(نيروبي) - قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن قوات الأمن استخدمت القوة المفرطة بشكل متكرر، بما في ذلك القوة القاتلة، ضد المتظاهرين في الخرطوم وجوارها. قُتل 16 شخصا بالرصاص في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 وحده، بينهم امرأة وطفل، في أكثر الردود دموية على الإطلاق. خرج المتظاهرون من جديد إلى الشوارع في 21 نوفمبر/تشرين الثاني، رغم الإعلان عن إطلاق سراح عبد الله حمدوك، رئيس الوزراء، وتوقيعه على اتفاق مع الجيش.
قالت ليتيسيا بدر، مديرة قسم القرن الأفريقي في هيومن رايتس ووتش: " يُظهر بوضوح القتل الوحشي لـ16 شخصا في 17 نوفمبر/تشرين الثاني، العديد منهم برصاصة في الرأس، عدم نية قوات الأمن السودانية ممارسة ضبط النفس، وعزمها على إسكات أصوات السودانيين. ينبغي لداعمي السودان، باسم المصالح السياسية، عدم ترك هذه الجرائم تمر دون رد أو محاسبة للمسؤولين عنها".
اتفاق 21 نوفمبر/تشرين الثاني مع حمدوك يعيده إلى منصبه كرئيس للوزراء ويسمح له بتشكيل حكومة تكنوقراط. يدعو الاتفاق أيضا إلى إطلاق سراح "المعتقلين السياسيين" وإجراء تحقيقات وطنية في الانتهاكات. رَفَض الاتفاق فورا كلّا من المتظاهرين و"قوى الحرية والتغيير"، التحالف السياسي الذي كان يمثل العنصر المدني في الحكومة الانتقالية قبيل الإطاحة بها.
منذ الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر/تشرين الأول، نظمت مجموعات عدة مظاهرات واسعة ردت عليها قوات الأمن بالقوة القاتلة بشكل متكرر. وبينما كان رئيس الوزراء يوقع الاتفاق مع القيادة العسكرية، كانت قوات الأمن تستخدم الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي والذخيرة الحية لتفريق المتظاهرين في الخارج. تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى عشرة متظاهرين وثلاثة أطباء، وراجعت سبع مقاطع فيديو منشورة على الإنترنت، في حين حقق "الأرشيف السوداني"، وهو منظمة حقوقية مستقلة تعمل على أرشفة الوثائق مفتوحة المصدر في السودان والتحقق منها والتحقيق فيها، في مقاطع الفيديو.
بحسب مجموعات الأطباء، قُتل 41 شخصا منذ بدء الاحتجاجات، بينهم خمسة أطفال وسيدة. لمواجهة الاحتجاجات في الخرطوم وضواحيها، نشر الجيش قوات مشتركة تضم القوات المسلحة السودانية، و"قوات الدعم السريع"، والشرطة النظامية، وشرطة مكافحة الشغب، ووحدة شرطة ذات طابع عسكري هي "شرطة الاحتياطي المركزي".
طبقا لتقارير الطب الشرعي التي اطلعت عليها هيومن رايتس ووتش، من بين 12 شخصا شُرِّحت جثثهم بعد 17 نوفمبر/تشرين الثاني، 6 منهم قُتلوا برصاصة في الرأس، وخمسة برصاصة في الصدر، وواحد برصاصة في الرقبة. ذكرت تقارير طبية إصابة 107 بجروح بينهم 48 أصيبوا بالذخيرة الحية.
نفت الشرطة في 18 نوفمبر/تشرين الثاني استخدام قواتها للذخيرة الحية. عاينت هيومن رايتس ووتش تقارير قدمتها عائلات القتلى في مراكز الشرطة لثمانية متظاهرين قتلوا في 17 نوفمبر/تشرين الثاني ذكرت أن سبب الوفاة كان إصابات بالرصاص الحي. نفى الفريق البرهان، قائد الجيش، في مقابلة تلفزيونية في 7 نوفمبر/تشرين الثاني، تورط الجيش في عمليات القتل السابقة، لكن تشير الأدلة التي حصلت عليها هيومن رايتس ووتش، وتضم شهادات الشهود وتقارير الطب الشرعي ومقاطع الفيديو، إلى استخدام الذخيرة الحية من قبل قوات أمن ترتدي زي القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع وشرطة الاحتياطي المركزي والشرطة النظامية.
