مازال اليمن يشهد واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانيّة في العالم، حيث يحتاج أكثر من 18.2 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية. ارتكبت الأطراف المتحاربة، وخاصة الحوثيين، موجات جديدة من الانتهاكات، شملت الاحتجاز التعسّفي والاخفاء القسري لعشرات الموظفين في وكالات "الأمم المتحدة" ومنظمات المجتمع المدني منذ 31 مايو/أيّار. بدأ الحوثيون أيضا في مهاجمة السفن في البحر الأحمر في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وإطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل، وهذا يرقى إلى جرائم حرب محتملة. ردّت إسرائيل على هجمات الحوثيين بهجومَيْن كبيرَيْن على ميناء الحديدة، وهو نقطة دخول رئيسيّة للمساعدات الإنسانيّة - وهي هجمات قد ترقى أيضا إلى جرائم حرب.
الاحتجاز التعسّفي والتعذيب والاخفاء القسري
جميع أطراف النزاع، بما في ذلك قوات الحوثيين والحكومة اليمنيّة والقوات المدعومة من الإمارات، مثل "المجلس الانتقالي الجنوبي" و"القوات المشتركة"، ارتكبت أعمال اعتقال تعسفي، وإخفاء قسري، وتعذيب وسوء معاملة في جميع أنحاء اليمن. احتُجز مئات اليمنيّين في مراكز احتجاز رسميّة وغير رسميّة في جميع أنحاء البلاد.
منذ 31 مايو/أيار، عمد الحوثيون إلى اعتقال عشرات الأشخاص واخفائهم قسرا، بما في ذلك ما لا يقلّ عن 17 موظفا في وكالات أممية والعديد من موظفي المنظمات غير الحكومية والسفارات الأجنبية والشركات الخاصة العاملة في مناطق يسيطرون عليها. أغلب المحتجزين مازالوا لا يستطيعون الاتصال بأسرهم، ولا يُسمح لهم بمقابلة محام.
احتجز الحوثيون كذلك العديد من الأشخاص الآخرين تعسفيا بسبب نشاطهم أو عملهم، أو بتُهم ملفّقة، وبعد محاكمات غير عادلة، بما في ذلك 32 رجلا بتُهم "لواط" مشكوك فيها.
استمرّت القوّات المدعومة من الإمارات، وخاصة المجلس الانتقالي الجنوبي، في اعتقال الأشخاص تعسفيا وإخفائهم قسرا، منهم صحفيّون ومدافعون حقوقيون.
منع المساعدات الإنسانية وعرقلة وصولها
استمرّت الأطراف المتحاربة، وخاصة الحوثيّين، في عرقلة المساعدات الإنسانية في 2024. تسبّبت عرقلة الحوثيين للعمليّات الإنسانيّة وحجب المعلومات داخل المناطق الخاضعة لهم في تفاقم تفشي الكوليرا الذي انتشر في جميع أنحاء البلاد وأسفر عن 258 وفاة من بين 95 ألف حالة كوليرا مُحتملة. وثّقت هيومن رايتس ووتش العديد من حالات التدخل في المساعدات وعرقلتها من قبل قوات الحوثيين، بما في ذلك التأخير المطوّل في الموافقة على مشاريع المساعدات، وعرقلة تقييم المساعدات لتحديد احتياجات الأشخاص، ومحاولات السيطرة على مراقبة المساعدات وقوائم المستفيدين لتحويل وجهة المساعدات إلى الموالين للسلطات.
في 17 يوليو/تموز، وجّه "المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي" التابع للحوثيين رسالة إلى المنظمات الدولية العاملة في اليمن، يطلب منها تزويده بهيكليّة موظفيها، ويُعلمها بضرورة الحصول على موافقة مسبقة من المجلس قبل توظيف أي موظفين محليّين أو دوليّين.
عرقلت الحكومة اليمنية أيضا تقديم المساعدات المُلحّة من خلال فرض شروط بيروقراطية معقّدة على وكالات الإغاثة، ممّا أثّر على قدرة ملايين المدنيين على الحصول على المساعدات.
حقوق النساء والفتيات
استمرّت الحكومة اليمنيّة والمجلس الانتقالي الجنوبي والحوثيون في قمع حقوق المرأة في جميع أنحاء البلاد. قيّد الحوثيون بشكل متزايد حريّة تنقّل المرأة، وفرضوا سياسة صارمة تتطلّب من النساء السفر مع قريب ذكر (محرم) أو تقديم موافقة كتابيّة من وليّ أمرهن للسماح لهن بالسفر، وهي سياسة لم تكن موجودة من قبل. في الجنوب، رغم عدم وجود توجيهات رسميّة تحظر على النساء السفر بمفردهن بين المحافظات، إلّا أنّ نساءً أكّدن التعرّض إلى التوقيف عند نقاط تفتيش تابعة للحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي لعدة ساعات، وأُجبِرن أحيانا على العودة.
