(بيروت) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن محاكمات المشتبه في انتمائهم إلى تنظيم "الدولة الإسلامية" ("داعش") في العراق تعتمد على قانون لمكافحة الإرهاب غامض ومليء بالعيوب، لكن محكمة مكافحة الإرهاب في محافظة نينوى اعتمدت تحسينات في الأشهر الأخيرة.
بعد تقرير نشرته هيومن رايتس ووتش في ديسمبر/كانون الأول 2017، أصبح قضاة محافظة نينوى في شمال العراق يطالبون بمعايير إثبات أكثر صرامة لاحتجاز المشتبه فيهم ومحاكمتهم، وقلّصوا اعتماد المحاكم على الاعترافات فقط، وقوائم المطلوبين المغلوطة، والادعاءات غير المثبتة.
قالت لما فقيه، نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "ما نراه في نينوى هو تحول كبير في طريقة سير المحاكمات، فالتخلي عن القضايا القائمة على أدلة واهية أو التي ليس فيها أدلة هو خطوة إلى الأمام. لكن هناك حاجة إلى مزيد من العمل لضمان عدم تعرض المتهمين إلى سوء المعاملة وحصولهم على محاكمات عادلة".
في 4 فبراير/شباط 2019، زارت هيومن رايتس ووتش محكمة مكافحة الإرهاب في تلكيف، شمال الموصل. قال رئيس محكمة التحقيق رائد المصلح إن المحكمة تنظر في أكبر عدد من المشتبه في انتمائهم إلى داعش في البلاد، حيث نظرت في 9 آلاف قضية في 2018. من مجموع هذه القضايا، أسقطت 2,036؛ ومازالت 3,162 قضية أخرى قيد التحقيق؛ وأحيل 2,827 شخصا على المحاكمة، منهم 561 طفلا؛ و975 على محاكم أخرى لأن قضاياهم لم تكن متصلة بتهم الإرهاب. لم تكن لديه أي احصاءات عن نتائج هذه القضايا.
قال المصلح إن محكمته اتخذت إجراءات لتعزيز سيادة القانون بشكل عام. أضاف أنه، ردا على تقرير هيومن رايتس ووتش الذي كشف عن سجن تابع لـ "جهاز الأمن الوطني" كان يعمل بطريقة غير شرعية في الموصل، طلب من الجهاز تحويل عدة مئات من السجناء إلى وزارة الداخلية. غير أنه أقرّ بأن الجهاز ما زال يحتجز حوالي 70 شخصا.
في ما يُعتبر أكبر تحسن شهدته المحاكمات، قال المصلح إن محكمته باتت تفرض منذ منتصف 2018 معايير إثبات اكثر صرامة لاحتجاز المشتبه بهم ومحاكمتهم. كما قال إن المحققين عثروا على مجموعة من الوثائق التابعة لداعش سهلت العملية، إلى جانب وسائل التواصل الاجتماعي، وبيانات الاتصالات الهاتفية و الرسائل النصية، والبصمات، وغيرها من الأدلة الجنائية.
قال المصلح إنه أزال 7 آلاف اسم في ضوء هذه الأدلة الجديدة لأن القوائم كانت تحتوي فقط على اسم الشخص وشهرته، دون أي معطيات أخرى. كما قال إن القضاة باتوا يصدرون مذكرات التوقيف فقط اعتمادا على الأدلة التي يجدونها في وثائق داعش، أو في ادعاءات الشهود التي تكون مفصّلة وموثوقة، بما في ذلك أسماء والد وجدّ المشتبه به. قال أيضا إن محكمته أصدرت 50 ألف مذكرة اعتقال بحق مطلوبين بسبب الانتماء إلى داعش بموجب المعايير الجديدة.
بموجب الإجراءات الجديدة، بات يُعرض كل شخص يُعتقل على قاض في غضون 48 ساعة. وإذا تشبث الشخص ببراءته، يتصل عناصر المخابرات بزعيم المجتمع المحلي الذي ينحدر منه المشتبه به وبإثنين من جيرانه لتقييم موثوقية الادعاءات. وإذا تجاوز الشخص هذا الفحص الأمني، بما يشمل شهادات الشهود، تُصدر المحكمة إشعارا بإزالة اسمه من قوائم المطلوبين في كافة أنحاء البلاد، ما يقلّص امكانية اعتقاله مجددا.