سجلت بلدة بحري، وتقع داخل الخرطوم، أعلى حصيلة للقتلى، مع مقتل قرابة 11 شخصا وإصابة حوالي 77 في 17 نوفمبر/تشرين الثاني. قال متظاهر (31 عاما)، إن المحتجين تجمعوا حوالي الظهيرة على امتداد الشارع الرئيسي في بحري قرب تقاطع المؤسسة حيث كانت وحدات الشرطة متمركزة بالفعل.
قال إن الشرطة أطلقت فجأة قنابل الغاز المسيل للدموع دون سابق إنذار: "بدأ بعض المتظاهرين في إلقاء الحجارة على الشرطة، لكننا طلبنا منهم التوقف، ثم تغير الوضع مع فتح الشرطة النار حوالي الساعة 1:30 إلى 2 ظهرا دون سابق إنذار. ظننا أنهم يطلقون النار في الهواء حتى بدأت أشعر بتطاير الرصاص على مستوى جسدي. رأيت أحد المتظاهرين يُصاب ويسقط وهو ينزف".
قال ثلاثة شهود إنهم رأوا عناصر من الشرطة النظامية وشرطة مكافحة الشغب وشرطة الاحتياطي المركزي يوجهون أسلحتهم نحو المتظاهرين، وبعضهم راكع أو متخذ لوضعية الرماية قبيل إطلاق النار.
أفاد صحفي (41 عاما)، في نفس الموقع أنه رأى قوات الشرطة تستخدم الغاز المسيل للدموع في البداية، بما في ذلك إطلاق القنابل مباشرة على المتظاهرين. شاهد بعد الظهر الشرطة وشرطة الاحتياطي المركزي تطلق الذخيرة الحية عصرا ليشهد مقتل ثلاثة متظاهرين: "لقد وجهوا [الشرطة] أسلحتهم نحونا. لم يطلقوا النار للتخويف فقط، بل أرادوا قتلنا".
قال شاهدان قرب منطقة الشعبية في بحري إن استخدام الذخيرة الحية زاد بين الثالثة والرابعة عصرا مع بقاء بعض المتظاهرين في الشوارع. قال أحدهم: "كان ثمة انتشار أكبر لشرطة الاحتياطي المركزي وقتها. حتى أنني رأيت أحدهم يحمل رشاشا كبيرا ويطلق النار على المتظاهرين. شعرت وكأنها منطقة حرب. رأيت متظاهرَين بالقرب مني مصابان وينزفان بشدة".
قال أربعة إن الشرطة أطلقت مرارا قنابل الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين دون سابق إنذار: "في بعض الأحيان يستخدمون الغاز المسيل للدموع كسلاح. في بعض اللحظات، كنا على مسافة 10 أمتار تقريبا منهم، ورأيت ضباط شرطة يوجهون بنادق الغاز المسيل للدموع نحونا. رأيت إصابتين: واحدة في الرأس وواحدة في الكتف".
بحسب مجموعات الأطباء، نُقل 13 شخصا إلى المستشفيات جراء جروح ناجمة عن إصابات مباشرة من قنابل الغاز المسيل للدموع.
في 30 أكتوبر/تشرين الأول، في أول احتجاج واسع النطاق، وصف ستة شهود حشدا كثيفا لقوات الأمن، بما في ذلك شرطة الاحتياطي المركزي وشرطة مكافحة الشغب والقوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في أم درمان. قال ثلاثة شهود إنه في شارع الموردة ما بين الساعة 12 و1 ظهرا أطلقت قوات الأمن في البداية الذخيرة الحية في الهواء ثم أطلقت كميات كبيرة من الغاز المسيل للدموع. قال شاهدان إن شرطة مكافحة الشغب أطلقت العبوات على المتظاهرين مباشرة.
قال متظاهر (30 عاما)، إن قوات الأمن استخدمت أيضا الذخيرة الحية: "رأيت أحد المتظاهرين مصابا في رأسه. حملته مع آخرين إلى عربة قريبة. لم يكن يتنفس، وتوفي لاحقا في المستشفى". طبقا لتقرير قدمه مصدر طبي لـ هيومن رايتس ووتش، قُتل ثلاثة يومها واثنان في الأيام اللاحقة؛ وأصيب 175 في 30 أكتوبر/تشرين الأول وعولجوا في مستشفيات العاصمة، وأصيب 11 بطلقات نارية في الأجزاء العلوية من أجسادهم، وأصيب 36 بقنابل الغاز المسيل للدموع.
