(بيروت) – قالت "هيومن رايتس ووتش" إن البرلمان العراقي رَفَض التعديلات المقترحة على قانون الأحوال الشخصية في البلاد، والتي كانت لتسمح للقضاة الشرعيين بفرض قانون تمييزي بشأن القضايا الأسرية.
تغطي التعديلات مجالات كالإرث والطلاق، وكانت بعض هذه القوانين من شأنها أن تسمح بزواج الفتيات دون سن الثامنة عبر منح بعض الطوائف الدينية سلطة فرض قوانين أُسرية. رفضت رئيسة لجنة حقوق المرأة في البرلمان المبادرة في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني، ما عرقل مشروع القانون. لكن تقول منظمتان رئيسيتان لحقوق المرأة إن بعض أعضاء البرلمان هددوا بمواصلة الضغط لإقرار التعديلات بهدف كسب أصوات الناخبين في بعض مناطق البلاد في الانتخابات البرلمانية القادمة في مايو/أيار 2018.
قالت بلقيس واللي، باحثة أولى مختصة بالعراق في هيومن رايتس ووتش: "قدمت لجنة حقوق المرأة في البرلمان إسهاما كبيرا للمجتمع العراقي برفضها إضعاف الحماية التي يقدمها قانون الأسرة العراقي. التهديدات التي يمارسها المشرعون لتفكيك هذه الحماية واستعادة القوانين التمييزية من شأنها تدمير حقوق المرأة".
اقترح أعضاء من عدة أحزاب إسلامية شيعية في البرلمان، بقيادة حزب "الفضيلة"، الذي ينتمي إليه وزير العدل، التعديلات في 1 نوفمبر/تشرين الثاني. كان من شأن التعديلات المقترحة تكريس رقابة دينية شيعية وسنية على المسائل المتعلقة بالزواج، والطلب من المحاكم تقديم استثناءات من الحماية القانونية القائمة.
قالت هناء إدوار، المؤسسة والأمينة العامة لـ "جمعية الأمل العراقية"، وهي منظمة حقوقية رائدة، وعضوة في اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش، إن الأعضاء هددوا أيضا بمواصلة الضغط لإقرار التعديلات ما لم تسحب لجنة حقوق المرأة إجراءات الحماية الرئيسية الواردة في مشروع قانون للعنف الأسري عالق في البرلمان منذ 2015.
قالت إدوار لهيومن رايتس ووتش: "تسعى التعديلات المقترحة إلى ترسيخ الطائفية وتقويض مبدأ المواطنة والهوية الوطنية للعراق. من شأن التعديلات أن تنتهك الحقوق الأساسية المنصوص عليها في الدستور والقوانين العراقية، وستعامِل المرأة بمرتبة أدنى من الرجل".
يُطبق القانون الحالي على الجميع بغض النظر عن انتمائهم الديني، ويديره نظام المحاكم العلماني في العراق. تطلب التعديلات المقترحة بدل ذلك قيام المحاكم العلمانية بتطبيق الشريعة على حالات الزواج والطلاق والميراث. توصي التعديلات أيضا – دون إلزام – بإنشاء محاكم متخصصة للأحوال الشخصية يرأسها قضاة شرعيون للبت في القضايا الأسرية.
يحدد القانون الحالي سن الزواج القانونية بـ 18 عاما، ولكنه يسمح للقاضي بتشريع زواج الفتيات ممن تقل أعمارهن عن 15 سنة في الحالات "العاجلة". وفقا لتقرير منظمة "اليونيسيف" لعام 2016، يتزوج 5% من الأطفال العراقيين بعمر 15 سنة و24% بعمر 18 سنة. بحسب محام مختص بحقوق المرأة، يرجع ذلك إلى أن أسرا عديدة تعقد الزواج الديني خارج النظام القضائي، رغم عدم قانونية هذه العقود.
تقوّض التعديلات أيضا الحماية المقدمة إلى المطلقات. بموجب القانون الحالي، إذا طلب الزوج الطلاق، للزوجة الحق في البقاء في منزل الزوجية 3 سنوات على نفقة الزوج وتلقي نفقة لعامين وقيمة مهرها الحالية. إذا طلبت الزوجة الطلاق، يمكن للقاضي منحها بعض ما سبق حسب الظروف.
تُفقد التعديلات المقترحة المرأة الكثير من أشكال الحماية هذه نظرا لأن الشريعة توفر حماية أقل. لا يحق للمرأة مثلا، بموجب الفقه الجعفري، الحصول على منزل الزوجية أو النفقة أو المهر، ويعيش الأطفال معها لعامين فقط، بغض النظر عن سنهم، ولا يُسمح لها خلال تلك الفترة بالزواج ثانية.
