهم من النساء، أو لن يتم الإفراج عنهم أبدا. بعض الأسر قالت لـ هيومن رايتس ووتش إنه طلب منهم دفع آلاف الدولارات كرشاوى لضمان الإفراج عن ذويهم. وفي حالتين معروفتين لـ هيومن رايتس ووتش، تم الإفراج عن المعتقلين بعد أن دفعت الأسر مثل تلك المبالغ. 

سجن معسكر الشرف (كامب أونور)

معسكر الشرف (كامب أونور) هو قاعدة عسكرية تضم أكثر من  مبنى داخل المنطقة الدولية الحصينة ببغداد، التي يواصل العراقيون وآخرون غيرهم الإشارة إليها باسم "المنطقة الخضراء". اللواء الـ 56 من الجيش العراقي، المعروف أيضا بلواء بغداد، والذي يخضع مباشرة لإشراف مكتب القائد الأعلى للقوات المسلحة، هذا اللواء يسيطر على مجمع معسكر الشرف وهو مسئول عن أمن المنطقة الخضراء.

في 29 مارس/آذار 2011، قال وزير العدل حسن الشمري لـ هيومن رايتس ووتش إن الحكومة أغلقت منشأة الاعتقال الرئيسية بالمعسكر، سجن معسكر الشرف (يشار إليه في الغالب ببساطة باسم "معسكر الشرف"). قال الشمري إن السلطات نقلت كل المعتقلين، الذين زُعم أنهم إرهابيين ومسلحين إسلاميين، إلى ثلاث منشآت تخضع لسيطرة وزارته.

وعلى النقيض من تطميناته، فإن هيومن رايتس ووتش تلقت معلومات من مسئولين حكوميين وأمنيين تشير إلى أن بعض المعتقلين من حملات الاعتقال "البعثية" والخاصة بالقمة، محتجزين في سجن معسكر الشرف وأنه مازال يستخدم على الأقل كموقع مؤقت للاحتجاز، أو كمكان لانتزاع الاعترافات قبل نقل المعتقلين إلى نظام السجون الرسمي. هذا الاستخدام للسجون العسكرية التي تقع خارج سيطرة وزارة العدل يأمر تكرر في منشآت أخرى معروفة بأنها خارج سيطرة الوزارة، مثل سجن مطار المثنى ومنشأة في غربي بغداد يديرها لواء مثنى العسكري، وكلا المنشأتين استضافتا المئات من المعتقلين ضمن الاعتقالات الأخيرة، بحسب ما ذكره مسئولون حكوميون ومعتقلون سابقون.

وقال مسئول أمني من وزارة الدفاع لـ هيومن رايتس ووتش في أبريل/نيسان إن المحققين القضائيين الملحقين بمجلس القضاء الأعلى، يزورون سجن معسكر الشرف على نحو منتظم، حيث يشاركون في التحقيقات والاستجوابات، جنبا إلى جنب مع المحققين العسكريين من اللواء الـ56. وأكد محام يعمل لدى الحكومة لكنه لم يشأ أن يكشف عن القسم الذي يعمل به، أكد هذا الادعاء في مقابلة مع هيومن رايتس ووتش في أبريل/نيسان.

هناك ثلاثة محتجزين سابقين تحدثوا إلى هيومن رايتس ووتش في الفترة ما بين ديسمبر/كانون الأول وأبريل/نيسان، وقدموا روايات ذات مصداقية عما قالوا إنها تعاملاتهم مع المحققين في سجن معسكر الشرف. وهذه الادعاءات متفقة مع إجراءات قضائية معروف أنها حدثت هناك في السابق. وقال أحد المعتقلين لـ هيومن رايتس ووتش في أبريل/نيسان إنه تم احتجازه على مدار شهر في سجن معسكر الشرف، من نهاية أكتوبر/تشرين الأول إلى مطلع ديسمبر/كانون الأول.

وفي مقابلة أخرى في مارس/آذار، قال محتجز آخر لـ هيومن رايتس ووتش إنه تعرض للاعتقال في بغداد أوائل نوفمبر/تشرين الثاني، وتم اقتياده إلى سجن داخل المنطقة الخضراء، حيث أخبره الحراس ومعتقلون آخرون بأنه سجن معسكر الشرف. وكان الوصف والرسم الذي قدمه عن تصميم الزنازين وحجرات التحقيق يتفق مع التصميم المعروف للسجن.