حضرت هيومن رايتس ووتش محاكمة في محكمة مكافحة الارهاب بنينوى في 4 فبراير/شباط، ولاحظت أن القضاة كانوا يطبقون القواعد الجديدة. أكد محاميان يحضران في المحكمة بانتظام أن عمل المحكمة شهد تحسنا. قال أحدهما: "صارت المحكمة مهتمة بمسار التقاضي أكثر من ذي قبل، ونتيجة لذلك صرنا نرى عددا أقل من المحاكمات التي تعتمد على الاعترافات، وعددا أقل من مزاعم التعذيب. وبمرور الوقت، صارت المحكمة أكثر وعيا حيال الأفراد الذين يستخدمون مزاعم الانتماء إلى داعش للانتقام الشخصي".
هناك بعض المؤشرات على أن معايير الإثبات المعززة هذه صارت تُعتمد في مناطق أخرى. ففي بيان صدر في 7 فبراير/شباط، أشار التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة إلى ارتفاع في استخدام الشرطة المحلية في بغداد وديالى للمذكرات وجمع الأدلة "لدعم التحقيقات الرامية إلى ملاحقة الجناة بطريقة سليمة". قالت جهة دولية تراقب المحاكمات لـ هيومن رايتس ووتش إنها لاحظت اعتماد معايير إثبات معززة في الكرخ، وهي واحدة من محكمتين جنائيتين في بغداد.
غير أن باحثي هيومن رايتس ووتش لاحظوا في أكتوبر/تشرين الأول 2018 أن قضاة الهيئة الثانية في المحكمة الجنائية في الرصافة مستمرون في معالجة القضايا فقط بالاعتماد على اعترافات المتهمين، رغم أن هؤلاء يزعمون في كثير من الأحيان أنها انتُزعت تحت التعذيب. يشير ذلك إلى أن المعايير الجديدة لا تُعتمد بشكل متسق في جميع أنحاء العراق. يتعين على السلطات النظر في إمكانية إحالة قضايا من بغداد على محكمة مكافحة الارهاب بنينوى إذا كان يُعتقد أن المشتبه به ارتكب جريمته في نينوى.
إضافة إلى ذلك، تظلّ المخاوف المتعلقة بالتعذيب والاعتماد على الاعترافات القسرية قائمة. إذ يقول المحاميان، اعتمادا على ملاحظاتهما، إن التعذيب والوفاة رهن الاحتجاز مستمران.
في محاكمة متهم بالانتماء إلى داعش راقبتها هيومن رايتس ووتش في بداية 2019، أنكر المتهم بعض التهم التي كان قد اعترف بها، وقال إن عنصرا أمنيا هدده "بإعادته إلى السفينة" لضربه مجددا إذا غيّر أي جزء من اعترافاته في المحكمة. السفينة قرية إلى الجنوب من الموصل، حيث وثقت هيومن رايتس ووتش مزاعم التعذيب في منازل مهجورة عام 2017 وسمعت مزاعم متواصلة بشأن سوء المعاملة. أمر القاضي بإجراء فحص طبي بعد مطالبات متكررة من المتهم، لكنه لم يطلب أي معطيات أخرى ولم يطالب المتهم بإظهار أي علامات على جسده تتناسب مع تعرضه للتعذيب. لاحظت هيومن رايتس ووتش أن القضاة يتجاهلون مزاعم التعذيب بشكل روتيني، ويكادون لا يحققون أبدا مع عناصر الأمن المتهمين.
قالت هيومن رايتس ووتش إن قانون مكافحة الارهاب العراقي (رقم 13/2005)، الغامض والمليء بالعيوب، ما زال مصدر قلق بالغ. يغطي هذا القانون مجموعة واسعة من الجرائم، تشمل الانتماء إلى تنظيم ارهابي أو تقديم دعم له. ورغم أن السلطات القضائية تستطيع إصدار أحكاما مخففة، إلا أن القانون ينص على عقوبة الإعدام في حق كل من يرتكب عملا ارهابيا أو يحرض عليه أو يخطط له أو يموله أو يساعد على ارتكابه.
