(لاهاي) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إنه من المتوقع أن يشارك عدد غير مسبوق من الدول والمنظمات الدولية في جلسات الاستماع الشفهية التي ستعقدها "محكمة العدل الدولية" بشأن الاحتلال الإسرائيلي ابتداء من 19 فبراير/شباط 2024. وستشارك 52 دولة وثلاث منظمات دولية في المرافعات الشفهية، وهو أكبر من أي عدد مشاركين في أي قضية على الإطلاق منذ أن بدأت المحكمة الأعلى في العالم عملها العام 1946.
وتظهر المشاركة الواسعة في جلسات الاستماع والمذكرات المكتوبة العديدة الزخم العالمي المتزايد لمعالجة التقاعس المستمر منذ عقود عن ضمان احترام القانون الدولي في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
قال كلايف بالدوين، مستشار قانوني أول في هيومن رايتس ووتش: "من المقرر أن تنظر محكمة العدل الدولية للمرة الأولى على نطاق واسع في الآثار القانونية للاحتلال وسوء معاملة الشعب الفلسطيني من قبل إسرائيل منذ قرابة ستة عقود. على الحكومات التي تقدم حججها إلى المحكمة اغتنام هذه الجلسات التاريخية لتسليط الضوء على الانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها السلطات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، ومنها الجريمتان ضد الإنسانية المتمثلتان في الفصل العنصري والاضطهاد".
تنبع المرافعات الشفهية من طلب قدمته "الجمعية العامة للأمم المتحدة" في ديسمبر/كانون الأول 2022 للحصول على رأي استشاري من المحكمة بشأن الآثار القانونية لسياسات إسرائيل وممارساتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة. لدى المحكمة الفرصة لمعالجة الاحتلال الذي طال أمده، والنظر في ممارسات إسرائيل وسياساتها التي تنتهك الحظر القانوني الدولي ضد التمييز العنصري، بما في ذلك الجريمتان ضد الإنسانية المتمثلتان في الفصل العنصري والاضطهاد، وتقييم المسؤوليات القانونية للدول الأخرى والأمم المتحدة لمعالجة انتهاكات القانون الدولي الناشئة عن الاحتلال.
على الرغم من أن آراء محكمة العدل الدولية الاستشارية غير ملزمة، إلا أنها يمكن أن تحمل سلطة معنوية وقانونية كبيرة وقد تصبح في نهاية المطاف جزءا من القانون الدولي العرفي، وهو ملزم قانونا للدول.
تختلف هذه المرافعات، التي ستستمر ستة أيام، عن القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا إلى المحكمة نفسها وتزعم فيها أن إسرائيل تنتهك "اتفاقية الإبادة الجماعية" أثناء الأعمال القتالية بين القوات الإسرائيلية والفصائل الفلسطينية المسلحة التي تصاعدت بعد هجوم "حماس" في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
طلبت الجمعية العامة من محكمة العدل الدولية أول مرة إصدار رأي استشاري بشأن الأراضي الفلسطينية المحتلة في ديسمبر/كانون الأول 2003. وفي يوليو/تموز 2004، خلص الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية إلى أن مسار الجدار العازل الإسرائيلي ينتهك القانون الدولي وأنه يجب إزالة الجدار.
الطلب المقدم إلى المحكمة في ديسمبر/كانون الأول 2022 أوسع نطاقا، إذ طلبت الجمعية العامة من المحكمة إبداء رأيها بشأن "الآثار القانونية الناشئة عن انتهاك إسرائيل المستمر لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، واحتلالها طويل الأمد واستيطانها وضمها" الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك "اعتمادها التشريعات والتدابير التمييزية ذات الصلة"، وحول الآثار القانونية للاحتلال والممارسات الإسرائيلية على جميع الدول والأمم المتحدة.
ويتيح الطلب للمحكمة فرصة تقييم الوضع بعد عقدين من صدور آخر رأي استشاري لها بشأن الأراضي الفلسطينية المحتلة وتقديم التوجيه بشأن القانون، بما يشمل التطبيق المستمر للقانون الإنساني وقانون حقوق الإنسان الدوليَّيْن. يمكن للمحكمة أيضا تقييم سلوك إسرائيل بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، بما يشمل حظر التمييز العنصري، والقانون الجنائي الدولي، الذي يشمل الجريمتين ضد الإنسانية المتمثلتين في الفصل العنصري والاضطهاد.
تفصل محكمة العدل الدولية في النزاعات بين الدول وتصدر آراء استشارية بشأن القانون الدولي. ولا تتمتع بالولاية القضائية على سلوك الجماعات المسلحة غير التابعة للدول مثل حماس. في المقابل، تعالج "المحكمة الجنائية الدولية" الجرائم الدولية الخطيرة التي يُزعم أن أفرادا قد ارتكبوها، بما في ذلك أعضاء الجماعات المسلحة. وأكد المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أنه، منذ مارس/آذار 2021، يجري مكتبه تحقيقا في جرائم الفظائع المزعومة المرتكبة في غزة والضفة الغربية منذ 2014، وأن المحكمة لها اختصاص بالجرائم الدولية التي ارتكبتها جميع الأطراف في الأعمال القتالية الحالية بين إسرائيل والفصائل المسلحة الفلسطينية.
وقد وثقت هيومن رايتس ووتش ارتكاب السلطات الإسرائيلية الجريمتين ضد الإنسانية المتمثلتين في الفصل العنصري والاضطهاد ضد الفلسطينيين. ونظرا لأن مسؤوليات سلطة الاحتلال تجاه حقوق السكان الخاضعين للاحتلال تنمو مع مرور الوقت، فقد دعت هيومن رايتس ووتش إسرائيل أيضا إلى منح الفلسطينيين في الأراضي المحتلة حقوق مساوية على الأقل لتلك التي تمنحها لمواطنيها، بالإضافة إلى الحماية التي يوفرها القانون الإنساني الدولي.
وتتألف محكمة العدل الدولية من 15 قاضيا تنتخبهم الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن لمدة تسع سنوات. وكانت 57 دولة ومنظمة دولية قد قدمت بيانا مكتوبا أثناء الإجراءات في يوليو/تموز 2023، قبل تصعيد الأعمال القتالية في أكتوبر/تشرين الأول. كما قدمت 15 دولة ومنظمة دولية تعليقات إضافية مكتوبة في أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني 2023. ومن بين المشاركين في الإجراءات الشفهية فلسطين، وجنوب أفريقيا، وبلجيكا، والبرازيل، والولايات المتحدة، وروسيا، وفرنسا، والصين، وناميبيا، وباكستان، وإندونيسيا، وبريطانيا، وسويسرا، و"الاتحاد الأفريقي". وقدمت إسرائيل بيانا مكتوبا واختارت عدم المشاركة في جلسات الاستماع الشفهية.
ستصدر محكمة العدل الدولية رأيها القانوني في موعد يحدد لاحقا. وتشير الممارسات السابقة إلى أن الرأي سيصدر قبل نهاية العام 2024.