وقال معتقل آخر في أوائل ديسمبر/كانون الأول إنه كان بمقدوره التأكد من أنه في سجن معسكر الشرف في مايو/أيار 2011، من خلال تعرفه على المباني المحيطة المعروفة له. وقال إنه عندما تم نقله من منشأة الاحتجاز الرئيسية، إلى أماكن استجواب متاخمة، لإخضاعه لاستجواب عنيف في ثلاث مناسبات مختلفة، لم يكن معصوب العينين. وقال: "وزارة الدفاع ومقر مجلس الوزراء القديم هنا تماما.. إنني رجل عسكري سابق، واعتدت العمل قريبا جدا من هنا، لذا فقد عرفت تماما أين كنت".

وفي يوليو/تموز، حصلت هيومن رايتس ووتش على نسخة من خطاب مؤرخ في 22 مايو/أيار 2011، كتبته اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ورد فيه أن اللجنة "جمعت ادعاءات قابلة للتصديق" عن منشأتي احتجاز سريتين منفصلتين ملحقتين بقاعدة معسكر الشرف العسكرية، علاوة على منشأة أخرى بجوار مقر جهاز مكافحة الإرهاب، وأيضا المنطقة الخضراء "تستخدم حتى هذا اليوم لاحتجاز وإخفاء معتقلين عندما تزور اللجنة السجن الرئيسي".

وفي الخطاب، وثقت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أيضا وسائل التعذيب المستخدمة داخل سجن معسكر الشرف والمنشآت التابعة له، وجاءت متطابقة مع وسائل تعذيب تحدثت عنها هيومن رايتس ووتش سابقا. وجهت اللجنة الخطاب لرئيس الوزراء المالكي وأرسلت نسخا منه إلى فاروق العراجي، رئيس المكتب العسكري للمالكي، واللواء محمود الخراجي، قائد اللواء 56، ومسئولين آخرين بوزارة الدفاع، ووزير العدل الشمري، والقاضي مدحت المحمود، رئيس مجلس القضاء الأعلى.

وبعد أن كشفت صحيفة لوس أنجلس تايمز عن وجود الخطاب في 14 يوليو/تموز، أصدرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بيانا ترفض فيه تأكيد أو نفي مصداقيته، تماشيا مع سياسة طويلة الأمد بقصر اتصالاتها على مسئولي الحكومات المعنية. وفي يوليو/تموز وأغسطس/آب، أكد مسئولان بالحكومة العراقية ومسئول سابق اطلع على الخطاب، لـ هيومن رايتس ووتش، على وجود الخطاب.

وقال محاميان لـ هيومن رايتس ووتش في روايتين منفصلتين في مايو/أيار، إن عملاء لديهم، تعرضوا للاعتقال في سجن معسكر الشرف لفترة قريبة تعود إلى أغسطس/آب 2011. وقال محام آخر لـ هيومن رايتس ووتش إنه بينما كان يعمل في مجلس القضاء الأعلى على مدار العام الماضي، صادف إشارات متكررة في تعليقات لقضاة وآخرين، وكذلك في أوراق المحاكم، تشير إلى سجناء يتم احتجازهم في سجن معسكر الشرف وفي "سجنين آخرين في المنطقة الخضراء يديرهما أيضا اللواء 56". وأبلغ أيضا أربعة مسئولين من وزارتي الدفاع والعدل، فضلا عن المسئولين السابقين، أبلغوا هيومن رايتس ووتش بوجود هذه السجون السرية، وواحد منها أيضا جزء من مجمع معسكر الشرف، يعرف بشكل غير رسمي بـ"الخمس نجوم" وآخر خارج القاعدة، لكنه ضمن المنطقة الخضراء.

معاملة المعتقلين

تفاوتت البيانات التي تلقتها هيومن رايتس ووتش من هؤلاء الذين تم أسرهم في المداهمات وتعرضوا للاحتجاز في سجون عدة، بما فيها السجون التي تديرها وزارة العدل، تفاوتت في وصف المعاملة التي تلقاها السجناء. البعض منهم قالوا إنهم لم يتعرضوا لسوء معاملة بدنية. وقال ثلاثة أشخاص احتجزوا في أثناء حملة الاعتقالات الخاصة بـ"القمة" لـ هيومن رايتس ووتش إن المسئولين الأمنيين طمأنوهم بأنهم فقط عليهم أن ينتظروا حتى تنتهي القمة العربية وسيتم الإفراج عنهم بعدها – وأن احتجازهم "كان فقط إجراء احترازيا". هناك آخرون وصفوا أعمال ضرب وتهديدات عديدة والبعض وصفوا انتهاكات ترقى للتعذيب.