في قضيّة في محكمة مكافحة الإرهاب بنينوى في مطلع يناير/كانون الثاني، حُوكم ممرض بموجب قانون مكافحة الارهاب لأنه قدم رعاية طبية لعناصر من داعش بعد أن سيطر التنظيم على المنطقة. يحظر القانون الإنساني الدولي محاكمة العاملين في المجال الطبي الذين يقومون بواجبات طبية متوافقة مع أخلاقيات مهنة الطب.
ولأن السلطات لم توجه أي تهم إضافية إلى المشتبه في انتمائهم إلى داعش غير تلك الواردة في قانون مكافحة الإرهاب – مثل التهم الموجودة في قانون العقوبات – فهي لم تبذل أي جهود لحث الضحايا على المشاركة في المحاكمات، بما في ذلك الشهود.
قالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي للسلطات العراقية وضع خطّة منسقة تعطي أولوية لمحاكمة الذين ارتكبوا أكثر الجرائم خطورة وذلك بتوجيه تهم تشمل كل الجرائم المرتكبة، يكون فيها للضحايا دور واضح. كما ينبغي للسلطات إسقاط التهم الموجهة إلى الذين كانت لهم وظائف ساعدت على حماية حقوق الإنسان في ظل داعش.
في 24 فبراير/شباط، راسلت هيومن رايتس ووتش كلا من مدير مكتب حقوق الإنسان في "المجلس الاستشاري لرئيس الوزراء" محمد طاهر الملهم، ووزير الخارجية محمد الحكيم، والمفتش العام لوزارة الداخلية جمال الأسدي، لتسألهم عما إذا كانت الحكومة قد حققت في مزاعم سوء معاملة السجناء التي نشرتها هيومن رايتس ووتش في تقرير في أغسطس/آب 2018. كما راسلت هيومن رايتس ووتش القاضي فائق زيدان لتسأله عن الخطوات التي يتعيّن على القضاة اتباعها في حال ادعى المتهم تعرضه للتعذيب. لم يردّ أي منهم على رسائلنا.
ينبغي لـ "مجلس القضاء الأعلى" إصدار مبادئ توجيهية حول الخطوات التي يُجبَر القضاة على اتباعها عندما يدعي المتهم تعرضه للتعذيب. يتعيّن على القضاة التحقيق في كل مزاعم التعذيب الموثوقة والتحقيق مع قوات الأمن المسؤولة عنها، والأمر بتحويل المحتجزين إلى منشآت مختلفة فور ادعائهم التعرض إلى التعذيب أو سوء المعاملة لحمايتهم من الانتقام. كما ينبغي للبرلمان إقرار مشروع قانون مكافحة التعذيب، الذي سيفرض على القضاة الأمر بإجراء فحص طبي لكل محتجز يدعي التعرض للتعذيب في غضون 24 ساعة من علمهم بذلك.
ينبغي لوزير الخارجية العراقية حث البرلمان على الانضمام إلى "البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب". وفي انتظار ذلك، ينبغي للحكومة الالتزام بإنشاء "آلية وقائية وطنية" يكون بوسعها تفتيش جميع مراكز الاحتجاز في العراق ووضع آليات تظلّم فعالة للسلطات والمنشآت المشاركة في الاحتجاز والتحقيق. كما يتعيّن على مديري جهاز المخابرات الاتحادي، جهاز الأمن الوطني، ووزير الداخلية الجديد – بعد تعيينه – إصدار توجيهات إلى مرؤوسيهم تحظر استخدام التعذيب، وتُلزمهم بمعاقبة الجناة. ينبغي لرئيس الوزراء أيضا التنديد علنا باستخدام التعذيب من قبل جميع عناصر الشرطة والأمن والجيش.
قالت فقيه: "التطورات الأخيرة في نينوى تبيّن أن السلطات القضائية بوسعها تحسين احترام حقوق المتهمين في محاكمات الإرهاب. نأمل أن نرى المحاكم في مناطق أخرى من العراق تتعلم من التحسينات في نينوى، وتعتمد إجراءات مماثلة قادرة على تحقيق العدالة مع حماية المتهمين من الانتهاكات".