في 26 مايو/أيّار، استولت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي على مكاتب وملجأ "اتحاد نساء اليمن" في عدن - وهو واحد من الأماكن الآمنة القليلة التي تستطيع النساء الفارات من العنف الأسري والعنف القائم على النوع الاجتماعي (الجندر) التوجّه إليها - مما يعرّض صحّة وسلامة النساء والأطفال لخطر أكبر.
عدّد خبراء حقوقيّون تابعون للأمم المتحدة بالتفصيل "الانتهاكات المنهجيّة لحقوق النساء والفتيات" من قبل الحوثيين، بما في ذلك حقوقهن في حرية التنقل وحرية التعبير والصحة والعمل، فضلا عن التمييز المنتشر على نطاق واسع. أفادت "منظمة العفو الدوليّة" أيضا أنّ سلطات السجون في جميع أنحاء اليمن تحتجز بشكل تعسّفي نساءً أكملن أحكاما بالسجن. لا يُسمح للنساء بمغادرة السجن إلا برفقة وليّ أمر يُرافقهنّ عند إطلاق سراحهنّ، أو يبقَيْن في السجن أو يُنقلْن إلى ملاجئ للنساء.
هجمات البحر الأحمر والغارات الإسرائيليّة على الحُديدة
في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، استولى الحوثيون على "غالكسي ليدر"، ناقلة سيارات تملكها شركة بريطانية وتُديرها شركة يابانية، واحتجزوا تعسفيا طاقمها المكوّن من 25 شخصا. هاجم الحوثيون أيضا عدّة سفن تجارية منذ نوفمبر/تشرين الثاني، وأكّدوا أنّهم سيواصلون مثل هذه الهجمات تضامنا مع الفلسطينيين طالما استمرّت إسرائيل في ارتكاب جرائم في حقّهم. بالإضافة إلى استهداف السفن في البحر الأحمر، استهدف الحوثيون مناطق في إسرائيل بمسيّرات وصواريخ. في 19 يوليو/تمّوز، ضربت مسيّرة تابعة للحوثيين تلّ أبيب وقتلت مدنيا في مبنى سكني، وهذا يرقى إلى جريمة حرب، في حال تمّ بشكل متعمّد أو عشوائي. ردّا على ذلك، نفذت إسرائيل غارات جويّة استهدفت ميناء الحُديدة ومحطة للطاقة في شمال غرب اليمن، أولا في 20 يوليو/تمّوز، ممّا أسفر عن مقتل ستة مدنيّين على الأقل وإصابة ما لا يقل عن 80 آخرين، وثانيا في 29 سبتمبر/أيلول، ممّا أسفر عن مقتل أربعة أشخاص على الأقل وإصابة 29 آخرين. حوالي 70% من واردات اليمن التجارية و80% من المساعدات الإنسانية تمرّ عبر ميناء الحديدة. تسبّبت الهجمات على ما يبدو في أضرار غير متناسبة للمدنيّين والأهداف المدنية. تُعتبر الانتهاكات الجسيمة لقوانين الحرب المرتكبة عمدا جرائم حرب.
ردّت الولايات المتحدة وبريطانيا، مع تحالف من الدول، على هجمات البحر الأحمر بضربات على مناطق تحت سيطرة الحوثيّين، أفادت تقارير أن بعضها تسبب في سقوط ضحايا مدنيين.
أضرار لحقت بالأطفال في النزاع المسلّح
هناك 9.8 مليون طفل يحتاجون إلى مساعدات إنسانيّة في اليمن. هاجمت أطراف النزاع المستشفيات والمدارس، ممّا تسبب في تعطيل الخدمات الصحيّة وتعليم الأطفال. خلّفت هجمات الأطراف المتحاربة على البنية التحتية للماء والغذاء، واستخدامها للماء كسلاح، آثارا ضارّة بشكل خاص على الأطفال. اضطرّ العديد من الأطفال إلى ترك المدرسة للتنقل والوقوف في طوابير طويلة لإحضار الماء لعائلاتهم.
