سيزور وزير الخارجية الكندي مارك غارنو إسرائيل والضفة الغربية هذا الأسبوع في محاولة لدفع "هدف السلام الشامل والعادل والدائم في المنطقة وحل الدولتين".
الرحلة إلى الشرق الأوسط لمناصرة عملية السلام الهزيلة تبدو بلا جدوى، إذ تأتي بعد أيام فقط من تشكيل حكومة إسرائيلية أظهرت بوضوح أنها ستُبقي على الوضع الراهن فيما يتعلق بالاحتلال المستمر منذ نصف قرن. وفي حقيقة الأمر، هذه الرحلة فعلا بلا جدوى. فالإبقاء على وهمٍ يوحي بأن عملية السلام لا تزال نشطة يفسح المجال أمام حكومة رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو لتجنب التعامل مع الواقع على الأرض.
على مدى عقود، تعامل مؤيدو إسرائيل، بمن فيهم كندا، مع التمييز الإسرائيلي الراسخ ضد الفلسطينيين على أنه حالة مؤقتة. ويشمل هذا التمييز حكما عسكريا شديد السطوة على الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، بينما يتمتع الإسرائيليون اليهود الذين يعيشون في نفس المنطقة بحماية القانون المدني الإسرائيلي. تعاملت هذه الحكومات مع الانتهاكات الجسيمة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها التوسع المستمر للمستوطنات، والقيود الشاملة على حركة الفلسطينيين، والمصادرة الجماعية للأراضي، وهدم المنازل التمييزي، والتعليق الجماعي للحقوق المدنية، على أنها نتاج طبيعي لغياب عملية السلام.
يجب مواجهة الواقع الآن. فبعد عقود، من الواضح أن الاحتلال ليس مؤقتا، ولا توجد عملية سلام حقيقية اليوم. تحكم السلطات الإسرائيلية المنطقة الواقعة بين نهر الأردن والبحر المتوسط، وتمنح امتيازات ممنهجة لليهود الإسرائيليين بينما تقمع الفلسطينيين، الذين يساوونهم عددا تقريبا، والذين يعيشون في هذه المنطقة، بدرجات متفاوتة من الشدة. توضح القوانين، والسياسات، والتصريحات الصادرة عن السلطات الإسرائيلية، لا سيما في السنوات الأخيرة، أن ما يوجه سياسة الحكومة الإسرائيلية اليوم هو هدف الحفاظ على السيطرة اليهودية الإسرائيلية على التركيبة السكانية، والسلطة السياسية، والأرض. وسعيا لتحقيق هذا الهدف، سلبت السلطات الإسرائيلية الفلسطينيين مقدّراتهم، وحاصرتهم، وفصلتهم قسرا عن بعضهم البعض، وهيمنت عليهم بسبب هويتهم.
لسنوات، حذّر المحللون من أن الفصل العنصري يتربص بالفلسطينيين إذا لم يتغير مسار الحكم الإسرائيلي بحقهم. في أبريل/نيسان، أصدرت منظمتنا، "هيومن رايتس ووتش"، تقريرا يظهر أن السلطات الإسرائيلية قد تخطت تلك العتبة بالفعل. بناء على سنوات من البحث المتعمق والتحليل القانوني، بيّنا أن السلطات الإسرائيلية ترتكب جريمتَيْ الفصل العنصري والاضطهاد المرتكبتين ضد الإنسانية. تستند النتائج التي توصلنا إليها إلى سياسة الحكومة الإسرائيلية الشاملة للحفاظ على هيمنة الإسرائيليين اليهود على الفلسطينيين، والانتهاكات الجسيمة المرتكبة ضد الفلسطينيين الذين يعيشون في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية.
هيومن رايتس ووتش ليست المنظمة الوحيدة التي تحدثت عن هذا الأمر. خلال العام الماضي، وجّهت 25 منظمة حقوقية فلسطينيّة نداء إلى "الأمم المتحدة" بشأن الفصل العنصري الإسرائيلي، وقّعته أكثر من 200 منظمة غير حكومية دولية وإقليمية. كما أصدرت منظمتا حقوق الإنسان الإسرائيليتان "يش دين" و"بتسيلم" تقارير مهمة عن الفصل العنصري، بينما تحدث باحثون قانونيون، وبرلمانيون من جميع أنحاء العالم، ومعلّقون يحظون باحترام، وسفيران إسرائيليان سابقان في جنوب أفريقيا عن الفصل العنصري. في الأسابيع الأخيرة، استضافت جنوب أفريقيا وناميبيا فعالية في الأمم المتحدة، شبّه خلالها وزيرا خارجيتهما الممارسات الإسرائيلية بالفصل العنصري، وأشار وزيرا خارجية لوكسمبورغ وفرنسا إلى الفصل العنصري في تعليقات على التطورات الأخيرة.
لكن حكومة ترودو رفضت الاعتراف بهذه الحقيقة. صرّح غارنو مؤخرا هذا الشهر: "إن موقف حكومة الحزب الليبرالي واضح للغاية بشأن مسألة تسمية الفصل العنصري. نحن نرفضها بشكل قاطع". ولم يوضح الوزير كيف أن "التسمية"، من وجهة نظر كندا، لا تتناسب مع الجرائم الدولية الخطيرة التي وثقتها هيومن رايتس ووتش وغيرها. مع تزايد الاعتراف بارتكاب جريمة الفصل العنصري، لا تزال كندا واحدة من الدول القليلة التي رفضت علنا هذه النتيجة.
تقول كندا إنها تدعم الجهود المبذولة لتحقيق مستقبل أفضل للإسرائيليين والفلسطينيين، لكنها لا تفعل ذلك حقا. عارضت كندا ممارسة "المحكمة الجنائية الدولية" اختصاصها على الجرائم الخطيرة المرتكبة في الأراضي الفلسطينية المحتلة. مؤخرا، كانت المدعية العامة السابقة للمحكمة قد فتحت تحقيقا رسميا في هذه الانتهاكات، وعلى كندا دعم هذه التحركات نحو العدالة والمساءلة.
في سعيها لإحياء عملية السلام، لم تعد كندا ترى مشكلة فظيعة تتطلب معالجة عاجلة وفورية. فغياب عملية سلام اليوم لا يمكن أن يبرر استمرار حرمان الفلسطينيين من حقوقهم الأساسية.
على الوزير غارنو أن يبدأ هذه الرحلة بالتخلي عن الخطاب الكندي البالي، والاعتراف بالواقع على الأرض على حقيقته، والضغط على السلطات الإسرائيلية لاتخاذ خطوات لإنهاء الفصل العنصري والاضطهاد.