من شأن التعديلات أيضا إفقاد المرأة بعض حقوقها في الميراث. حتى في ظل القانون القائم، ترث الإناث نسبة أقل من ترِكة الوالدين مقارنة بالذكور. لكن في ظل بعض مدارس الفقه، ترث الإناث نسبة أقل من ذلك. وإذا لم يكن للأسرة ذكر يرث الأرض الزراعية، تذهب ملكيتها إلى الدولة.
قالت ينار محمد، رئيسة منظمة "حرية المرأة في العراق"، لهيومن رايتس ووتش: "يستفيد قانون الأحوال الشخصية الحالي من أفضل أوجه الحماية التي تقدمها مختلف الطوائف العراقية للحقوق. الضغط لإقرار هذه التعديلات جزء من لعبة سياسية مرتبطة بالانتخابات البرلمانية المقبلة في مايو/أيار 2018".
أضافت أنه رغم أن مجموعة من الأحزاب الإسلامية الشيعية هي من تدفع بتلك التعديلات، إلا أنها تخشى أن يدعمها بعض أعضاء البرلمان السُّنة لإعطاء رجال الدين سلطة أكبر على الحياة اليومية. تعتبر هذه ثاني محاولة في السنوات الأخيرة لإدخال قوانين دينية تمييزية للأحوال الشخصية. في فبراير/شباط 2014، وافق مجلس الوزراء على مسودة مشروع على "قانون الأحوال الشخصية الجعفري"، الذي كان من شأنه أن يغطي المواطنين والسكان الشيعة المقيمين في العراق، يحظر عليهم الزواج من غير المسلمين، يجيز فعليا الاغتصاب الزوجي، يمنع النساء من مغادرة المنزل من دون إذن أزواجهن، ويسمح للفتيات بعمر أقل من 9 سنوات بالزواج بموافقة أحد الوالدين. بعد ضغط من نشطاء حقوقيين محليين، لم يحرك البرلمان مشروع القانون قدما.
تنتهك هذه التعديلات الجديدة المقترحة اتفاقية "القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة" (سيداو)، التي صادق عليها العراق عام 1986، عبر منح حقوق أقل للنساء والفتيات على أساس نوعهن الاجتماعي. كما تنتهك اتفاقية "حقوق الطفل" التي صادق عليها العراق عام 1994 عبر تشريع زواج الأطفال، ما يعرض الفتيات لخطر الزواج القسري والزواج المبكر والانتهاكات الجنسية، وعدم اشتراط اتخاذ قرارات تراعي مصالح الطفل الفضلى في حالات الطلاق. يبدو أن مشاريع التعديلات تنتهك "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية" و"العهد الخاص الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية" عبر منح حقوق أقل لبعض الأشخاص على أساس دينهم.
يتناقض مشروع التعديلات بشكل صارخ مع المادة 14 من الدستور العراقي التي تكفل المساواة بين العراقيين، "دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي". تنص المادة 13 من الدستور العراقي على أنه "القانون الأسمى والأعلى في العراق" وأنه "لا يجوز سن قانون يتعارض مع هذا الدستور".
خلصت لجنة سيداو، وهي هيئة خبراء دوليين يراجعون امتثال الدول للاتفاقية، عام 2013 إلى أن "قوانين وأحوال الأحوال الشخصية القائمة على الهوية تديم التمييز ضد المرأة، وأن الحفاظ على نظم قانونية متعددة هو في حد ذاته تمييز ضد المرأة".
أوصت اللجنة في مراجعتها لعام 2013 بوجوب إلغاء العراق الاستثناءات القانونية التمييزية للحد الأدنى لسن زواج الفتيات. قالت إن الاستثناءات القانونية للحد الأدنى لسن الزواج ينبغي ألا تمنح إلا في حالات استثنائية وتأذن بها محكمة مختصة للفتيات والفتيان على حد سواء، وفي الحالات التي يكونون فيها بعمر 16 على الأقل ويقدمون موافقتهم الصريحة.
قالت واللي: "ربما فشل المشرعون هذه المرة، لكن تهديد هذه التعديلات الفظيعة لا يزال يلوح في الأفق، ويُستخدم لإضعاف الحماية الأساسية لحقوق الإنسان في قانون العنف الأسري. على البرلمانيين العراقيين رفض هذه الجهود، التي تعيق التقدم الذي حققه المجتمع العراقي في وضع قوانين تحمي جميع مواطنيه".