ارتكب الحوثيون والتحالف الذي تقوده السعوديّة والإمارات انتهاكات خطيرة ضدّ الأطفال طوال الحرب. تسبّبت الهجمات العشوائية في تدمير المدارس والمستشفيات، وقتل آلاف الأطفال أو إصابتهم. وفقا للأمم المتحدة، جنّدت الأطراف المتحاربة، بما في ذلك الحوثيون والقوات الحكومية، أكثر من أربعة آلاف طفل للقتال. جنّد الحوثيون أيضا أطفالا في قواتهم المسلحة بحجّة الدفاع عن فلسطين.
الألغام والذخائر غير المنفجرة
تظلّ الألغام الأرضيّة والمتفجرات من مخلفات الحرب سببا رئيسيا في سقوط ضحايا مدنيين، وتستمر في التسبب في التهجير. في قرية الشقب، على خطوط المواجهة في تعز، أُصيب وقُتل العديد من المدنيين نتيجة زرع الحوثيين لألغام أرضيّة، وعانى جميع سُكّان القرية تقريبا من عدم القدرة على الوصول إلى أراضيهم الزراعية – وهي مصدر رزقهم في كثير من الحالات - بسبب وجود ألغام أرضية غير مُزالة في قريتهم. بين 1 أغسطس/آب 2023 و31 يوليو/تموز 2024، تسبّبت 79 حادثة ألغام في مقتل 49 شخصا وإصابة 66 آخرين، بينهم أطفال، وفقا لـ"بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة".
التوجّه الجنسي والهويّة الجندريّة
يحظر قانون العقوبات اليمني العلاقات الجنسية المثلية. تُعاقب المادة 264 منه ممارسة الجنس الشرجي بمائة جلدة وسنة سجن إذا لم يكن المشاركون فيه متزوجين. إذا كانوا متزوجين، تنص المادة نفسها على الإعدام رجما. تعاقب المادة 268 ممارسة الجنس بين النساء بالسجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات. في يناير/كانون الثاني، حكمت محكمة تابعة للحوثيين على 32 رجلا، تسعة منهم بالإعدام، في محاكمة جماعية جائرة بناءً على تهم "لواط" مشكوك فيها، وحكمت على الآخرين بأحكام مختلفة، مثل الصلب والرجم، بالإضافة إلى الجلد العلني والسجن لمدة تصل إلى عشر سنوات.
الانتهاكات ضدّ اللاجئين وطالبي اللجوء
ظلّ اليمن دولة عبور للمهاجرين القادمين من منطقة القرن الأفريقي، الذين يحاولون الوصول إلى دول الخليج، وخاصّة السعودية. قدّرت "المنظمة الدولية للهجرة أن 308 آلاف مهاجر سيحتاجون إلى مساعدات إنسانية وحماية وغيرها من الخدمات في 2024. في أغسطس/آب 2023، نشرت "هيومن رايتس ووتش" تقريرا عن القتل الجماعي للمهاجرين الإثيوبيين على يد قوات حرس الحدود السعودي على الحدود اليمنية السعودية. وجد التقرير أن حرس الحدود السعودي قتلوا مئات المهاجرين وطالبي اللجوء الإثيوبيين الذين حاولوا عبور الحدود اليمنية السعودية بين مارس/آذار 2022 ويونيو/حزيران 2023. إذا ارتُكبت هذه الجرائم في إطار سياسة حكوميّة سعوديّة تهدف إلى قتل المهاجرين، والتي يبدو أنها استمرت، فإنها تُعتبر جريمة ضد الإنسانية.
منذ بدء النزاع المسلّح في اليمن في 2014، احتجزت الحكومة وجماعة الحوثيين المسلّحة مهاجرين في ظروف سيئة وعرّضتهم للانتهاكات.
غياب المحاسبة
لم تحصل أي محاسبة تقريبا عن الانتهاكات التي ارتكبتها أطراف النزاع. منذ صوّت "مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة" بأغلبية ضئيلة على إنهاء ولاية "فريق الخبراء البارزين بشأن اليمن" في أكتوبر/تشرين الأول 2021، لم تعد هناك آلية دوليّة مستقلّة لمراقبة حالة حقوق الإنسان في اليمن ووضع أساس للمحاسبة عن الانتهاكات. لم يتضمّن "قرار البند العاشر بشأن اليمن" في مجلس حقوق الإنسان أي تفويض للرصد والإبلاغ، مما يجعله استجابة ضعيفة للغاية للانتهاكات المستمرّة في البلاد.
وجدت "مواطنة لحقوق الإنسان" و"عيادة لوينشتاين الدولية لحقوق الإنسان" التابعة لكلية الحقوق بجامعة ييل أنّ الأطراف المتحاربة لم تقدّم تعويضات فعّالة. حتى الآن، لم تتضمّن المفاوضات بين الحوثيين والسعوديّة مناقشات بشأن المحاسبة.