وفي مايو/أيار، قال رجل يبلغ من العمر 59 عاما، لـ هيومن رايتس ووتش إنه تم اعتقاله أواخر أكتوبر/تشرين الأول، في محافظة جنوبي العراق وتم ترحيله مع أكثر من 60 سجينا آخرين إلى منشأة احتجاز في بغداد، وقد حددها، لكنه طلب من هيومن رايتس ووتش ألا تكشف عنها. وقال: "عندما وصلت أول الأمر، كنت معصوب العينين، وكانت يدي مقيدتين خلف ظهري، وكان علي أن أمر على طابور طويل من الرجال، وجه كل منهم لكمات لي في الوجه وضربوا رأسي بكابلات كهرباء بينما مررت بهم. وأضاف: "بعد هذا، تم وضعي في الحبس الانفرادي لبعض الوقت، وبعدها قدموني إلى التحقيقات القضائية. لم أكن أصدق أنهم ضربوني بهذه القوة وأخضعوني لصدمات كهربائية لثلاث ساعات متواصلة، حتى من دون أن يوجهوا إلي أية أسئلة".

قال الرجل أيضا إنه أثناء استجوابات أخرى قام محتجزوه بتعريته تماما، وضربه بالكابلات الكهربية، ولكم أذنيه وصب الماء البارد فوقه، وصعقه بأقطاب كهربائية متصلة بظهره.

أفرج عن الرجل في مارس/آذار، بعدما دفعت أسرته أكثر من 10 ألاف دولار في صورة رشاوى، وتدخل سياسي نافذ من أجله. وقبل مغادرته السجن، أجبر على توقيع ما قال إنه كان اعترافا، رغم أنه ليس متأكدا من محتواه، وكذلك تعهدا بألا يتحدث مطلقا "ضد الحكومة" وألا يتحدث إلى وسائل الإعلام عن احتجازه. وقال: "أخبروني أنني إذا خرقت أيا من هذه القواعد، فسوف يتم جلب أبنائي وتدميرهم، واغتصاب زوجتي". وأضاف: "وأثناء مغادرتي، قالوا لي ‘سنلقي القبض عليك مرة أخرى، وتأكد أنه سيتم إعدامك’".

أفراد أسر المعتقلين الذين تحدثوا إلى هيومن رايتس ووتش قالوا إنه لم تكن لديهم أيو فكرة عن مكان احتجاز ذويهم، رغم الاستجوابات العديدة التي قدموها لوزارة حقوق الإنسان ومقرات قوات الأمن التي اعتقلتهم. في حالات كشفت فيها الحكومة أماكن احتجاز السجناء، أعاقت قوات الأمن أو منعت تماما المعتقلين من الحصول على زيارات من المحامين أو الأقارب.

وقال محام يحاول تمثيل اثنين من المعتقلين أثناء حملة الاعتقالات التي رافقت "القمة"، قال لـ هيومن رايتتس ووتش: "نظريا، يمكن لمتهم أن يحظى بتوكيل محام للدفاع عنه، لكن على أرض الواقع، يعد هذا مستحيلا تقريبا. وقال لـ هيومن رايتس ووتش إنه عندما يتم إبلاغه فعليا بمكان الاحتجاز والسماح له بالدخول، فإنه يتم تركه منتظرا لساعات، بعدها يبلغونه بالعودة إلى حيث أتى لأن اليوم قد انتهى.  وقال لـ هيومن رايتس ووتش: "أي محام يحاول أن يرى عميله سوف يخضع لتهديدات من القوات الأمنية التي تحتجز المعتقلين" مضيفا: "في عدة مرات خلال الشهور القليلة الماضية قالوا لي ‘إذن، تريد أن تمثل بعثيا وإرهابيا؟ أتعجب ما الذي يدفعك للقيام بهذا، لماذا تقف إلى جانبه؟’. هذه بوضوح محاولة لترهيب المحامين لئلا يقومون بالدفاع عن ضحاياهم".

الأسر التي حاولت تكليف محام بالدفع عن أقاربهم المعتقلين في حملة الاعتقالات "البعثية" قدموا روايات مشابهة للغاية. في ديسمبر/كانون الأول، قال رجل لـ هيومن رايتس ووتش إن أسرته ذهبت لأربعة محامين بالجنايات بصورة منفصلة، كانوا في بداية الأمر متعاونين. لكنه بعدما علموا أن والده تم اعتقاله في الحملة "البعثية"، "أبلغونا أنهم لا يمكن أن يتدخلوا في هذه القضية لأن الاعتقالات كانت بأمر من مكتب رئيس الوزراء." واستشهد بمحام قال له: "هذه القضية منتهية بالفعل. إنها قضية خاسرة، وأنا لا يمكن أن أكون جزءا منها، لأنهم تعرضوا للاعتقال بأمر رئيس الوزراء".

وقال الرجل: "من المدهش أن المحامين الأربعة كان لهم نفس رد الفعل وجعلنا هذا نفقد الأمل.. لم نحاول أن نجد محاميا آخر، وليس لدينا فكرة عن مكان احتجاز والدي".

 

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الموضوع

الأكثر مشاهدة