(إسطنبول، 25 أكتوبر/تشرين الأول 2016) – قالت "هيومن رايتس ووتش" في تقرير أصدرته اليوم إن الشرطة التركية ارتكبت أعمال تعذيب وسوء معاملة بحق محتجزين، لأن مراسيم الطوارئ ألغت عددا من الضمانات الأساسية بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو/تموز 2016.
تقرير "شيك على بياض: تعليق ضمانات مكافحة التعذيب بعد محاولة الانقلاب في تركيا"، الصادر في 47 صفحة، يوثق الأثر السلبي لتخفيف الضمانات، بسبب مراسيم الطوارئ، على ظروف الاحتجاز لدى الشرطة وحقوق المحتجزين. يعرض التقرير 13 حالة تعذيب مزعومة منذ محاولة الانقلاب، شملت تعريض المحتجزين لوضعيات مؤلمة، والحرمان من النوم، والضرب المبرح، والانتهاكات الجنسية، والتهديد بالاغتصاب.
قال هيو ويليامز، مدير قسم أوروبا وآسيا الوسطى في هيومن رايتس ووتش: "بإلغاء ضمانات منع التعذيب، تكون الحكومة التركية قد منحت أجهزة الأمن شيكا على بياض لتعُذب المحتجزين وتسيء معاملتهم كما تشاء. الحالات التي وثقناها تؤكد على ما يبدو أن بعض هذه الأجهزة انطلقت في ذلك فعلا. على الحكومة التركية إعادة تفعيل هذه الضمانات الأساسية فورا".
توجد مادة في مراسيم الطوارئ تُبرّئ المسؤولين الحكوميين من أي مسؤولية عن الإجراءات المُتخذة بموجبها. اتخذت السلطات قرارا بتأجيل زيارة المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالتعذيب إلى تركيا، ما يدفع إلى الشك في التزامها بمنع التعذيب وسوء المعاملة.
قابلت هيومن رايتس ووتش أكثر من 40 محاميا وناشطا حقوقيا ومحتجزا سابقا وموظفا طبيا ومختصا في الطب الشرعي.
قُتل 241 شرطيا ومواطنا على الأقل، وأصيب أكثر من 2000 آخرين بجروح، لما حاول عناصر من الجيش تنفيذ انقلاب على الحكومة المنتخبة في ليلة 15-16 يوليو/تموز 2016. قابلت هيومن رايتس ووتش العديد من الذين أصيبوا أثناء مواجهة الانقلاب.
بعد هذه المحاولة الفاشلة بوقت قصير، أعلنت الحكومة التركية حالة الطوارئ، وهو إجراء يحق لها اتخاذه في الحالات الاستثنائية. كما يحق للحكومة – بل هي مُلزمة بذلك – حماية الناس، والتحقيق في الجرائم المرتكبة أثناء محاولة الانقلاب، بما في ذلك الاغتيالات والاعتداءات الجسدية، ومحاسبة المسؤولين عنها.
لكن هيومن رايتس ووتش قالت إن إعلان حالة الطوارئ لا يمنح الحكومة تفويضا مطلقا لتُعلّق الحقوق. التعذيب محظور بشكل مطلق في القانون الدولي، ولا يُمكن رفع هذا الحظر حتى في حالات الحرب والطوارئ. خلافا لذلك، تُلغي مراسيم الطوارئ الضمانات الأساسية لحماية المحتجزين من سوء المعاملة والتعذيب.
مدّدت مراسيم الطوارئ في مدة الاحتجاز القصوى لدى الشرطة دون مراجعة قضائية من 4 أيام إلى 30 يوما، مع منع المحتجزين من الاتصال بمحام لمدة 5 أيام، وتقييد حقهم في اختيار المحامي الذي يريدون وحقهم في سريّة محادثاتهم مع المحامين.
في العديد من الحالات التي وثقتها هيومن رايتس ووتش، انتهك مسؤولو وأعوان الأمن هذه الحقوق بشكل تجاوز هامش التساهل الذي تمنحه لهم مراسيم الطوارئ.
قال محتجز في شهادة للنائب العام: "بدأ قائد الشرطة الذي اعتقلني... يصفعني على وجهي وعينيّ. ضربوني على باطن قدميّ وعلى بطني، وضغطوا على خصيتيّ، وقالوا إنهم سيخصونني". قدّم وصفا للضرب على أجزاء أخرى من جسده.