استهدفت قوات الأمن أيضا منشآت الرعاية الصحية، وضايقت الكوادر الطبية، وعرقلت لمرتين على الأقل الرعاية الطبية للمتظاهرين الجرحى.
في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني، منعت الشرطة المتظاهرين المصابين من تلقي الرعاية الطبية، وضايقت الطاقم الطبي في مستشفى شرق النيل في بحري ومستشفى الأربعين في أم درمان.
قال أحد الأطباء إن شرطة مكافحة الشغب تمركزت خارج مستشفى شرق النيل، ثم داهمت المستشفى: "قالوا [الشرطة] إنهم رأوا بعض الأشخاص داخل المستشفى يلتقطون صورا لهم. اعتقلوا طبيبا لبرهة وفتشوا الهواتف الخلوية لأفراد الطاقم الطبي الآخرين بحثا عن مقاطع فيديو وصور قبل مغادرتهم. جعلونا نشعر بعدم الأمان أثناء قيامنا بعملنا".
وُثقت أيضا عمليات تعسفية لقوات الأمن في منشآت الرعاية الصحية ومضايقات لمقدمي الخدمات الصحية خلال احتجاجات 2018-2019، وبعد فض الاعتصام في 3 حزيران/يونيو 2019.
وثقت هيومن رايتس ووتش أيضا تباطؤا وحجبا للاتصالات الهاتفية والإنترنت منذ بدء الاحتجاجات، مما أعاق الإبلاغ وقيّد وصول الناس إلى المعلومات الحيوية في هذا الوقت الحرج، لا سيما خارج العاصمة. في 17 نوفمبر/تشرين الأول، قُطعت خدمات الاتصالات المحلية في معظم ذلك اليوم. قال نشطاء إن خدمات الإنترنت أعيدت في 18 نوفمبر/تشرين الثاني.
أُفرِج عن أربعة معتقلين فقط رغم الالتزامات الواردة في اتفاق 21 نوفمبر/تشرين الثاني بالإفراج عن المزيد.
لا يزال عشرات المتظاهرين الذين اعتقلتهم قوات الأمن الشهر الماضي محتجزين، ونُقل بعضهم إلى سجن بالخرطوم، وينتظرون، حسبما ورد، المثول أمام محاكم الطوارئ.
بينما يُسمح باستخدام الغاز المسيل للدموع للسيطرة على الحشود عندما يتحول الاحتجاج إلى أعمال عنف، يجب ألا تستخدم القوات الغاز المسيل للدموع إلا عند الضرورة ولمنع المزيد من الأذى الجسدي؛ وحيثما أمكن، يجب عليهم إصدار تحذيرات قبل إطلاقها. قالت هيومن رايتس ووتش إن الاستخدام المتعمد للقوة القاتلة مسموح به فقط عندما تكون ضرورية للغاية لحماية الأرواح. حتى لو سعى بعض المتظاهرين لصد القوات بإلقاء الحجارة عليها، لن يكون لاستخدام الذخيرة الحية ما يبرره.
وجدت هيومن رايتس ووتش أنه تم التحقيق في عدد قليل من عمليات قتل المتظاهرين ومحاكمتهم قبل الانقلاب، لكن ظل الإفلات من العقاب على الجرائم الجسيمة القاعدة إلى حد كبير. قال المدعون وأهالي الضحايا والمحامون إن ثمة عقبات تحد من الجهود الحالية مثل عدم تعاون قوات الأمن في رفع الحصانة عن المشتبه بهم أو إتاحة الوصول إلى الأدلة.
على السودان التعاون مع الخبير الجديد بشأن السودان الذي عينه مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان و"مكتب الأمم المتحدة المشترك لحقوق الإنسان في السودان"، للسماح بإجراء تحقيقات ذات مصداقية في أحداث الشهر الماضي. يتعين على شركاء السودان الدوليين والإقليميين الاستمرار في الدعوة إلى وضع حد للانتهاكات ضد المتظاهرين والمعارضة المتصورة والضغط من أجل إطلاق سراح جميع الأشخاص المحتجزين فيما يتعلق بممارستهم الحرة والسلمية لحقوقهم.
قال بدر: "مع معاناة الكثير من السودانيين من حملة القمع الوحشية التي حدثت الشهر الماضي، هذا ليس الوقت المناسب لعودة الأمور إلى ما كانت عليه. ينبغي لشركاء السودان، في المنطقة وخارجها، دعم السودانيين بشكل هادف ومساعدتهم على تحقيق تطلعاتهم لبناء بلد أكثر عدلا واحتراما للحقوق".