أبرزت بحوث هيومن رايتس ووتش أن سلوك الشرطة وضغط السلطات تسببا أيضا في تقويض مصداقية الفحوص الطبية التي أجريت على المحتجزين لأنها تمت في مراكز الاحتجاز وبحضور عناصر أمن. إضافة إلى ذلك، منعت السلطات المحتجزين ومحامييهم بشكل متكرر من الاطلاع على هذه التقارير الطبية التي قد تساعد على إثبات مزاعم سوء المعاملة أثناء الاعتقال والاحتجاز، بحجة سريّة التحقيقات.
نفذ أعوان الأمن هذه الأحكام ليس فقط ضدّ المتهمين بالضلوع في محاولة الانقلاب، وإنما أيضا ضدّ المحتجزين المتهمين بربط صلات بجماعات كردية يسارية مسلحة، ما حرمهم هم أيضا من ضمانات هامة للوقاية من سوء المعاملة والملاحقة القضائية غير العادلة.
حصل كلّ ذلك في مناخ من الخوف العام. قال محامون ومحتجزون ونشطاء حقوقيون وموظفون طبيون ومختصون في الطب الشرعي لـ هيومن رايتس ووتش إنهم شعروا بالقلق من أن يكونوا الهدف التالي في حملة التطهير الواسعة التي شنتها الحكومة ضد مساندي الانقلاب المزعومين. لهذا الخوف مبرراته، فالسلطات وضعت أكثر من 200 محام في الحبس الاحتياطي للاشتباه في ضلوعهم في محاولة الانقلاب، بحسب "اتحاد نقابات المحامين التركية".
محامون وموظفون طبيون ومحتجزون مُفرج عنهم مؤخرا وأقارب محتجزين أخبروا هيومن رايتس ووتش بـ 13 حالة تعذيب وسوء معاملة بعد محاولة الانقلاب، بدرجات خطورة متفاوتة. تضمنت الحالات مزاعم استخدام أساليب تراوحت بين إجبار الأشخاص على البقاء في وضعيات مؤلمة والحرمان من النوم والضرب المبرح والانتهاكات الجنسية والتهديد بالاغتصاب. في إحدى الحالات، تعلقت المزاعم بعدد كبير من المحتجزين. أخفت هيومن رايتس ووتش أسماء أغلب المحتجزين والمحامين من أجل سلامتهم، لأنهم عبروا عن مخاوف جدية من عواقب محتملة.
بعد محاولة الانقلاب، أعلن مسؤولون حكوميون أتراك، منهم الرئيس طيب رجب إردوغان، أنهم لن يتسامحوا مع التعذيب. لكن السلطات لم تتعامل بحزم مع مزاعم التعذيب الجديدة، ووصفت أصحابها بالمنحازين، واتهمتهم بمساندة الانقلاب والدعاية لحركة غولن، التي يرأسها حليف حكومي سابق في منفاه الاختياري في الولايات المتحدة، وتتهمها الحكومة بالوقوف وراء محاولة الانقلاب.
مهمت متينر، عضو البرلمان عن الحزب الحاكم ورئيس لجنة السجون البرلمانية، صرّح مؤخرا أن اللجنة لن تحقق في ادعاءات التعذيب الصادرة عن مساندي غولن المزعومين في السجن. عانت تركيا طويلا من مشكلة تفشي التعذيب المنهجي على نطاق واسع، ولكن حصل تراجع كبير في عدد تقارير التعذيب وسوء المعاملة في مراكز الشرطة بين 2002 ومنتصف 2015. يعود ذلك في جزء منه إلى الجهود التي بُذلت لتحسين الضمانات، منها تقصير فترات الاحتجاز، وفرض إجراءات أكثر صرامة لتسجيل الاحتجاز وتدوين أقوال المحتجزين، وتوفير المساعدة القانونية منذ مراحل الاحتجاز الأولى، وإجراء فحوص طبية إلزامية ومنتظمة للمحتجزين.
قال محام احتُجز بعد محاولة الانقلاب، مع أشخاص آخرين يعتقد أنهم تعرضوا للتعذيب: "التعذيب كالمرض المعدي؛ ما إن يبدأ حتى يتفشى. من المؤلم أن ترى التراجع الحاصل حاليا".
قال ويليامز: "من المؤسف أن يتسبب مرسوما الطوارئ، اللذان مُرّرا على عجل، في القضاء على التقدم الذي حققته تركيا في مكافحة التعذيب. على السلطات إلغاء المواد التي تسببت في أضرار كبيرة، والتحقيق في مزاعم التعذيب وسوء المعاملة في مراكز الشرطة وأماكن الاحتجاز الأخرى".